عرض مشاركة واحدة
  #213  
قديم 12-08-2022, 06:10 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,162
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد





تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(199)
الحلقة (213)
صــ 184إلى صــ 191





[ ص: 184 ] القول في تأويل قوله تعالى "وما الله بغافل عما يعملون" ( 144 ) )

قال أبو جعفر : يعني بذلك تبارك وتعالى : وليس الله بغافل عما تعملون أيها المؤمنون ، في اتباعكم أمره ، وانتهائكم إلى طاعته ، فيما ألزمكم من فرائضه ، وإيمانكم به في صلاتكم نحو بيت المقدس ، ثم صلاتكم من بعد ذلك شطر المسجد الحرام ، ولا هو ساه عنه ، ولكنه جل ثناؤه يحصيه لكم ويدخره لكم عنده ، حتى يجازيكم به أحسن جزاء ، ويثيبكم عليه أفضل ثواب .
القول في تأويل قوله تعالى ( ولإن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك وما أنت بتابع قبلتهم وما بعضهم بتابع قبلة بعض )

قال أبو جعفر : يعني بذلك تبارك اسمه : ولإن جئت ، يا محمد ، اليهود والنصارى ، بكل برهان وحجة - وهي "الآية" - بأن الحق هو ما جئتهم به ، من فرض التحول من قبلة بيت المقدس في الصلاة ، إلى قبلة المسجد الحرام ، ما صدقوا به ، ولا اتبعوا - مع قيام الحجة عليهم بذلك - قبلتك التي حولتك إليها ، وهي التوجه شطر المسجد الحرام .

قال أبو جعفر : وأجيبت "لإن" بالماضي من الفعل ، وحكمها الجواب بالمستقبل تشبيها لها ب "لو" ، فأجيبت بما تجاب به "لو" ، لتقارب معنييهما . [ ص: 185 ] وقد مضى البيان عن نظير ذلك فيما مضى . وأجيبت "لو" بجواب الأيمان . ولا تفعل العرب ذلك إلا في الجزاء خاصة ، لأن الجزاء مشابه اليمين : في أن كل واحد منهما لا يتم أوله إلا بآخره ، ولا يتم وحده ، ولا يصح إلا بما يؤكد به بعده . فلما بدأ باليمين فأدخلت على الجزاء ، صارت "اللام" الأولى بمنزلة يمين ، والثانية بمنزلة جواب لها ، كما قيل : "لعمرك لتقومن" إذ كثرت "اللام" من "لعمرك" ، حتى صارت كحرف من حروفه ، فأجيب بما يجاب به الأيمان ، إذ كانت "اللام" تنوب في الأيمان عن الأيمان ، دون سائر الحروف ، غير التي هي أحق به الأيمان . فتدل على الأيمان وتعمل عمل الأجوبة ، ولا تدل سائر أجوبة الأيمان لنا على الأيمان . فشبهت "اللام " التي في جواب الأيمان بالأيمان ، لما وصفنا ، فأجيبت بأجوبتها .

فكان معنى الكلام - إذ كان الأمر على ما وصفنا - : لو أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك .

وأما قوله : "وما أنت بتابع قبلتهم " ، يقول : وما لك من سبيل يا محمد إلى اتباع قبلتهم . وذلك أن اليهود تستقبل بيت المقدس بصلاتها ، وأن النصارى تستقبل المشرق ، فأنى يكون لك السبيل إلى إتباع قبلتهم . مع اختلاف وجوهها ؟ يقول : فالزم قبلتك التي أمرت بالتوجه إليها ، ودع عنك ما تقوله اليهود والنصارى وتدعوك إليه من قبلتهم واستقبالها .

وأما قوله : "وما بعضهم بتابع قبلة بعض " ، فإنه يعني بقوله : وما اليهود بتابعة [ ص: 186 ] قبلة النصارى ، ولا النصارى بتابعة قبلة اليهود فمتوجهة نحوها ، كما : -

2257 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو بن حماد قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : "وما بعضهم بتابع قبلة بعض " ، يقول : ما اليهود بتابعي قبلة النصارى ، ولا النصارى بتابعي قبلة اليهود . قال : وإنما أنزلت هذه الآية من أجل أن النبي صلى الله عليه وسلم لما حول إلى الكعبة ، قالت اليهود : إن محمدا اشتاق إلى بلد أبيه ومولده! ولو ثبت على قبلتنا لكنا نرجو أن يكون هو صاحبنا الذي ننتظر! فأنزل الله عز وجل فيهم : "وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم " إلى قوله : "ليكتمون الحق وهم يعلمون " .

2258 - حدثنا يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : "وما بعضهم بتابع قبلة بعض" ، مثل ذلك .



وإنما يعني جل ثناؤه بذلك : أن اليهود والنصارى لا تجتمع على قبلة واحدة ، مع إقامة كل حزب منهم على ملتهم . فقال تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : يا محمد ، لا تشعر نفسك رضا هؤلاء اليهود والنصارى ، فإنه أمر لا سبيل إليه . لأنهم مع اختلاف مللهم لا سبيل لك إلى إرضاء كل حزب منهم . من أجل أنك إن اتبعت قبلة اليهود أسخطت النصارى ، وإن اتبعت قبلة النصارى أسخطت اليهود ، فدع ما لا سبيل إليه ، وادعهم إلى ما لهم السبيل إليه ، من الاجتماع على ملتك الحنيفية المسلمة ، وقبلتك قبلة إبراهيم والأنبياء من بعده .
القول في تأويل قوله تعالى ( ولإن اتبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم إنك إذا لمن الظالمين ( 145 ) )

قال أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه : "ولإن اتبعت أهواءهم " ، ولإن التمست يا محمد رضا هؤلاء اليهود والنصارى ، الذين قالوا لك ولأصحابك : "كونوا هودا أو نصارى تهتدوا " ، فاتبعت قبلتهم - يعني : فرجعت إلى قبلتهم . [ ص: 187 ]

ويعني بقوله : "من بعد ما جاءك من العلم" ، من بعد ما وصل إليك من العلم ، بإعلامي إياك أنهم مقيمون على باطل ، وعلى عناد منهم للحق ، ومعرفة منهم أن القبلة التي وجهتك إليها هي القبلة التي فرضت على أبيك إبراهيم عليه السلام وسائر ولده من بعده من الرسل - التوجه نحوها ، "إنك إذا لمن الظالمين " ، يعني : إنك إذا فعلت ذلك ، من عبادي الظلمة أنفسهم ، المخالفين أمري ، والتاركين طاعتي ، وأحدهم وفي عدادهم .
القول في تأويل قوله تعالى ( الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم )

قال أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بقوله : "الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه " ، أحبار اليهود وعلماء النصارى : يقول : يعرف هؤلاء الأحبار من اليهود ، والعلماء من النصارى : أن البيت الحرام قبلتهم وقبلة إبراهيم وقبلة الأنبياء قبلك ، كما يعرفون أبناءهم ، كما : -

2259 - حدثنا بشر بن معاذ : قال : حدثنا يزيد بن زريع ، عن سعيد ، عن قتادة قوله الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم ، يقول : يعرفون أن البيت الحرام هو القبلة .

2260 - حدثنا المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع في قول الله عز وجل الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم ، يعني : القبلة . [ ص: 188 ]

2261 - حدثت عن عمار بن الحسن قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع قوله الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم ، عرفوا أن قبلة البيت الحرام هي قبلتهم التي أمروا بها ، كما عرفوا أبناءهم .

2262 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم ، يعني بذلك : الكعبة البيت الحرام .

2263 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو بن حماد قال : حدثنا أسباط ، عن السدي الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم ، يعرفون الكعبة من قبلة الأنبياء ، كما يعرفون أبناءهم .

2264 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم " قال : اليهود يعرفون أنها هي القبلة ، مكة .

2265 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج قال : قال ابن جريج في قوله : " الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم " قال : القبلة والبيت .
القول في تأويل قوله تعالى ( وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون ( 146 ) )

قال أبو جعفر : يقول جل ثناؤه : وإن طائفة من الذين أوتوا الكتاب - وهم اليهود والنصارى . وكان مجاهد يقول : هم أهل الكتاب .

2266 - حدثني محمد بن عمرو - يعني الباهلي - قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد بذلك . [ ص: 189 ]

2267 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج مثله .

2268 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح مثله .

قال أبو جعفر : وقوله : "ليكتمون الحق " ، - وذلك الحق هو القبلة التي وجه الله عز وجل إليها نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم . يقول : فول وجهك شطر المسجد الحرام التي كانت الأنبياء من قبل محمد صلى الله عليه وسلم يتوجهون إليها . فكتمتها اليهود والنصارى ، فتوجه بعضهم شرقا ، وبعضهم نحو بيت المقدس ، ورفضوا ما أمرهم الله به ، وكتموا مع ذلك أمر محمد صلى الله عليه وسلم وهم يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل . فأطلع الله عز وجل محمدا صلى الله عليه وسلم وأمته على خيانتهم الله تبارك وتعالى ، وخيانتهم عباده ، وكتمانهم ذلك ، وأخبر أنهم يفعلون ما يفعلون من ذلك على علم منهم بأن الحق غيره ، وأن الواجب عليهم من الله جل ثناؤه خلافه ، فقال : "ليكتمون الحق وهم يعلمون" ، أن ليس لهم كتمانه ، فيتعمدون معصية الله تبارك وتعالى ، كما : -

2269 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا سعيد عن قتادة قوله : "وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون" ، فكتموا محمدا صلى الله عليه وسلم .

2270 - حدثنا المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : "ليكتمون الحق وهم يعلمون" قال : يكتمون محمدا صلى الله عليه وسلم وهم يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل . [ ص: 190 ]

2271 - حدثنا المثنى قال : حدثنا إسحاق بن الحجاج قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : "وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون" ، يعني القبلة .
القول في تأويل قوله تعالى ( الحق من ربك فلا تكونن من الممترين ( 147 ) )

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : اعلم يا محمد أن الحق ما أعلمك ربك وأتاك من عنده ، لا ما يقول لك اليهود والنصارى .

وهذا خبر من الله تعالى ذكره لنبيه عليه السلام : عن أن القبلة التي وجهه نحوها ، هي القبلة الحق التي كان عليها إبراهيم خليل الرحمن ومن بعده من أنبياء الله عز وجل .

يقول تعالى ذكره له : فاعمل بالحق الذي أتاك من ربك يا محمد ، ولا تكونن من الممترين .

يعني بقوله : "فلا تكونن من الممترين " ، أي : فلا تكونن من الشاكين في أن القبلة التي وجهتك نحوها قبلة إبراهيم خليلي عليه السلام وقبلة الأنبياء غيره ، كما :

2272 - حدثني المثنى قال : حدثني إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع قال : قال الله تعالى ذكره لنبيه عليه السلام : "الحق من ربك فلا تكونن من الممترين" ، يقول : لا تكن في شك ، فإنها قبلتك وقبلة الأنبياء من قبلك . [ ص: 191 ]

2273 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد : "فلا تكونن من الممترين" قال : من الشاكين قال : لا تشكن في ذلك .

قال أبو جعفر : وإنما "الممتري " "مفتعل " ، من "المرية" ، و"المرية " هي الشك ، ومنه قول الأعشى :


تدر على أسوق الممترين ركضا إذا ما السراب ارجحن


قال أبو جعفر : فإن قال لنا قائل : أوكان النبي صلى الله عليه وسلم شاكا في أن الحق من ربه ، أو في أن القبلة التي وجهه الله إليها حق من الله تعالى ذكره ، حتى نهي عن الشك في ذلك ، فقيل له : "فلا تكونن من الممترين" ؟

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 33.42 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 32.79 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.88%)]