
12-08-2022, 03:46 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 163,955
الدولة :
|
|
رد: الروضة الوائلية
فقال عبد الملك: ((لله دَرُّه، ما أفصحَ لسانَه، وأضبطَ جَنَانَه، وأطولَ عِنَانَه! واللهِ، إني لأظنه كما وصف نفسه)). انتهى.
والأبيات السالف ذكرها أنشدها أبو تمام في "الحماسة" لعباس بن مرداس بألفاظ متقاربة، وفي آخرها:
فإنْ أَكُ في شراركمُ قليلا
فإني في خياركمُ كثيرُ
ونسبها ابن الأعرابي والرياشي إلى معوِّد الحكماء، وقيل: الشعر لربيعة الرَّقي.
قال أبو عبيد البكري في "اللآلي" (ج1/ص190/تحقيق الميمني):
الصحيح من هذا - والله أعلم - أنه لمعوِّد الحكماء، وهو معاوية بن مالك بن جعفر بن كلاب، سُمِّي معود الحكماء بقوله:
سأعقِلها وتحمِلها غنيٌّ
وأُوْرِثُ مجدَها أبدًا كلابا
أُعَوِّدُ مثلَها الحكماءَ بعدي
إذا ما مُعْضِلُ الحدَثَانِ نابا
قال أبو عبيد:
ومعاوية خامس خمسة من إخوته كلهم سادَ ووُسِمَ بخصلة حميدة عُرِفَ بها، وأمهم أم البنين بنتُ عمرو بن عامر فارس الضَّحْياء، واسمها الحَيَا، وهي التي يُضرَب بها المثل، فيقال: ((أنجب من أم البنين)).
♦♦♦
[ خبر هشام بن عبد الملك مع صبي ظريف حين شَخَصَ للصيد ]
قال أبو محمد اليافعي[8]:
مما يُحكى عن هشام أنه خرج ذات يوم إلى الصيد، فنظر إلى ظبي فتبعه، فأحالته الكلاب إلى أن وصل به إلى صبي يرعى غنمًا، فقال له: يا صبي، دونك الظبي ائتني به.
فقال له الصبي: فقدت الحياة لو نظرت إليَّ باستصغار، وعاشرتني باحتقار، وكلامك كلام جبار، وفعلك فعل حمار!
قال: يا غلام، أوَلم تعرفني؟
قال: بلى، قد عرفني بك سوء أدبك؛ إذ بدأتني بكلامك قبل سلامك.
قال له: وأنا هشام بن عبد الملك.
قال: لا قرَّبَ الله دارك، ولا حيَّا قرارك[9].
قال: فوالله ما استتم كلامه حتى أحدقتْ به الخيول والجيوش من كل جانب ومكان، كلٌّ له يقول: السلام عليك يا أمير المؤمنين، السلام عليك يا أمير المؤمنين. فقال: أقصروا عن السلام، واحفظوا الغلام، والحقوني به.
ثم ركب مغضبًا إلى داره، فلما وصل وركب على سرير مُلكه أقبلتْ إليه الحرفاء والوزراء والأمراء والكُتَّاب، كلٌّ يقول: السلام عليك يا أمير المؤمنين، السلام عليك يا أمير المؤمنين، وذلك الصبي ساكت، قد أرسل ذقنه على صدره، وقرن عينيه، وسكت عن الكلام، وامتنع عن السلام.
فقال له بعض الوزراء: ... ما منعك أن تسلم على أمير المؤمنين؟
قال: ... منعني من ذلك طول الطريق، ونهر الدرجة.
فقال له بعض الحرفاء: ... بلغ من فضولك أن تخاطب أمير المؤمنين كلمة بكلمة؟!
فقال: رمتك الجندل، ولأُمِّك الهَبَل[10]، أوَ ما سمعتَ قول الله - عز وجل - في كتابه المنزل على نبيه المرسل: ﴿ يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا ﴾[11]؟ فإذا كان الله - تعالى - يجادَل جدالاً، فمَن هشام حتى لا يُخاطَب خطابًا؟!
فعند ذلك اغتاظ الملِك من كلامه، وقال: عليَّ برأس الغلام؛ فقد أكثر الكلام.
فوُضِع الصبيُّ في نطع الدم[12]، وجُرِّد سيفُ النقمة ليضرب عنقه، فقال له الضراب: يا سيدي، عبدك المدل بنفسه، المنقلب إلى رمسه، أضرب عنقه وأنا بريء من دمه؟
قال: اضرب عنقه.
فاستأذنه ثانية فأَذِن له، ثم استأذنه ثالثة فأذن له، فضَحِك ذلك الصبي وهو في نطع الدم! فقال: أقيموه، ثم قال له: يا غلام، أنت تضحك في الممات، وتجادل في الحياة، أتستهزئ بنا أم بنفسك؟!
قال: يا أمير المؤمنين، اسمع مني كلمتين وافعل ما بدا لك.
قال: قل.
قال: فوالله، إن هذا أول أوقاتي من الآخرة، وآخر أوقاتي من الدنيا، فوالله، لئِن كان من المدة تقصير، وفي الأجل تأخير؛ لا يضرني من كلامك هذا لا قليل ولا كثير، ولكن يا أمير المؤمنين، أبيات من الشعر حضرتني، اسمعها مني.
قال: قل.
فقال:
نُبِّئْتُ أن الباز خلف[13] مرةً
عصفورَ بَرٍّ ساقه المقدورُ
فتكلم العصفور في أظفاره
والباز مُنْهَمِكٌ عليه يطيرُ
ما فيَّ ما يُغْنِي لمثلك[14] شبعةً
ولئن أُكلْتُ فإنني لحقيرُ
فتعجب الباز المدل بنفسه
عجبًا وأفلتَ ذلك العصفورُ
فخر هشام بن عبد الملك على وجهه ضاحكًا، وقال: والله، لو تلفظ بهذا الكلام في وقت من أول أوقاته وطلب ما دون الخلافة لأعطيته إياه، يا غلام، احش فاه دُرًّا وجوهرًا. فحشى فاه درًّا وجوهرًا وأعطاه الجائزة والكسوة، وراح إلى أهله مسرورًا.
[1] "زاد المعاد" (ج2/ص475).
[2] "غاية الوصول شرح لُب الأصول" لشيخ الإسلام زكريا الأنصاري (ص107) ط/ البابي الحلبي، و"إرشاد الفحول" للشوكاني.
[3](ج1/ص106) ط/ البصيرة.
[4](ج1/ص119) ط/ دار ابن الهيثم.
[5](ج1/ص525) ط/ دار الحديث.
[6]"سير أعلام النبلاء" (ج10/ص17).
[7] الْمُعَيْدِي: تصغير ( مَعَدِّيّ ) منسوب إلى ( مَعَدّ )، وإنما خُففت الدال استثقالاً للجمع بين الشَّدِيدَتَيْنِ مع ياء التصغير. وهو مثل يُضرب للرجل الذي له صِيت وذِكر في الناس، فإذا رأيته ازدريت مَرْآته، والمعنى: سماعك به خير من رؤيتك إياه. كذا في "اللسان". وانظر أصل خبره في "مجمع الأمثال" رقم (655).
[8] "مرآة الجنان وعبرة اليقظان" (ج1/ص205-206) ط/ دار الكتب العلمية، واختصره عنه ابن العماد في "الشذرات" (ج1/ص165).
[9] في "الشذرات": ((مزارك)).
[10] الهبل: الفقد والثكل. يقال: هَبِلته أمُّه: ثَكِلته. والْمُهَبَّل: مَن يُدعى عليه بذلك.
[11] [النحل: 111].
[12] النطع فيه أربع لغات: نَطْعٌ، وَنِطْعٌ، وَنِطَعٌ، وَنَطَعٌ، والجمع: نُطُوعٌ وَأَنْطَاعٌ. وهو بساط مِن الجلد كانوا يُجلسون عليه مَن أرادوا قتله؛ لئلا يصيب الأرضَ دمُهُ.
[13] في "الشذرات": ((علق)).
[14] في "الشذرات": ((لبطنك)).
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|