سورة البلد
مكية وآياتها عشرون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
لا أقسم بهذا البلد (1) وأنت حل بهذا البلد (2) ووالد وما ولد (3) لقد خلقنا الإنسان في كبد (4) أيحسب أن لن يقدر عليه أحد (5) يقول أهلكت مالا لبدا (6) أيحسب أن لم يره أحد (7) ألم نجعل له عينين (8) ولسانا وشفتين (9) وهديناه النجدين (10)
شرح الكلمات:
لا أقسم بهذا البلد: أي مكة.
وأنت حل بهذا البلد: أي وأنت يا نبي الله محمد حلال بمكة.
ووالد وما ولد: أي وآدم وذريته.
في كبد: أي في نصب وشدة يكابد مصائب الدنيا وشدائد الآخرة.
أيحسب أن لن يقدر: أي أيظن وهو أبو الأشدين بن كلدة وكان قويا شديدا.
أهلكت مالا لبدا: يقول هذا مفاخرا بعداوة الرسول وأنه أنفق فيها مالا كثيرا.
أيحسب أن لم يره أحد: أي أيظن أنه لم يره أحد؟ بل الله رآه وعلم ما أنفقه.
وهديناه النجدين: أي بينا له طريق الخير وطريق الشر بما فطرناه عليه من ذلك وبما أرسلنا به رسلنا
وأنزلنا به كتابنا.
معنى الآيات:
قوله تعالى {لا أقسم1 بهذا البلد وأنت حل2 بهذا البلد ووالد وما ولد} هذا قسم لله تعالى أقسم فيه بمكة بلده الأمين والرسول بها وهو حل يقاتل ويقتل فيها وذلك يوم الفتح الموعود. وقد قتل صلى الله عليه وسلم يومها ابن خطل وهو متعلق بأستار الكعبة وأقسم بوالد وما ولد فالوالد آدم وما ولد ذريته منهم الأنبياء والأولياء وجواب القسم أو المقسم عليه قوله {لقد3 خلقنا الأنسان في كبد4} أي في نصب وتعب لا يفارقانه منذ تخلقه في بطن أمه إلى وفاته بانقضاء عمره ثم يكابد شدائد الآخرة ثم إما إلى نعيم لا نصب معه ولا تعب, وإما إلى جحيم لا يفارقه ما هو أشد من النصب والتعب عذاب الجحيم هكذا شاء الله وهو العليم الحكيم. وفي هذا الخبر الإلهي المؤكد بأجل قسم على أن الإنسان محاط منذ نشأته إلى نهاية أمره بالنصب والتعب ترويح على نفوس المؤمنين بمكة وهم
يعانون من الحاجة والاضطهاد والتعذيب أحيانا من طغاة قريش لا سيما المستضعفين كياسر وولده عمار وبلال وصهيب وخبيب، وحتى الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم فهو لم يسلم من أذى المشركين فإذا عرفوا طبيعة الحياة وأن السعادة فيها أن يعلم المرء أن لا سعادة بها هان عليهم الأمر وقل قلقهم وخفت آلامهم. كما هو تنبيه للطغاة وإعلام لهم بما هم عنه غافلون لعلهم يصحون من سكرتهم بحب الدنيا وما فيها وقوله عز وجل {أيحسب5} الإنسان {أن لم يره أحد} هذا الإنسان الذي قيل أنه أبو الأشدين الذي أنفق ماله في عداوة الرسول صلى الله عليه وسلم والإسلام ويتبجح بذلك ويقول {أهلكت مالا لبدا} كثيرا بعضه فوق بعض بلى إن الله تعالى قد رآه وعلم به وعلم القدر الذي أنفقه وسوف يحاسب عليه ويجزيه به، ولن ينجيه اعتقاده الفاسد أنه لا بعث ولا جزاء قال تعالى مقررا له بقدرته ونعيمه عليه {ألم نجعل6 له عينين ولسانا وشفتين7 وهديناه النجدين8} أي أعطيناه عينين يبصر بهما ولسانا ينطق به ويفصح عن مراده وزيناه بشفتين يستر بهما فمه وأسنانه ثم هديناه النجدين أي بينا له طريق الخير والشر والسعادة والشقاء بما أودعنا في فطرته وبما أرسلنا به رسلنا وأنزلنا به كتبنا أنسي هذا كله وتعامى عنه ثم هو ينفق ما اعطيناه في حرب رسولنا وديننا.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
1- شرف مكة وحرمتها وعلو شأن الرسول صلى الله عليه وسلم وسمو مقامه وهو فيها وقد أحلها الله تعالى له ولم يحلها لأحد سواه.
2- شرف آدم وذريته الصالحين منهم.
3- إعلان حقيقة وهي أن الإنسان لا يبرح يعاني من أتعاب الحياة حتى الممات ثم يستقبل شدائد الآخرة إلى أن يقرر قراره وينتهي تطوافه باستقراره في الجنة حيث يستريح نهائيا، أو في النار فيعذب ويتعب أبدا.
__________
1 الابتداء بالقسم للتشويق إلى ما يذكر بعد القسم, ولا مزيدة لتقوية الكلام.
2 جملة وأنت حل بهذا البلد معترضة بين المتعاطفين وفائدتها تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم ووعده بنصره على أعدائه.
3 لقد خلقنا: هذا جواب القسم والإنسان للجنس ولا يراد به واحد بعينه وبعضهم يرى أن المراد به أبو الأشدين أسيد بن كلدة الجمحي.
4 من مظاهر أن الإنسان مربوب وأن له ربا يسيره ويدبر حياته كونه لا يفارق النصب والتعب مدة حياته وهو لا يريد ذلك.
5 الاستفهام إنكاري مشبع بالتوبيخ والتقريع.
6 ألم نجعل الاستفهام تقريري وفيه معنى التوبيخ.
7 الشفتين واحدتها شفة وأصلها شفو فقلبت الواو هاء فصارت شفة وتجمع على شفاة.
8 النجد الأرض المرتفعة ارتفاعا دون الجبل، والمراد بالنجدين طريقا الخير والشر كما في التفسير.