أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت (17) وإلى السماء كيف رفعت (18) وإلى الجبال كيف نصبت (19) وإلى الأرض كيف سطحت (20) فذكر إنما أنت مذكر (21) لست عليهم بمصيطر (22) إلا من تولى وكفر (23) فيعذبه الله العذاب الأكبر (24) إن إلينا إيابهم (25) ثم إن علينا حسابهم (26)
شرح الكلمات:
أفلا ينظرون: أي أينكرون البعث فلا ينظرون نظر اعتبار.
إلى الإبل كيف خلقت: أي خلقا بديعا معدولا به عن سنن سائر المخلوقات.
وإلى السماء كيف رفعت: أي فوق الأرض بلا عمد ولا مستند.
وإلى الجبال كيف نصبت: أي على وجه الأرض نصبا ثابتا لا يتزلزل.
وإلى الأرض كيف سطحت: أي بسطت.
فذكر: أي ذكرهم بنعم الله ودلائل توحيده.
بمسيطر: أي بمسلط.
معنى الآيات:
قوله تعالى {أفلا ينظرون} 1 أي أينكرون البعث والجزاء وما أعد الله لأوليائه من النعيم المقيم وما أعد لأعدائه من عذاب الجحيم. أفلا ينظرون نظرة اعتبار إلى الإبل كيف خلقت2، وإلى السماء كيف رفعت وإلى الجبال كيف نصبت وإلى الأرض كيف سطحت فهل خلق الإبل على تلك الصورة العجيبة وذاك التسخير لها وما فيها من منافع إذ يشرب لبنها ويركب ظهرها ويؤكل لحمها لا يدل على قدرة الخالق على إحياء الموتى وهل خلق السماء بكواكبها وشمسها وقمرها ثم رفعها بغير عمد يدعمها ولا سند يسندها لا يدل على قدرة الله على بعث الموتى أحياء ليحاسبهم ويجزيهم، وهل نصب الجبال بعد خلق ترابها وإيجاد صخورها لا يدل على قدرة الله خالقها
على بعث الرمم وإحياء الأجساد البالية كيف شاء ومتى شاء وهل خلق الأرض بكل ما فيها ثم بسطها وتسطيحها للحياة عليها والسير فوقها وتعميرها بأنواع العمران لا يدل على قدرة الله على البعث والجزاء. فما للقوم لا ينظرون3 ولا يفكرون وقوله تعالى {فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمصيطر} بعد لفت أنظار المشركين إلى ما لو نظروا إليه وتفكروا فيه لاهتدوا إلى الحق وعرفوا أن الخالق لكل شيء لا يعجزه بعث عباده ولا جزاؤهم. أمر رسوله أن يقوم بالمهمة التي أنيطت به وهي التذكير دون الهداية التي هي لله وحده دون سواه فقال له {فذكر إنما أنت مذكر} أي ذكر بمظاهر قدرتنا وآياتنا في الآفاق وآلائنا على العباد إنما أنت مذكر ليس غير. وقوله {لست عليهم بمصيطر} أي بمتسلط تجبرهم على الإيمان والاستقامة وقوله {إلا من 4تولى وكفر فيعذبه الله العذاب الأكبر} أي لكن من تولى عن الإيمان فكفر بآياتنا ورسولنا ولقائنا فيعذبه الله العذاب الأكبر وهو عذاب الآخرة. وقوله تعالى {إن إلينا إيابهم} أي رجوعهم إلينا لا إلى غيرنا. {ثم إن علينا} لا على غيرنا {حسابهم} ومن ثم سوف نجزيهم الجزاء اللائق بهم، ولذا فلا يضرك يا رسولنا إعراضهم ولا توليهم. وحسبك تذكيرهم فمن اهتدى نجا ونجاته لنفسه، ومن ضل فإنما يضل عليها إذ عاقبة ضلاله وهي الخسران التام عائدة عليه.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
1- تقرير البعث والجزاء بالدعوة إلى النظر إلى الأدلة الموجبة للإيمان به.
2- بيان أن الداعي إلى الله تعالى مهمته الدعوة دون هداية القلوب فإنها إلى الله تعالى وحده.
بيان أن مصير البشرية إلى الله تعالى وهي حال تقتضي الإيمان به تعالى وطاعته طلبا للنجاة من عذابه والفوز برحمته. وهو مطلب كل عاقل لو أن الناس يفكرون.
__________
1 هذا الكلام متفرع عما سبق إذ إنكار المشركين للبعث والجزاء وللتوحيد الناتج عن جهلهم وغفلتهم وعدم تفكرهم فلذا استحثهم على النظر والتفكر موبخا لهم على ترك ذلك.
2 كيف خلقت بدل اشتمال من الإبل، وكيف في محل نصب على الحال والعامل فيه ما ذكر بعدها وأما وإلى السماء وما بعدها فإنها معطوفات على جملة إلى الإبل وإعراب كيف واحد والإبل اسم جمع للبعران لا مفرد لها من لفظه.
3 من مظاهر رحمة الله ولطفه بعباده أن يوجه عباده إلى سبيل هدايتهم توجيها خاليا من العناء والمشقة فالعربي يركب بعيره في طريقه إلى حاجته فينظر إليه وهو راكبه وينظر إلى السماء فوقه وإلى الجبال حواليه وإلى الأرض تحت قدميه فيسأل أليس القادر على خلق هذا قادرا على البعث؟ فيجيب نفسه بلى إنه قادر.
4 روي أن عليا أتى بمرتد عن الإسلام فاستتابه ثلاثة أيام فلم يتب وأصر على الردة فضرب عنقه وقرأ {إلا من تولى وكفر} .