
10-08-2022, 09:42 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,577
الدولة :
|
|
رد: تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
سورة الانشقاق
مكية وآياتها خمس وعشرون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
إذا السماء انشقت (1) وأذنت لربها وحقت (2) وإذا الأرض مدت (3) وألقت ما فيها وتخلت (4) وأذنت لربها وحقت (5) يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه (6) فأما من أوتي كتابه بيمينه (7) فسوف يحاسب حسابا يسيرا (8) وينقلب إلى أهله مسرورا (9) وأما من أوتي كتابه وراء ظهره (10) فسوف يدعو ثبورا (11) ويصلى سعيرا (12) إنه كان في أهله مسرورا (13) إنه ظن أن لن يحور (14) بلى إن ربه كان به بصيرا (15)
شرح الكلمات:
إذا السماء انشقت: أي بالغمام وهو سحاب أبيض رقيق وذلك لنزول الملائكة.
وأذنت لربها: أي سمعت وأطاعت.
وحقت: أي وحق لها أن تسمع أمر ربها وتطيعه.
وإذا الأرض مدت: أي زيد في سعتها كما يمد الأديم أي الجلد إذ لم يبق عليها بناء ولا جبل.
وألقت ما فيها وتخلت: أي ألقت ما فيها من الموتى ألقتهم أحياء إلى ظهرها وتخلت عنه أي عما كان في
بطنها.
إنك كادح: أي عامل كاسب للخير أو الشر.
إلى ريك كدحا: أي إلى أن تلقى ربك وأنت تعمل وتكسب فليكن عملك مما يرضي عنك ربك.
فملاقيه: أي ملاق ربك بعد موتك وبعملك خيره وشره.
كتابه: أي كتاب عمله وذلك بعد البعث.
وينقلب إلى أهله مسرورا: أي بعد الحساب اليسير يرجع إلى أهله في الجنة من الحور العين فرحا.
وراء ظهره: أي يأخذ بشماله من وراء ظهره إهانة له.
يدعو ثبورا: أي ينادي هلاكه قائلا واثبوراه واثبوراه أي هلاكه.
ويصلى سعيرا: أي ويحرق بالنار حريقا وينضج انضاجة بعد أخرى على قراءة يصلى بالتضعيف. إنه ظن أن لن يحور: أي إنه كان في الدنيا يظن أنه لا يرجع إلى الحياة بعد الموت فلذا لم يعمل خيرا قط
ولم يتورع عن ترك الشر قط لعدم إيمانه بالبعث.
معنى الآيات:
قوله تعالى {إذا السماء انشقت} يخبر تعالى أنه إذا انشقت السماء أي تصدعت وتفطرت وذابت فصارت كالدهان {وأذنت لربها وحقت} أي وسمعت1 لأمر ربها واستجابت فكانت كما أمرها الله أن تكون منشقة منفطرة حتى تكون كالمهل, {وإذا الأرض2 مدت} من الأديم واتسعت رقعتها حيث زال منها الجبال والآكام والمباني والعمارات وأصبحت قاعا صفصفا {وألقت ما فيها} أي ما في بطنها من الأموات {وتخلت} عنه أي عما كان في بطنها
{وأذنت لربها} في ذلك كله أي سمعت وأجابت {وحقت} أي وحق لها أن تسمع وتجيب وتطيع
وجواب إذا الأولى والثانية واحد وهو {علمت نفس ما قدمت وأخرت3} أو ما أحضرت كما تقدم نظيره في التكوير والانفطار. وقوله تعالى {يا أيها الإنسان} أي يا ابن آدم {إنك كادح إلى ربك4 كدحا} أي أنك عامل تعمل يوميا ليل ونهار إلى أن تموت وتلقى ربك إنك لا تبرح تعمل لا محالة وتكسب بجوارحك الخير والشر إلى الموت حيث تنتقل إلى الدار الآخرة وتلقى ربك وتلاقيه هذا يشهد له قول الرسول صلى الله عليه وسلم في الصحيح5 " كلكم يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها" إذا فمن الخير لك أيها الإنسان المكلف أن تعمل خيرا تلاقي به ربك فيرضى عنك به ويكرمك إنك حقا ملاق ربك بعملك فأنصح لك أن يكون عملك صالحا وانظر إلى الصورة التالية {فأما من أوتي كتابه بيمينه} لأنه حوى الخير ولا شر فيه {فسوف يحاسب حسابا يسيرا6} ينظر في كتابه ويقرر هل فعلت كذا فيعترف ويتجاوز عنه وينقلب إلى أهله في الجنة وهم الحور العين والنساء المؤمنات والذرية الصالحة يجمعهم الله ببعضهم كرامة لهم وهو قوله تعالى {والذين7 آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم} {وأما من أوتي كتابه} أي كتاب أعماله {وراء ظهره} حيث تغل اليمنى مع عنقه وتخرج الشمال وراء ظهره ويعطى كتابه وراء ظهره {فسوف يدعو ثبورا} أي ينادي هلاكه قائلا واثبوراه واثبوراه أي يا هلاكه احضر فهذا أوان حضورك {ويصلى8 سعيرا} أي ويدخل نار مستعرة شديدة الالتهاب ويصلى أيضا فيها تصلية أي ينضج فيها لحمه المرة بعد المرة وأبدا. والعياذ بالله وعلة ذلك وسببه هو {إنه كان في أهله} في الدنيا {مسرورا} لا يخاف الله ولا يرجوا الدار الآخرة يعمل ما يشاء ويترك ما يشاء {إنه ظن أن لن9 يحور} أي أنه لا يرجع حيا بعد موته ولا يحاسب ولا يجزى هذه علة هلاكه وشقائه فاحذروها
أيها الناس اليوم فآمنوا بربكم ولقائه واعملوا عملا ينجيكم من عذابه. وقوله تعالى {بلى إن ربه كان به بصيرا} أي ليحورن وليبعثن وليحاسبن وليس كما يظن انه لا يبعث ولا يحاسب ولا يجزى بل لا بد من ذلك كله إن ربه تعالى كان به وبعمله بصيرا لا يخفى عليه من أمره شيء ونتيجة لذلك تم له هذا الحساب والعقاب بأمر العذاب وأشده دخول النار وتصلية جحيم.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
1- تقرير عقيدة البعث والجزاء ببيان مقدماته في انقلاب الكون.
2- بيان حتمية لقاء الإنسان ربه.
3- كل إنسان مكلف بالعقل والبلوغ فهو عامل وكاسب لا محالة إلى أن يموت ويلقى ربه.
4- أهل الإيمان والتقوى يحاسبون حسابا يسيرا وهو مجرد عرض لا غير ويفوزون أما من نوقش الحساب فقد هلك وعذب لأنه لا يملك حجة ولا عذرا.
5- التنعم في الدنيا والانكباب على شهواتها وملاذها مع ترك الطاعات والصالحات ثمرة عدم الإيمان أو اليقين بالبعث والجزاء
__________
1 شاهد قوله صلى الله عليه وسلم "ما أذن الله لشيء كأذنه لنبي يتغنى بالقرآن" أي ما استمع لشيء الخ.. وقال الشاعر:
صم إذا سمعوا خيرا ذكرت به
وإن ذكرت بسوء عندهم أذنوا
أذنوا بمعنى سمعوا.
2 إذا ظرف خافض لشرطه منوصب بجوابه.
3 اضطرب المفسرون والنحاة في جواب إذا فمنهم من قال إنه يا أيها الإنسان، ومنهم من قال أذنت لربها. على أن الواو زائدة، ومنهم من قال إنه فأما من أوتي كتابه، وغاب عنهم أن جواز حذف الشرط كجواز حذف القسم. لا سيما وقد تقدم جواب الشرط كهذا في التكوير والانفطار إذا فما كان هناك جوابا يكون هنا جوابا.
4 الكدح الكسب والعمل قال ابن المقل:
وما الدهر إلا تارتان فمنهما
أموت وأخرى أبتغي العيش اكدح
والإنسان هنا الجنس فهو عام في كل إنسان من بني آدم.
5 في صحيح مسلم حديث طويل أوله: ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله.. الخ.
6 حسابا يسيرا أي مناقشة فيه كما في حديث عائشة إذ قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من حوسب يوم القيامة عذب قالت يا رسول الله أليس قد قال الله فأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا؟ فقال ليس ذلك الحساب إنما ذلك العرض. من نوقش الحساب يوم القيامة عذب رواه البخاري وغيره.
7 الآية من سورة الطور.
8 قرأ نافع ويصلى بتشديد اللام وسعيرا منصوب على نزع الخافض أي بسعير، وقرأ حفص بتخفيف اللم والبناء للفاعل مضارع صلى كرضى يصلى كيرضى إذا مسته النار.
9 يحور بمعنى يرجع شاهده قول الشاعر:
وما المرء إلا كالشهاب وضوئه
يحور رمادا بعد إذ هو ساطع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|