الرؤية الواقعية الإسلامية في القصة القصيرة جدا
د. جميل حمداوي
(قصص الحسين زروق نماذج)
توطئة:
أصدر الكاتب المغربي الحسين زروق مجموعتين إبداعيتين ضمن جنس القصة القصيرة جدا هما (الخيل والليل)[1] و(صريم)[2]، وهما يحملان معا رؤية واقعية إسلامية انتقادية وإنسانية.
ومن ثم، يعد الحسين زروق أول من كتب القصة القصيرة جدا في المغرب عن نية ووعي تجنيسي سنة 1996م. ونحن نعرف جيدا أن إبراهيم بوعلو، ومحمد زفزاف، ومحمد العتروس، ومحمد علي الرباوي، وغيرهم، قد كتبوا القصة القصيرة جدا قبل الحسين زروق، إلا أنهم لم يصدروا في ذلك عن مرجعية نظرية أو عن وعي تأسيسي أو تجنيسي واضح ودقيق. اضف إلى ذلك، أن الحسين زروق جنس مجموعتيه معا بمصطلح(لقطات قصصية)، وهذا إن دل على شيء، فإنما يدل على مدى وعيه بهذا الفن المستحدث في ساحتنا الثقافية العربية بصفة عامة، والساحة الثقافية المغربية بصفة خاصة.
إذاً، ما القضايا الدلالية التي تحبل بها قصص الحسين زروق؟ وما أهم ملامحها الفنية والجمالية؟ هذا ما سوف نبرزه في هذه الدراسة النقدية التي تتبنى المقاربة الموضوعاتية (Thématique).
بين تيمة الحرب والرؤية القومية:
لقد خصص الحسين زروق مجموعته القصصية (الخيل والليل) بتيمة الحرب تخطيبا وتمطيطا من خلال استحضار واقع الأمة المأساوي الذي يئن من وطأة الاستعمار، ويتألم من شدة بطش الغطرسة الصهيونية، بله عن تشريد الشعب الفلسطيني، وتفرق الأمة العربية الإسلامية إلى أشلاء واهنة يلوكها غزاة الغرب، ويستمتعون بلحمها الطري وغضروفها المعسول، وينهبون ثروات الأمة وخيراتها.
وما فتئت مجموعة من الشعوب الإسلامية تعاني الكثير الكثير من ويلات المحتل الغاشم بشكل مباشر أو غير مباشر، كما هو الحال في أفغانستان، والشيشان، والبوسنة، والعراق، وكشمير، وإيران، ولبنان، إضافة إلى الجرح العربي القديم الذي يتمثل في فلسطين السليبة. لذا، تحضر في هذه المجموعة موضوعة الحرب بكل مفاهيمها ومصطلحاتها وقاموسها الذي يحيل على الصراع والمقاومة والاستشهاد والجهاد في سبيل الله.
ويؤشر عنوان المجموعة على ثنائية الليل والخيل أو ثنائية الاستعمار والمقاومة. ويرى الكاتب بأن الحل الوحيد للقضاء على ظلمة الليل الأسود، ومجابهة المستعمر، وتحدي الظلم، هو تمثل منطق الفروسية، والتسلح بشجاعة السيف، والتأهب للعدو عددا وعدة من أجل تحرير الأمة العربية من قيودها الصدئة المسترسلة، وتخليصها من إسار الاستعباد والاسترقاق.
1- تيمة الحرب:
يتناول الحسين زروق مجموعة من القضايا القومية التي تؤرق الإنسان العربي انسجاما مع رؤيته الإسلامية والإنسانية، فيصور بريشته التراجيدية فظاعة الحرب، وشراسة غارات الأعداء، وأثرها على الطفولة البريئة ونفسية الإنسان المظلوم المعتدى عليه بدون وجه حق؛ مما يضطر هذا الإنسان إلى المقاومة والجهاد والتحدي والتصدي للعدو الغاشم:
" الابن: أماه أين أبي؟
الأم: مسافر يا ولدي.
الابن: ومتى سيعود أماه؟
الأم: لا أدري يا ولدي.
وبعد شهور...ومع استمرار الحرب.
الابن: أماه لماذا لم يعد أبي؟
الأم: لا أدري يا ولدي.
بعد سنة...والحرب تزداد شراستها...
الابن: لماذا لا نسافر أيضا يا أماه؟
الأم: ربما نفعل يا ولدي.
الابن: ومتى يا أماه؟
الأم: لا أدري يا ولدي.
وفي أول غارة كان القصد منها شل الحركة الطبيعية للأحياء سافر الابن ولم تضع الأم مزيدا من الوقت... بل سارعت لشراء تذكرة سفر... صارت تملك بندقية"[3].
وتزداد بشاعة الحرب سوءا حينما تودي بالأطفال الرضع تنكيلا وقتلا وفتكا، وتعرضهم للهلاك والفناء ظلما وجورا واعتداء:
" اتكأت الأم واستندت على مخدة لتمكن رضيعها من الثدي، وتراخى الرضيع ثم نام. لم يفارق فوه الثدي ولا الثدي فارق فاه. لكن الأم كانت قد سافرت... رحلت مع أول قنبلة."[4].
وتتحول الحرب إلى هستريا وجنون بشري، حينما تصبح فعلا يوميا، وسلوكا طائشا، وعملا شائنا قائما على العنف والإبادة والتشريد:
"الحرب" هذا اللفظ أرقه، فكيف بعنفها؟
هو يؤمن بأن التكرار يفيد الإيلاف، ولذلك سمى ابنه الأول "حرب". رفضت الزوجة... صار يناديه متعمدا وكلما اجتاح شيئا يناديه: (يا حرب افعل كذا...لا تفعل كذا... يا حرب اذهب... اخرج) استمرت الحرب ترهق أعصابه- سمى ابنه الثاني "حرب 2" استمر الوضع على ما هو عليه، سمى ابنه الثالث حرب3" ارتاح قليلا- تخيل أنه سينعم بالسلام لكنه ما لبث أن شاهد وهو عائد من السوق دخانا يتصاعد من منزله...كانت الدار تفحمت وكان الناس ينظرون إليه بجنون."[5].
وأغلب قصص المجموعة تدور حول تيمة الحرب، وربما يكون الكاتب قد تأثر بمشاهد الحروب العربية الإسلامية التراجيدية تأثرا كبيرا. ومن ثم، فقد تعاطف مع المظلومين والجرحى والقتلى والأطفال المشردين، فكان من نتائج ذلك أن كتب هذه المجموعة في فترة التسعينيات من القرن العشرين، حينما اندلعت في الشرق الأوسط مجموعة من الحروب الدامية كالحرب العراقية الإيرانية، وحرب اليمن الشمالي واليمن الجنوبي، وحرب الصحراء التي عكرت صفو اتحاد المغرب العربي، وحروب إسرائيل مع فلسطين ولبنان، وحرب الروس ضد الشيشان، وحرب الصرب ضد البوسنة والهرسك، ناهيك عن حروب أفغانستان وكشمير والهند وباكستان ذات البعد الفجائعي والدرامي...
2- تيمة الفقر:
تعرض الكاتب الحسين زروق في لقطاته القصصية القصيرة جدا لظاهرة الفقر في مجتمعاتنا العربية بسبب التفاوت الاجتماعي، وتفاقم الصراع الطبقي، وانتشار الاستبداد المطلق، وطغيان الحكم المتجبر، وانعدام الديمقراطية الحقيقية، وفقدان العدالة الاجتماعية، والانسياق وراء الأنظمة الاقتصادية الغربية اتباعا وتمثلا واتكالا، دون مراعاة خصوصيات مجتمعاتنا وأعرافها ومعتقداتها:
" • لماذا نحن فقراء يا أماه؟
• لأنهم أغنياء يا ولدي
• ولماذا هم أغنياء يا أماه؟
• لأننا فقراء يا ولدي.
• لماذا نموت نحن الفقراء في الحرب أماه؟
• لأنها الحرب يا ولدي.
• ولماذا هي كذلك يا أماه؟
• لأننا فقراء يا ولدي."[6].
ويلاحظ أن الكاتب الحسين زروق في قصصه القصيرة جدا يربط الحروب بالفقر، كما يعتبر الفقر أيضا نتيجة لهذه الحروب الطائشة التي لا يموت فيها سوى الفقراء والمنبوذين في المجتمعات المنكوبة، والمحكومة عليها بالضياع والتهميش والفاقة.
3- تيمة الاستبداد:
ينتقد الحسين زروق في مجموعته سياسة الاستبداد، ويدين التعسف السياسي، ويرفض أن تصادر حقوق الإنسان، وتغتصب حرياته العامة والخاصة، وينكل به عنفا وشراسة. كما يثور على الذين يزجون بالوطنيين الغيورين على مصلحة البلاد في زنازين الاعتقال وسجون التعذيب والإعدام:
"المستر جون" يجلس في حديقة وبجانبه "سي أحمد" الأحداث أمامهما تجري مجراها العادي.. شرطي يخترق هذا الصمت وينهال على رجل ضربا بالعصا. يعلق "المستر جون"
ياه... هؤلاء لا يحترمون حقوق الإنسان!؟! حتى إنه ليكاد أن يتقيأ أمعاءه... ثم ينسحب حزينا"[7].
كما يصور الكاتب بشاعة المخابرات بأجهزتها الوحشية التي تتجسس على المواطنين، وتجس نبضهم، وتمنعهم من النقد والحوار والتساؤل والنقاش والاستفهام. وفي المقابل، تطالبهم بلغة الصمت والسكوت الأبدي:
" عندما نريد التدخل يمنعنا الآخرون، وعندما يريدون التدخل نمنعهم سألت والدي:
• ما علاقة أطفال" هناك" بخلافاتنا؟
صفعني...ثم سكت...ثم صفعني للمرة الثانية
وسكت للمرة الألف...وقال:
• ... اللجان في كل مكان...
• دقات قلبك محسوبة لدى الجهات الرسمية... ثم قبلني وعانقني وبكى... قال:
• دع كل ذلك ولدي... أرجوك. من جديد...
أوقف ساعده مثلما تقف شجرة الصفصاف وصفعني ثم سكت... ثم قبلني ثم بكى."[8].
وتزداد بشاعة الاستبداد بتفاقم شطط السلطة، والتدخل في حريات الناس، والتطفل على شؤونهم العامة والخاصة، ومحاسبة أنفاس المواطنين، واعتقالهم ظلما وجورا، والكيد بالأطفال الصغار، ومحاصرتهم في أفكارهم الاستشرافية وتطلعاتهم السياسية والمستقبلية، وتطويقهم ذهنيا ووجدانيا وحركيا كما في قصتي (استنطاق) و(استخبارات):
" سئل الطفل بمجرد أن ولد:
• يميني أنت أم يساري؟ مؤيد أم معارض؟
• وأرغم على الاختيار ثم كان السؤال الآخر:
• تجيد الانحناءة؟
وعندما بكى الوليد، أدار الكاتب وجهه جهة رئيسه وسأله:
• ماذا أكتب؟
وببساطة أجاب الرئيس:
• اكتب معارض متمرد."[9].
ويورد الكاتب أيضا قصة بعنوان (بتر)، يحدثنا فيها عن الأسلاك الحدودية التي تفصل بين الشعوب الواحدة التي تجمع بينها مجموعة من المقومات والأواصر، مثل: آصرة الأخوة، وآصرة الدين، وآصرة الحضارة، وآصرة التاريخ المشترك، وآصرة اللغة، وآصرة المصير المشترك، بيد أن هذه الحدود الوهمية لا تخدم سوى السلطان الذي يرغب في تأمين حكمه، والحفاظ على ممتلكاته الزائلة:
" التلميذ: أستاذ...أستاذ... لماذا نرسم الحدود بين دول حضارتنا؟
الأستاذ: لاستنفاذ الأسلاك الشائكة.
التلميذ: ولماذا الأسلاك الشائكة؟
الأستاذ: لأنها تسهم في خلق فرص الشغل.
التلميذ: ولماذا فرص الشغل؟
الأستاذ: حتى لا تقوم الفوضى في البلاد.
التلميذ: ولماذا الفوضى؟
الأستاذ: للإطاحة بالنظام.
التلميذ: ولماذا النظام؟
الأستاذ: لأنها رأس الحربة.
التلميذ: (يفكر ثم يسأل) ألا يمكن كسر هذه الحربة؟
الأستاذ: (ينظر عن يمينه وعن شماله ويتلعثم) أش ش ش."[10]
هذا، ويتهكم الكاتب من سياسة القمع والاستبداد في قصته (الشورى) التي يسخر فيها من أنظمة القهر التي لا تعترف لا بالشورى، ولا بالديمقراطية، ولا بحقوق الإنسان، بل تعترف بلغة واحدة، وهي لغة المقصلة والتعذيب، أو بلغة الفتك والتنكيل والتقتيل. وبالتالي، يرتكز خطابها السياسي دائما على الإمارة والحكمة والسيف، فتوظف أنواعا من أجهزة الردع حسب فئات المجتمع وطوائف الناس. وكل من سولت له نفسه أن يعارض أوامر السلطة، فسيتعرض - بلا محالة- للتصفية الجسدية، والترحيل المبكر:
" داخل بلاط من الطراز القديم والفاخر... يجلس السلطان ويحيط به الخدم...للتهوية والسخرة...والسخرية.
• السلطان: قل لي: كيف يحصل أن تجمع القوة الرادعة في اليد الواحدة؟
••الفيلسوف: الإمارة والحكمة والسيف سيدي.
• السلطان: أينفع أحدهما؟
••الفيلسوف: لا سيدي...الحكمة لسد الطرق أمام الحكماء...والإمارة لوضع حد للطامعين في عرشكم الكريم. والسيف للترهيب. والجمع بين كل ذلك فيه منفعة للسلطان.. وقمع الإنسان.
•السلطان: والحرب ما تقول فيها؟
••الفيلسوف: تابعة سيدي...لا متبوعة... هي مزيج بين الحكمة والسيف والإمارة.
• السلطان: وكيف ذلك؟
••الفيلسوف: إذا لم ينفع السيف والإمارة والحكمة نفعت الحرب...هي لدفع كل مشاغب إلى الموت... لولا يكون ذلك إلا بالحكمة وأمر السلطان...والحث على الجهاد بعد السيف!!
• السلطان: والسجن ما تقول فيه؟
••الفيلسوف: تقريب الطريق.. وإلغاء من لا يمكن تقويمه...
فإن هو أبى إلا ذلك فهو والعتمة... وهو ومتاهات السجن.
• السلطان: فإن صادف احتجاجا؟
•• الفيلسوف: يا سيدي...وما دور الحكمة والإمارة والسيف...
• يا سيدي:...السيف...السيف..."[11].
لقد قدم الكاتب في هذه القصة صورة كاريكاتورية ساخرة للأنظمة المستبدة، إذ شخصها تشخيصا سلبيا قائما على المفارقة والرمزية والتشويه والكروتيسك والباروديا.
4- تيمة المقاومة:
تنبض قصص الحسين زروق بروح الجهاد والمقاومة والتحدي والكفاح والصمود رغبة في تغيير أوضاع المجتمع، واستبدالها بما هو أفضل وأحسن، والسعي الجاد من أجل تحرير البلدان الإسلامية من قبضة الاحتلال، كتخليص البوسنة – مثلا- من شرنقة الاحتلال الصربي كما في قصة(صديقي):
" كل يوم صديقي يسألني:
متى نغادر هذا المكان؟ متى نرحل إلى هناك؟
أربت على كتفه، وأقول ساخرا:
• إلى المقبرة؟!
يحمر وجهه... يغضب... يقول:
• إلى البوسنة.
• والتأشيرة.
أصدمه... فيصمت... يسب...يلعن... يبكي...يصمت... يلعن...يبكي...
يسب...يموت."[12].
يبدو أن الكاتب يحمل في إبداعه أطروحة المقاومة والاستشهاد والجهاد من أجل تحرير الأمة من قيودها المادية والمعنوية. ومن هنا، تتسم قصص المبدع بالثورية والرفض والتمرد، والميل إلى الممارسة والفعل بدلا من القول والتقاعس النظري. كما يتحلى الكاتب بالجرأة السياسية، والاستهداء بالشرع الرباني، والإيمان بالرسالة الإسلامية التي تدافع عن الإنسان، بجعل كيد الأعداء في نحرهم عبر فعل المقاومة والتحدي والصمود.
5- تيمة الوحدة:
يدعو الكاتب إلى الوحدة والاتحاد من أجل العيش في وئام وسلام، مقابل الحرب والتمزق والتشرذم، و رغبة في رد كل الاعتداءات الخارجية، ومجابهتها بالنضال والاستشهاد والمقاومة الباسلة. وإن الوحدة هي السبيل الحقيقي لتحقيق الاستقلال والازدهار الاقتصادي. ولكن أين هذه الوحدة التي يحلم بها الإنسان العربي ليلا ونهارا، ويستشرفها في آلامه وأحلامه وآماله؟ فهل ستتحقق يوما ما؟!:
" • لماذا تأخر القطار؟...قطار الوحدة؟!
• لعله تعثر في محطة ثانوية.
• ولكن ليست هناك محطات ثانوية؟
•ولكن هذا ما حصل!"[13].
إذاً، يحلم الكاتب في هذه القصة بالوحدة الحقيقية التي تجمع بين الإخوة العرب من أجل تحقيق السعادة والرفاهية لكل شعوب الأمة، بدلا من عيشها الآني والمستمر في الأزمات تلو الأخرى دون سند أو معيل، سوى توكلها على قدرة الله سبحانه وتعالى.
6- تيمة الأخوة:
لم ينس الكاتب أن يطرح موضوع الأخوة للمناقشة والنقد والتفصيل؛ لأن الوحدة هي جوهر التضامن الإسلامي، وأس انتصار الأمة في مسارها المستقبلي والحضاري. بيد أن الكاتب وقف موقفا ساخرا من هذه الوحدة الشكلية الزائلة التي تتصدع بمجرد اشتعال الحروب ذات الأبعاد الدينية والحضارية والتحررية، وتكالب الأعداء على الشعوب الإسلامية الضعيفة، واندلاع حروب البسوس الزائفة بين الإخوة العرب على أتفه الأسباب:
" عندما دخلت بيت صديقي وجدته يهتف:
• عظيم...عظيم...الحمد لله...الحمد لله...
اقتربت منه وسألته:
• ما الداعي إلى قولك؟
لم يأبه لقولي.. واستمر....
• جميل... جميل... هكذا الأخوة... عظيم... عظيم
• وكررت السؤال...أجاب.
• تمت مساعدة البوسنيين لأداء الحج في البوسنة هذا العام على الأقل؟
• اقتربت منه أكثر...قلت له:
• ولماذا يا شاطر لا يكون الحج في البوسنة هذا العام على الأقل؟
• نظر في وجهي... سبني ثم أحجم...ثم بكى وانسحب."[14].
ويشدد الكاتب في قصصه المعروضة على مبدأ الأخوة باعتباره ملاذا للعرب من التفريق والتمزق والضياع والتشتت شذر مذر، ويورد قصة (الثيران الثلاثة) للبرهنة على أهمية الوحدة باعتبارها مصدرا للقوة والاستقلال والحرية والاطمئنان، مع الاستدلال على خطر التمزق والتفرق اللذين يعرضان الأمة للذل والمهانة والعار والهلاك والموت المحتوم:
" الأب: كيف يغلب الجمع يا أبنائي؟
ابن: يا أبي الأسد لم يأكل الثيران الثلاثة دفعة واحدة...ولكنه أكلهم واحدا واحدا... قبل كل شيء فرق الجمع ثم صار الثيران في خبر كان."[15].
ويلاحظ أن الحسين زروق قد حصر مجموعته الأولى (الخيل والليل) في تيمة الحرب باعتبارها شرا ميتافيزيقيا، يستعمله العدو لإبادة البشرية، ودك الإنسانية دكا.
هذا، ويصدر الكاتب في أضمومته (الحربية / الجهادية) الأولى عن رؤية إسلامية قومية، يدافع فيها الكاتب عن سيادة الأمة، وينافح عن وحدتها وكرامتها، ولن يتأتى لها ذلك إلا عن طريق الوحدة الحقيقية، وإعداد العدد والعدة، والمشاركة في الجهاد المبارك، وتحقيق الأخوة، وتمثل الشورى والديمقراطية الحقيقية، والقضاء على الاستبداد والشطط السياسي، وإرساء دولة القانون وحقوق الإنسان في ضوء الشرع الرباني، لا على أساس قوانين السلطة الحاكمة الجائرة.
يتبع