عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 08-08-2022, 05:09 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,792
الدولة : Egypt
افتراضي منهج الاستقصاء والتفصيل في شرح دلالات الألفاظ

منهج الاستقصاء والتفصيل في شرح دلالات الألفاظ
د. سيد مصطفى أبو طالب


"وفيه يقوم الشراح بمحاولة استقصاء الملامح أو المكونات للفظ استقصاءً يجعل دلالة اللفظ واضحة كأقصى ما يمكن أن يكون الوضوح، بحيث لا يدع ذلك مجالاً لوقوع تداخل أو لبس بينها وبين دلالات الألفاظ الأخرى القريبة منها في ذهن القارئ".[1]
"وهذه الطريقة تقرب من النظرية التحليلية التي تحاول حصر الخصائص التكوينية، أو مجموع الملامح التي تشكل محتوى الكلمة".[2]
وذلك كأن يقال في شرح دلالة لفظ (الغَرَر) إنها عبارة عن تجمع من الملامح أو المكونات الدلالية الآتية: نوع من الثُّمَام + دَقِيق + لا وَرَق له + يَنْبُت في القيعان + وعلى شطوط الأنهار.[3]


وقد جاء هذا النوع في كتب الغريب كثيرًا ومن ذلك:
قال أبو عبيد: في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "لا حِمىً إلا في ثلاث: ثلّة البئر..." [4]
قوله: ثلّة البئر، يعني: أن يحتفر الرجل بئرًا في موضع ليس بملك لأحد، فيكون له من حوالي البئر من الأرض ما يكون ملقى لثلة البئر، وهو ما يخرج من ترابها، لا يدخل فيه أحد عليه حريما للبئر.[5]
لقد فصل الشارح في تفسير (ثلة البئر) تفصيل استقصاء، وقد شاركه كثير من اللغويين في ذكر هذا التفصيل.
قال الهروي: أراد بثلة البئر: أن يحتفر الرجل بئرًا في موضع ليس بملك لأحد...إلخ، ثم ذكر ما ذكره أبو عبيد.[6] ونقل ابن الجوزي قول أبي عبيد في ذلك، كما نقله أيضًا صاحب التهذيب، واللسان، والتاج.[7]
وذلك مما يبين لنا منزلة كتب غريب الحديث في استجلاء الدلالة والعناية بها وأنه لا يجب أن تؤخذ اللغة من بطون المعاجم فقط، بل تؤخذ أيضًا من كتب غريب الحديث، فأحيانًا ينقل أصحاب المعاجم أقوال أصحاب الغريب ويتأثرون بها ولا يضيفون جديدًا عليها، بل أحيانًا يقصر تعريفهم لشيء فلا يكون جامعًا مثل تعريف أصحاب الغريب له، وذلك كما هنا في المثال الذي بين أيدينا.
وفي مقابل هذا التفسير التفصيلي لدلالة هذا اللفظ، هناك بعض الشروح المقتضبة التي تذكر بعض ملامح المعنى وتغفل بعضها الآخر، كما قال الخليل: والثلة: تراب البئر.[8]
وفي الصحاح: وثلة البئر: ما أخرج من ترابها.[9]
فنراهما قد اقتصرا على الملمح (المكون) الأول فقط.


ويمكن وضع هذا التفسير لدلالة هذا اللفظ في صورة مكونات دلالية، كما يلي:
اللفظ
مكوناته الدلالية
ثلة البئر
تعيينه = حده
هو ما يخرج من تراب بئر احتفرت بموضع ليس ملكاً لأحد.
مقداره
قدر ما يكون ملقى ثلة البئر.
مكانه
حول البئر.
صفاته
حريم البئر.
حيازته
لا يدخل أحد على صاحبه (أي: لا يتملكه غيره).


قال أبو عبيد: في حديث طلحة رضي الله عنه "خرجت بفرس لي أُنَدِّيه".[10]
قال الأصمعي وأبو عمرو: التَّنْدِيةُ أن يورد الرجل فرسه الماء حتى يشرَب، ثم يردّه إلى المرعى ساعة يرتعي، ثم يعيده إلى الماء، والإبل في ذلك مثل الخيل.[11]
لقد فسر الشارح لفظ التندية تفسيرًا مفصلاً. وقد شاركه في ذلك بعض اللغويين. [12]
وقد زاد ابن منظور قيدًا في دلالة لفظ التندية فقال: إذا أورد الرجل الإبل الماء حتى تشرب قليلاً، ثم يجيء بها حتى ترعى ساعة، ثم يردها إلى الماء، فذلك التندية.[13] وهذا القيد هو: حتى تشرب قليلاً.
وعلى النقيض من هذا التفصيل، شرح الخليل دلالة هذا اللفظ شرحًا موجزًا، فقال: وتفسير ندوة الإبل: أن تندو من المشرب إلى مرعى قريب، ثم تعود إلى الماء من الغد أو من يومها.[14]


وفي ضوء ذلك، يمكن وضع هذا التفسير في شكل مكونات دلالية، كما يلي:
اللفظ
مكوناته الدلالية
التندية
1
حيوان (خيل أو إبل).
3
يرد الماء للمرة الأولى.
4
يعود للمرعى ثانية.
5
يعاد للشرب ثانية.


قال ابن قتيبة في حديث النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما أُبالي ما أتيت إنْ أنا شَرِبْتُ تِرْياقًا أو تعَلَّقْتُ تَمِيمة أو قُلْتُ الشِّعْر من قِبَلِ نَفْسي". [15]
التَّميمة: خَرَزة كانت الجاهلية تُعَلِّقُها في العُنُق وفي العَضُد تتوقَّى بها وتظن أنها تَدْفُع عن المرء العاهات.[16]
فسر الشارح دلالة لفظ (التميمة) تفسيرًا مفصلاً بحيث لم يترك مجالاً لوقوع التداخل بينه وبين غيره من الألفاظ.
قال الأزهري: التمائم: هي خرزات كانت الأعراب يعلقونها على أولادهم يتقون بها النفس والعين بزعمهم،وهو باطل.[17] فقد زاد قيدًا آخر وهو "وهو باطل".
وقال الهروي: التمائم، واحدتها: تميمة، وهي خرزات كانت العرب تعلقها على أولادهم، يتقون بها العين بزعمهم، فأبطل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، قال أبو ذؤيب:[18](الكامل)
وإذا الْمَنِيَّةُ أَنشَبَتْ أَظْفَارَهَا أَلْفَيْتَ كُلَّ تَمِيمَةٍ لا تَنفَعُ
أي: كل عوذة.[19]
ولعل قيمة هذا التفسير التفصيلي تتضح إذا ما قورن – مثلاً – بقول الخليل، حيث يقول: والتميمة: قلادة من سيور، وربما جعلت العوذة التي تعلق في أعناق الصبيان.[20]
وقد علق الأزهري على تعريف الخليل للتميمة، فقال: ومن جعل التمائم سيورًا فغير مصيب...، لأن التمائم خرز تُثْقَب ويجعل فيها سيور وخيوط تعلق بها. قال: ولم أر بين الأعراب خلافًا أن التميمة هي الخرزة نفسها.[21]


ويمكن وضع هذا التفسير في صورة مكونات دلالية كما يأتي:
اللفظ
مكوناته الدلالية
التميمة
حقيقتها
خرزة أو قلادة من سيور.
شكلها ووضعها
كانت تعلق في العنق أو العضد.
وظيفتها والغرض منها
كانوا يدفعون بها النفس والعين (العاهات).
الحكم
هي زعم باطل (أبطله الإسلام)


قال ابن قتيبة في حديث عمر رضي الله عنه عنه: إنّه رأىَ رجلاً يَأْنِحُ ببطْنه، فقال: ما هذا؟ فقال: بَرَكَةٌ من اللّهِ. فقال: بَلْ هو عَذاب يُعَذِّبك اللّه به.[22]
قولُه: يَأنح ببطْنه هو من الأنوح صوت يُسْمعَ من الجَوْف، ومعه نَفَس وبُهْر، يَعْتري السمين من الرجال إذا مشى والفَرس الخَوَّار الثَّقيل.[23]
لقد فسر الشارح دلالة لفظ (الأنوح) تفسير استقصاء وتفصيل. وقد شاركه في ذلك بعض اللغويين.
قال الهروي: قال القتيبي: هو من الأنوح، وهو صوت يسمع في الجوف، معه نفس وبُهْر[24]، يعتري السمين من الرجال.[25]
وبالموازنة بين هذا التفسير الذي ذكره الشارح وبين غيره من التفسيرات التي ذكرها غيره من اللغويين، نتبين أهمية هذا التفسير في تفصيله واستقصائه، فمثلاً قال الجوهري: أنح الرجل يأنح أنحًا وأنوحًا، إذا زَحَر من ثقل يجده من مرض أو بهر، كأنه يتنحنح ولا يبين.[26]
فهو مع ما فيه من تفصيل ليس كما ذكره الشارح، ولعل ذلك مما يبين قيمة هذا النوع من التفسير.
وإذ عُلِمَ أن أصحاب المعاجم لم يزيدوا شيئًا عما ذكره الجوهري حتى الخليل والأزهري المتقدمين عليه[27]، وعُلِمَ أيضًا أن أصحاب الغريب هم الذين بينوا هذه الدلالة وأوضحوها[28]، إذا عُلِمَ ذلك؛ تبين فضل كتب الغريب على غيرها، وعنايتها بإيضاح دلالات الكلمات.


ويمكن بعد ذلك وضع التفسير الذي ذكره الشارح والهروي في صورة مكونات دلالية كما يأتي:
اللفظ
مكوناته الدلالية
الأنوح
حقيقته
صوت.
صفته
يسمع من البطن ومعه نفس وبهر.
محلّه
يعتري السمين من الرجال إذا مشى والفرس الخوار.


قال الحربي: والمُكَّاءُ: طَائِرٌ أَبْيَضُ دَقِيقٌ طَويلُ الرِّجْلَيْنِ وَالعُنُقِ أَبْيَضُ السَّاقِيْنِ صَغِيرُ المِنْقَارِ يَكُونُ فِي كُلِّ زَمانٍ لَهُ صَفِيرٌ حَسَنٌ.[29]
لقد فسر الشارح دلالة لفظ (المكاء) تفسيرًا مفصلاً دقيقًا. وقد شاركه في النص على هذا التفصيل ابن سيده، فقال: (المُكَّاء) طائِرٌ دقيقٌ أبيضُ، طويلُ الرجلين والعُنُق، وساقاه بَيْضاوانِ كَبَيَاضِ جسدِه، صغِير المِنْقَارِ، قَصِير الزِّمِكَّي[30]، يكون في كل زمانٍ، وله صَفِير حَسَنٌ، وتَصعيد في الجَوِّ وهُبُوط، وهو في ذلك يُصَفِّر.[31]
ولعل الوقوف على ما ذكره بعض اللغويين من تفسير لفظ (المكاء) يبين قيمة هذا التفسير الذي ذكره كل من الحربي وابن سيده.
قال الأزهري: المكاء: طائر يألف الريف.[32] قال ابن فارس: المكاء: طائر.[33]
وقال ابن منظور: والمكاء: طائر في ضرب القُنْبُرة إلا أن في جناحيه بَلَقًا.[34]
وبَيِّن أن ابن سيده قد زاد بعض القيود في تفسيره دلالة اللفظ.


ويمكن جمع التفسيرين ووضعهما في صورة مكونات دلالية، كما يأتي:
اللفظ
مكوناته الدلالية
المكاء
حقيقته
طائر.
صفته
1- أبيض. 2- دقيق. 3- طويل الرجلين والعنق. 4- أبيض الساقين. 5- صغير المنقار. 6- قصير الزمكى.
زمانه
يكون في كل زمان.
مكانه
يألف الريف.
هيئة طيرانه
1- له تصعيد في الجو وهبوط. 2- وله مع ذلك صفير.
صوته
له صفير حسن.


قال الحربي:والنِّخَاسُ: عُودٌ يُجَوَّفُ كَهَيْئَةِ المُكْحُلَةِ وَيُجْعَلُ فِي ثُقْبِ البَكَرَةِ إِذَا لَجِفَتْ و هُوَ أَنْ تَنْكُلِ جَوَانِبُها وَيُجْعَلَ المَسَد بِالنِّخَاسِ.[35]
فسر الشارح دلالة لفظ (النخاس) تفسير تفصيل، وقد شاركه في ذلك بعض اللغويين:
قال أبو عمرو الشيباني: والنِّخاسُ: عُودٌ يُجوَّف كَهَيْئَة المُكْحُلَة فَيُجعلُ في ثُقْب البُكَرة إذا لَجِفَت، وهو أن يتكل جَوَانِبُها فيُجْعَل المَسد في النخاس.[36]
وقال الجوهري: والنَخيسُ: البَكَرَة يَتَّسِعُ ثَقْبُها الذي يجري فيه المِحْور مما يأكله المحور، فيَعمدون إلى خُشَيْبَةٍ فيثقبون وسَطها ثم يُلقمونها ذلك الثقب المتَّسع. ويقال لتلك الخُشَيبة: النِخاسُ.[37]
ولكن هذا التفسير المفصل قد يعاب إذا كانت بعض ألفاظه غامضة، وفي هذا التفسير قد يغمض معنى كلمة (المكحلة)[38]، و(لجفت)[39]، و(اتكلت)[40].
وعلى النقيض من التفصيل السابق يذكر الخليل دلالة اللفظ، فيقول: النخاسة: رقعة تدخل في ثقب البكرة؛ لئلا يأكلها المحور.[41]


ويمكن وضع هذا اللفظ في صورة مكونات دلالية مع تفسيره، كما يأتي:
اللفظ
مكوناته الدلالية
النخاس
حقيقته
عود من خشب.
صفته
1-مجوف. 2-مثل هيئة المكحلة.
مكانه
يجعل في ثقب البكرة إذا لجفت.


قال السرقسطي في حديث النبي صلى الله عليه وسلم قال: نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة بالليل، ونحن على حفرة نازلون أن نأكل لحم الحمار الأهلي، وكان يقول لنا: إن المسيح الدجال أعور عين الشمال عليها ظَفَرَة غليظة، ونهانا يوم ورود حِجْر ثمود أن نتولج بيوتهم، نبأنا أن ولد الناقة ارتقى قَارَة.[42]
والظَّفرة: جليدة تغشى العين، تنبت من تلقاء المأقي[43] ربما قطعت، وإن تركت غشت بصر العين.[44]
لقد نص الشارح على دلالة لفظ (الظَّفَرَة) مفصلاً القول في ذلك. وقد شاركه في ذلك بعض اللغويين، بل زاد بعضهم قيودًا على الشرح السابق.
قال الأزهري: والظفرة جليدة تُغشى العين تنبت من تلقاء المأقِ، وربما قُطعتْ، وإن تُركت غشيت بصر العين حتى يكِلَّ.[45] فقد زاد الأزهري قيد: (حتى يكل).
وفي مقابل هذا التفصيل، يقول الأصمعي: الظفرة: جلدة يجري من الموق، فإذا غشيت الحدقة ألبستها.[46]
وفي التاج: الظفرة: لحمة تنبت في الحدقة.[47]


ويمكن وضع التفسير الذي ذكره الشارح والأزهري لدلالة هذا اللفظ في صورة مكونات دلالية، كما يلي:
اللفظ
مكوناته الدلالية
الظفرة
حقيقته
جليدة تغشى العين
مكانه
من جهة الموق
وظيفته
تغشى بصر العين حتى يكل.


وفي الحديث السابق لفظ (القَاَرة)، وفسره الشارح بقوله: والقارة جمعها: القور والقِيران: وهي الأصاغر من الجبال، متفرقة، خشنة، كثيرة الحجارة.[48]
وهذا تفسير مفصل من الشارح لهذا اللفظ. وقد شاركه بعض اللغويين في ذلك.
قال الخليل: القور والقيران، جماعة القارة، وهي الجبل الصغير، والأعاظم من الآكام، وهي متفرقة، خشنة، كثيرة الحجارة.[49]
وتتضح قيمة هذا التفسير إذا عُلِم أن هناك من ذكر تفسيرًا مختصرًا لهذا اللفظ، مما يؤدي إلى عدم إيضاح الدلالة إيضاحًا تامًا.
قال ابن فارس: والقور، جمع قارة،وهي الأكمة.[50]
يتبع



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 39.36 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 38.73 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.60%)]