الأدب السياسي الساخر عند شريف الراس
عبدالكريم السمك
ترجع معرفتي بالمرحوم شريف الراس، إلى مطلع العقد السابع من القرن العشرين للميلاد، وذلك من خلال محاضراته على منبر مركز حماة الثقافي، حيث كان رحمه الله من أنشط مثقفي مدينة حماة، كمحاضر على منبر مركزها الثقافي، وكان في بداية نشأته الفكرية يسارياً ومن أبناء حزب البعث، كما كان مشبعاً ومحباً للمدرسة الفكرية الفرنسية، بتعدد وجوهها وتنوعها، وخاصة الوجودية والفلسفية، وكان يحترم فكر الآخر، بغض النظر عن هذا الفكر الذي ينتمي إليه صاحبه، ومع انقلاب الثامن من آذار لسنة 1963م، فقد وجد فيه بأنه الطامة الكبرى التي نزلت في سوريا، بعد أن اكتسى بثوب الطائفية، وخاصة بعد الذي نزل في مدينة حماة، في أولى حوادثها مع نظام حكم البعث سنة 1964م، حيث دَمَّر هذا النظام عدداً من المساجد فيها، وقتل عدد كبير من أهلها، وسبق الحادثة هذه مناهضة شريف الراس للانقلاب، وإن كان الحكم في أصول نظامه يعود للمدرسة الفكرية التي ينتمي لها شريف الراس، فقد كان نصيبه من ذلك تسريحه من عمله، وسجنه أربعة أشهر في سجن المزة، بعد أن وجد بأن خمسة عشر سنة من نضاله الفكري - البعثي -، إنما كان سلم النجاة الذي وصل عليه الطائفيون لحكم سوريا، من خلال هذه الثورة المشؤومة.
وقد جاءت الهجمة الطائفية على حماة في هذه الحادثة، على قاعدة الثأر الطائفي التاريخي، فهي البلد السنية التي تعاملت معها فرنسا سنة 1925م، من خلال الثورة السورية الكبرى، بأبشع الصور عندما نكّلت بأهلها، حتى يكون تدميرها درساً لغيرها من المدن السورية، وعلى هذا النمط من سياسة التعامل، نهج البعثيون من أبناء الطوائف النصيرية والدرزية والإسماعيلية، على التعامل معها جرياً على السياسة الفرنسية، وعندما انفرد النصيريون بحكم سوريا برئاسة الأسد، كانت سياسة الإبادة وسفك الدماء لمدينة حماة، هي الخط الأمثل لإذلال هذه المدينة ومن ورائها سوريا بكاملها، حتى كانت واقعة حماة الكبرى سنة 1982م، فقتل من أهلها قرابة 40 ألف حموي، والواقع الذي تشهده سوريا اليوم يصدق ذلك.
كما سعى البعثيون مع ثورة الثامن من آذار، بعد أن اكتست هذه الثورة بثوب الطائفية على حساب المواطنة، بتصفية جميع القوى السنية الحموية الفاعلة سياسياً وعسكرياً، من على الساحة السورية، والتي كانت فيه صاحبة الوجود الأقوى في تعاقب الحكومات السورية، على الساحتين العسكرية والسياسية، إلى أن آل الحكم في سوريا إلى النمط الطائفي الذي تعيشه اليوم، وانتهى معه الدور الحموي في السياسة السورية، وكان هذا عاملاً من أكبر العوامل في دفع شريف الراس، ومن ينتسب لهذه المدرسة الفكرية، إلى فضح ومناهضة هذا الحكم وسياسته الطائفية، بعد أن عاشوا قرابة العقدين فيما قبل الثورة، يسعون لمثل هذا اليوم من الثورة، وهم لا يدرون بأنهم في نشاطهم هذا، كانوا هم ورواد الفكر، من الحوراني وعفلق والبيطار، وراء ما نزل في سوريا من مصائب على أيدي هؤلاء الطائفيين.
فقد تم طرد رموز هذا الفكر من سوريا، لينفرد الطائفيون بحكم سوريا، بتوجيه من وهيب الغانم وزكي الأرسوزي وسليمان العيسى، وكلا الثلاثة من أبناء الطائفة العلوية، ومن منطقة اسكندرونة، ومن الذين شملهم الطرد الوظيفي المترجم له - الراس-، وزامن طرده هذا؛ سجنه أربعة أشهر بعد مناهضته لهذه الثورة، وبعد الإفراج عنه كان تحت المراقبة الأمنية، الأمر الذي دفعه إلى الهروب إلى لبنان في الأسبوع الأخير من سنة 1965 م، وعاش في لبنان ملاحقاً من نظام الحكم في سوريا، ومن تاريخ سفره إلى لبنان ملاحقاً، فقد انقطعت الصلة والتواصل معه، ولكنني كنت أتابع أخباره في غربته رحمه الله، من خلال نشاطاته العلمية، وخاصة منها، مسلسله المعروف الذي حظي بالمكانة الكبيرة عند المشاهدين والنقاد من العلماء والأدباء، والذي ذهب في عنونته بـ «أحلى الكلام»، وقد جاء هذا المسلسل في رسالته وموضوعه وأهدافه، بربط المشاهد في دفعه للاهتمام بلغته العربية ونحوها، وقد عرضته معظم القنوات العربية والإسلامية بما فيها المملكة العربية السعودية، كما عُرض في أندونيسيا وباكستان وماليزيا، كما كان لي متابعات له في الكثير من عطاءاته العلمية، وسيأتي الحديث عنها في سياق الدراسة.
نشأته ومولده:
في مدينة حماة السورية، كان مولد محمد شريف بن خالد الرأس، وذلك سنة 1930م، ووالده هو خالد بن حسن السكاف، الذي عمل على تعديل اللقب سنة 1950م، إلى لقب الرأس، ولم يذكر صاحب الترجمة دواعي التغيير هذه، مع العلم بأن عائلة السكاف هذه، تفرع منها من اكتنى بكنية الحداد، وأسرة السكاف من الأسر الكريمة في حماة، ويشير المترجم له، بأن الشهادات الثلاث الابتدائية والمتوسطة والثانوية حملت كنية السكاف.
أما عن نشأته التعليمية والعلمية، فقد التحق للدراسة في النشأة الأولى، بمدرسة المحمدية الشرعية، الكائنة في حي الشرقية من حماة، وقد أنشأها الشيخ محمود الشقفة رحمه الله، وذلك سنة 1940م، وفي هذه المدرسة درس المرحلتين الابتدائية والمتوسطة، وحصل على شهادة الثانوية، من ثانوية أبي الفداء، وعمل مدرساً في قرية الصقيلبية، التي تتبع مدينة حماة، وهي قرية أهلها من الطائفة المسيحية، وفي سنة 1952م، التحق في قسم الفلسفة بجامعة دمشق، وفي دراسته الجامعية كان متقدماً على كل زملائه، حيث كان ترتيبه الأول في نجاحه الجامعي، وتكريماً له فقد تم إعفاءه من الرسوم الجامعية، وكان مقدارها (75) ليرة سورية، ونتيجة لنجاحه المميز هذا فقد طلبته الأمم المتحدة للعمل مترجماً في اللغة الفرنسية، لكنه اعتذر.
وقد تكلم الرأس عن بداية الكتابة عنده، فأشار إلى أنَّ أول مقال كتبه، كان قد نشره في جريدة اليقظة، وجاء موضوعه في تلخيص أحد الكتب للفيلسوف الإنجليزي «هاكسلي»، وأول منشوراته من الكتب، كان أطروحة التخرج الجامعي، وكانت الدراسة معنية بالفيلسوف «بريغسون »، وكان هذا الفيلسوف قد كتبها عن أستاذه «رافيسون»، وقد نصحه بطباعتها، أستاذه بجامعة دمشق «أنطون مقدسي».
ومن بعد ذلك سار في طريق الكتابة الأدبية، من خلال مجلة «الآداب البيروتية»، حيث كان يكتب فيها قصصاً قصيرة، بعد أن لاقت القبول عند النقاد والوسط الأدبي السوري واللبناني.
كما كان كاتباً في جريدة البعث التي أصدرها الحزب سنة 1956م، حيث كانت له في الجريدة زاوية أسبوعية، تحت عنوان «لوحات من حياة الشعب»، وكان بعثي الولاء يومها، وقد عُين مديراً لثانوية التربية الاجتماعية في حماة، كما كان يُدرس فيها مادتي الفلسفة وعلم النفس، إضافة لثانويات حماة، وقد جاءه عرض عمل في الكويت فقصدها، ولكن لم يطل به المقام فيها، فعاد أدراجه إلى بلده، ومع قيام الوحدة السورية المصرية، عمل في وزارة الثقافة رئيساً لشعبة الفنون الشعبية، وبقيام انقلاب الثامن من آذار، فقد تم تسريحه من هذا العمل، من قبل رفيق دربه في الحزب وصديقه، الذي أصبح وزيراً للإعلام الطائفي سامي الجندي، وهنا وضع الرأس اللمسات الأولى على طائفية الانقلاب، عندما كان من طلائع من نالته الملاحقة الأمنية من هذه الثورة، فتم سجنه أربعة أشهر في سجن المزة العسكري بدمشق، وبعد خروجه من السجن اتجه إلى العمل الحر، فعمل خطاطاً ومصمم كتب، إضافة لوضع بروفات طباعة، كما أَنشأَ داراً للإعلان، وفي الأسبوع الأخير من سنة 1965م، قصد لبنان هارباً من ملاحقة السلطات الأمنية له للإقامة فيها.
شريف الراس في بيروت:
قصد شريف الراس بيروت ليعيش فيها طريداً من حكومة دمشق الطائفية، والتي أهانته وقامت بسجنه، ولم يشفع له عندهم ماضيه الحزبي، هذا الحزب الذي كان للطائفيين، سفينة نجاة أوصلتهم لحكم سوريا، فمن خلال وجوده في بيروت ازداد يقينه بطائفية النظام، بعد الذي أصابه منه، إضافة إلى ما شهدته مدينة حماة بلد الراس، من انتقام منها على قاعدة الطائفية، في إِرثٍ تاريخي لا أصول له مع هذه المدينة، وفي لبنان امتدت إقامته فيها مدة عشر سنوات، يتكسب فيها لقمة العيش، وفي سنة 1970م، وجهت العراق الدعوة له لزيارتها، مشاركاً في المربد الأول، ومن خلال وجوده فيها، حصل على جواز سفر عراقي، وعاد منها ليعمل في بيروت، مراسلاً لجريدة الثورة العراقية، براتب شهري وقدره (60) دينار عراقي.
ومع اشتعال الحرب الطائفية اللبنانية سنة 1975 م، فقد عجلت بخروجه هذه الحرب منها، لا سيما وأن سوريا وإسرائيل المستفيدتين في هذه الحرب، فقد تم الاتفاق فيما بين الدولتين بوساطة أمريكية، وكان اتفاقاً سرياً أرخ في نيسان 1976م، تلتزم فيه سورية بعدم تحريك قواتها المسلحة جنوب خط «صيدا - جزين - قانا» والذي عرف طيلة أزمة الصراع بـ «الخط الأحمر»، وبموجب هذه الاتفاقية تم لسوريا طرد الفلسطينيين من جنوب لبنان، بما يخدم أمن إسرائيل في الجليل الأعلى، وفيما يخص سوريا فقد تحكمت بالإدارة الأمنية السورية في لبنان، فضمنت سوريا بهذه الإدارة أمن سوريا، لأن لبنان كانت دائماً مصدر تهديد لأي حكم في سوريا، وكانت أرضه حاضنة لكل معارضة تناهض حكومة دمشق، وكان خروج شريف الراس من لبنان، ما ضمن له حياته، فقد قصد الجيش السوري منزله في بيروت وسرقوا ما فيه، فكيف لو كان موجود في بيروت؟
وفي بغداد تم تعيينه موظفاً في وزارة الإعلام - دار ثقافة الأطفال -، وقد امتدت إقامته فيها حتى أحداث سنة 1991م، والمعنية بحرب الخليج الأولى، وبعد نهاية الحرب قصد الأردن ليقيم في عاصمتها عمان، واستمر مقيماً فيها حتى وفاته رحمه الله في 13/2/1421هـ الموافق 17/5/2000م.
الاتجاهات الفكرية في شخصية شريف الراس:
هو واحد من أبناء جيله الذين عاشوا العقود الخمسة الوسطى من القرن العشرين للميلاد، حيث شهدت هذه الفترة ألواناً من النشاط الفكري والسياسي، الذي اخترق واقعنا العربي، كالفكر الاشتراكي والشيوعي والبعثي والفلسفي الوجودي، الذي ارتبط بشكل مباشر، بالاستعمار الفرنسي والبريطاني لدول العالم العربي، بعد أن هيأَت له البيئة لانتشار مثل هذا النوع من الأفكار، في أوساط الناشئة من الشباب، وكان شريف الراس ممن تأثر بهذه الأفكار الوافدة، والذي أعلمه عنه أَنه كان من أبناء مدرسة الفكر الاشتراكي، البعيدة عن اليسار الشيوعي، وكان بسبب تخصصه العلمي بعلوم الفلسفة، على درجة علمية عالية بالفكر الوجودي، ومذهب السان سيمونية، وذلك بسبب حبه للمدرسة الفكرية الفرنسية بجميع علومها وفنونها، وأول من تأثر فيه فكرياً ضيف ترجمتنا، ابن حيَّه أكرم الحوراني، الذي تقلب في رياح الأفكار الوافدة يمنة ويسرة، ويعلق الكثير من النقاد السياسيين بأن الحوراني كان السبب المباشر في كل ما أصاب سوريا، في واقع حالها اليوم، فمن حركة عصبة العمل القومي، إلى الحزب القومي السوري الذي طرد منه، ليلتحق بعد طرده بحركة الشباب التي أنشأها عمه عثمان الحوراني، وكان أكرم قد ورث عن عمه هذه الحركة، فغير اسمها إلى الحزب العربي الاشتراكي، الذي اتحد فيه سنة 1952م مع حزب البعث، فأصبح اسمه حزب البعث العربي الاشتراكي، ويعود تاريخ انتساب شريف الراس إلي الحزب الاشتراكي الذي أنشأه أكرم الحوراني إلى سنة 1948م رسمياً، واستمر في عضوية الحزب حتى قيام ثورة الثامن من آذار 1963م، والني ناهضها هو والعديد من زملائه في الحزب، بعد أن لمسوا فيها البعد الطائفي والذي لم تعرفه سوريا في تاريخها السياسي، وجاء هذا الاتجاه الطائفي على حساب الولاء الوطني.
وفي دار هجرته وغربته، ونتيجة لما نزل في سوريا من نوازل ومصائب، من قبل الحكم الطائفي الذي يحكمها، فقد توجه إلى الالتزام بالفكر الإسلامي، رسالة وفكرا ومنهجاً، وقد تجلى ذلك في ميراثه العلمي، الذي أثرى فيه المكتبات العربية والإسلامية، وعندما سأله أحد المحاورين له؛ قائلاً له أنت رجل متعدد المواهب والأعمال، ولم تضع نفسك باتجاه كتابي واحد بل كنت متنوع فيما تكتب، فقد انطلقت في الكتابة الساخرة، ومررت بأدب الأطفال، وعملت بالكتابة السياسية، ومارست الكتابة التلفزيونية والإذاعية، وأخيراً العمل الروائي الطويل، ولكن السؤال كيف يصنف شريف الراس نفسه؟ فيكون الجواب على قدر السؤال” أنا أصنف نفسي بأنني «صاحب قضية» فقط. فإن أتيح لي أن أعبر عن قضيتي بأسلوب الكتابة على الحيطان؛ كتبت على الحيطان، المهم أن لا تخبو جذوة الإيمان والمروءة والحرية والعزة في نفوس أبناء أمتي.. سمها أمة عربية أو أمة إسلامية أو أي أمة من الأمم، فتولستوي خدم أمته بكتاب «الحرب والسلام»، ورجاء جارودي صاحب قضية ومثلي الأعلى، والخليل بن أحمد الفراهيدي، كان يزكي عن كل سنة ثقافة، بسنة مشاركة في الجهاد، إنها إيمان الكاتب بعدالة قضيته.
يذهب الكثير من النقاد من أهل الأدب، على أنَّ هذا النوع من الكتابة الساخرة قد عرفها الأدب العربي في ماضيه، وهم يرون بأن الجاحظ، كان في طليعة القوم في هذا الفن من الكتابة، في مسألة النقد السياسي والاجتماعي، ففي مصر عُرف (يعقوب صنوع)، صاحب جريدة «أبو نظارة»، ويتمتع هذا الكاتب بموهبة عالية، بحيث أنه كان يستطيع كتابة نصه بعشر لغات، كما شهدت الساحة التونسية نهضة كبيرة في هذا الفن والنوع من الكتابة، أما في الشام بوحدتها الجغرافية، فقد كانت صاحبة ريادة في هذا النوع من الكتابة، وذلك عندما شهدت ساحتها الإعلامية في العقود الثلاثة الأولى، من القرن العشرين للميلاد، إصدار أكثر من خمسين صحيفة هزلية، في مسماها وفي لغة الكتابة فيها، وكان آخرها صحيفة «المضحك المبكي» لصاحبها حبيب كحالة.
ولا يغيب عنا في هذه البلاد الكريمة، شخصية أديب أثرى بعطائه الشعري والروائي والأدبي المكتبة العربية، إنه الدكتور الشاعر المعطاء، والذي يحسن السباحة في كل بحر، غازي القصيبي رحمه الله، ومن كتبه في هذا الجانب، كتاب «أبو شلاخ البرمائي»، وهو من روائع مؤلفاته الموضوعية الهادفة في بعدها السياسي والاجتماعي والأخلاقي، والذي يعرف غازي القصيبي رحمه الله، يدرك مدى العلمية والأهلية لمن يريد الكتابة بهذا اللون من الكتابة. فليس من السهل الكتابة بهذا اللون من الكتابة الأدبية، إلا عند من امتلك الأهلية فيها.
وفي العودة للحديث عن ضيفنا الذي نترجم له، فقد جاء عطاؤه في هذا النوع من الكتابة من تاريخ دخوله عالم التأليف والكتابة، وكان للواقع السياسي العربي والسوري، الأثر المباشر في سيره في هذا النموذج من الكتابة، مع قدرته على الكتابة بغيرها، وحتى يتم بيان أهمية هذه الكتابة في تحقيق الغرض منها، فقد تم إدراج هذه الكتابة تحت تصنيف الرسوم الساخرة النثرية، وقوامها أربعة عناصر؛ كما أشار لها د.عبداللطيف حمزة، في كتابه التحرير الصحفي:
1- عنصر التجسيم للعيوب أو المسخ.
2- عنصر التوليد، هو ما يتاح للكاتب ولا يتاح للمصور، توليد المعاني واستطراد الأفكار، بحيث كل معنى يُذكِّر بآخر، وكل فكرة منها توحي بأخرى.
3- عنصر التندر: أي إيراد النكات التي ترد على الكاتب في أثناء الكتابة.
4- عنصر التشبيه أو التمثيل للاستعانة فيه في عملية المسخ والاستهزاء.
والرسوم النثرية هي أصعب من شقيقاتها الشعرية والخطية، ولهذا فإن المبرزون في هذا النوع من الفن قليلون، وقد دخلت هذه الصورة من الكتابة، في تصنيفها تحت تصنيف التحرير الصحفي، أما عن بواعثها؛ فقد كان منها السياسي والاجتماعي والأخلاقي والاستبدادي، في إطار الفضاءات المكانية والزمانية، وهي التي كانت سبباً في إثارة هذه البواعث والإبداع في الكتابة فيها، كلون من ألوان الأدب النقدي الهادف، والذي لا يحسن الكتابة فيه إلا القليل، وفي عصرنا ظهر هذا اللون الأدبي، بالصورة دون النثر، وفي صورة أخرى النثر مع الصورة، وأول ما عرفه عصرنا على صفحات الصحف، ثم جاء رواية.
والمتتبع لميراث الأديب شريف في الأدب الهزلي الساخر، يجد بأن هذا النوع من الأدب، لم يذهب فيه كاتبه على قاعدة الملهاة، بل المأساة هي الباعث في كل ما كتبه، ولدى تتبعي في استقصاء هذا النوع من الأدب، فقد وجدت فيه، بأن الغالب فيه إنما هو طابع المأساة، ولا يغيب عنا كذلك الكاريكاتور التصويري، فهو ليس أقل شأناً ومكانة من الكاريكاتور النثري، المطبوع بطابع المأساة، فها هو ناجي العلي، الذي كان يجسد مأساته في أهله ووطنه؛ فيما يرسمه بيده من رسومات كاريكاتورية، وينشرها في الصحافة، وكان رسوله فيها شخصية «حنظلة» التي ابتكرها هو بنفسه، وهنا تتداخل الفضاءات المكانية والزمانية والاجتماعية، عند الرسام الكاريكاتوري نثراً كان أم صورةً، لتقدم صورة المأساة للآخر، في ظل واقع إنساني، أصابه العمى والصمم عما يعيشه صاحب الكاريكاتور.
فصاحب فن الكاريكاتير، يجب عليه امتلاك القدرة على بعث الحياة وخلقها في عطاءاته، من خلال عناصر الإثارة «أشخاص - أحداث - أهداف» بعد ربطها ببعضها البعض، والقائمة على عنصر التشويق لواقع الحدث زماناً ومكاناً، فكاتبنا شريف الراس كان في كل عطائه في هذا الفن، عطاء ألم وحزن وأسى، جَسّد فيه صورة المأساة التي يعيشها شعبه ووطنه السوري، بل تجاوز حدود وطنه القطري، ليتسع فيه المكان إلى وطنه العربي، الذي جسد حبه له في موروثه العلمي، وقد تعددت وتنوعت المواهب التي تكونت منها شخصية شريف الراس العلمية، التي صنعت منه كاتباً بهذا الشكل، وقد تمثلت فيما يلي:
• أهليته العلمية في علم النفس، ودور هذه الأهلية المباشر، في طرق أبواب القلوب والنفوس والعقول.
• خطاط لا يجارى.
• لغوي ونحوي متمكن في علوم اللغة، بتعدد وتنوع علومها.
• كاتب روائي متميز.
• شاعر على قاعدة التفعيلة والتي لا يحب شعرها.
• كاتب متميز في أدب الأطفال، وقد حصد فيه العديد من الجوائز.
• كاتب مسرحي، ولا يغيب عنا «مسلسل أحلى الكلام»، والذي كان معنياً في اللغة العربية والعمل على النهوض فيها من الحال الذي آلت إليه في عصرنا.
• متنوع الثقافة والفكر، وصاحب ولاء للمدرسة الفكرية الفرنسية، وهو كثير القراءة، متمكن من اللغة الفرنسية، إضافة لماضيه الصحفي في أدب القصة القصيرة.
أعماله المنشورة والغير منشورة:
متنوعة ومتعددة هي عطاءات شريف الراس، وإن يغلب عليها في هذا الجانب، ما هو معني بأدب الأطفال، إضافة إلى كمٍ كبير من الكتب الهادفة، والخاصة بالنقد السياسي والاجتماعي قطرياً كان أم عربياً، فكل كتاباته تجاوز فيها حدود الإقليمية، بل وتجد أنه في بعض الكتب، انطلق إلى الحاضن لعالمنا العربي، ألا وهو العالم الإسلامي، بعد أن غدى تاريخ الإسلام السياسي مصدر إلهام، وقاعدة إمداد له في هذه الكتابة، وهذا بيان بأعماله وآثاره كما جاء عليها هو بنفسه:
أ- الأدب السياسي الهزلي والساخر:
• للضاحكين فقط: مجموعة مقالات في النقد السياسي الساخر، وقد طبع في بيروت سنة 1967م.
• مقهى البقرة: رواية فكاهية ساخرة حول الحرب الجنونية في لبنان «غير منشور».
• فصول في علم السجنولوجيا « ويصح قولك حبسولوجيا »، قام بتأليفه وهو سجين في سجن المزة بدمشق سنة 1963م. «غير منشور».
• أسرار الضحك العربي: نقد سياسي ساخر، عن الأوضاع العربية من منظور قومي. صدر في القاهرة سنة 1984م.
• من الجرح السوري: يتناول الحديث فيه عن مذبحة حماة لسنة 1982 م، والأوضاع السورية بعد هذه المذبحة، وقد تم نشره في القاهرة سنة 1984م، كتب مقدمته عدنان سعد الدين.
• صطوف الأحمد في دمشق: رواية ساخرة عن فترة حكم نور الدين الأتاسي رئيساً لسوريا «غير منشور».
• مهمة سرية جداً: رواية ساخرة عن ملاحقة سلطات الطغيان للمجاهدين السوريين في فرنسا،التي اغتيل فيها صلاح البيطار، وطبع الكتاب في القاهرة سنة 1984م.
• حالات السيد محمد صابر فقعتوني: نشر في بغداد سنة 1985م. وقد كتبه بأسلوبه الهزلي والساخر، نقد فيه صوراً اجتماعية للواقع العربي.
• خواطر ضاحكة: نشر في بغداد 1985م.
• طاحون الشياطين: بغداد 1985 م. لغة الكتابة هزلية ساخرة رواية هادفة، معنية بمذبحة حماة لسنة 1982م، ظهر فيها عداء الحاكم للإسلام.
• الورطة: قدم فيها صورة السوري عندما يساق معتقلاً إلى سجن تدمر في الصحراء.. نشر بغداد سنة 1986م، وفيها يرى أن الإسلام هو المخلص من هذا الحكم الطائفي.
• رواية اعترافات قاتل سعيد جداً: معنية بالمحنة السورية وأزمة «قعود» المعارضة «غير منشور».
• رواية تعالوا نعشق ليلى: تتضمن في سياق نصها، حديث عن الدمار الأخلاقي والاجتماعي والديني في المجتمع السوري، تحت كابوس الطغيان النصيري الأسدي «غير منشور».
• كتاب سوريا المستجيرة تحت سكين الطاغية الحقيرة: عرض عن واقع المحنة السورية، من خلال مراسلات بين بعض أدباء سوريا الشرفاء الأحرار «غير منشور».
• كتاب القدس لا أورشليم: صدر في بيروت 1967م.
• مسرحية «في انتظار عبدو»: الفائزة باختبارات النصوص المسرحية للنادي العربي في الكويت سنة 1986م.
• كتاب «سوريا تحت الحكم النصيري»: صدر في فرانكفورت 1987م.
ب - كتب للأطفال العرب:
سلسلة اعرف وطنك عنوانها «ربوع بلادي» سلسلة كتب مصورة يتعرف فيها الناشئة العرب بمدن وطنهم العربي. تبنت نشره «دار ثقافة الأطفال» في بغداد، و«مركز دراسات الوحدة العربية»، في بيروت قد قام بنشره، لتعريف الطفل العربي بوطنه من منظور قومي، وبأسلوب قصصي بسيط ومشوق، وبلغة عربية صحيحة، مُشكلة بإشارات التنوين، بحيث يتمكن الطفل العرب من قراءتها على الوجه الصحيح، وصيغت بمنظور قومي، لتعريف الطفل العربي بوطنه العربي، وقد صدر منها:
1- من أين أنت؟
2- حماة.
3- القاهرة.
4- - بغداد.
5- حلب.
6- مسقط.
7- صنعاء.
8- أبو ظبي.
9- الخرطوم.
10- نواكشوط.
11- المدينة المنورة.
12- سيناء.
13- القدس.
14- العراق في صور.
ج - في التاريخ:
سلسلة «فتى العرب»، كتب قصصية للناشئة صدرت عن «دار ثقافة الأطفال» في بغداد، و«مركز دراسات الوحدة العربية» في بيروت، و«دار الرواد» في بيروت، ومن سياق عرض البيان، فإن عنونة الكتب مفسرة لمحتواها، فمنها ما هو تراثي، ومنها ما هو تاريخي، ومنها ما هو معني بعلماء وعظماء سلف الأمة وحاضرهم وهي كالتالي:
1- امرأة باسلة: حكاية المرأة الليبية التي استطاعت إنقاذ أحد المجاهدين الليبيين.
2- عبقري في البصرة: قصة الخليل بن أحمد الفراهيدي.
3- فخر النساء: تناول فيه قصة المرأة العراقية، التي نبغت في العلوم، ومنها من الخط والتربية الوطنية في أواخر العصر العباسي.
4- صاحب الأمالي: قدم فيه كاتب الكتاب سيرة أبي علي القالي.
5- أحمد والأبطال: وحديث عن مقاومة السعب المصري لاحتلال نابليون لمصر.
6- تل أَعفر: تحكي قصة شراكة السوريين العراقيين لقتال الإنجليز المحتلين للعراق.
7- رجل لكل الأقطار: وحديث عن ساطح الحصري.
8- الصفعة: قصة عن البطل العراقي «جمال جميل» الذي شارك في الثورة اليمنية.
9- سائق الشاحنة: قصة محمد علي القابسي أول مناضل عربي نقابي عمالي.
10- القطار العجيب: وحديث عن ثورة العراق لسنة 1920م ضد الإنجليز.
11- المسافر العنيد: حكاية الشيخ عبدالعزيز الثعالبي، مؤسس حركة التحرر السياسي من الاستعمار الفرنسي في تونس.
12- الانتصار العظيم: انتصار العراقيين على الإنجليز سنة 1920م.
13- دبابتان في الليل. 13-كتيبة دبابات في الليل.
14- حكاية انتصار حقيقي: عن ثورة 1945م ضد فرنسا في مدينة حماة.
15- عندما سافرنا إلى الجبل ليلاً: وحديث عن ثورة السوريين ضد فرنسا سنة 1925م.
16- الجنرال العجيب: وحكاية اغتيال غورو في حوارن من قبل أهل حوارن.
17- رحلة الأهوال: قصة خمسة عشر طفلاً موريتانياً اخترقوا أفريقيا مشياً على الأقدام، للوصول إلى الأزهر للدراسة فيه.
18- السلطان حامد: قصة المقاومة الشعبية ضد نابليون في مصر، بقيادة حامد.
19- سيدة في الموصل: وحكاية نخبة من المجاهدين الحمويين لنصرة ثورة 1941م. التحررية في العراق.
20- سعيد العاص: البطل الحموي شهيد فلسطين سنة 1935م الذي شارك القسام في ثورته.
21- أحمد بن ماجد: وقصة الملاح العربي الشهير.
22- نجار من حلب: قصة تحرير القدس أيام صلاح الدين من الصليبيين.
ج- كتب لإحياء التراث عند الأطفال:
1- الفتى غياث في أروقة التراث: الجزء الأول.
2- الفتى غياث في أروقة التراث: الجزء الثاني.
3- قال الراوي.
4- حكايات جحا الأول.
5- حكايات الذكي إياس.
يتبع