وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ (41) ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ (42) وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ (43) وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (44)
شرح الكلمات:
واذكر عبدنا أيوب: أي اذكر يا نبينا محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عبدنا أيوب بن عيصو بن إسحق بن إبراهيم.
بنصب وعذاب: أي بضر وألم شديد نسب هذا للشيطان لكونه سببا وتأدبا مع الله تعالى.
اركض برجلك: أي اضرب برجلك الأرض تنبع عين ماء.
هذا مغتسل بارد وشراب: أي وقلنا له هذا ماء بارد تغتسل منه، وتشرب فتشفى.
ضغثا: أي حزمة من حشيش يابس.
ولا تحنث: بترك ضربها.
نعم العبد: أي أيوب عليه السلام.
إنه أواب: أي رجاع إلى الله تعالى.
معنى الآيات:
ما زال السياق في ذكر قصص الأنبياء ليثبت به فؤاد نبيّه محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال تعالى له {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا (1) أَيُّوبَ} وهو أيوب بن عيصو بن إسحاق بن إبراهيم الخليل عليهم السلام {إِذْ نَادَى رَبَّهُ} أي دعاه قائلاً {أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ (2) وَعَذَابٍ} (3) أي ألم شديد، وذلك بعد مرض شديد دام مدة تزيد على كذا سنة وقال في ضراعة أخرى ذكرت في سورة الأنبياء {أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} قال تعالى {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ} وقوله {ارْكُضْ (4) بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ} أي لما أراد الله كشف الضر عنه قال له اركض برجلك أي اضرب برجلك الأرض ينبع منها ماءٌ فاشرب (5) منه واغتسل تشف ففعل فشفي كأن لم يكن به ضر البتة. وقوله تعالى {وَوَهَبْنَا (6) لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ} أي عوضه الله تعالى عما فقد من أهل وولد، وقوله {رَحْمَةً مِنَّا} أي كان ذلك التعويض لأيوب {رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ} أي عبرة لأولي القلوب الحية الواعية يعلمون بها أن الله قد يبتلي أحب عباده إليه ليرفعه بذلك درجات عالية ما كان ليصل إليها دون ابتلاء في ذات الله والصبر عليه. وقوله {وَخُذْ بِيَدِكَ (7) ضِغْثاً} أي قلنا له خذ بيدك ضغثا أي حزمة من حشيش يابس واضرب به امرأتك ضربة واحدة إذ في الحزمة مائة عود وكان قد حلف أن يضرب امرأته مائة جلدة لما حصل منها من تقصير في يوم من أيام حياتهما، فأفتاه ربه تعال بما ذكر في هذه الآية. وقوله تعالى {إِنَّا وَجَدْنَاهُ (8) صَابِراً} أي قد اختبرناه بالمرض وفقد الأهل والمال والولد فوجدناه صابراً، وبذلك أثنى عليه بقوله {نِعْمَ الْعَبْدُ} أي أيوب {إِنَّهُ أَوَّابٌ} رجاع إلى ربه في كل أمره لا يعرف إلا الله.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- تقرير نبوة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من طريق هذا القصص الذي لا يتأتى إلا بالوحي الإلهي.
2- قد يبتلي الله تعالى من يحبه من عباده ليزيد في علو مقامه ورفعة شأنه.
3- فضل الصبر وعاقبته الحميدة في الدنيا والآخرة.
4- مشروعية الفتيا وهي خاصة بأهل الفقه والعلم.
5- وجوب الكفارة على من حنث في يمينه.
__________
1 - قال القرطبي أمر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالاقتداء بهم في الصبر على المكاره.
2 - قرأ الجمهور بنصب بضم النون وتسكين الصاد وقرئ بنصب بفتحها كحزن وحزن والنصب الشر والبلاء الشديد والنصب بالتحريك التعب والإعياء
3 - الباء في بنصب سببية أي مسني نصب وعذاب بسبب وسوسة الشيطان لي فنسب النصب والعذاب إلى الشيطان لأنهما كانا بسبب وسواسه.
4 - الركض التحريك يقال ركب الدابة إذا حركها برجليه فركضت أي تحركت بسرعة وجملة اركض مقولة لقول محذوف أي قلنا له اركض برجلك.
5- أي ماء فيه شفاء ومغتسل اسم مفعول أي مغتسل به هو من باب الحذف والإيصال مثل تمرون الديار ولا تعرجوا: فكلامكم إذا عليّ حرام. أي تمرون بالديار فحذف الباء.
6 - لم تشر الآيات إلى أن أيوب رزئ بموت أهله ولا بفقد ماله وسياق الآيات يدل على أن أيوب مات أهله من بنين وأحفاد وما يذكر هنا من كونه فقد أهله بموتهم ثم أحياهم الله تعالى له من أحاديث بني إسرائيل، والظاهر أن الله تعالى حفظ لأيوب أهله ووهبه مثلهم أي أعطاه أهله وزاده ضعفهم ولو أراد ما تقوله الناس لقال وأحيينا له أهله ووهبنا له مثلهم والله أعلم.
7 - هذه الفتيا مما خص الله تعالى بها عبده أيوب فلا تتعداه إلى غيره والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال إني والله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيراً منها إلا كفرت عن يميني وفعلت الذي هو خير وما روى أبو داود من أن رجلا مريضا وجب عليه حد فأفتاهم الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بضربه بعثكول نخل به مائة عود فضربوه به ضربة واحدة فإن الخبر إن صح فالعلة هي مرضه الشديد وعلته القائمة به.
8 - الجملة تعليلية لما تقدم من إنعام الله تعالى على أيوب أي وهبه الله ذلك الإنعام لصبره على ما ابتلاه به وكذا جملة إنه أواب.