عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 08-08-2022, 12:01 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,532
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام



فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية.
سُورَةُ آل عمران
المجلد الخامس
الحلقة( 170)

من صــ 51 الى صـ 60


وأما من قبله من الرسل فقد كان يحرم على أممهم بعض الطيبات كما قال: {فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم}. وربما لم يحرم عليهم جميع الخبائث كما قال تعالى: {كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة}. وتحريم الخبائث يندرج في معنى " النهي عن المنكر " كما أن إحلال الطيبات يندرج في " الأمر بالمعروف " لأن تحريم الطيبات مما نهى الله عنه وكذلك الأمر بجميع المعروف والنهي عن كل منكر مما لم يتم إلا للرسول؛ الذي تمم الله به مكارم الأخلاق المندرجة في المعروف وقد قال الله تعالى: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا} فقد أكمل الله لنا الدين وأتم علينا النعمة ورضي لنا الإسلام دينا. وكذلك وصف الأمة بما وصف به نبيها حيث قال: {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله}. وقال تعالى: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر} ولهذا قال أبو هريرة: كنتم خير الناس للناس تأتون بهم في الأقياد والسلاسل حتى تدخلوهم الجنة. فبين سبحانه أن هذه الأمة خير الأمم للناس:

فهم أنفعهم لهم وأعظمهم إحسانا إليهم؛ لأنهم كملوا أمر الناس بالمعروف ونهيهم عن المنكر من جهة الصفة والقدر حيث أمروا بكل معروف ونهوا عن كل منكر لكل أحد وأقاموا ذلك بالجهاد في سبيل الله بأنفسهم وأموالهم وهذا كمال النفع للخلق. وسائر الأمم لم يأمروا كل أحد بكل معروف؛ ولا نهوا كل أحد عن كل منكر ولا جاهدوا على ذلك. بل منهم من لم يجاهد والذين جاهدوا كبني إسرائيل فعامة جهادهم كان لدفع عدوهم عن أرضهم كما يقاتل الصائل الظالم؛ لا لدعوة المجاهدين وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر كما قال موسى لقومه: {يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين} {قالوا يا موسى إن فيها قوما جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنا داخلون} إلى قوله: {قالوا يا موسى إنا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون}.

وقال تعالى: {ألم تر إلى الملإ من بني إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله قال هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا قالوا وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا} " فعللوا القتال بأنهم أخرجوا من ديارهم وأبنائهم ومع هذا فكانوا ناكلين عما أمروا به من ذلك؛ ولهذا لم تحل لهم الغنائم؛ ولم يكونوا يطئون بملك اليمين. ومعلوم أن أعظم الأمم المؤمنين قبلنا بنو إسرائيل؛ كما جاء في الحديث المتفق على صحته في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما {قال: خرج علينا النبي صلى الله عليه وسلم يوما فقال: عرضت علي الأمم؛ فجعل يمر النبي ومعه الرجل؛ والنبي معه الرجلان؛ والنبي معه الرهط؛ والنبي ليس معه أحد ورأيت سوادا كثيرا سد الأفق فرجوت أن يكون أمتي؛ فقيل: هذا موسى وقومه. ثم قيل لي: انظر فرأيت سوادا كثيرا سد الأفق فقيل لي: انظر هكذا وهكذا فرأيت سوادا كثيرا سد الأفق فقيل: هؤلاء أمتك ومع هؤلاء سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب فتفرق الناس ولم يبين لهم فتذاكر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: أما نحن فولدنا في الشرك وكنا آمنا بالله ورسوله؛ ولكن هؤلاء أبناؤنا فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال:
هم الذين لا يتطيرون والا يكتوون؛ ولا يسترقون وعلى ربهم يتوكلون: فقام عكاشة بن محصن فقال:أمنهم أنا يا رسول الله؟ قال: نعم فقام آخر فقال: أمنهم أنا؟ فقال: سبقك بها عكاشة}. ولهذا كان إجماع هذه الأمة حجة؛ لأن الله تعالى أخبر أنهم يأمرون بكل معروف وينهون عن كل منكر؛ فلو اتفقوا على إباحة محرم أو إسقاط واجب؛ أو تحريم حلال أو إخبار عن الله تعالى؛ أو خلقه بباطل: لكانوا متصفين بالأمر بمنكر والنهي عن معروف: من الكلم الطيب والعمل الصالح؛ بل الآية تقتضي أن ما لم تأمر به الأمة فليس من المعروف وما لم تنه عنه فليس من المنكر. وإذا كانت آمرة بكل معروف ناهية عن كل منكر: فكيف يجوز أن تأمر كلها بمنكر أو تنهى كلها عن معروف؟ والله تعالى كما أخبر بأنها تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر فقد أوجب ذلك على الكفاية منها بقوله: {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون}.
وإذا أخبر بوقوع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر منها لم يكن من شرط ذلك أن يصل أمر الآمر ونهي الناهي منها إلى كل مكلف في العالم؛ إذ ليس هذا من شرط تبليغ الرسالة: فكيف يشترط فيما هو من توابعها؟ بل الشرط أن يتمكن المكلفون من وصول ذلك إليهم. ثم إذا فرطوا فلم يسعوا في وصوله إليهم مع قيام فاعله بما يجب عليه:كان التفريط منهم لا منه. وكذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يجب على كل أحد بعينه بل هو على الكفاية كما دل عليه القرآن ولما كان الجهاد من تمام ذلك كان الجهاد أيضا كذلك فإذا لم يقم به من يقوم بواجبه أثم كل قادر بحسب قدرته؛ إذ هو واجب على كل إنسان بحسب قدرته؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم {من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان}.

وإذا كان كذلك فمعلوم أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإتمامه بالجهاد هو من أعظم المعروف الذي أمرنا به؛ ولهذا قيل: ليكن أمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر غير منكر. وإذا كان هو من أعظم الواجبات والمستحبات فالواجبات والمستحبات لا بد أن تكون المصلحة فيها راجحة على المفسدة؛ إذ بهذا بعثت الرسل ونزلت الكتب والله لا يحب الفساد؛ بل كل ما أمر الله به فهو صلاح.

وقد أثنى الله على الصلاح والمصلحين والذين آمنوا وعملوا الصالحات وذم المفسدين في غير موضع فحيث كانت مفسدة الأمر والنهي أعظم من مصلحته لم تكن مما أمر الله به وإن كان قد ترك واجب وفعل محرم؛ إذ المؤمن عليه أن يتقي الله في عباده وليس عليه هداهم وهذا معنى قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم} والاهتداء إنما يتم بأداء الواجب فإذا قام المسلم بما يجب عليه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما قام بغيره من الواجبات لم يضره ضلال الضلال. وذلك يكون تارة بالقلب؛ وتارة باللسان؛ وتارة باليد. فأما القلب فيجب بكل حال؛ إذ لا ضرر في فعله ومن لم يفعله فليس هو بمؤمن كما قال النبي صلى الله عليه وسلم {وذلك أدنى - أو - أضعف الإيمان} وقال: {ليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل}.
وقيل لابن مسعود: من ميت الأحياء؟ فقال: الذي لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا وهذا هو المفتون الموصوف في حديث حذيفة بن اليمان. وهنا يغلط فريقان من الناس: فريق يترك ما يجب من الأمر والنهي تأويلا لهذه الآية؛ كما {قال أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - في خطبته: إنكم تقرءون هذه الآية {عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم} وإنكم تضعونها في غير موضعها وإني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه}.
والفريق الثاني: من يريد أن يأمر وينهى إما بلسانه وإما بيده مطلقا؛ من غير فقه وحلم وصبر ونظر فيما يصلح من ذلك وما لا يصلح وما يقدر عليه وما لا يقدر كما في {حديث أبي ثعلبة الخشني: سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: بل ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر حتى إذا رأيت شحا مطاعا وهوى متبعا ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذي رأي برأيه ورأيت أمرا لا يدان لك به فعليك بنفسك ودع عنك أمر العوام؛ فإن من ورائك أيام الصبر فيهن على مثل قبض على الجمر للعامل فيهن كأجر خمسين رجلا يعملون مثل عمله}. فيأتي بالأمر والنهي معتقدا أنه مطيع في ذلك لله ورسوله وهو معتد في حدوده كما انتصب كثير من أهل البدع والأهواء؛ كالخوارج والمعتزلة والرافضة؛ وغيرهم ممن غلط فيما أتاه من الأمر والنهي والجهاد على ذلك وكان فساده أعظم من صلاحه؛ ولهذا {أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالصبر على جور الأئمة؛ ونهى عن قتالهم ما أقاموا الصلاة وقال: أدوا إليهم حقوقهم وسلوا الله حقوقكم}. وقد بسطنا القول في ذلك في غير هذا الموضع. ولهذا كان من أصول أهل السنة والجماعة لزوم الجماعة وترك قتال الأئمة وترك القتال في الفتنة.
وأما أهل الأهواء - كالمعتزلة - فيرون القتال للأئمة من أصول دينهم ويجعل المعتزلة أصول دينهم خمسة: " التوحيد " الذي هو سلب الصفات؛ و " العدل " الذي هو التكذيب بالقدر؛ و " المنزلة بين المنزلتين " و " إنفاذ الوعيد " و " الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر " الذي منه قتال الأئمة. وقد تكلمت على قتال الأئمة في غير هذا الموضع. وجماع ذلك داخل في " القاعدة العامة ":

فيما إذا تعارضت المصالح والمفاسد والحسنات والسيئات أو تزاحمت؛ فإنه يجب ترجيح الراجح منها فيما إذا ازدحمت المصالح والمفاسد وتعارضت المصالح والمفاسد. فإن الأمر والنهي وإن كان متضمنا لتحصيل مصلحة ودفع مفسدة فينظر في المعارض له فإن كان الذي يفوت من المصالح أو يحصل من المفاسد أكثر لم يكن مأمورا به؛ بل يكون محرما إذا كانت مفسدته أكثر من مصلحته؛ لكن اعتبار مقادير المصالح والمفاسد هو بميزان الشريعة فمتى قدر الإنسان على اتباع النصوص لم يعدل عنها وإلا اجتهد برأيه لمعرفة الأشباه والنظائر وقل إن تعوز النصوص من يكون خبيرا بها وبدلالتها على الأحكام. وعلى هذا إذا كان الشخص أو الطائفة جامعين بين معروف ومنكر بحيث لا يفرقون بينهما؛ بل إما أن يفعلوهما جميعا؛ أو يتركوها جميعا: لم يجز أن يؤمروا بمعروف ولا أن ينهوا من منكر؛ ينظر: فإن كان المعروف أكثر أمر به؛ وإن استلزم ما هو دونه من المنكر.

ولم ينه عن منكر يستلزم تفويت معروف أعظم منه؛ بل يكون النهي حينئذ من باب الصد عن سبيل الله والسعي في زوال طاعته وطاعة رسوله وزوال فعل الحسنات وإن كان المنكر أغلب نهى عنه؛ وإن استلزم فوات ما هو دونه من المعروف. ويكون الأمر بذلك المعروف المستلزم للمنكر الزائد عليه أمرا بمنكر وسعيا في معصية الله ورسوله. وإن تكافأ المعروف والمنكر المتلازمان لم يؤمر بهما ولم ينه عنهما. فتارة يصلح الأمر؛ وتارة يصلح النهي؛ وتارة لا يصلح لا أمر ولا نهي حيث كان المعروف والمنكر متلازمين؛ وذلك في الأمور المعينة الواقعة.
وأما من جهة النوع فيؤمر بالمعروف مطلقا وينهى عن المنكر مطلقا. وفي الفاعل الواحد والطائفة الواحدة يؤمر بمعروفها وينهى عن منكرها ويحمد محمودها ويذم مذمومها؛ بحيث لا يتضمن الأمر بمعروف فوات أكثر منه أو حصول منكر فوقه ولا يتضمن النهي عن المنكر حصول أنكر منه أو فوات معروف أرجح منه. وإذا اشتبه الأمر استبان المؤمن حتى يتبين له الحق؛ فلا يقدم على الطاعة إلا بعلم ونية؛ وإذا تركها كان عاصيا فترك الأمر الواجب معصية؛ وفعل ما نهي عنه من الأمر معصية.

وهذا باب واسع ولا حول ولا قوة إلا بالله. ومن هذا الباب إقرار النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن أبي وأمثاله من أئمة النفاق والفجور لما لهم من أعوان فإزالة منكره بنوع من عقابه مستلزمة إزالة معروف أكثر من ذلك بغضب قومه وحميتهم؛ وبنفور الناس إذا سمعوا أن محمدا يقتل أصحابه؛ ولهذا لما خاطب الناس في قصة الإفك بما خاطبهم به واعتذر منه وقال له سعد بن معاذ قولا الذي أحسن فيه: حمي له سعد بن عبادة مع حسن إيمانه. وأصل هذا أن تكون محبة الإنسان المعروف وبغضه للمنكر؛ وإرادته لهذا؛ وكراهته لهذا: موافقة لحب الله وبغضه وإرادته وكراهته الشرعيين. وأن يكون فعله للمحبوب ودفعه للمكروه بحسب قوته وقدرته: فإن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها وقد قال: {فاتقوا الله ما استطعتم}. فأما حب القلب وبغضه وإرادته وكراهيته فينبغي أن تكون كاملة جازمة؛ لا يوجب نقص ذلك إلا نقص الإيمان.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 35.90 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 35.27 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.75%)]