عرض مشاركة واحدة
  #169  
قديم 07-08-2022, 11:55 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,583
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام


فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية.
سُورَةُ آل عمران
المجلد الخامس
الحلقة( 169)

من صــ 41 الى صـ 50




والقول الثالث: المعاد للنفس الناطقة بالموت فقط، وأن الأبدان لا تعاد. وهذا لم يقله أحد من أهل الملل لا المسلمين ولا اليهود ولا النصارى. بل هؤلاء كلهم متفقون على إعادة الأبدان، وعلى القيامة الكبرى. ولكن من تفلسف من هؤلاء فوافق سلفه من الصابئة والفلاسفة المشركين على أن المعاد للروح وحده، فإنه يزعم أن الأنبياء خاطبوا الجمهور بمعاد الأبدان، وإن لم يكن له حقيقة وخاطبوهم بإثبات الصفات لله، وليس له حقيقة، وأن الأنبياء لم يظهروا الحقائق للخلق،وأنه لا يستفاد من أخبارهم معرفة شيء من صفات الله ولا معرفة شيء من أمر المعاد.

وحقيقة قولهم أن الأنبياء كذبوا للمصلحة، وهؤلاء ملاحدة كفار عند المتبعين للأنبياء من المسلمين، واليهود، والنصارى. وإن كان هؤلاء كثيرين موجودين فيمن يتظاهر بأنه من أهل الملل، لظهور أديانهم، وهو في الباطن على هذا الرأي. وهؤلاء القائلون بمعاد الأرواح فقط، منهم من يقول بأن الأرواح تتناسخ إما في أبدان الآدميين، أو أبدان الحيوان مطلقا، أو في موضع الأجسام النامية، ومنهم من يقول بالتناسخ للأنفس الشقية فقط، وكثير من محققيهم ينكر التناسخ

والقول الرابع: إنكار المعادين جميعا، كما هو قول أهل الكفر من العرب، واليونان، والهند،، والترك، وغيرهم، والمتفلسفة أتباع أرسطو كالفارابي وأتباعه، لهم في معاد الأرواح ثلاثة أقوال: قيل: بالمعاد للنفس العالمة والجاهلة، وقيل: بالمعاد للعالمة دون الجاهلة، وقيل: بإنكار الاثنين، والفارابي نفسه قد قال الأقوال الثلاثة، وبسط الكلام على هذه الأمور له موضع آخر، إذ المقصود هنا أن كل ما عند أهل الكتاب بل وسائر أهل الأرض من علم نافع وعمل صالح فهو عند المسلمين.

وعند المسلمين ما ليس عند غيرهم في جميع المطالب التي تنال بها السعادة والنجاة. وعقلاء جميع الأمم تأمر بالعدل ومكارم الأخلاق، وتنهى عن الظلم، والفواحش، ولهم علوم إلهية وعبادات بحسبهم، ويعظمون أهل العلم والدين منهم. والهند، واليونان، والفرس في ذلك أكمل من كفار الترك، والبربر، ونحوهم، مع أن هؤلاء أيضا فيهم قسط من ذلك. ومعلوم عند الاعتبار أن الأمم الذين لهم كتاب كاليهود، والنصارى أكمل من الأمم الذين لا كتاب لهم في الفضائل العلمية، والعملية، فإن ما لم يأخذه الناس عن الأنبياء يعلم بالعقل، والاعتبار، أو بالمنام، والإلهام، وأخبار الجن ونحو ذلك من طرق الأمم. وكل طريق صحيح من الطرق العقلية، والإلهامية، وغيرها، شارك أهل الكتاب فيه من لا كتاب له. ويمتاز أهل الكتاب بعلوم وأعمال أخذوها عن الأنبياء، ليس في قوة من ليس بنبي أن يعلمها، وهذا ظاهر في الأخلاق، والسياسات المنزلية والمدنية.

فإن جنس أهل الكتاب ولو كان منسوخا مبدلا أحسن حالا ممن لا كتاب له. وأما في العبادات والإيمان بالله واليوم الآخر فرجحانهم فيه ظاهر، وأما علوم وأعمال يكون ضررها راجحا، كالسحر، والطلسمات، وما يتوسل به من الشرك إلى استخدام الشياطين، ونحو ذلك، فهذا وإن كان غير أهل الكتاب أقوم به، فإنما ذاك لاستغناء أهل الكتاب بما هو أنفع لهم في الدنيا والآخرة. ولهذا لما ذكر الله سبحانه في قصة سليمان براءته عن ذلك، وكانت الشياطين قد كتبت كتب كفر وسحر، ودفنتها تحت كرسي سليمان، فلما مات أظهروا ذلك وقالوا: إنما كان يسخر الجن بهذه الأسماء والعزائم، فصدقهم فريقان:
فريق قدحوا في سليمان بل كفروه، من أهل الكتاب، وقال: من فعل ذلك فهو كافر، وفريق قالوا: نحن نقتدي بسليمان ونفعل كما كان يفعل، وهم أهل العزائم والطلاسم التي يستخدمون بها الجن، ويقولون: إن سليمان كان يستخدمهم بها، حتى يقولوا: إن هذه الأسماء كانت مكتوبة على تاجه، وهذا صورة خاتمه، وهذا كلام آصف بن برخيا إلى أمثال ذلك مما يضيفونه إليه، وهو كذب على سليمان. وقد ذكر ذلك علماء المسلمين في تفسير قوله تعالى:{ولما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون ولو أنهم آمنوا واتقوا لمثوبة من عند الله خير لو كانوا يعلمون} [البقرة: 101]
فذم سبحانه من عدل عن اتباع كتاب الله ورسله، واتبع ما تتلوه الشياطين على عهد سليمان، وبين سبحانه أن سليمان لم يكفر ولكن الشياطين كفروا، وأنهم يعلمون الناس السحر، وما أنزل على الملكين ببابل وأن الملكين: هاروت وماروت، ما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر. وأخبر سبحانه أنهم لا يضرون به أحدا إلا بإذن الله،وأنهم يتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم، ثم قال: {ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق} [البقرة: 102] أي من نصيب، أي هؤلاء يعلمون أن صاحبه لا نصيب له في الآخرة، وإنما يطلبون أنهم يقضون به أغراضهم الدنيوية لما لهم في ذلك من الهوى، وذلك ضار لهم لا نافع، كما قال في المشرك: {يدعو لمن ضره أقرب من نفعه} [الحج: 13] قال تعالى: {ولو أنهم آمنوا واتقوا لمثوبة من عند الله خير لو كانوا يعلمون} [البقرة: 103]
فبين سبحانه أنه بالإيمان والتقوى يحصل من ثواب الله ما هو خير لهم من هذا، فإنهم إنما يطلبونه لما يرجون به من الخير لهم، وهذا خير لهم، وهذا كقوله: {إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم} [الجمعة: 9]فإن ما تطلبه النفوس فيه لها لذة، يجعل خيرا بذلك الاعتبار، لكن إذا كان الألم زائدا على اللذة كان شره أعظم من خيره. والشرائع جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، فهي تأمر بما تترجح مصلحته، وإن كان فيه مفسدة مرجوحة كالجهاد، وتنهى عما ترجحت مفسدته، وإن كان فيه مصلحة مرجوحة كتناول المحرمات من الخمر وغيره. ولهذا أمر تعالى أن نأخذ بأحسن ما أنزل إلينا من ربنا. فالأحسن: إما واجب وإما مستحب، قال تعالى: {فخذها بقوة وأمر قومك يأخذوا بأحسنها} [الأعراف: 145] وقال: {واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم} [الزمر: 55] فأمر باتباع الأحسن والأخذ به، وقال تعالى:
{فبشر عبادي الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله} [الزمر: 17] فاقتضى أن غيرهم لم يهده، وهذا يقتضي وجوب الأخذ بالأحسن، وهو مشكل، وقد تكلم الناس فيه، ونظيره قوله تعالى:{وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم} [الإسراء: 53]، وقوله تعالى: {ادفع بالتي هي أحسن السيئة} [المؤمنون: 96] مع قوله تعالى في موضع آخر: {ويدرءون بالحسنة السيئة} [الرعد: 22]، وقال تعالى: {وجادلهم بالتي هي أحسن} [النحل: 125]، وقال: {ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن} [العنكبوت: 46]، وقال تعالى: ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن في موضعين.
وقد يقال: هذا نظير قوله تعالى: فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم، وقوله تعالى: آلله خير أم ما يشركون، وقوله تعالى: تالله إن كنا لفي ضلال مبين إذ نسويكم برب العالمين، وقوله: والله خير وأبقى، وقوله: والآخرة خير وأبقى، وقوله: فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا وقوله أي الفريقين خير مقاما وأحسن نديا، وقوله تعالى: {ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة إبراهيم حنيفا واتخذ الله إبراهيم خليلا} [النساء: 125]، وقوله تعالى: {اعدلوا هو أقرب للتقوى} [المائدة: 8]، وقوله: {ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا} [النساء: 66] ونظائر هذا كثيرة، مما يذكر فيه أن المأمور به خير وأحسن من المنهي عنه، وإن كان الأول واجبا والثاني محرما.
وذلك لأن المأمور به قد يشتمل على مفسدة مرجوحة، والمنهي عنه يشتمل على مصلحة مرجوحة، فيكون باعتبار ذلك في هذا خير وحسن، وفي هذا شر وسيئ، لكن هذا خير وأحسن وإن كان واجبا. فقوله تعالى: {واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم} [الزمر: 55] هو أمر بالأحسن من فعل المأمور أو ترك المحظور، وهو يتناول الأمر بالواجب والمستحب، فإن كلاهما أحسن من المحرم والمكروه. لكن يكون الأمر أمر إيجاب، وأمر استحباب، كما أمر بالإحسان في قوله تعالى: {وأحسنوا إن الله يحب المحسنين} [البقرة: 195] والإحسان منه واجب، ومنه مستحب.
(فصل: في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي أنزل الله به كتبه وأرسل به رسله من الدين؛ فإن رسالة الله: إما إخبار وإما إنشاء. فالإخبار عن نفسه وعن خلقه: مثل التوحيد والقصص الذي يندرج فيه الوعد والوعيد. والإنشاء الأمر والنهي والإباحة.

وهذا كما ذكر في أن: {قل هو الله أحد} تعدل ثلث القرآن؛ لتضمنها ثلث التوحيد؛ إذ هو قصص؛ وتوحيد؛ وأمر. وقوله سبحانه في صفة نبينا صلى الله عليه وسلم {يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث} هو بيان لكمال رسالته؛ فإنه صلى الله عليه وسلم هو الذي أمر الله على لسانه بكل معروف ونهى عن كل منكر؛ وأحل كل طيب وحرم كل خبيث؛ ولهذا روي عنه أنه قال: {إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق}. وقال في الحديث المتفق عليه: {مثلي ومثل الأنبياء كمثل رجل بنى دارا فأتمها وأكملها إلا موضع لبنة؛ فكان الناس يطيفون بها ويعجبون من حسنها؛ ويقولون: لولا موضع اللبنة فأنا تلك اللبنة}. فبه كمل دين الله المتضمن للأمر بكل معروف والنهي عن كل منكر وإحلال كل طيب وتحريم كل خبيث.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 34.20 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 33.57 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.84%)]