عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 07-08-2022, 11:48 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,500
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام



فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية.
سُورَةُ آل عمران
المجلد الخامس
الحلقة( 168)

من صــ 31 الى صـ 40



وأما من ترجح عنده فضل إمام على إمام أو شيخ على شيخ بحسب اجتهاده كما تنازع المسلمون: أيهما أفضل الترجيع في الأذان أو تركه؟ أو إفراد الإقامة أو تثنيتها؟ وصلاة الفجر بغلس أو الإسفار بها؟ والقنوت في الفجر أو تركه؟ والجهر بالتسمية؛ أو المخافتة بها؛ أو ترك قراءتها؟ ونحو ذلك: فهذه مسائل الاجتهاد التي تنازع فيها السلف والأئمة فكل منهم أقر الآخر على اجتهاده من كان فيها أصاب الحق فله أجران ومن كان قد اجتهد فأخطأ فله أجر وخطؤه مغفور له فمن ترجح عنده تقليد الشافعي لم ينكر على من ترجح عنده تقليد مالك ومن ترجح عنده تقليد أحمد لم ينكر على من ترجح عنده تقليد الشافعي ونحو ذلك.
ولا أحد في الإسلام يجيب المسلمين كلهم بجواب عام: أن فلانا أفضل من فلان فيقبل منه هذا الجواب؛ لأنه من المعلوم أن كل طائفة ترجح متبوعها فلا تقبل جواب من يجيب بما يخالفها فيه كما أن من يرجح قولا أو عملا لا يقبل قول من يفتي بخلاف ذلك لكن إن كان الرجل مقلدا فليكن مقلدا لمن يترجح عنده أنه أولى بالحق فإن كان مجتهدا اجتهد واتبع ما يترجح عنده أنه الحق ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها وقد قال تعالى: {فاتقوا الله ما استطعتم} لكن عليه أن لا يتبع هواه ولا يتكلم بغير علم قال تعالى: {ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم} وقال تعالى {يجادلونك في الحق بعدما تبين} وما من إمام إلا له مسائل يترجح فيها قوله على قول غيره ولا يعرف هذا التفاضل إلا من خاض في تفاصيل العلم والله أعلم.

(كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ... (110)
قال أبو هريرة في قوله تعالى {كنتم خير أمة أخرجت للناس} كنتم خير الناس للناس تأتون بهم في الأقياد والسلاسل حتى تدخلوهم الجنة. يبذلون أموالهم وأنفسهم في الجهاد لنفع الناس فهم خير الأمم للخلق. والخلق عيال الله فأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله.

وقال شيخ الإسلام - رحمه الله تعالى -:
وقد خص الله تبارك وتعالى محمدا صلى الله عليه وسلم بخصائص ميزه بها على جميع الأنبياء والمرسلين، وجعل له شرعة ومنهاجا، أفضل شرعة وأكمل منهاج.
كما جعل أمته خير أمة أخرجت للناس، فهم يوفون سبعين أمة هم خيرها وأكرمها على الله من جميع الأجناس، هداهم الله بكتابه ورسوله لما اختلفوا فيه من الحق قبلهم، وجعلهم وسطا عدلا خيارا، فهم وسط في توحيد الله وأسمائه وصفاته، وفي الإيمان برسله، وكتبه، وشرائع دينه من الأمر، والنهي، والحلال، والحرام.

فأمرهم بالمعروف، ونهاهم عن المنكر، وأحل لهم الطيبات، وحرم عليهم الخبائث، لم يحرم عليهم شيئا من الطيبات كما حرم على اليهود، ولم يحل لهم شيئا من الخبائث كما استحلتها النصارى، ولم يضيق عليهم باب الطهارة، والنجاسة كما ضيق على اليهود، ولم يرفع عنهم طهارة الحدث، والخبث كما رفعته النصارى، فلا يوجبون الطهارة من الجنابة ولا الوضوء للصلاة، ولا اجتناب النجاسة في الصلاة، بل يعد كثير من عبادهم مباشرة النجاسات من أنواع القرب والطاعات حتى يقال في فضائل الراهب: " له أربعون سنة ما مس الماء "، ولهذا تركوا الختان مع أنه شرع إبراهيم الخليل عليه السلام وأتباعه.

واليهود إذا حاضت عندهم المرأة، لا يؤاكلونها، ولا يشاربونها، ولا يقعدون معها في بيت واحد، والنصارى لا يحرمون وطء الحائض.
وكان اليهود لا يرون إزالة النجاسة، بل إذا أصاب ثوب أحدهم قرضه بالمقراض، والنصارى ليس عندهم شيء نجس يحرم أكله أو تحرم الصلاة معه.
ولذلك المسلمون وسط في الشريعة ; فلم يجحدوا شرعه الناسخ لأجل شرعه المنسوخ، كما فعلت اليهود، ولا غيروا شيئا من شرعه المحكم، ولا ابتدعوا شرعا لم يأذن به الله كما فعلت النصارى، ولا غلوا في الأنبياء والصالحين كغلو النصارى، ولا بخسوهم حقوقهم كفعل اليهود، ولا جعلوا الخالق سبحانه متصفا بخصائص المخلوق، ونقائضه، ومعايبه من الفقر، والبخل، والعجز، كفعل اليهود، ولا المخلوق متصفا بخصائص الخالق سبحانه التي ليس كمثله فيها شيء كفعل النصارى، ولم يستكبروا عن عبادته كفعل اليهود، ولا أشركوا بعبادته أحدا كفعل النصارى.
[فصل: فضل أمة محمد على غيرها من الإيمان. والعمل آية لنبوته]
ومما يبين به فضل أمته على جميع الأمم - وذلك مستلزم لكونه رسولا صادقا كما تقدم، وهو آية وبرهان على نبوته، فإن كل ملزوم فإنه دليل على لازمه.
إن الأمم نوعان: نوع لهم كتاب منزل من عند الله، كاليهود والنصارى، ونوع لا كتاب لهم كالهند، واليونان، والترك، وكالعرب قبل مبعث محمد صلى الله عليه وسلم، وما من أمة إلا ولا بد لها من علم وعمل بحسبهم، ويقوم به ما يقوم من مصالح دنياهم، وهذا من الهداية العامة التي جعلها الله لكل إنسان بل لكل حي، كما يهدي الحيوان لجلب ما ينفعه بالأكل والشرب، ودفع ما يضره باللباس والكن، وقد خلق الله فيه حبا لهذا، وبغضا لهذا. قال تعالى: {سبح اسم ربك الأعلى الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى} [الأعلى: 1]وقال موسى: {ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى} [طه: 50] وقال في أول ما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم:
{اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم} [العلق: 1] وقال تعالى: {ألم نجعل له عينين ولسانا وشفتين وهديناه النجدين} [البلد: 8]، ثم الأمم متفاضلون في معرفة الخالق تعالى، وفي الإقرار بالمعاد بعد الموت، إما للأرواح فقط، وإما للأبدان فقط، وإما لمجموعهما كما هو قول سلف الأمة المسلمين وأئمتهم وعامتهم أهل السنة والجماعة، ومتفاضلون فيما يحمدونه، ويستحسنونه من الأفعال والصفات، وما يذمونه ويستقبحونه من ذلك لكن عامة بني آدم على أن العدل خير من الظلم، والصدق خير من الكذب، والعلم خير من الجهل، فإن المحسن إلى الناس خير من الذي لا يحسن إليهم.
وأما المعاد فهو إما للأرواح أو للأبدان، وإن الناس بعد الموت يكونون سعداء أو أشقياء، فيقر به كثير من الأمم غير أهل الكتاب، وإن كان على وجه قاصر كحكماء الهند، واليونان، والمجوس، وغيرهم، وذلك أن أهل الأرض في المعاد على أربعة أقوال: أحدها: وهو مذهب سلف المسلمين من الصحابة، والتابعين لهم بإحسان، وأئمة المسلمين المشهورين، وغيرهم من أهل السنة، والحديث من الفقهاء، والصوفية، والنظار، وهو إثبات معاد الأرواح والأبدان جميعا وأن الإنسان إذا مات كانت روحه منعمة، أو معذبة، ثم تعاد روحه إلى بدنه عند القيامة الكبرى، ولهذا يذكر الله في كثير من السور أمر القيامتين:

القيامة الصغرى بالموت، والقيامة الكبرى حين يقوم الناس من قبورهم وتعاد أرواحهم إلى أبدانهم، كما ذكر الله القيامتين في سورة الواقعة حيث قال في أولها:{إذا وقعت الواقعة ليس لوقعتها كاذبة خافضة رافعة إذا رجت الأرض رجا وبست الجبال بسا فكانت هباء منبثا وكنتم أزواجا ثلاثة فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة والسابقون السابقون أولئك المقربون} [الواقعة: 1].

ثم ذكر سبحانه حال الأصناف الثلاثة في القيامة الكبرى وقال في آخر السورة: {فلولا إذا بلغت الحلقوم وأنتم حينئذ تنظرون ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون فلولا إن كنتم غير مدينين ترجعونها إن كنتم صادقين فأما إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة نعيم وأما إن كان من أصحاب اليمين فسلام لك من أصحاب اليمين وأما إن كان من المكذبين الضالين فنزل من حميم وتصلية جحيم} [الواقعة: 83] وكذلك في سورة القيامة:{لا أقسم بيوم القيامة ولا أقسم بالنفس اللوامة أيحسب الإنسان ألن نجمع عظامه بلى قادرين على أن نسوي بنانه بل يريد الإنسان ليفجر أمامه يسأل أيان يوم القيامة فإذا برق البصر وخسف القمر وجمع الشمس والقمر يقول الإنسان يومئذ أين المفر كلا لا وزر إلى ربك يومئذ المستقر ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر} [القيامة: 1] فذكر القيامة الكبرى، ثم قال في آخر السورة: {كلا إذا بلغت التراقي وقيل من راق وظن أنه الفراق والتفت الساق بالساق إلى ربك يومئذ المساق} [القيامة: 26] ولبسط هذا موضع آخر، فإن ذكر ما ينال الروح عند فراق البدن من النعيم والعذاب كثير في النصوص النبوية،وأما وصف القيامة الكبرى في الكتاب والسنة فكثير جدا لأن محمدا صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء، وقد بعث بين يدي الساعة، فلذلك وصف القيامة بما لم يصفها به غيره كما ذكر المسيح - في صفته - فقال: إنه يخبركم بكل ما يأتي، ويعرفكم جميع ما للرب

والقول الثاني: قول من يثبت معاد الأبدان فقط، كما يقول ذلك كثير من المتكلمين الجهمية، والمعتزلة المبتدعين من هذه الأمة، وبعض المصنفين يحكي هذا القول عن جمهور متكلمي المسلمين، أو جمهور المسلمين، وذلك غلط، فإنه لم يقل ذلك أحد من أئمة المسلمين، ولا هو قول جمهور نظارهم، بل هو قول طائفة من متكلميهم المبتدعة، الذين ذمهم السلف والأئمة.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 33.41 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 32.78 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.88%)]