عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 07-08-2022, 11:20 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,520
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام


فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية.
سُورَةُ آل عمران
المجلد الرابع
الحلقة( 164)

من صــ 491 الى صـ 500





وعلموا كذب أهل الجهل والضلالة فيما قد يأثرونه عن النبي صلى الله عليه وسلم لعلمهم بكذب من يزعم من الرافضة أن النبي صلى الله عليه وسلم نص على علي بالخلافة نصا قاطعا جليا وزعم آخرين أنه نص على آل العباس. وعلموا أكاذيب الرافضة والناصبة - التي يأثرونها في مثل " الغزوات " التي يروونها عن علي وليس لها حقيقة كما يرويها المكذبون الطرقية: مثل أكاذيبهم الزائدة في سيرة عنتر والبطال - حيث علموا مجموع مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن القتال فيها كان في تسعة مغاز فقط ولم يكن عدة المسلمين ولا العدو في شيء من مغازي القتال عشرين ألفا.
ومثل " الفضائل " المروية ليزيد بن معاوية ونحوه والأحاديث التي يرويها كثير من الكرامية في الإرجاء ونحوه والأحاديث التي يرويها كثير من النساك في صلوات أيام الأسبوع وفي صلوات أيام الأشهر الثلاثة والأحاديث التي يروونها في استماع النبي صلى الله عليه وسلم هو وأصحابه وتواجده وسقوط البردة عن ردائه وتمزيقه الثوب وأخذ جبريل لبعضه وصعوده به إلى السماء وقتال أهل الصفة مع الكفار واستماعهم لمناجاته ليلة الإسراء والأحاديث المأثورة في نزول الرب إلى الأرض يوم عرفة وصبيحة مزدلفة ورؤية النبي صلى الله عليه وسلم له في الأرض بعين رأسه وأمثال هذه الأحاديث المكذوبة التي يطول وصفها فإن المكذوب من ذلك لا يحصيه أحد إلا الله تعالى.
لأن الكذب يحدث شيئا فشيئا ليس بمنزلة الصدق الموروث عن النبي صلى الله عليه وسلم الذي لا يحدث بعده وإنما يكون موجودا في زمنه صلى الله عليه وسلم وهو محفوظ محروس بنقل خلفاء الرسول وورثة الأنبياء. وكان من الدلائل على انتفاء هذه الأمور المكذوبة وغيرها وجوه:
أحدها: أن ما توفرت همم الخلق ودواعيهم على نقله وإشاعته يمتنع في العادة كتمانه فانفراد العدد القليل به يدل على كذبهم كما يعلم كذب من خرج يوم الجمعة وأخبر بحادثة كبيرة في الجامع مثل سقوط الخطيب وقتله وإمساك أقوام في المسجد إذا لم يخبر بذلك إلا الواحد والاثنان ويعلم كذب من أخبر أن في الطرقات بلادا عظيمة وأمما كثيرين ولم يخبر بذلك السيارة وإنما انفرد به الواحد والاثنان ويعلم كذب من أخبر بمعادن ذهب وفضة متيسرة لمن أرادها بمكان يعلمه الناس ولم يخبر بذلك إلا الواحد والاثنان وأمثال ذلك كثيرة فباعتبار العقل وقياسه وضربه الأمثال يعلم كذب ما ينقل من الأمور التي مضت سنة الله بظهورها وانتشارها لو كانت موجودة. كما يعلم أيضا صدق ما مضت سنة الله في عباده أنهم لا يتواطئون فيه على الكذب من الأمور المتواترة والمنقولات المستفيضة فإن الله جبل جماهير الأمم على الصدق والبيان في مثل هذه الأمور دون الكذب والكتمان كما جبلهم على الأكل والشرب واللباس فالنفس بطبعها تختار الصدق إذا لم يكن لها في الكذب غرض راجح وتختار الأخبار بهذه الأمور العظيمة دون كتمانها. والناس يستخبر بعضهم بعضا ويميلون إلى الاستخبار والاستفهام عما يقع وكل شخص له من يؤثر أن يصدقه ويبين له دون أن يكذبه ويكتمه والكذب والكتمان يقع كثيرا في بني آدم في قضايا كثيرة لا تنضبط كما يقع منهم الزنا وقتل النفوس والموت جوعا وعريا ونحو ذلك لكن ليس الغالب على أنسابهم إلا الصحة وعلى أنفسهم إلا البقاء فالغرض هنا أن الأمور المتواترة يعلم أنهم لم يتواطئوا فيها على الكذب والأخبار الشاذة يعلم أنهم لم يتواطئوا فيها على الكتمان.
(الوجه الثاني: أن دين الأمة يوجب عليهم تبليغ الدين وإظهاره وبيانه ويحرم عليهم كتمانه ويوجب عليهم الصدق ويحرم عليهم الكذب فتواطؤهم على كتمان ما يجب بيانه كتواطئهم على الكذب وكلاهما من أقبح الأمور التي تحرم في دين الأمة وذلك باعث موجب الصدق والبيان.
الثالث: أنه قد علم من عدل سلف الأمة ودينها وعظيم رغبتها في تبليغ الدين وإظهاره وعظيم مجانبتها للكذب على الرسول صلى الله عليه وسلم ما يوجب أعظم العلوم الضرورية؛ بأنهم لم يكذبوا فيما نقلوه عنه ولا كتموا ما أمرهم بتبليغه وهذه العادة الحاجية الخاصة الدينية لهم غير العادة العامة المشتركة بين جنس البشر.
(الرابع: أن العلماء الخاصة يعلمون من نصوص رسول الله صلى الله عليه وسلم الموجبة عليهم التبليغ ومن تعظيمهم لأمر الله ورسوله ومن دين آحادهم: مثل الخلفاء ومثل ابن مسعود وأبي ومعاذ وأبي الدرداء - إلى ابن عمر وابن عباس وابن عمرو وغيرهم. يعلمون علما يقينا - لا يتخالجه ريب - امتناع هؤلاء من كتمان قواعد الدين التي يجب تبليغها إلى العامة كما يعلمون امتناعهم من الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم. ويعلم أيضا أهل الحديث مثل أحوال المشاهير بمعرفة ذلك مثل الزهري وقتادة ويحيى بن أبي كثير ومثل مالك والثوري وشعبة وحماد بن زيد وحماد بن سلمة وغيرهم أمورا يعلمون معها امتناعهم من الكذب وامتناعهم عن كتمان تبليغ هذه الأمور العظيمة التي تأبى أحوالهم كتمانها لو كانت موجودة ولهم في ذلك أسباب يطول شرحها وليس الغرض هنا تقرير ذلك. وإنما الغرض التنبيه على ما وقع من الشبهة لبعض الناس من أهل الأهواء.
قالوا: هذا الذي ذكرتموه معارض بأمر الأذان والإقامة فإنه كان يفعل على عهد النبي صلى الله عليه وسلم كل يوم خمس مرات ومع هذا فقد وقع الاختلاف في صفته وكذلك الجهر بالبسملة والقنوت في الفجر وحجة الوداع من أعظم وقائعه وقد وقع الاختلاف في نقلها وذكروا نحو هذه الأمور التي وقعت فيها الشبهة والنزاع عند بعض الناس وجعلوا هذا معارضا لما تقدم ليسوغوا أن يكون من أمور الدين ما لم ينقل بل كتم لأهواء وأغراض.

وأما جهة الرأي والتنازع فإن تنازع العلماء واختلافهم في صفات العبادات بل وفي غير ذلك من أمور الدين صار شبهة لكثير من أهل الأهواء من الرافضة وغيرهم وقالوا: إن دين الله واحد والحق لا يكون في جهتين: {ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا}.

فهذا التفرق والاختلاف دليل على انتفاء الحق فيما عليه أهل السنة والجماعة ويعبرون عنهم بعبارات تارة يسمونهم الجمهور وتارة يسمونهم الحشوية وتارة يسمونهم العامة ثم صار أهل الأهواء لما جعلوا هذا مانعا من كون الحق فيما عليه أهل السنة والجماعة كل ينتحل سبيلا من سبل الشيطان.
فالرافضة تنتحل النقل عن أهل البيت لما لا وجود له وأصل من وضع ذلك لهم زنادقة مثل رئيسهم الأول عبد الله بن سبأ الذي ابتدع لهم الرفض ووضع لهم أن النبي صلى الله عليه وسلم نص على علي بالخلافة وأنه ظلم ومنع حقه وقال إنه كان معصوما وغرض الزنادقة بذلك التوسل إلى هدم الإسلام ولهذا كان الرفض باب الزندقة والإلحاد فالصابئة المتفلسفة ومن أخذ ببعض أمورهم أو زاد عليهم - من القرامطة والنصيرية والإسماعيلية والحاكمية وغيرهم - إنما يدخلون إلى الزندقة والكفر بالكتاب والرسول وشرائع الإسلام من باب التشيع والرفض والمعتزلة ونحوهم تنتحل القياس والعقل وتطعن في كثير مما ينقله أهل السنة والجماعة ويعللون ذلك بما ذكر من الاختلاف ونحوه. وربما جعل ذلك بعض أرباب الملة من أسباب الطعن فيها وفي أهلها فيكون بعض هؤلاء المتعصبين ببعض هذه الأمور الصغار ساعيا في هدم قواعد الإسلام الكبار.
(فصل: زوال الفرقة والاختلاف يكون بالسنة والجماعة)
فصل:
إذا تبين بعض ما حصل في هذا الاختلاف والتفرق من الفساد فنحن نذكر طريق زوال ذلك ونذكر ما هو الواجب في الدين في هذه المنازعات وذلك ببيان الأصلين اللذين هما " السنة والجماعة "
المدلول عليهما بكتاب الله فإنه إذا اتبع كتاب الله وما تضمنه من اتباع رسوله والاعتصام بحبله جميعا حصل الهدى والفلاح وزال الضلال والشقاء. أما الأصل الأول: وهو " الجماعة " وبدأنا به لأنه أعرف عند عموم الخلق ولهذا يجب عليهم تقديم الإجماع على ما يظنونه من معاني الكتاب والسنة. فنقول: عامة هذه التنازعات إنما هي في أمور مستحبات ومكروهات لا في واجبات ومحرمات؛ فإن الرجل إذا حج متمتعا أو مفردا أو قارنا كان حجه مجزئا عند عامة علماء المسلمين وإن تنازعوا في الأفضل من ذلك ولكن بعض الخارجين عن الجماعة يوجب أو يمنع ذلك فمن الشيعة من يوجب المتعة ويحرم ما عداها ومن الناصبة من يحرم المتعة ولا يبيحها بحال. وكذلك الأذان سواء رجع فيه أو لم يرجع فإنه أذان صحيح عند جميع سلف الأمة وعامة خلفها وسواء ربع التكبير في أوله أو ثناه وإنما يخالف في ذلك بعض شواذ المتفقهة كما خالف فيه بعض الشيعة فأوجب له الحيعلة " بحي على خير العمل " وكذلك الإقامة يصح فيها الإفراد والتثنية بأيها أقام صحت إقامته عند عامة علماء الإسلام إلا ما تنازع فيه شذوذ الناس. وكذلك الجهر بالبسملة والمخافتة كلاهما جائز لا يبطل الصلاة وإن كان من العلماء من يستحب أحدهما أو يكره الآخر أو يختار أن لا يقرأ بها. فالمنازعة بينهم في المستحب وإلا فالصلاة بأحدهما جائزة عند عوام العلماء فإنهم وإن تنازعوا بالجهر والمخافتة في موضعهما هل هما واجبان أم لا؟ وفيه نزاع معروف في مذهب مالك وأحمد وغيرهما فهذا في الجو الطويل بالقدر الكثير مثل المخافتة بقرآن الفجر والجهر بقراءة صلاة الظهر. فأما الجهر بالشيء اليسير أو المخافتة به فمما لا ينبغي لأحد أن يبطل الصلاة بذلك وما أعلم أحدا قال به. فقد ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان في صلاة المخافتة يسمعهم الآية أحيانا وفي صحيح البخاري {عن رفاعة بن رافع الزرقي قال: كنا نصلي وراء النبي صلى الله عليه وسلم فلما رفع رأسه من الركعة. قال: سمع الله لمن حمده قال رجل وراءه: ربنا ولك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه فلما انصرف قال: من المتكلم؟ قال: أنا قال: رأيت بضعة وثلاثين ملكا يبتدرونها أيهم يكتبها أول}.

ومعلوم أنه لولا جهره بها لما سمعه النبي صلى الله عليه وسلم ولا الراوي. ومعلوم أن المستحب للمأموم المخافتة بمثل ذلك وكذلك ثبت في الصحيح عن عمر أنه كان يجهر بدعاء الاستفتاح " سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك. وهذا فعله بين المهاجرين والأنصار. والسنة الراتبة فيه المخافتة وكذلك كان من الصحابة من يجهر بالاستعاذة وفي الصحيح عن ابن عباس أنه جهر بقراءة الفاتحة على الجنازة وقال: لتعلموا أنها السنة ولهذا نظائر.

وأيضا فلا نزاع أنه كان من الصحابة من يجهر بالبسملة كابن الزبير ونحوه ومنهم من لم يكن يجهر بها كابن مسعود وغيره وتكلم الصحابة في ذلك ولم يبطل أحد منهم صلاة أحد في ذلك. وهذا مما لم أعلم فيه نزاعا وإن تنازعوا في وجوب قراءتها فتلك مسألة أخرى. وكذلك القنوت في الفجر إنما النزاع بينهم في استحبابه أو كراهيته وسجود السهو لتركه أو فعله وإلا فعامتهم متفقون على صحة صلاة من ترك القنوت وأنه ليس بواجب وكذلك من فعله إذ هو تطويل يسير للاعتدال ودعاء الله في هذا. . . (1) الأذان فإذا كان كل واحد من مؤذني رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمره النبي صلى الله عليه وسلم بأحد النوعين صار ذلك مثل تعليمه القرآن لعمر بحرف ولهشام بن حكيم بحرف آخر كلاهما قرآن أذن الله أن يقرأ به. وكذلك الترجيع في الأذان هو ثابت في أذان أبي محذورة وهو محذوف من أذان بلال الذي رووه في السنن وكذلك الجهر بالبسملة والمخافتة بها صح الجهر بها عن طائفة من الصحابة وصحت المخافتة بها عن أكثرهم وعن بعضهم الأمران جميعا.

وأما المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم فالذي في الصحاح والسنن؛ يقتضي أنه لم يكن يجهر بها كما عليه عمل أكثر الصحابة وأمته ففي الصحيح حديث أنس وعائشة وأبي هريرة يدل على ذلك دلالة بينة لا شبهة فيها وفي السنن أحاديث أخر: مثل حديث ابن مغفل وغيره وليس في الصحاح والسنن حديث فيه ذكر جهره بها والأحاديث المصرحة بالجهر عنه كلها ضعيفة عند أهل العلم بالحديث ولهذا لم يخرجوا في أمهات الدواوين منها شيئا ولكن في الصحاح والسنن أحاديث محتملة. وقد روى الطبراني بإسناد حسن {عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجهر بها إذ كان بمكة وأنه لما هاجر إلى المدينة ترك الجهر بها حتى مات}ورواه أبو داود في الناسخ والمنسوخ وهذا.
__________
Q (1) سقط في الأصل


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 40.85 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 40.22 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.54%)]