أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ (19) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20) يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ (21) وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (22) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ وَلِقَائِهِ أُولَئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (23)
شرح الكلمات:
أو لم يروا: أي ينظروا بأبصارهم فيعلموا بقلوبهم.
يبدئ الله الخلق: أي كيف يخلق المخلوق ابتداء.
ثم يعيده: أي ثم هو تعالى يعيده بعد بدئه وإفنائه يعيده لأن الإعادة أهون من البدء وقد بدأ وأفنى فهو بالضرورة قادر على الإعادة.
إن ذلك: أي أن الخلق الأول والثاني هو الإعادة.
على الله يسير: أي سهل لا صعوبة فيه، فكيف إذًا ينكر المشركون البعث.
قل سيروا في الأرض: أي قل يا رسولنا لقومك المكذبين بالبعث سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الله الخلق وأنشأه، تستدلون بذلك على قدرته على البعث الآخر.
ثم الله ينشئ النشأة الآخرة: أي يحيي الناس بعد موتهم وهو البعث الآخر الذي أنكره الجاهلون.
وإليه تقلبون: أي ترجعون إليه لا إلى غيره أحياء كما كنتم فيحاسبكم ويجزيكم بأعمالكم، الحسنة بخير منها والسيئة بمثلها جزاء عادلا.
وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء: أي بغالبين ولا فائتين بالهروب فإن الله غالبكم.
وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير: ليس لكم من ولي يتولاكم ولا نصير ينصركم من الله تعالى.
يئسوا من رحمتي: أي من دخول الجنة لأنهم كافرون أعظم كفر وهو التكذيب بالقرآن والبعث الآخر.
معنى الآيات:
ما زال السياق في تقرير أصول الدين التوحيد والنبوة البعث وقد قررت الآيات السابقة أصلي التوحيد والنبوة المحمدية وفي هذه الآيات تقرير الأصل الثالث وهو البعث والجزاء في
الدار الآخرة. قال: {أَوَلَمْ يَرَوْا (1) } أي أولئك المنكرون للبعث، أيكذبون؟ ولم ينظروا كيف يبدئ الله الخلق أي خلق الإنسان، فإن ذلك دال على إعادته متى أراد الله الخالق ذلك، ثم هو تعالى يعيده متى شاء، {إِنَّ ذَلِكَ} أي الخلق والإعادة بعد الفناء والبلى {عَلَى اللهِ يَسِيرٌ} سهل لا يتعذر عليه أبدا.
وقوله تعالى: {قُلْ (2) سِيرُوا فِي الْأَرْضِ} أي قل يا رسولنا للمكذبين بالبعث الآخر {سِيرُوا فِي الْأَرْضِ} شرقاً وغرباً {فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ} تعالى خلق تلك المخلوقات التي تشاهدونها من أرض، وسماء، وأنهار، وأشجار، وحيوان، وإنسان، إنها كلها كانت عدما فأنشأها الله تعالى ثم هو سيفنيها {ثُمَّ اللهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ (3) } وذلك بأن يعيد حياة الإنسان ليحاسبه على كسبه في الدنيا ويجزيه به خيراً أو شراً، {إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ (4) قَدِيرٌ} إذاً فلا يستنكر عليه إعادة الناس أحياء بعد نهاية هذه الحياة الدنيا ليحاسبهم ويجزيهم بما كانوا يعملون. وقوله تعالى: {يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ} هذه فائدة وحكمة البعث الآخرة وهي المجازاة على العمل في هذه الحياة فيعذب أهل الكفر به وبرسوله والذين لم يزكوا أنفسهم بالإيمان وصالح الأعمال فيدخلهم في جهنم دار الشقاء والعذاب ويرحم أهل الإيمان والتقوى الذين زكوا أنفسهم بالإيمان والصالحات. وقوله: {وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ} أي إلى الله ربكم ترجعون بعد الموت والفناء وإنشاء النشأة الآخرة وقوله {وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (5) } أي الله تعالى {فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ} بل أنتم مقهورون له خاضعون لسلطانه لا يمكنكم من الهروب منه ولا الخلاص بحال من الأحوال. وليس لكم من دونه تعالى ولي يتولاكم فيدفع عنكم العذاب ولا نصير ينصركم فلا تُغلبون ولا تعذبون وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ} التي جاءت بها
رسله {وَلِقَائِهِ} وهو البعث الآخر الموجب للوقوف بين يدي الله للسؤال والحساب والجزاء هذا إن كان للعبد ما يحاسب عليه من الخير، أما إن لم يكن له حسنات فإنه يلقى في جهنم بلا حساب ولا وزن إذ ليس له من الصالحات ما يوزن له ويحاسب به، ولذا قال تعالى: {أولئك} أي المكذبون بآيات (6) الله ولقائه {أُولَئِكَ يَئِسُوا مِنْ (7) رَحْمَتِي} إذ تكذيبهم بالقرآن مانع من الإيمان والعمل الصالح وتكذيبهم بيوم القيامة مانع لهم أن يتخلوا عن الشرك والمعاصي، أو يعملوا صالحاً من الصالحات لتكذيبهم بالجزاء، فهم يائسون من الجنة. {وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} أي موجع وهو عذاب النار في جهنم والعياذ بالله تعالى.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- وجوب استعمال العقل للاستدلال على الغائب بالحاضر وعلى المعدوم بالموجود.
2- تقرير عقيدة البعث والجزاء وذكر أدلتها التفصيلية.
3- تقرير عجز الإنسان التام وأنه لا مهرب له من الله تعالى ربه ومالكه وهي حال تستدعي الفرار إلى الله اليوم
بالإيمان والتقوى.
4- إنذار المكذبين بأنهم إن ماتوا على التكذيب بالبعث لا يدخلون الجنة بحال، وسيعذبون في نار جهنم أشد
العذاب.
__________
1 - الاستفهام للإنكار والتوبيخ لهم على عدم استعمال عقولهم إذ ينكرون البعث وأمامهم صور منه دالة عليه فهو يبدئ الثمار فتحيا ثم تفنى ثم يعيدها أبداً ويخلق المرء ثم يميته بعد أن يخلق منه ولداً ويخلق من الولد ولداً، وهكذا تتكرر عملية البعث أمامهم فما لهم لا يرونها؟!
2 - هذا الأمر للإرشاد والتوجيه والنصح لو كانوا يعقلون.
3 - أظهر اسم الجلالة بعد تقديم ذكر ضميره في قوله: (كيف بدأ الخلق) ليحرك ضمائرهم باسم الجلالة ويدفع بنفوسهم إلى التسليم بالنشأة الآخرة بعد التسليم بالنشأة الأولى وهي بدء الخلق.
4 - الجملة تذييلية أعلن فيها عن قدرة الله الذي لا يعجزه شيء أراده: البدء كالإعادة سواء.
5 - المعجزة: هو الذي يجعل غيره عاجزاً عن فعل ما وهو هنا كناية عن الغلبة والانقلاب، قرر بهذه الجملة عجزهم التام في الأرض التي هم يسكنونها، وحتى في السماء لو فرض أنهم يرقونها وما هم بأهل لذلك كما قال الأعشى:
فلو كنت في جبّ ثمانين قامة
6 - المراد بآيات الله: القرآن الكريم: المشتمل على الأدلة البراهين والحجج الدالة على قدرة الله وعلمه وحكمته والمفصلة لأنواع عباداته.
7 - أخبر عن يأسهم بالفعل الماضي تنبيهاً على تحقيق وقوعه وإن كان المعنى أنهم سييأسون من رحمة الله التي هي الجنة لا محالة.
ورقيت أسباب السماء بسلّم.