عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 05-08-2022, 01:29 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 167,412
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله



تفسير "محاسن التأويل"

محمد جمال الدين القاسمي
سُورَةُ النِّسَاءِ
المجلد الخامس
صـ 1395 الى صـ 1402
الحلقة (236)

روى الشيخان عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: تضمن الله لمن خرج في سبيله لا يخرجه إلا جهادا في سبيلي، وإيمانا بي، وتصديقا برسلي فهو علي ضامن أن أدخله الجنة أو أرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه نائلا ما نال من أجر أو غنيمة (لفظ مسلم ).
[ ص: 1395 ] القول في تأويل قوله تعالى:

وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا [75]

وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله خطاب للمأمورين بالقتال، على طريقة الالتفات؛ مبالغة في التحريض عليه، وتأكيدا لوجوبه.

وقوله تعالى: والمستضعفين مجرور عطفا على اسم الله، أي: في سبيل المستضعفين الذين هم كأنفسكم، وهو تخليصهم من الأسر وصونهم عن العدو، أو على "السبيل" بحذف المضاف، أي: في خلاص المستضعفين، أو منصوب على الاختصاص، يعني: وأختص من سبيل الله خلاص المستضعفين؛ لأن سبيل الله عام في كل خير، وخلاص المستضعفين من المسلمين من أيدي الكفار من أعظم الخير وأخصه.

قال في "الانتصاف": وفي النصب مبالغة في الحث على خلاصهم من جهتين:

إحداهما: التخصيص بعد التعميم، فإنه يقتضي إضمار الناصب الذي هو أختص، ولولا النصب لكان التخصيص معلوما من إفراده بالذكر، ولكن أكد هذا المعلوم بطريق اللزوم بأن أخرجه إلى النطق.

من الرجال والنساء والولدان بيان للمستضعفين، أو حال منهم، وهم المسلمون الذين صدهم المشركون عن الهجرة، فبقوا بمكة مستذلين مستضعفين يلقون منهم الأذى الشديد، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يدعو لهم فيقول: اللهم أنج الوليد بن الوليد، وسلمة بن هشام، وعياش بن أبي ربيعة، والمستضعفين من المؤمنين كما في الصحيح.

[ ص: 1396 ] وإنما ذكر (الولدان) معهم؛ تكميلا للاستعطاف واستجلاب المرحمة، وتنبيها على تناهي ظلم المشركين، بحيث بلغ أذاهم الصبيان، وإيذانا بإجابة الدعاء الآتي بسبب مشاركتهم في الدعاء.

الذين يقولون من إيذاء أهل مكة وإذلالهم إياهم، متبرئين من المقام بها ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها أي: بالشرك الذي هو ظلم عظيم، وبأذية المسلمين، وهي مكة، و(الظالم) صفتها، وتذكيره لتذكير ما أسند إليه، فإن اسم الفاعل والمفعول إذا أجري على غير من هو له كان كالفعل في التذكير والتأنيث، بحسب ما عمل فيه، قاله أبو السعود .

واجعل لنا من لدنك وليا أي: سخر لنا من عندك حافظا يحفظ علينا ديننا واجعل لنا من لدنك نصيرا ناصرا يدفع عنا أذيات أعدائنا، أو المعنى: واجعل لنا من لدنك ولاية ونصرة، أي: لتكن أنت ولينا وناصرنا، وقد استجاب الله عز وجل دعاءهم حيث يسر لبعضهم الخروج إلى المدينة، وجعل لمن بقي منهم خير ولي وأعز ناصر، ففتح مكة على نبيه - صلى الله عليه وسلم - فتولاهم أي تول، ونصرهم أية نصرة، حتى صاروا أعز أهلها.

وروى البخاري بالسند إلى ابن عباس قال: كنت أنا وأمي من المستضعفين، وبه إليه قال: كانت أمي ممن عذر الله.

[ ص: 1397 ] قال الرازي : معنى الآية: لا عذر لكم في ترك المقاتلة، وقد بلغ حال المستضعفين من المسلمين إلى ما بلغ في الضعف، فهذا حث شديد على القتال، وبيان العلة التي صار لها القتال واجبا، وهو ما في القتال من تخليص هؤلاء المؤمنين من أيدي الكفرة؛ لأن هذا الجمع إلى الجهاد يجري مجرى فكاك الأسير. انتهى.
تنبيه:

قال بعض المفسرين: ثمرة هذه الآية تأكيد لزوم الجهاد ؛ لأنه تعالى وبخ على تركه، تدل الآية على لزوم استنقاذ المسلم من أيدي الكفار، ويأتي مثل هذا استنقاذه من كل مضرة، من ظالم أو لص وغير ذلك، ووجه مأخذ ذلك أنه تعالى جعل ذلك كالعلم للانقطاع إليه، وتدل على أن حكم الولدان حكم الآباء؛ لأن الظاهر أنه أراد الصغار.

قال الزمخشري : ويجوز أن يراد بالرجال والنساء الأحرار والحرائر، وبالولدان العبيد والإماء؛ لأن العبد والأمة يقال لهما: الوليد والوليدة، وقيل (للولدان والولائد) الولدان؛ لتغليب الذكور على الإناث، كما يقال: الآباء والإخوة، وتدل الآية على أن للداعي حقا عند الله؛ لأنه جعل ذلك اختصاصا لنصرته، وتدل على لزوم الهجرة من ديار الكفر، وأن المؤمن لا يذل نفسه بجعله مستضعفا؛ لأنه تعالى أوجب المقاتلة لزوال الغلبة عليهم، وفي الآيات هذه تأكيدات متتابعة على لزوم الجهاد.

لطيفة:

قال ناصر الدين في "الانتصاف": وقفت على نكتة في هذه الآية حسنة، وهي أن كل قرية ذكرت في الكتاب العزيز فالظلم ينسب إليها بطريق المجاز، كقوله: وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة إلى قوله: فكفرت بأنعم الله [النحل: من الآية 112] وقوله: [ ص: 1398 ] وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها [القصص: من الآية 58]وأما هذه القرية (في سورة النساء) فينسب الظلم إلى أهلها على الحقيقة؛ لأن المراد بهامكة ، فوقرت عن نسبة الظلم إليها؛ تشريفا لها، شرفها الله تعالى، ثم شجع تعالى المؤمنين ورغبهم في الجهاد بقوله:
القول في تأويل قوله تعالى:

الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفا [76]

الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله يعني في طاعته لإعلاء كلمته، فهو وليهم وناصرهم والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت في طاعة الشيطان الآمر بغاية الطغيان، كإيذاء المستضعفين من المؤمنين وقتال أقويائهم فقاتلوا أولياء الشيطان أي: جنده.

قال أبو السعود : وذكرهم بهذا العنوان للدلالة على أن ذلك نتيجة لقتالهم في سبيل الشيطان، والإشعار بأن المؤمنين أولياء الله تعالى لما أن قتالهم في سبيله، وكل ذلك لتأكيد رغبة المؤمنين في القتال وتقوية عزائمهم عليه، فإن ولاية الله تعالى علم في العزة والقوة، كما أن ولاية الشيطان مثل في الذلة والضعف، كأنه قيل: إذا كان الأمر كذلك فقاتلوا يا أولياء الله أولياء الشيطان، ثم صرح في التعليل فقيل: إن كيد الشيطان كان ضعيفا أي: في حد ذاته، فكيف بالقياس إلى قدرة الله تعالى، ولم يتعرض لبيان قوة جنابه تعالى؛ إيذانا بظهورها.

قالوا: فائدة إدخال (كان) في أمثال هذه المواقع التأكيد ببيان أنه منذ كان كان كذلك، فالمعنى: إن كيد الشيطان منذ كان كان موصوفا بالضعف. انتهى.

(والكيد): السعي في فساد الحال على جهة الاحتيال عليه، يقال: كاده يكيده إذا سعى في إيقاع الضرر على جهة الحيلة عليه، أفاده الرازي .
[ ص: 1399 ] القول في تأويل قوله تعالى:

ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة فلما كتب عليهم القتال إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية وقالوا ربنا لم كتبت علينا القتال لولا أخرتنا إلى أجل قريب قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى ولا تظلمون فتيلا [77]

ألم تر إلى الذين قيل لهم وهم المؤمنون عند استئذانهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في القتال قبل أن يؤمروا به كفوا أيديكم أي: عن القتال، فإنكم لم تؤمروا به وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة أي: أتموا الصلوات الخمس بوضوئها وركوعها وسجودها، وما يجب فيها من مواقيتها، وأعطوا زكاة أموالكم فلما كتب أي: فرض عليهم القتال أي: الجهاد في سبيل الله حين قوي حالهم إذا فريق منهم أي: طائفة منهم وهم المنافقون، وإدخالهم مع المؤمنين لما كانوا يظهرونه من أنفسهم أنهم منهم يخشون الناس أي: يخافون أهل مكة الكفار أن يقتلوهم كخشية الله أي: كما يخشون الله أن ينزل عليهم بأسه أو أشد خشية أي: أكثر خوفا منه.

فإن قيل: ظاهر قوله: أو أشد خشية يوهم الشك، وذلك على علام الغيوب محال (أجيب) بأن (أو) إما بمعنى (بل) أو هي للتنويع على أن المعنى: أن خشية بعضهم كخشية الله وخشية بعضهم أشد منها، أو للإبهام على السامع، بمعنى أنهم على إحدى الصفتين من المساواة والشدة، وهو قريب مما في قوله تعالى: وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون [الصافات: 147] يعني أن من يبصرهم يقول: إنهم مائة ألف أو يزيدون.
تنبيه:

حكى المفسرون هنا رواية عن ابن عباس أن هذه الآية نزلت في جماعة من الصحابة [ ص: 1400 ] المهاجرين، وأنهم كانوا يلقون من مشركي مكة قبل الهجرة أذى شديدا، فيشكون ذلك إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ويقولوا: ائذن لنا في قتالهم، فيقول لهم النبي - صلى الله عليه وسلم -: كفوا أيديكم، فإني لم أومر بقتالهم، واشتغلوا بإقامة دينكم من الصلاة والزكاة ثم بعد الهجرة إلى المدينة لما أمروا بقتالهم في وقعة بدر كرهه بعضهم، فنزلت الآية.

وعندي أن هذه الآية كسوابقها نزلت في المنافقين؛ تقريعا لهم وتحذيرا للمخلصين من شاكلتهم، والقول بنزولها في بعض المؤمنين لا يصح لوجوه:

منها: أن في إسنادها عن ابن عباس من ليس على شرط الصحيح.

ومنها: أن طلبهم للجهاد وهم في مكة مع قلة العدد والعدد، وممالأة العدو عليهم من كل جانب - في غاية البعد.

ومنها: أن السياق في المنافقين، وقد ابتدئ الكلام في شأنهم من قوله تعالى: ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنـزل إليك وما أنـزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت إلى قوله تعالى الآتي : فلا تتخذوا منهم أولياء الآية، كما يظهر من التدبر الصادق.

ومنها: أن هذا السياق اشتمل على أمور تدل على أنها مختصة بالمنافقين؛ لأنه تعالى قال في وصفهم: يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية ولا يكون هذا الوصف إلا لكافر أو منافق، وحكى تعالى عنهم أنهم قالوا: وقالوا ربنا لم كتبت علينا القتال ولم يعهد هذا عن المؤمنين، بل المحفوظ مبادرتهم للجهاد، كما روى ابن إسحاق في "السيرة" أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استشار الناس في غزوة بدر، فقام أبو بكر الصديق فقال وأحسن، ثم قام عمر بن الخطاب فقال وأحسن، ثم قام المقداد بن عمرو فقال: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - امض لما أراك الله، فنحن معك، والله لا نقول كما قالت بنو إسرائيل لموسى: فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون [المائدة: من الآية 24] ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون، فوالذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه.

[ ص: 1401 ] ثم قال سعد بن معاذ: امض يا رسول الله لما أردت، فنحن معك، فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك، ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدا، إنا لصبر في الحرب صدق في اللقاء.


ومنها أنه تعالى ذكر بعد ذلك قوله: وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك [النساء: من الآية 78]، ولا شك أن هذا من كلام المنافقين، ثم صرح تعالى في آخر الكلام عليهم بقوله: فما لكم في المنافقين فئتين فزال اللبس وبرح الخفاء.

وما أشبه هذه الآيات بقوله تعالى في (سورة محمد): ويقول الذين آمنوا لولا نـزلت سورة أي: تأمرنا بالجهاد: فإذا أنـزلت سورة محكمة وذكر فيها القتال رأيت الذين في قلوبهم مرض ينظرون إليك إلى قوله: أم حسب الذين في قلوبهم مرض أن لن يخرج الله أضغانهم [محمد: 29].

وقالوا ربنا لم كتبت علينا القتال أي: الجهاد في سبيلك لولا أخرتنا إلى أجل قريب أي: هلا عافيتنا وتركتنا حتى نموت بآجالنا قل أي: تزهيدا لهم فيما يؤملون بالقعود من المتاع الفاني، وترغيبا فيما ينالونه بالجهاد من النعيم الباقي متاع الدنيا أي: ما يتمتع وينتفع به في الدنيا قليل سريع التقضي، وشيك الانصرام، وإن أخرتم إلى ذلك الأجل.

والآخرة أي: ثوابها الذي من جملته الثواب المنوط بالجهاد خير أي: لكم من ذلك المتاع الفاني لكثرته وعدم انقطاعه، وصفائه عن الكدورات، وإنما قيل: لمن اتقى حثا لهم على اتقاء العصيان والإخلال بموجب التكليف ولا تظلمون فتيلا عطف على مقدر ينسحب عليه الكلام، أي: [ ص: 1402 ] تجزون ولا تنقصون أدنى شيء من أجور أعمالكم التي من جملتها مسعاكم في شأن القتال، فلا ترغبوا عنه.

(والفتيل) ما في شق النواة من الخيط، يضرب به المثل في القلة والحقارة.

وقرئ: " يظلمون " بالياء؛ إعادة للضمير إلى ظاهر (من) أفاده أبو السعود .

روى ابن أبي حاتم قال: قرأ الحسن : قل متاع الدنيا قليل، قال: رحم الله عبدا صحبها على حسب ذلك، وما الدنيا كلها أولها وآخرها إلا كرجل نام نومة فرأى في منامه بعض ما يحب ثم انتبه، وقال ابن معين : كان أبو مصهر ينشد:


ولا خير في الدنيا لمن لم يكن له من الله في دار المقام نصيب فإن تعجب الدنيا رجالا فإنها
متاع قليل والزوال قريب

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 37.83 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 37.20 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.66%)]