عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 05-08-2022, 12:24 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,262
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله



تفسير "محاسن التأويل"

محمد جمال الدين القاسمي
سُورَةُ النِّسَاءِ
المجلد الخامس
صـ 1339 الى صـ 1346
الحلقة (229)


[ ص: 1339 ] وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: المؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم، والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هاجر ما نهى الله عنه، والمجاهد من جاهد نفسه في ذات الله وهو حديث صحيح، بعضه في الصحيحين وبعضه في سنن الترمذي .

وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: من أخذ أموال الناس يريد أداءها أداها الله عنه، ومن أخذ يريد إتلافها أتلفه الله رواه البخاري .

[ ص: 1340 ] وإذا كان الله تعالى قد أوجب أداء الأمانات التي قبضت بحق ففيه تنبيه على وجوب أداء الغصب والسرقة والخيانة ونحو ذلك من المظالم، وكذلك أداء العارية، ولينظر تتمة هذا البحث في الرسالة المذكورة، فإن الوقوف عليها من المهمات.

إن الله نعما يعظكم به أي: نعم ما يأمركم به من أداء الأمانات والحكم بالعدل بين الناس وغير ذلك من أوامره وشرائعه الكاملة العظيمة، و(ما) إما منصوبة موصوفة بـ (يعظكم) أو مرفوعة موصولة، كأنه قيل نعم شيئا يعظكم به، أو نعم الشيء الذي يعظكم به، والجملة مستأنفة مقررة لما قبلها متضمنة لمزيد لطف بالمخاطبين وحسن استدعائهم إلى الامتثال بالأمر.

إن الله كان سميعا لأقوالكم في الأمانات والأحكام بصيرا بأفعالكم فيها، فإن سمع ورأى خيرا جازاكم عليه خير الجزاء، وإن سمع ورأى شرا جازاكم عليه، فهو وعد ووعيد.

وروى ابن أبي حاتم بسنده عن أبي يونس قال: سمعت أبا هريرة يقرأ هذه الآية: إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها إلى قوله: سميعا بصيرا ويضع إبهامه على أذنه، والتي تليها على عينه ويقول: هكذا سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرؤها ويضع إصبعه.

وقال أبو زكريا : وصفه لنا المقري ووضع أبو زكريا إبهامه الأيمن على عينه اليمنى، والتي تليها على الأذن اليمنى، وأرانا، فقال: هكذا، وهكذا، رواه أبو داود وابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه وابن مردويه في تفسيره.

وأبو يونس هذا مولى أبي هريرة ، واسمه سليم بن جبير ، أفاده ابن كثير .
القول في تأويل قوله تعالى:

يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا [59]

يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم [ ص: 1341 ] اعلم أنه تعالى لما أمر الرعاة والولاة بأداء الأمانات إلى أهلها والحكم بالعدل أمر الرعية من الجيوش وغيرهم بطاعة أولي الأمر الفاعلين لذلك في قسمهم وحكمهم ومغازيهم وغير ذلك، إلا أن يأمروا بمعصية الله فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

قال الرازي : قال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: حق على الإمام أن يحكم بما أنزل الله ويؤدي الأمانة، فإذا فعل ذلك فحق على الرعية أن يسمعوا ويطيعوا، وقد روى الطبري بسند صحيح عن أبي هريرة : إن أولي الأمر هم الأمراء.

واحتج له الشافعي بأن قريشا ومن يليها من العرب كانوا لا يعرفون الإمارة ولا ينقادون إلى أمير، فأمروا بالطاعة لمن ولي الأمر، والانقياد له إذا بعثهم في السرايا، وإذا ولاهم البلاد فلا يخرجوا عليهم ولا يمتنعوا عليهم؛ لئلا تفترق الكلمة، ولذلك قال - صلى الله عليه وسلم -: من أطاع أميري فقد أطاعني متفق عليه.

وفي البخاري عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال: نزلت في عبد الله بن حذافة بن قيس بن عدي إذ بعثه النبي - صلى الله عليه وسلم - في سرية.

قال ابن كثير : وهكذا أخرجه بقية الجماعة إلا ابن ماجه ، وقال الترمذي : حديث حسن غريب، ولا نعرفه إلا من حديث ابن جريج .

[ ص: 1342 ] وروى الطبري عن السدي أنها نزلت في قصة جرت لعمار بن ياسر مع خالد بن الوليد، وكان خالد أميرا، فأجاز عمار رجلا بغير أمره، فتخاصما وارتفعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأجاز أمان عمار ونهاه أن يجبر الثانية على أمير.

قال ابن كثير : وهكذا رواه ابن أبي حاتم ، من طريق عن السدي مرسلا، ورواه ابن مردويه عن السدي، عن أبي صالح، عن ابن عباس ، فذكره بنحوه، اهـ.

ولا تنافي بين الروايتين لما أسلفناه في مقدمة التفسير في بحث سبب النزول، فتذكر.

[ ص: 1343 ] وقال الزمخشري : المراد بأولي الأمر منكم أمراء الحق؛ لأن أمراء الجور الله ورسوله بريئان منهم، فلا يعطفون على الله ورسوله في وجوب الطاعة لهم، وإنما يجمع بين الله ورسوله والأمراء الموافقين لهما في إيثار العدل واختيار الحق والأمر بهما والنهي عن أضدادهما، كالخلفاء الراشدين ومن تبعهم بإحسان، وكان الخلفاء يقولون: أطيعوني ما عدلت فيكم فإن خالفت فلا طاعة لي عليكم.

وفي الصحيحين عن علي - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: إنما الطاعة في المعروف .

وروى الإمام أحمد ، عن عمران بن حصين ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: لا طاعة في معصية الله .

لطيفة:

قال الحافظ ابن حجر في "الفتح": النكتة في إعادة العامل في الرسول دون أولي الأمر - مع أن المطاع في الحقيقة هو الله تعالى - كون الذي يعرف به ما يقع به التكليف هما القرآن والسنة، فكان التقدير: وأطيعوا الله فيما قضى عليكم في القرآن، وأطيعوا الرسول فيما بين لكم من القرآن وما ينصه عليكم من السنة، والمعنى: أطيعوا الله فيما يأمركم به من الوحي المتعبد بتلاوته، وأطيعوا الرسول فيما يأمركم به من الوحي الذي ليس بقرآن.

[ ص: 1344 ] ومن بديع الجواب قول بعض التابعين لبعض الأمراء من بني أمية - لما قال له: أليس الله أمركم أن تطيعونا في قوله: وأولي الأمر منكم ؟ - فقال له: أليس قد نزعت عنكم - يعني الطاعة - إذا خالفتم الحق بقوله: فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله ؟!

قال الطيبي: أعاد الفعل في قوله: وأطيعوا الرسول إشارة إلى استقلال الرسول بالطاعة، ولم يعده في أولي الأمر إشارة إلى أنه يوجد فيهم من لا تجب طاعته، ثم بين ذلك بقوله: فإن تنازعتم في شيء كأنه قيل: فإن لم يعملوا بالحق فلا تطيعونهم وردوا ما تخالفتم فيه إلى حكم الله ورسوله. انتهى. (ج13 ص99).
تنبيه:

يشمل عموم قوله: وأولي الأمر العلماء، كما روى علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس أنه يعني أهل الفقه والدين، وكذا قال مجاهد وعطاء والحسن البصري وأبو العالية، وهذا ليس قولا ثانيا في الآية بل هو مما يشمله لفظها، فهي عامة في أولي الأمر من الأمراء والعلماء وإن نزلت على سبب خاص، وقد كثرت الأوامر بطاعة العلماء كالأمراء ، قال تعالى: لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت [المائدة: من الآية 63] وقال تعالى: فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون [النحل: من الآية 43] وقال تعالى: ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم [النساء: من الآية 83].

وفي الحديث [ ص: 1345 ] الصحيح المتفق على صحته عن أبي هريرة، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن أطاع أميري فقد أطاعني، ومن عصى أميري فقد عصاني .

وروى أبو داود، عن عبد الله بن عمر، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره ما لم يؤمر بمعصية، فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة .

وروى البخاري، عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة والأحاديث في هذا كثيرة.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - تعالى في كتابه "الحسبة في الإسلام": وقد أمر الله تعالى في كتابه بطاعته وطاعة رسوله وطاعة أولي الأمر من المؤمنين، وأولو الأمر أصحاب الأمر وذووه وهم الذين يأمرون الناس، وذلك يشترك فيه أهل اليد والقدرة وأهل العلم والكلام، فلهذا كان أولو الأمر صنفين:

العلماء والأمراء، فإذا صلحوا صلح الناس، وإذا فسدوا فسد الناس، كما قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه (للأحمسية لما سألته ما بقاؤنا [ ص: 1346 ] على هذا الأمر) قال: ما استقامت لكم أئمتكم، ويدخل فيهم الملوك والمشايخ وأهل الديوان، وكل من كان متبوعا فإنه من أولي الأمر، وعلى كل واحد من هؤلاء أن يأمر بما أمر الله به وينهى عما نهى عنه، وعلى كل واحد ممن له عليه طاعة أن يطيعه في طاعة الله ولا يطيعه في معصية الله، كما قال أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - حين تولى أمر المسلمين وخطبهم، فقال في خطبته: أيها الناس! القوي فيكم الضعيف عندي حتى آخذ منه الحق، والضعيف فيكم القوي عندي حتى آخذ له الحق، أطيعوني ما أطعت الله، فإذا عصيت الله فلا طاعة لي عليكم.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 34.13 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 33.50 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.84%)]