عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 05-08-2022, 12:21 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,262
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله



تفسير "محاسن التأويل"

محمد جمال الدين القاسمي
سُورَةُ النِّسَاءِ
المجلد الخامس
صـ 1307 الى صـ 1314
الحلقة (225)


وفي الصحيح عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: [ ص: 1307 ] قال الله عز وجل: ومن أظلم ممن ذهب يخلق خلقا كخلقي؟ فليخلقوا ذرة، فليخلقوا شعيرة فنبه بالذرة والشعيرة على ما هو أعظم منهما وأكبر، والمقصود أن هذا حال من تشبه به في صنعة صورة، فكيف حال من تشبه به في خواص ربوبيته وإلهيته؟! وكذلك من تشبه به في الاسم الذي لا ينبغي إلا لله وحده، كملك الأملاك وحاكم الحكام ونحوه.

وقد ثبت في الصحيح عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: إن أخنع الأسماء عند الله رجل يتسمى بشاهان شاه ملك الملوك، ولا ملك إلا الله .

وفي لفظ: أغيظ رجل على الله رجل يسمى بملك الأملاك فهذا مقت الله وغضبه على من تشبه به في الاسم الذي لا ينبغي إلا له، فهو سبحانه ملك الملوك وحده، وهو حاكم الحكام وحده، فهو الذي يحكم على الحكام كلهم، ويقضي عليهم كلهم، لا غيره.
تنبيه:

حيثما وقع في حديث: من فعل كذا فقد أشرك، أو فقد كفر - لا يراد به الكفر المخرج من الملة، والشرك الأكبر المخرج عن الإسلام الذي تجري عليه أحكام الردة، والعياذ بالله تعالى، وقد قال البخاري : باب كفران العشير وكفر دون كفر.

قال القاضي أبو بكر ابن العربي في "شرحه": مراده أن يبين أن الطاعات كما تسمى إيمانا كذلك المعاصي تسمى كفرا، لكن حيث يطلق عليها الكفر لا يراد عليه الكفر المخرج عن الملة، فالجاهل والمخطئ من هذه الأمة - ولو عمل من الكفر والشرك ما يكون [ ص: 1308 ] مشركا أو كافرا - فإنه يعذر بالجهل والخطأ، حتى تتبين له الحجة، الذي يكفر تاركها بيانا واضحا ما يلتبس على مثله، وينكر ما هو معلوم بالضرورة من دين الإسلام مما أجمعوا عليه إجماعا جليا قطعيا، يعرفه كل من المسلمين من غير نظر وتأمل، كما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى، ولم يخالف في ذلك إلا أهل البدع.

قال الشيخ تقي الدين في " كتاب الإيمان": لم يكفر الإمام أحمد الخوارج ولا المرجئة ولا القدرية، وإنما المنقول عنه وعن أمثاله تكفير الجهمية، مع أن أحمد لم يكفر أعيان الجهمية، ولا كل من قال: أنا جهمي - كفره، بل صلى خلف الجهمية الذين دعوا إلى قولهم، وامتحنوا الناس وعاقبوا من لم يوافقهم بالعقوبات الغليظة، ولم يكفرهم أحمد وأمثاله بل كان يعتقد إيمانهم وإمامتهم ويدعو لهم ويرى لهم الائتمام بالصلاة خلفهم، والحج والغزو معهم، والمنع من الخروج عليهم بما يراه لأمثالهم من الأئمة، وينكر ما أحدثوا من القول الباطل الذي هو كفر عظيم، وإن لم يعلموا هم أنه كفر، كان ينكره ويجاهدهم على رده بحسب الإمكان، فيجمع بين طاعة الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - في إظهار السنة والدين وإنكار بدع الجهمية الملحدين وبين رعاية حقوق المؤمنين من الأئمة والأمة وإن كانوا جهالا مبتدعين، وظلمة فاسقين. انتهى كلام الشيخ، فتأمله تأملا خاليا عن الميل والحيف.

وقال الشيخ تقي الدين أيضا: من كان في قلبه الإيمان بالرسول وبما جاء به، وقد غلط في بعض ما تأوله من البدع ولو دعا إليها، فهذا ليس بكافر أصلا، والخوارج كانوا من أظهر الناس بدعة وقتالا للأمة وتكفيرا لها، ولم يكن في الصحابة من يكفرهم، لا علي ولا غيره، بل حكموا فيهم بحكمهم في المسلمين الظالمين المعتدين، كما ذكرت الآثار عنهم بذلك في غير هذا الموضع، وكذلك سائر الثنتين والسبعين فرقة، من كان منهم منافقا فهو كافر في الباطن، ومن كان مؤمنا بالله ورسوله في الباطن لم يكن كافرا في الباطن، وإن كان أخطأ في التأويل كائنا ما كان خطؤه، وقد يكون في بعضهم شعبة من النفاق، ولا يكون فيه [ ص: 1309 ] النفاق الذي يكون صاحبه في الدرك الأسفل من النار.

ومن قال: إن الثنتين والسبعين فرقة كل واحد منهم يكفر كفرا ينقل عن الملة - فقد خالف الكتاب والسنة وإجماع الصحابة، بل وإجماع الأئمة الأربعة وغير الأربعة، فليس فيهم من كفر كل واحد من الثنتين والسبعين فرقة. انتهى.

وقال ابن القيم في طرق أهل البدع: الموافقون على أصل الإسلام ولكنهم مختلفون في بعض الأصول كالخوارج والمعتزلة والقدرية والرافضة والجهمية وغلاة المرجئة:

فهؤلاء أقسام:

أحدها: الجاهل المقلد الذي لا بصيرة له، فهذا لا يكفر ولا يفسق ولا ترد شهادته إذا لم يكن قادرا على تعلم الهدى، وحكمه حكم المستضعفين من الرجال والنساء والولدان.

القسم الثاني: متمكن من السؤال وطلب الهداية ومعرفة الحق، ولكن يترك ذلك اشتغالا بدنياه ورياسته ولذاته ومعاشه، فهذا مفرط مستحق للوعيد، آثم بترك ما أوجب عليه من تقوى الله بحسب استطاعته، فهذا إن غلب ما فيه من البدعة والهوى على ما فيه من السنة والهدى ردت شهادته، وإن غلب ما فيه من السنة والهدى على ما فيه من البدعة والهوى قبلت شهادته.

الثالث: أن يسأل ويطلب ويتبين له الهدى ويترك؛ تعصبا أو معاداة لأصحابه، فهذا أقل درجاته أن يكون فاسقا، وتكفيره محل اجتهاد. انتهى كلامه، فانظره وتأمله، فقد ذكر هذا التفصيل في غالب كتبه، وذكر أن الأئمة وأهل السنة لا يكفرونهم، هذا مع ما وصفهم به من الشرك الأكبر، والكفر الأكبر، وبين في غالب كتبه مخازيهم.

ولنذكر من كلامه طرفا تصديقا لما ذكرنا عنه، قال رحمه الله في "المدارج": المثبتون للصانع نوعان:

أحدهما: أهل الإشراك به في ربوبيته وإلهيته، كالمجوس ومن ضاهاهم من القدرية، فإنهم يثبتون مع الله إلها آخر، والمجوسية القدرية تثبت مع الله خالقا للأفعال، ليست أفعالهم مخلوقة لله ولا مقدورة له، وهي صادرة بغير مشيئته تعالى وقدرته، ولا قدرة له عليها، بل هم الذين جعلوا أنفسهم فاعلين مريدين شيائين، وحقيقة قول هؤلاء: إن الله ليس ربا خالقا لأفعال الحيوان. انتهى كلامه.

وقد ذكرهم بهذا الشرك في سائر كتبه، وشبههم [ ص: 1310 ] بالمجوس الذين يقولون: إن للعالم خالقين، وانظر لما تكلم على التكفير هو وشيخه كيف حكيا عدم تكفيرهم عن جميع أهل السنة، حتى مع معرفة الحق والمعاندة، قال: كفره محل اجتهاد، كما تقدم كلامه قريبا.

وقال ابن تيمية - وقد سئل عن رجلين تكلما في مسألة التكفير - فأجاب وأطال، وقال في آخر الجواب: لو فرض أن رجلا دفع التكفير عمن يعتقد أنه ليس بكافر؛ حماية له ونصرا لأخيه المسلم، لكان هذا غرضا شرعيا حسنا، وهو إذا اجتهد في ذلك فأصابه فله أجران، وإن اجتهد فاخطأ فله أجر.

وقال رحمه الله: التكفير إنما يكون بإنكار ما علم من الدين بالضرورة، أو بإنكار الأحكام المتواترة المجتمع عليها.

وسئل أيضا - قدس الله روحه - عن التكفير الواقع في هذه الأمة، من أول من أحدثه وابتدعه؟ فأجاب: أول من أحدثه في الإسلام المعتزلة، وعنهم تلقاه من تلقاه، وكذلك الخوارج هم أول من أظهره، واضطرب الناس في ذلك، فمن الناس من يحكي عن مالك فيه قولين، وعن الشافعي كذلك، وعن أحمد روايتان، وأبو الحسن الأشعري وأصحابه لهم قولان، وحقيقة الأمر في ذلك أن القول قد يكون كفرا، فيطلق القول بتكفير قائله، ويقال: من قال كذا فهو كافر، لكن الشخص المعين الذي قاله لا يكفر حتى تقوم عليه الحجة التي يكفر تاركها، من تعريف الحكم الشرعي، من سلطان أو أمير مطاع، كما هو المنصوص عليه في كتب الأحكام، فإذا عرفه الحكم وزالت عنه الجهالة قامت عليه الحجة، وهذا كما هو في نصوص الوعيد من الكتاب والسنة، وهي كثيرة جدا، والقول بموجبها واجب على وجه العموم والإطلاق، من غير أن يعين شخص من الأشخاص، فيقال: هذا كافر أو فاسق أو ملعون أو مغضوب عليه أو مستحق للنار، لا سيما إن كان للشخص فضائل وحسنات - فإن ما سوى الأنبياء يجوز عليهم الصغائر والكبائر مع إمكان أن يكون ذلك الشخص صديقا أو شهيدا أو صالحا، كما قد بسط في غير هذا الموضع من أن موجب الذنوب تتخلف عنه بتوبة أو باستغفار، أو حسنات ماحية [ ص: 1311 ] أو مصائب مكفرة، أو شفاعة مقبولة، أو لمحض مشيئة الله ورحمته، فإذا قلنا بموجب قوله تعالى: ومن يقتل مؤمنا متعمدا [النساء: من الآية 93] الآية، وقوله: إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا [النساء: 10] وقوله: ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين [النساء: 14] الآية، وقوله: ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل - إلى قوله -: ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما [النساء: من الآية 30] الآية، إلى غير ذلك من آيات الوعيد، وقلنا بموجب قوله - صلى الله عليه وسلم -: لعن الله من شرب الخمر أو من عق والديه أو من غير منار الأرض أو من ذبح لغير الله أو لعن الله السارق أو لعن الله آكل الربا ومؤكله وشاهده وكاتبه [ ص: 1312 ] أو لعن الله لاوي الصدقة والمتعدي فيها أو من أحدث في المدينة حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين إلى غير ذلك من أحاديث الوعيد - لم يجز أن تعين شخصا ممن فعل بعض هذه الأفعال، وتقول: هذا المعين قد أصاب هذا الوعيد؛ لإمكان التوبة وغيرها من مسقطات العقوبة، إلى أن قال: ففعل هذه الأمور ممن يحسب أنها مباحة باجتهاد أو تقليد ونحو ذلك، وغايته أنه معذور من لحوق الوعيد به لمانع، كما امتنع لحوق الوعيد بهم لتوبة أو حسنات ماحية أو مصائب مكفرة أو غير ذلك، وهذه السبيل هي التي يجب اتباعها، فإن ما سواها طريقان خبيثان:

أحدهما: القول بلحوق الوعيد بكل فرد من الأفراد بعينه، ودعوى أنها عمل بموجب النصوص، وهذا أقبح من قول الخوارج المكفرين بالذنوب، [ ص: 1313 ] والمعتزلة وغيرهم، وفساده معلوم بالاضطرار، وأدلته معلومة في غير هذا الموضع، فهذا ونحوه من نصوص الوعيد حق، لكن الشخص المعين الذي فعله لا يشهد عليه بالوعيد، فلا يشهد على معين من أهل القبلة بالنار؛ لفوات شرط أو لحصول مانع، وهكذا الأقوال الذي يكفر قائلها، قد يكون القائل لها لم تبلغه النصوص الموجبة لمعرفة الحق، وقد تكون بلغته ولم تثبت عنده، أو لم يتمكن من معرفتها وفهمها، أو قد عرضت له شبهات يعذره الله بها.

فمن كان مؤمنا بالله وبرسوله، مظهرا للإسلام، محبا لله ورسوله، فإن الله يغفر له لو قارف بعض الذنوب القولية أو العملية، سواء أطلق عليه لفظ الشرك أو لفظ المعاصي، هذا الذي عليه أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجماهير أئمة الإسلام، لكن المقصود أن مذاهب الأئمة مبنية على هذا التفصيل، بالفرق بين النوع والعين، بل لا يختلف القول عن الإمام أحمد وسائر أئمة الإسلام كمالك وأبي حنيفة والشافعي أنهم لا يكفرون المرجئة الذين يقولون: الإيمان قول بلا عمل، ونصوصهم صريحة بالامتناع من تكفير الخوارج والقدرية وغيرهم، وإنما كان الإمام أحمد يطلق القول بتكفير الجهمية؛ لأنه ابتلي بهم حتى عرف حقيقة أمرهم، وأنه يدور على التعطيل، وتكفير الجهمية مشهور عن السلف والأئمة، لكن ما كانوا يكفرون أعيانهم، فإن الذي يدعو إلى القول أعظم من الذي يقوله ولا يدعو إليه، والذي يعاقب مخالفه أعظم من الذي يدعو فقط، والذي يكفر مخالفه أعظم من الذي يعاقب، ومع هذا فالذين من ولاة الأمور يقولون بقول الجهمية: إن القرآن مخلوق، وإن الله لا يرى في الآخرة، وإن ظاهر القرآن لا يحتج به في معرفة الله، ولا الأحاديث الصحيحة، وإن الدين لا يتم إلا بما زخرفوه من الآراء والخيالات الباطلة والعقول الفاسدة، وإن خيالاتهم وجهالاتهم أحكم في دين الله من كتاب الله وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإجماع الصحابة والتابعين لهم بإحسان، وإن أقوال الجهمية والمعطلة من النفي والإثبات أحكم في دين الله، بسبب ذلك امتحنوا المسلمين وسجنوا الإمام أحمد وجلدوه، وقتلوا جماعة، وصلبوا آخرين، ومع ذلك لا يطلقون أسيرا ولا يعطون من بيت [ ص: 1314 ] المال إلا من وافقهم ويقر بقولهم، وجرى على الإسلام منهم أمور مبسوطة في غير هذا الموضع، ومع هذا التعطيل - الذي هو شر من الشرك - فالإمام أحمد ترحم عليهم واستغفر لهم، وقال: ما علمت أنهم مكذبون للرسول - صلى الله عليه وسلم - ولا جاحدون لما جاء به، لكنهم تأولوا فأخطأوا، وقلدوا من قال ذلك.

والإمام الشافعي لما ناظر حفص الفرد - من أئمة المعطلة - في مسألة (القرآن مخلوق) قال له الإمام الشافعي : كفرت بالله العظيم، فكفره ولم يحكم بردته بمجرد ذلك، ولو اعتقد ردته وكفره لسعى في قتله.

وأفتى العلماء بقتل دعاتهم مثل غيلان القدري ، والجعد بن درهم، وجهم بن صفوان إمام الجهمية وغيرهم، وصلى الناس عليهم ودفنوهم مع المسلمين، وصار قتلهم من باب قتل الصائل؛ لكف ضررهم، لا لردتهم، ولو كانوا كفارا لرآهم المسلمون كغيرهم، وهذه الأمور مبسوطة في غير هذا الموضع.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 35.65 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 35.02 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.76%)]