عرض مشاركة واحدة
  #223  
قديم 05-08-2022, 12:20 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,140
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله



تفسير "محاسن التأويل"

محمد جمال الدين القاسمي
سُورَةُ النِّسَاءِ
المجلد الخامس
صـ 1291 الى صـ 1298
الحلقة (223)


فأما الديوان [ ص: 1291 ] الذي لا يغفره الله فالشرك بالله قال الله عز وجل: إن الله لا يغفر أن يشرك به الآية، وقال: إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة [المائدة: من الآية 72].

وأما الديوان الذي لا يعبأ الله به شيئا فظلم العبد نفسه فيما بينه وبين ربه من صوم يوم تركه، أو صلاة تركها، فإن الله عز وجل يغفر ذلك ويتجاوز إن شاء.

وأما الديوان الذي لا يترك الله منه شيئا، فظلم العباد بعضهم بعضا، القصاص لا محالة
رواه الإمام أحمد ، وقد تفرد به.

الثاني: عن أنس بن مالك ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: الظلم ثلاثة: فظلم لا يغفره الله، وظلم يغفره الله، وظلم لا يترك الله منه شيئا.

فأما الظلم الذي لا يغفره الله فالشرك، وقال: إن الشرك لظلم عظيم [لقمان: من الآية 13].

وأما الظلم الذي يغفره الله: فظلم العباد لأنفسهم فيما بينهم وبين ربهم.

وأما الظلم الذي لا يتركه فظلم العباد بعضهم بعضا حتى يدين لبعضهم من بعض
رواه أبو بكر البزار في مسنده.

الثالث: عن معاوية قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا الرجل يموت كافرا، أو الرجل يقتل مؤمنا متعمدا رواه الإمام أحمد والنسائي .

الرابع: عن أبي ذر : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ما من عبد قال: لا إله إلا الله، [ ص: 1292 ] ثم مات على ذلك، إلا دخل الجنة. قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: وإن زنى وإن سرق. قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال وإن زنى وإن سرق - ثلاثا - ثم قال في الرابعة: على رغم أنف أبي ذر .

قال فخرج أبو ذر وهو يجر إزاره وهو يقول: وإن رغم أنف أبي ذر .

وكان أبو ذر يحدث بهذا بعد ويقول: وإن رغم أنف أبي ذر.


أخرجه الإمام أحمد والشيخان.

وفي رواية لهما عن أبي ذر : قال صلى الله عليه وسلم: قال لي جبريل: بشر أمتك أنه من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة، قلت: يا جبريل ! وإن سرق وإن زنى؟ قال: نعم قلت: وإن سرق وإن زنى؟ قال: نعم، قلت: وإن سرق وإن زنى؟ قال: نعم، وإن شرب الخمر .

الخامس: عن جابر قال: جاء أعرابي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله! ما الموجبتان؟ قال: من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة. ومن مات يشرك به دخل النار أخرجه مسلم ، وعبد بن حميد في مسنده.

السادس: عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة رواه الإمام أحمد .

السابع: عن ابن عباس ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: قال الله عز وجل: من علم أني ذو قدرة على مغفرة الذنوب غفرت له ولا أبالي رواه الطبراني .

الثامن: عن أنس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من وعده الله على عمل ثوابا فهو منجزه له، ومن توعده على عمل عقابا فهو فيه بالخيار رواه البزار وأبو يعلى .

التاسع: عن ابن عمر قال: كنا معشر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا نشك في قاتل النفس، [ ص: 1293 ] وآكل مال اليتيم، وشاهد الزور، وقاطع الرحم، حتى نزلت هذه الآية: إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء فأمسكنا عن الشهادة ، رواه ابن أبي حاتم وابن جرير .

وفي رواية لابن أبي حاتم : فلما سمعناها كففنا عن الشهادة وأرجينا الأمور إلى الله عز وجل.

العاشر: عن علي بن أبي طالب - عليه السلام - قال: ما في القرآن أحب إلي من هذه الآية: إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء رواه الترمذي وقال: حديث حسن غريب.

الحادي عشر: عن أنس - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: قال الله تعالى: يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان فيك ولا أبالي.

يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي.

يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة
رواه الترمذي وقال: حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه.

وروى نحوه الإمام أحمد عن أبي ذر ، ولفظه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: إن الله عز وجل يقول: يا عبدي! ما عبدتني ورجوتني فإني غافر لك على ما كان فيك، ويا عبدي! إن لقيتني بقراب الأرض خطيئة ما لم تشرك بي لقيتك بقرابها مغفرة .

والأحاديث في ذلك متوافرة، ويكفي هذا المقدار.

[ ص: 1294 ] ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما أي: افترى واختلق، مرتكبا إثما لا يقادر قدره، ويستحقر دونه جميع الآثام، فلا تتعلق به المغفرة قطعا.

قال ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه "الجواب الكافي": الشرك بالرب تعالى نوعان: شرك به في أسمائه وصفاته، وجعل آلهة أخرى معه، وشرك به في معاملته، وهذا الثاني قد لا يوجب دخول النار، وإن أحبط العمل الذي أشرك فيه مع الله غيره، وهذا القسم أعظم أنواع الذنوب، ويدخل فيه القول على الله بلا علم في خلقه وأمره، فمن كان من أهل هذه الذنوب فقد نازع الله سبحانه وتعالى ربوبيته وملكه، وجعل له ندا، وهذا أعظم الذنوب عند الله، ولا ينفع معه عمل.

وقال بعد ذلك: وكشف الغطاء عن هذه المسألة أن يقال: إن الله عز وجل أرسل رسله وأنزل كتبه وخلق السماوات والأرض؛ ليعرف ويعبد ويوحد ويكون الدين كله له، والطاعة كلها له، والدعوة له، كما قال تعالى: وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون [الذاريات: 56] وقال تعالى: وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق [الحجر: من الآية 85] وقال تعالى: الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن يتنـزل الأمر بينهن لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما [الطلاق: 12] وقال تعالى: جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس والشهر الحرام والهدي والقلائد ذلك لتعلموا أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض وأن الله بكل شيء عليم [المائدة: 97] فأخبر سبحانه أن القصد بالخلق والأمر أن يعرف بأسمائه وصفاته، ويعبد وحده لا يشرك به، [ ص: 1295 ] وأن يقوم الناس بالقسط، وهو العدل الذي قامت به السماوات والأرض، كما قال تعالى: لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنـزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط [الحديد: من الآية 25] فأخبر سبحانه أنه أرسل رسله، وأنزل كتبه ليقوم الناس بالقسط، وهو العدل، ومن أعظم القسط التوحيد، بل هو رأس العدل وقوامه، وإن الشرك ظلم عظيم، كما قال تعالى: إن الشرك لظلم عظيم [لقمان: من الآية 13]، فالشرك أظلم الظلم، والتوحيد أعدل العدل، فما كان أشد منافاة لهذا المقصود فهو أكبر الكبائر، وتفاوتها في درجاتها بحسب منافاتها له، وما كان أشد موافقة لهذا المقصود فهو أوجب الواجبات وأفرض الطاعات.

فتأمل هذا الأصل حق التأمل، واعتبر به تفاصيله تعرف به أحكم الحاكمين وأعلم العالمين، فيما فرض على عباده وحرمه عليهم، وتفاوت مراتب الطاعات والمعاصي، فلما كان الشرك بالله منافيا بالذات لهذا المقصود، وكان أكبر الكبائر على الإطلاق، وحرم الله الجنة على كل مشرك، وأباح دمه وماله لأهل التوحيد، وأن يتخذوهم عبيدا لهم لما تركوا القيام بعبوديته، وأبى الله سبحانه أن يقبل من مشرك عملا، أو يقبل فيه شفاعة، أو يستجيب له في الآخرة دعوة، أو يقيل له فيها عثرة - فإن المشرك أجهل الجاهلين بالله حيث جعل له من خلقه ندا، وذلك غاية الجهل به، كما أنه غاية الظلم منه، وإن كان المشرك لم يظلم ربه وإنما ظلم نفسه.

ووقعت مسألة: وهي أن المشرك إنما قصده تعظيم جناب الرب تبارك وتعالى، وأنه لعظمته لا ينبغي الدخول عليه إلا بالوسائط والشفعاء، كحال الملوك، فالمشرك لم يقصد الاستهانة بجناب الربوبية وإنما قصد تعظيمه.

وقال: إنما أعبد هذه الوسائط لتقربني وتدخلني عليه، فهو المقصود، وهذه وسائل وشفعاء، [ ص: 1296 ] فلم كان هذا القدر موجبا لسخطه وغضبه تبارك وتعالى ومخلدا في النار وموجبا لسفك دماء أصحابه واستباحة حريمهم وأموالهم؟ وترتب على هذا سؤال آخر: وهو أنه هل يجوز أن يشرع الله سبحانه لعباده التقريب إليه بالشفعاء والوسائط؟ فيكون تحريم هذا إنما استفيد من الشرع، أم ذلك قبيح في الفطر والعقول، يمتنع أن تأتي به شريعة، بل جاءت بتقرير ما في الفطر والعقول من قبحه الذي هو أقبح من كل قبيح؟ وما السبب في كونه لا يغفره من دون سائر الذنوب؟ كما قال تعالى: إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء فتأمل هذا السؤال، واجمع قلبك وذهنك على جوابه، ولا تستهونه فإن به يحصل الفرق بين المشركين والموحدين، والعالمين بالله والجاهلين به، وأهل الجنة وأهل النار.

فنقول (وبالله التوفيق والتأييد، ومنه نستمد المعونة والتسديد، فإنه من يهدي الله فهو المهتد ومن يضلل فلا هادي له، ولا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع):

الشرك شركان: شرك يتعلق بذات المعبود وأسمائه وصفاته وأفعاله، وشرك في عبادته ومعاملته، وإن كان صاحبه يعتقد أنه سبحانه لا شريك له في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله، والشرك الأول نوعان:

أحدهما: شرك التعطيل: وهو أقبح أنواع الشرك، كشرك فرعون إذ قال: وما رب العالمين [الشعراء: من الآية 23]؟ وقال تعالى مخبرا عنه أنه قال: وقال فرعون يا هامان ابن لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب أسباب السماوات فأطلع إلى إله موسى وإني لأظنه كاذبا [غافر: من الآية 37] فالشرك والتعطيل متلازمان، فكل مشرك معطل وكل معطل مشرك، لكن الشرك لا يستلزم أصل التعطيل بل قد يكون المشرك مقرا بالخالق سبحانه وصفاته، ولكن عطل حق التوحيد، وأصل الشرك وقاعدته التي ترجع إليها هو التعطيل، وهو ثلاثة أقسام:

تعطيل المصنوع عن صانعه وخالقه، وتعطيل الصانع سبحانه عن كماله المقدس بتعطيل أسمائه وصفاته وأفعاله، [ ص: 1297 ] وتعطيل معاملته عما يجب على العبد من حقيقة التوحيد.

ومن هذا شرك طائفة أهل وحدة الوجود، الذين يقولون: ما ثم خالق ومخلوق، ولا ههنا شيئان، بل الحق المنزه هو عين الخلق المشبه، ومنه شرك الملاحدة القائلين بقدم العالم وأبديته، وإنه لم يكن معدوما أصلا، بل لم يزل ولا يزال، والحوادث بأسرها مستندة عندهم إلى أسباب ووسائط اقتضت إيجادها، يسمونها العقول والنفوس.

ومن هنا أشرك من عطل أسماء الرب تعالى وأوصافه وأفعاله من غلاة الجهمية والقرامطة، فلم يثبتوا له اسما ولا صفة، بل جعلوا المخلوق أكمل منه، إذ كمال الذات بأسمائها وصفاتها.
فصل

النوع الثاني: شرك من جعل معه إلها آخر ولم يعطل أسمائه وربوبيته وصفاته، كشرك النصارى الذي جعلوه ثالث ثلاثة، فجعلوا المسيح إلها وأمه إلها.

ومن هذا شرك المجوس القائلين بإسناد حوادث الخير إلى النور وحوادث الشر إلى الظلمة.

ومن هذا شرك القدرية القائلين بأن الحيوان هو الذي يخلق أفعال نفسه، وإنها تحدث بدون مشيئة الله وقدرته وإرادته، ولهذا كانوا من أشباه المجوس.

ومن هذا شرك الذي حاج إبراهيم في ربه: إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت قال أنا أحيي وأميت [البقرة: من الآية 258] فهذا جعل نفسه ندا لله، يحيي ويميت بزعمه، كما يحيي الله ويميت، فألزمه إبراهيم - عليه السلام ورحمة الله وبركاته - أن طرد قولك أن تقدر على الإتيان بالشمس من غير الجهة التي يأتي الله بها منها، وليس هذا [ ص: 1298 ] انتقالا كما زعم بعض أهل الجدل بل إلزاما على طرد الدليل إن كان حقا.

ومن هذا شرك كثير ممن يشرك بالكواكب العلويات ويجعلها أربابا مدبرة لأمر هذا العالم، كما هو مذهب مشركي الصابئة وغيرهم.

ومن هذا شرك عباد الشمس وعباد النار وغيرهم.

ومن هؤلاء من يزعم أن معبوده هو الإله على الحقيقة. ومنهم من يزعم أنه أكبر الآلهة. ومنهم من يزعم أنه إله من جملة الآلهة، وأنه إذا خصه بعبادته والتبتل إليه والانقطاع إليه أقبل إليه واعتنى به.

ومنهم من يزعم أنه معبودهم الأدنى يقربه إلى المعبود الذي هو فوقه، والفوقاني يقربه إلى من هو فوقه، حتى تقربه تلك الآلهة إلى الله سبحانه، فتارة تكثر الوساطة وتارة تقل.
فصل

وأما الشرك في العبادة فهو أسهل من هذا وأخف أمرا، فإنه يصدر ممن يعتقد أنه لا إله إلا الله، وأنه لا يضر ولا ينفع ولا يعطي ولا يمنع إلا الله، وأنه لا إله غيره ولا رب سواه، ولكن لا يخلص لله في معاملته وعبوديته، بل يعمل لحظ نفسه تارة وطلب الدنيا تارة، ولطلب الرفعة والمنزلة والجاه عند الخلق تارة، فلله من عمله وسعيه نصيب، ولنفسه وحظه وهواه نصيب، وللشيطان نصيب، وللخلق نصيب، هذا حال أكثر الناس، وهو الشرك الذي قال فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه ابن حبان في صحيحه: الشرك في هذه الأمة أخفى من دبيب النمل، قالوا: وكيف ننجو منه يا رسول الله؟ قال: قل: اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 36.68 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 36.05 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.71%)]