عرض مشاركة واحدة
  #263  
قديم 31-07-2022, 10:52 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,288
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد




تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الثالث
سُورَةُ التَّوْبَةِ
الحلقة (263)
صــ435 إلى صــ 441



إنما النسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه عاما ليواطئوا عدة ما حرم الله فيحلوا ما حرم الله زين لهم سوء أعمالهم والله لا يهدي القوم الكافرين

قوله تعالى: إنما النسيء زيادة في الكفر الجمهور على همز النسيء ومده وكسر سينه .

وروى شبل عن ابن كثير: "النسء" على وزن النسع . وفي [ ص: 435 ] رواية أخرى عن شبل: "النسي" مشددة الياء من غير همز ، وهي قراءة أبي جعفر; والمراد بالكلمة التأخير . قال اللغويون: النسيء: تأخير الشيء . وكانت العرب تحرم الأشهر الأربعة ، وكان هذا مما تمسكت به من ملة إبراهيم; فربما احتاجوا إلى تحليل المحرم للحرب تكون بينهم ، فيؤخرون تحريم المحرم إلى صفر ، ثم يحتاجون إلى تأخير صفر أيضا إلى الشهر الذي بعده; ثم تتدافع الشهور شهرا بعد شهر حتى يستدير التحريم على السنة كلها ، فكأنهم يستنسؤون الشهر الحرام ويستقرضونه ، فأعلم الله عز وجل أن ذلك زيادة في كفرهم ، لأنهم أحلوا الحرام ، وحرموا الحلال (ليواطؤوا) أي: ليوافقوا (عدة ما حرم الله) فلا يخرجون من تحريم أربعة ، ويقولون: هذه بمنزلة الأربعة الحرم ، ولا يبالون بتحليل الحرام ، وتحريم الحلال . وكان القوم لا يفعلون ذلك إلا في ذي الحجة إذا اجتمعت العرب للموسم ، قال الفراء: كانت العرب في الجاهلية إذا أرادوا الصدر عن منى ، قام رجل من بني كنانة يقال له: نعيم بن ثعلبة ، وكان رئيس الموسم ، فيقول: أنا الذي لا أعاب ولا أجاب ولا يرد لي قضاء; فيقولون: أنسئنا شهرا; يريدون: أخر عنا حرمة المحرم ، واجعلها في صفر ، فيفعل ذلك . وإنما دعاهم إلى ذلك توالي ثلاثة أشهر حرم لا يغيرون فيها ، وإنما كان معاشهم من الإغارة ، فتستدير الشهور كما بينا . وقيل: إنما كانوا يستحلون المحرم عاما ، فإذا كان من قابل ردوه إلى تحريمه . قال أبو عبيد: والتفسير الأول أحب إلي ، لأن هذا القول ليس فيه استدارة .

وقال مجاهد: كان أول من أظهر النسيء جنادة بن عوف الكناني ، فوافقت حجة أبي بكر ذا القعدة ، ثم حج النبي صلى الله عليه وسلم في العام القابل في ذي الحجة ، فذلك حين قال: "ألا إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات [ ص: 436 ] والأرض" . وقال الكلبي: أول من فعل ذلك نعيم بن ثعلبة .

قوله تعالى: يضل به الذين كفروا وقرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، وأبو بكر عن عاصم: "يضل" بفتح الياء وكسر الضاد ، والمعنى: أنهم يكتسبون الضلال به . وقرأ حمزة ، والكسائي ، وحفص عن عاصم: "يضل" بضم الياء وفتح الضاد ، على ما لم يسم فاعله . وقرأ الحسن البصري ، ويعقوب إلا الوليد: "يضل" بضم الياء وكسر الضاد; وفيه ثلاثة أوجه .

أحدها: يضل الله به . والثاني: يضل الشيطان به ، ذكرهما ابن القاسم . والثالث: يضل به الذين كفروا الناس ، لأنهم الذين سنوه لهم .

قال أبو علي: التقدير: يضل به الذين كفروا تابعيهم . وقال ابن القاسم: الهاء في "به" راجعة إلى النسيء ، وأصل النسيء: المنسوء ، أي: المؤخر ، فينصرف عن "مفعول" إلى "فعيل" كما قيل: مطبوخ وطبيخ ، ومقدور وقدير ، قال: وقيل: الهاء راجعة إلى الظلم ، لأن النسيء كشف تأويل الظلم ، فجرى مجرى المظهر; والأول اختيارنا .
يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل

قوله تعالى: ما لكم إذا قيل لكم انفروا قال المفسرون: لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بغزوة تبوك ، وكان في زمن عسرة وجدب وحر شديد ، وقد طابت الثمار ، [ ص: 437 ] عظم ذلك على الناس وأحبوا المقام ، فنزلت هذه الآية .

وقوله: "ما لكم" استفهام معناه التوبيخ . وقوله: (انفروا) معناه: اخرجوا . وأصل النفر: مفارقة مكان إلى مكان آخر لأمر هاج إلى ذلك . وقوله: اثاقلتم قال ابن قتيبة: أراد: تثاقلتم ، فأدغم التاء في الثاء ، وأحدثت الألف ليسكن ما بعدها ، وأراد: قعدتم . وفي قراءة ابن مسعود ، والأعمش: "تثاقلتم" .

وفي معنى (إلى الأرض) ثلاثة أقوال .

أحدها: تثاقلتم إلى شهوات الدنيا ، حين أخرجت الأرض ثمرها ، قاله مجاهد .

والثاني: اطمأننتم إلى الدنيا ، قاله الضحاك .

والثالث: تثاقلتم إلى الإقامة بأرضكم ، قاله الزجاج .

قوله تعالى: أرضيتم بالحياة الدنيا أي: بنعيمها من نعيم الآخرة ، فما يتمتع به في الدنيا قليل بالإضافة إلى ما يتمتع به الأولياء في الجنة .
إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم ولا تضروه شيئا والله على كل شيء قدير

قوله تعالى: إلا تنفروا يعذبكم سبب نزولها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما حثهم [ ص: 438 ] على غزو الروم تثاقلوا ، فنزلت هذه الآية ، قاله ابن عباس . وقال قوم: هذه خاصة في من استنفره رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم ينفر . قال ابن عباس استنفر رسول الله صلى الله عليه وسلم حيا من العرب فتثاقلوا عنه ، فأمسك عنهم المطر فكان عذابهم .

وفي قوله: ويستبدل قوما غيركم وعيد شديد في التخلف عن الجهاد ، وإعلام بأنه يستبدل لنصر نبيه قوما غير متثاقلين . ثم أعلمهم أنهم إن تركوا نصره لم يضروه ، كما لم يضرره ذلك إذ كان بمكة . وفي هاء "تضروه" قولان .

أحدهما: أنها ترجع إلى الله ، والمعنى: لا تضروا الله بترك النفير ، قاله الحسن .

والثاني: أنها ترجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فالمعنى: لا تضروه بترك نصره ، قاله الزجاج .

فصل

وقد روي عن ابن عباس ، والحسن ، وعكرمة ، قالوا: نسخ قوله: إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما بقوله: وما كان المؤمنون لينفروا كافة [التوبة:122] ، وقال أبو سليمان الدمشقي: ليس هذا من المنسوخ ، إذ لا تنافي بين الآيتين ، وإنما حكم كل آية قائم في موضعها . وذكر القاضي أبو يعلى عن بعض العلماء أنهم قالوا: ليس هاهنا نسخ ، ومتى لم يقاوم أهل الثغور العدو ، ففرض على الناس النفير إليهم ، ومتى استغنوا عن إعانة من وراءهم ، عذر القاعدون عنهم . وقال قوم هذا في غزوة تبوك ، ففرض على الناس النفير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم .
[ ص: 439 ] إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم

قوله تعالى: إلا تنصروه أي: بالنفير معه فقد نصره الله إعانة على أعدائه; إذ أخرجه الذين كفروا حين قصدوا إهلاكه على ما شرحنا في قوله: وإذ يمكر بك الذين كفروا [الأنفال:30] فأعلمهم أن نصره ليس بهم .

قوله تعالى: ثاني اثنين العرب تقول: هو ثاني اثنين ، أي: أحد الاثنين ، وثالث ثلاثة ، أي: أحد الثلاثة ، قال الزجاج : وقوله: ثاني اثنين منصوب على الحال; المعنى: قد نصره الله أحد اثنين ، أي: نصره منفردا إلا من أبي بكر .

وهذا معنى قول الشعبي: عاتب الله أهل الأرض جميعا في هذه الآية غير أبي بكر .

وقال ابن جرير: المعنى: أخرجوه وهو أحد الاثنين ، وهما رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر . فأما الغار ، فهو ثقب في الجبل ، وقال ابن فارس: الغار: الكهف ، والغار: نبت طيب الريح ، والغار: الجماعة من الناس ، والغاران: البطن والفرج ، وهما الأجوفان ، يقال: إنما هو عبد غاريه . قال الشاعر:


ألم تر أن الدهر يوم وليلة وأن الفتى يسعى لغاريه دائبا


قال قتادة: وهذا الغار في جبل بمكة يقال له: ثور . قال مجاهد: مكثا فيه ثلاثا . وقد ذكرت حديث الهجرة في كتاب "الحدائق" .

قال أنس بن مالك: [ ص: 440 ] أمر الله عز وجل شجرة فنبتت في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فسترته ، وأمر العنكبوت فنسجت في وجهه ، وأمر حمامتين وحشيتين فوقعتا في فم الغار ، فلما دنوا من الغار ، عجل بعضهم لينظر ، فرأى حمامتين ، فرجع فقال: رأيت حمامتين على فم الغار ، فعلمت أنه ليس فيه أحد . وقال مقاتل: جاء القائف فنظر إلى الأقدام فقال: هذه قدم ابن أبي قحافة ، والأخرى لا أعرفها ، إلا أنها تشبه القدم التي في المقام . وصاحبه في هذه الآية أبو بكر ، وكان أبو بكر قد بكى لما مر المشركون على باب الغار ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم "ما ظنك باثنين الله ثالثهما"؟

وفي السكينة ثلاثة أقوال .

أحدها: أنها الرحمة ، قاله ابن عباس . والثاني: الوقار ، قاله قتادة . والثالث: السكون والطمأنينة ، قاله ابن قتيبة ، وهو أصح .

وفي هاء "عليه" ثلاثة أقوال .

أحدها: أنها ترجع إلى أبي بكر ، وهو قول علي بن أبي طالب ، وابن عباس ، وحبيب بن أبي ثابت . واحتج من نصر هذا القول بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان مطمئنا .

والثاني: أنها ترجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، قاله مقاتل . [ ص: 441 ] والثالث: أن الهاء هاهنا في معنى تثنية ، والتقدير: فأنزل الله سكينته عليهما ، فاكتفى بإعادة الذكر على أحدهما من إعادته عليهما ، كقوله: والله ورسوله أحق أن يرضوه [التوبة:62] ، ذكره ابن الأنباري .

قوله تعالى: وأيده أي: قواه ، يعني النبي صلى الله عليه وسلم بلا خلاف . بجنود لم تروها وهم الملائكة . ومتى كان ذلك؟ فيه قولان .

أحدهما: يوم بدر ، ويوم الأحزاب ، ويوم حنين ، قاله ابن عباس .

والثاني: لما كان في الغار ، صرفت الملائكة وجوه الكفار وأبصارهم عن رؤيته ، قاله الزجاج .

فإن قيل: إذا وقع الاتفاق أن هاء الكناية في "أيده" ترجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فكيف تفارقها هاء "عليه" وهما متفقتان في نظم الكلام؟

فالجواب: أن كل حرف يرد إلى الأليق به ، والسكينة إنما يحتاج إليها المنزعج ، ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم منزعجا . فأما التأييد بالملائكة ، فلم يكن إلا للنبي صلى الله عليه وسلم ونظير هذا قوله: لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه [الفتح:8] يعني النبي صلى الله عليه وسلم (وتسبحوه) يعني الله عز وجل .

قوله تعالى: وجعل كلمة الذين كفروا السفلى فيها قولان .

أحدهما: أن كلمة الكافرين الشرك ، جعلها الله السفلى لأنها مقهورة ، وكلمة الله وهي التوحيد ، هي العليا ، لأنها ظهرت ، هذا قول الأكثرين .

والثاني: أن كلمة الكافرين ما قدروا بينهم في الكيد به ليقتلوه ، وكلمة الله أنه ناصره ، رواه عطاء عن ابن عباس . وقرأ ابن عباس ، والحسن ، وعكرمة ، وقتادة ، والضحاك ، ويعقوب: "وكلمة الله" بالنصب .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 44.52 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 43.89 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.41%)]