
31-07-2022, 08:06 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,216
الدولة :
|
|
رد: الموافقات - أبو إسحاق الشاطبي -----متجدد إن شاء الله

الموافقات
أبو إسحاق إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الشاطبي
الجزء الرابع
الحلقة (153)
صـ181 إلى صـ 190
وفي الحديث : ما من نبي من الأنبياء إلا أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر ، وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إلي ; فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة [ ص: 181 ] وإنما الذي أعطي القرآن وأما السنة ; فبيان له ، وإذا كان كذلك ; فالقرآن على اختصاره جامع ، ولا يكون جامعا إلا والمجموع فيه أمور كليات ; لأن الشريعة تمت بتمام نزوله لقوله تعالى اليوم أكملت لكم دينكم الآية [ المائدة : 3 ] .
وأنت تعلم أن الصلاة والزكاة والجهاد وأشباه ذلك لم يتبين جميع أحكامها في القرآن ، إنما بينتها السنة ، وكذلك العاديات من الأنكحة والعقود والقصاص والحدود وغيرها [ ص: 182 ] وأيضا ، فإذا نظرنا إلى رجوع الشريعة إلى كلياتها المعنوية ; وجدناها قد تضمنها القرآن على الكمال ، وهي الضروريات والحاجيات والتحسينات ومكمل كل واحد منها ، وهذا كله ظاهر أيضا ; فالخارج من الأدلة عن الكتاب هو السنة والإجماع والقياس ، وجميع ذلك إنما نشأ عن القرآن ، وقد عد الناس قوله تعالى : لتحكم بين الناس بما أراك الله [ النساء : 105 ] متضمنا للقياس ، وقوله : وما آتاكم الرسول فخذوه [ الحشر : 7 ] متضمنا للسنة ، وقوله : ويتبع غير سبيل المؤمنين [ النساء : 115 ] متضمنا للإجماع ، وهذا أهم ما يكون .
وفي الصحيح عن ابن مسعود ; قال : لعن الله الواشمات والمستوشمات إلخ ، فبلغ ذلك امرأة من بني أسد ، يقال لها أم يعقوب ، [ ص: 183 ] وكانت تقرأ القرآن ; فأتته فقالت : ما حديث بلغني عنك أنك لعنت كذا وكذا ؟ فذكرته فقال عبد الله : ومالي لا ألعن من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في كتاب الله ؟ فقالت المرأة : لقد قرأت ما بين لوحي المصحف فما وجدته ! فقال لئن كنت قرأتيه لقد وجدتيه ، قال الله عز وجل : وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا [ الحشر : 7 ] الحديث وعبد الله من العالمين بالقرآن
فصل
فعلى هذا لا ينبغي في الاستنباط من القرآن الاقتصار عليه دون النظر في شرحه وبيانه وهو السنة ; لأنه إذا كان كليا وفيه أمور جملية كما في شأن الصلاة والزكاة والحج والصوم ونحوها ; فلا محيص عن النظر في بيانه ، وبعد ذلك ينظر في تفسير السلف الصالح له إن أعوزته السنة ; فإنهم أعرف به من غيرهم ، وإلا فمطلق الفهم العربي لمن حصله يكفي فيما أعوز من ذلك ، والله أعلم .
[ ص: 184 ] المسألة السادسة
القرآن فيه بيان كل شيء على ذلك الترتيب المتقدم ; فالعالم به على التحقيق عالم بجملة الشريعة ، ولا يعوزه منها شيء ، والدليل على ذلك أمور : منها النصوص القرآنية ، من قوله : اليوم أكملت لكم دينكم الآية [ المائدة : 3 ] وقوله : ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء [ النحل : 89 ] وقوله : ما فرطنا في الكتاب من شيء [ الأنعام : 38 ] وقوله : إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم [ الإسراء : 9 ] يعني : الطريق المستقيمة ، ولو لم يكمل فيه جميع معانيها ; لما صح إطلاق هذا المعنى عليه حقيقة .
وأشباه ذلك من الآيات الدالة على أنه هدى وشفاء لما في الصدور ، ولا يكون شفاء لجميع ما في الصدور إلا وفيه تبيان كل شيء .
ومنها : ما جاء من الأحاديث والآثار المؤذنة بذلك ; كقوله عليه الصلاة والسلام : إن هذا القرآن حبل الله ، وهو النور المبين ، والشفاء النافع ، عصمة [ ص: 185 ] لمن تمسك به ، ونجاة لمن تبعه ، لا يعوج فيقوم ، ولا يزيغ فيستعتب ، ولا تنقضي عجائبه ، ولا يخلق على كثرة الرد إلخ ; فكونه حبل الله بإطلاق ، والشفاء النافع إلى تمامه دليل على كمال الأمر فيه ونحو هذا في حديث علي عن النبي عليه الصلاة والسلام [ ص: 186 ] وعن ابن مسعود إن كل مؤدب يحب أن يؤتى أدبه ، وإن أدب الله القرآن .
وسئلت عائشة عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : كان خلقه القرآن ، وصدق ذلك قوله : وإنك لعلى خلق عظيم [ القلم : 4 ] وعن قتادة : ما جالس القرآن أحد إلا فارقه بزيادة أو نقصان ، ثم قرأ : وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا [ الإسراء : 82 ] وعن محمد بن كعب القرظي في قول الله تعالى : إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان [ آل عمران : 193 ] قال : هو القرآن ، ليس كلهم رأى النبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 187 ] وفي الحديث : يؤم الناس أقرؤهم لكتاب الله ، وما ذاك إلا أنه أعلم بأحكام الله ; فالعالم بالقرآن عالم بجملة الشريعة .
وعن عائشة : أن من قرأ القرآن ; فليس فوقه أحد .
وعن عبد الله ; قال إذا أردتم العلم ; فأثيروا القرآن ، فإن فيه علم الأولين والآخرين [ ص: 188 ] وعن عبد الله بن عمرو قال : من جمع القرآن ; فقد حمل أمرا عظيما ، وقد أدرجت النبوة بين جنبيه ; إلا أنه لا يوحى إليه [ ص: 189 ] وفي رواية عنه : من قرأ القرآن ; فقد اضطربت النبوة بين جنبيه وما ذاك إلا أنه جامع لمعاني النبوة ، وأشباه هذا مما يدل على هذا المعنى .
ومنها : التجربة وهو أنه لا أحد من العلماء لجأ إلى القرآن في مسألة إلا وجد لها فيه أصلا ، وأقرب الطوائف من إعواز المسائل النازلة أهل الظواهر الذين ينكرون القياس ، ولم يثبت عنهم أنهم عجزوا عن الدليل في مسألة من المسائل ، وقال ابن حزم الظاهري : كل أبواب الفقه ليس منها باب إلا وله أصل في الكتاب والسنة ، نعلمه والحمد لله ، حاش القراض ; فما وجدنا له أصلا فيهما ألبتة إلى آخر ما قال ، وأنت تعلم أن القراض نوع من أنواع الإجارة ، وأصل الإجارة في القرآن ثابت ، وبين ذلك إقراره عليه الصلاة [ ص: 190 ] والسلام وعمل الصحابة به ولقائل أن يقول : إن هذا غير صحيح لما ثبت في الشريعة من المسائل والقواعد غير الموجودة في القرآن ، وإنما وجدت في السنة ، ويصدق ذلك ما في الصحيح من قوله عليه الصلاة والسلام : لا ألفين أحدكم متكئا على أريكته يأتيه الأمر من أمرى مما أمرت به أو نهيت عنه ، فيقول : لا أدرى ، ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه ، وهذا ذم ومعناه اعتماد السنة أيضا

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|