عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 31-07-2022, 04:16 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,920
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الطويل والتدوير

الطويل والتدوير


أ. د. أحمد كشك



ومن تَدْوير ابن هانئ الأندلسي - وهو التَّدْوير الوحيد له في الطَّويل - قوله ( ص: 310):
فَثَمَّ مَصَابِيحُ الظَّلاَمِ وَشِيْعَةُ الْ
إِمَامِ وَأُسْدُ الْمَأْزِقِ الْمُتَلاَحِمِ


والإشارة المكانيَّة تُوجبُ أن يلتئم شمل المشار إليه، والاعتمادُ على مُشارٍ إليه واحد تقليلٌ من شأن المكان؛ ومن هنا كان التَّدْوير مَطلبًا دَلاليًّا.

ومن تَدْوير البوصيري - وهو التَّدْوير الوحيد له في الطَّويل - قوله (ص: 279):
وَمُذْ غَاضَ طُوفَانُ الْعُلُومِ بِمَوْتِهِ اسْ
تَوَى الْفُلْكُ فِي ذَاكَ الضَّرِيْحِ عَلَى الجُودِيِّ


فالأحداث المتتاليةُ مُتعاقِبةٌ تَعاقُبًا زمنيًّا؛ فضَياع العِلم بالموت أسلَمَ إلى اسْتواء هذا العِلم في الضَّريح، والصورة المُتتاليةُ تَروم صورة سفينة نُوح التي استوتْ على الجوديِّ؛ فتركيب الصورة يوجِب اتِّصالها نُطقيًّا كما كان اتِّصال مثالها القرآنيِّ مَطلبًا.

تلك بعض أبياتٍ مما دلَّتْ عليه إحصائيَّة التَّدْوير في الطَّويل وهي إحصائيَّةٌ لمْ يَردْ للشِّعر الحديث فيها ذِكْر، وقد دلَّتْ نماذج التَّدْوير على أنه من المُحتمل أن يتَّجه أمرها إلى:
أ- عطاء نحْوي يتبيَّن مِن خِلاله احتكامُ الاتِّصال إلى التلازُم القائم بين أبوابٍ نحويَّة.

ب- عطاء دَلاليٌّ يرتكز على مُراد الشَّاعِر من تلك الكلمات التي حوى مُعظمها "أل" حيث كان التعريف مَطلبًا لا يوازيه التنكير في الدَّلالة التي يَرومها البيت.


[1] أكثر نِسبةٍ لاستخدام الطَّويل في إحصائيَّة العصر الجاهليِّ لدى حاتِم الطائيِّ الذي استَخدم الطويل "277" مرَّةً مِن جُملة ديوانه "377" أي أنَّ نِسبة الاستخدام حوالي 73.5% تقريبًا. يأتي بعد ذلك الأعْشَى الذي استخدمه "614" مرَّةً مِن جُملة "2241"؛ أي أنَّ نِسبة استخدامه مِن مُجمل ما استَخدم مِن بحور 27.5% تقريبًا.
ومن المُلاحظات الإِيقاعية الواردة في حقِّ إحصاء الطَّويل ظاهِرة الخَرْم التي سوف نتعقُّبها في بُحورها على أن يكون موضعها هامش البحث لا صُلْبه.
الخَرم في الطَّويل:
وأساس الظاهرة حذْف حرَكة أوَّل الوتِد المجموع مِن تفعيلة البحْر في أوَّل بيت لأوَّل شَطر غالبًا، والمُلاحَظ على هذه الظَّاهرة مِن خِلال الاستقراء:
1- أنَّ مُعظَم أبيات الطَّويل التي يأتي الخَرْم مطالعها من قصائد ومقطوعات قليلة العد.
2- أن كثيرًا منها يُحلُّ أمرهُ بإضافة حرف من حروف المعاني كالواو واللام والفاء مما أعطى إحساسًا بإمكان أن تكون هذه الحروف في الأصل ساقطة.
3- أنَّ صورةً مِن الطَّويل تُحدث لَبسًا مع الكامل، وهذا يُمثِّل قَصدًا في تنويع مطالع القصائد إيقاعيًّا؛ حيث يتحرَّك الشّاعِر مُوهمًا أنه في إيقاع كامل، ثم يرتدُّ بعد ذلك إلى الطَّويل؛ هذا التنويع لن يتمَّ في كلِّ الأبيات التي اعتراها خَرم وإنما في صورةٍ مُعيَّنة يَحدُث فيها أمران:
" أ " مُزاحَفة "فعولن" قبل تفعيلة العروض لتكون "فعولُ".
"ب" ورود التَّفعيلة الأولى التي أصابها خَرم على نحو "عولن" لا "عول".
ولأنَّ الحصول على نماذج للظَّاهرة يُمثِّل نُدرةً فسوف نَستقصي كلَّ ما ورد في الإِحصائية مِن أبيات الخرم.
وقد ورَد الخَرْم لدى حاتِم الطائيِّ أربع مرّاتٍ في مقطوعات لم تزد على أربعة أبيات منها قوله ( ص: 11):
لما رَأيتُ النّاسَ هَرَّتْ كِلابُهمُ

ضَربُْت بِسَيفي ساقَ أفْعَى فَخَرَّتِ

وفي ( ص: 34) قوله: لَمْ يُنسِني أطْلالَ ماويّةٍ ناسي
وفي ( ص: 41) قوله: لا نَطْرُقُ الجاراتِ مِنْ بَعْدِ هَجْعَةٍ
وفي ( ص: 48) قوله: لا تَسْتُري قِدْري إذا ما طَبَخْتِها
والمُلاحَظ أن جُملة ما ورَد مِن خَرْم مِن مقْطوعات أبياتها قليلة، فكلُّها بيتان إلا البيت الأول مِن أربعَة أبياتٍ، والأبيات السّابِقة لا تَلتبِس بالكامل مما يُرشِّح أن إسقاط حرف المعنى هنا وارِد.
وورَد لدى الأعْشى مرَّةً واحدةً الْتبسَ فيها الطَّويل بالكامل وهي قوله ( ص: 117):
يا جارَتي بِيني فإنَّكِ طالِقَه

كَذاكِ أُمورُ النّاسِ غادٍ وَطارِقَهْ

ويبدو أن التَّراوح هُنا بالإِيقاع وارِد فكأنَّ الشّاعِر أراد بتصْريعه وخرْمه أنْ يَزيد الإِيقاع تعْميةً حتَّى يُثبِت حدَّ الكامِل الذي يَرتدُّ طويلاً في الشَّطْر الثاني.
وقدْ ورَد الخرْم لدى الخنْساء أربَعة مرّاتٍ مِن مقْطوعاتٍ لمْ تَزدْ عَن اثنَي عشَر بيتًا والأبيات ص28:
لَهَفي عَلى صَخْرٍ فإنّي أَرى لَهُ

نَوافِلَ مِن مَعْروفِه قَدْ تَوَلَّتِ

وص(68): أَقْسَمْتُ لا أنْفَكُّ أُهْدي قَصيدَةً..
و( ص: 86): لمّا رَأَيْتُ البَدْرَ أَظْلَمَ كاسِفًا..
و( ص: 90): مَن لامَني في حُبِّ كوزٍ وذِكْرِهِ..
وقد خرَم عامِر بنُ الطُّفَيل أحد شُعراء الحماسَة أربَع مرّاتٍ وهي:
( ص: 70):
أَفْراسُنا بِالسَّهْلِ بَدَّلْنَ مَذْحِجًا

ذُرى شَعَفٍ شَثًّا وَبانًا وَعَرْعَرا

و( ص: 131): وَيْلٌ لِخَيْلٍ سَيْلِ خَيْلٍ مُغيرَةٍ
و( ص: 131): طُلِّقْتِ إِنْ لَمْ تَسْأَلي أَيُّ فارِسٍ
و( ص: 83): أُنْبِئْتُ قَومي أَتْبَعوني مَلامَةً...
وليس في الأبيات السّابقة لدى الخنْساء وعامْر الْتباسٌ بالكامِل إلا بيت الخنْساء الذي مَطلَعه: لما رَأَيْتُ البْدَرَ أَظْلَمَ كاسِفًا، وبيت عامِر الذي يقول: ويلٌ لِخَيْلٍ سَيْلِ.

[2] دارِس ظاهِرة الخرْم عليه أن يَعكُف على دِراسة شِعر الفرزْدق، فالخرْم يُمثِّل ظاهِرةً لديه في مَطالِع الطَّويل والوافِر. وقد لاحَظَ حازِمٌ القَرْطاجَنِّيُّ في كِتابه "مِنهاج البلغاء" ( ص: 207) ذلك حين قال: "وإمّا أن يَترُك التَّصريع ويَفتَتِح بعُمدَة غرَضِه كيفما حضَرتْه العِبارة ولو واقِعًا في أوَّلها الخرْم وبهذا المذهَب كان الفرزْدق يُكمِل نحو قوله:
مِنَّا الَّذِي اخْتيرَ الرِّجَال سَمَاحَةً
وَخَيْرًا إِذَا هَبَّ الرِّيَاحُ الزَّعَازِعُ

وكَي يَتمَّ تصوُّر الخرْم في الطَّويل.. نقول: إنَّ الفرزْدق قدْ خَرم "79" مرَّةً في مَطالِع الطَّويل أي حوالي خمْس ما ورَد مِن قصائدَ للطَّويل وجلُّها مقطوعاتٌ قصيرة العدِّ، فقدْ جاء الخرْم (31) مرَّةً في مقْطوعاتٍ تقلُّ عن ثلاثة أبيات، و(29) مرَّةً في مقطوعات تَقِل عن تسعة أبيات، بينما دخَل خَمسَ مرّاتٍ في قصائدَ يَتراوَح عَددها بين (22) بيتًا، و(47) وهذا يؤكِّد حقَّ المُلاحَظات الوارِدة سابقًِا في الخرْم في العصر الجاهليِّ.
وأبيات الفَرزْدَق التي اعتراها الخرْم منها جُملة كبيرة تَصِل إلى (55) مَطلعًا بالإِمكان أن يَكتَمل حقُّها بإضافَة حرْف مِن حروف المعاني. منها في الجزء الأول من ديوانه.
ص(15):
لَوْلَا يَدَا بِشْرِ بْنِ مَرْوَانَ لَمْ أُبَلْ
تَكَثُّرَ غَيْظٍ فِي فُؤادِ المُهَلَّبِ

( ص: 41):
إِنِّي لَأَسْتَحْيِي وَإِنِّي لَفَاخِرٌ
عَلَى طَيِّءٍ بِالأَقْرَعَيْنِ وَغالِبُ

( ص: 50):
إِنْ يُظْعِنِ الشَّيْبُ الشَّبَابَ فَقَدْ تُرَى
لَهُ لِمَّةٌ لَمْ يُرْمَ عَنْها غُرَابُهَا

( ص: 65):
إِنَّ بِلَالَاً إِنْ تُلاقِيهِ سَالِمًا
كَفَاكِ الَّذِي تَخْشَيْنَ مِنْ كُلِّ جَانِبِ

وفي الجزء الثاني:
( ص: 19):
قَدْ نَالَ بِشْرٌ مُنْيَةَ النَّفْسِ إِذْ غَدَا
بِعَبْدَةَ مَنْهَاةِ المُنَى ابْنُ شُغَافِ


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 26.34 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 25.71 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.38%)]