عرض مشاركة واحدة
  #85  
قديم 21-07-2022, 06:10 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 136,503
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح العمدة لابن تيمية كتاب الحج --- متجدد



شرح العمدة لابن تيمية كتاب الحج (2)
تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية

من صــ 591الى صــ 600
(85)

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: " أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بَعَثَهُ فِي الْحَجَّةِ الَّتِي أَمَّرَهُ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ يَوْمَ النَّحْرِ فِي رَهْطٍ يُؤَذِّنُ فِي النَّاسِ: أَلَا لَا يَحُجُّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ، وَلَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَتُشْتَرَطُ السُّتْرَةُ الْوَاجِبَةُ فِي الصَّلَاةِ حَتَّى سَتْرُ الْمَنْكِبِ. . .، فَإِنْ طَافَ عُرْيَانٌ فَقَدْ ذَكَرَ أَصْحَابُنَا فِيهِ الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْمُحْدِثِ، أَشْهَرُهُمَا: أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ، وَالْأُخْرَى عَلَيْهِ دَمٌ.
الشَّرْطُ الْخَامِسُ: أَنْ يَطُوفَ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ، فَلَوْ نَقَصَ طَوَافًا أَوْ خَطْوَةً مِنْ طَوَافٍ لَمْ يُجْزِهِ، قَالَ - فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ فِيمَنْ تَرَكَ طَوْفَةً مِنَ الطَّوَافِ الْوَاجِبِ -: لَا يُجْزِئُهُ حَتَّى يَأْتِيَ بِسَبْعٍ تَامٍّ لَا بُدَّ مِنْهُ.
وَقَالَ - فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ - وَذَكَرَ لَهُ قَوْلَ سُفْيَانَ: إِذَا لَمْ يُكْمِلْ سَبْعَةً فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَمْ يَطُفْ يَكُونُ حَرَامًا حَتَّى يَرْجِعَ فَيَقْضِيَ، حَجَّةً كَانَتْ أَوْ عُمْرَةً، فَقَالَ أَحْمَدُ: مَا أَحْسَنَ مَا قَالَ.
وَنَقَلَ عَنْهُ أَبُو طَالِبٍ وَذَكَرَ لَهُ قَوْلَ عَطَاءٍ: إِذَا طَافَ أَكْثَرَ الطَّوَافِ خَمْسًا أَوْ سِتًّا، فَقَالَ: أَنَا أَقُولُ: يُعِيدُ الطَّوَافَ، قِيلَ لَهُ: فَإِنْ كَانَ بِخُرَاسَانَ؟ قَالَ: يَرْجِعُ، فَإِذَا بَلَغَ التَّنْعِيمَ، أَهَلَّ، ثُمَّ طَافَ، وَيُهْدِي، مِثْلَ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
وَقَدْ نَقَلَ عَنْهُ الْمَيْمُونِيُّ - فِيمَنْ وَطِئَ وَقَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ شَوْطٌ -: فَالدَّمُ قَلِيلٌ، وَلَكِنْ يَأْتِي بِبَدَنَةٍ، وَأَرْجُو أَنْ يُجْزِئَهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ إِعَادَةَ الطَّوَافِ.
الشَّرْطُ السَّادِسُ: التَّرْتِيبُ، هُوَ شَيْئَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَبْتَدِئَ بِالْحَجَرِ الْأَسْوَدِ، فَإِنِ ابْتَدَأَ بِمَا قِبَلَهُ مِنْ نَاحِيَةِ الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ: لَمْ يَضُرَّهُ الزِّيَادَةُ، وَإِنِ ابْتَدَأَ بِمَا بَعْدَهُ مِنْ نَاحِيَةِ الْبَابِ: لَمْ يُحْتَسَبْ لَهُ بِذَلِكَ الشَّوْطِ.
الثَّانِي: وَهُوَ الشَّرْطُ السَّابِعُ: أَنْ يَبْتَدِئَ بَعْدَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ بِنَاحِيَةِ الْبَابِ، ثُمَّ نَاحِيَةِ الْحِجْرِ، ثُمَّ نَاحِيَةِ الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ، فَيَجْعَلَ الْبَيْتَ عَنْ يَسَارِهِ، فَلَوْ نَكَسَ الطَّوَافَ، فَابْتَدَأَ بِنَاحِيَةِ الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ، وَجَعَلَ الْبَيْتَ عَنْ يَمِينِهِ - لَمْ يُجْزِهِ.
وَإِنْ مَرَّ عَلَى الْبَابِ لَكِنِ اسْتَقْبَلَ الْبَيْتَ فِي طَوَافِهِ، وَمَشَى عَلَى جَنْبٍ. . .، قَالَ - فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ -: مَنْ طَافَ بِالْبَيْتِ طَوَافَ الْوَاجِبِ مَنْكُوسًا لَمْ يُجْزِهِ، حَتَّى يَأْتِيَ بِهِ عَلَى مَا أَمَرَ اللَّهُ، وَسُنَّةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَإِنْ طَافَ كَذَلِكَ وَانْصَرَفَ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ، لَا يُجْزِئُهُ. . .
وَذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ أَمَرَ بِالطَّوَافِ، وَقَدْ فَسَّرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِفِعْلِهِ، وَتَلَقَّتْهُ الْأُمَّةُ عَنْهُ بِالْعَمَلِ الْمُتَوَاتِرِ، وَفِعْلُهُ إِذَا خَرَجَ امْتِثَالًا لِأَمْرٍ، وَتَفْسِيرًا لِمُجْمَلٍ كَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ ذَلِكَ الْأَمْرِ. وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ».
الشَّرْطُ الثَّامِنُ: الْمُوَالَاةُ، وَهُوَ أَنْ لَا يُطِيلَ قَطْعَهُ، فَإِنْ أَطَالَ قَطْعَهُ لِمَكْتُوبَةٍ أُقِيمَتْ، أَوْ جِنَازَةٍ حَضَرَتْ، لَمْ يَقْطَعْ مُوَالَاتَهُ؛ لِأَنَّهُ فَرْضٌ يُخَافُ فَوْتُهُ، فَأَشْبَهَ خُرُوجَ الْمُعْتَكِفِ لِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ.

قَالَ - فِي رِوَايَةِ ابْنِ إِبْرَاهِيمَ فِي الرَّجُلِ يَطُوفُ وَيَرَى جِنَازَةً -: يَقْطَعُ وَيُصَلِّي عَلَيْهَا، وَيَبْنِي، وَسُئِلَ عَنِ الرَّجُلِ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ فَيَعْيَا هَلْ يَسْتَرِيحُ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَدْ فَعَلَهُ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ الزُّبَيْرِ، طَافَا وَاسْتَرَاحَا.
فَإِنْ أَطَالَ: فَذَكَرَ فِيهَا رِوَايَتَيْنِ:
إِحْدَاهُمَا: يَبْنِي، قَالَ - فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ - وَقَدْ سُئِلَ إِذَا قَطَعَ الطَّوَافَ يَبْنِي، أَوْ يَسْتَأْنِفُ، قَالَ: يَبْنِي، وَقَالَ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ فِي رَجُلٍ طَافَ سِتَّةَ أَشْوَاطٍ، وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدُ: يَطُوفُ شَوْطًا وَلَا يُعِيدُ، وَإِنْ طَافَ ابْتِدَاءً فَهُوَ أَحْوَطُ.
وَالثَّانِيَةُ: يَسْتَأْنِفُ، قَالَ - فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ - فِي امْرَأَةٍ طَافَتْ ثَلَاثَةَ أَشْوَاطٍ ثُمَّ حَاضَتْ، تُقِيمُ حَتَّى تَطُوفَ؟ قِيلَ لَهُ: تَبْنِي عَلَى طَوَافِهَا؟ قَالَ: لَا تَبْتَدِئُ. وَقَالَ - فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ -: إِذَا طَافَ خَمْسًا أَوْ سِتًّا، وَرَجَعَ إِلَى بَلَدِهِ: يُعِيدُ الطَّوَافَ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ: لَوْ طَافَتْ خَمْسًا ثُمَّ حَاضَتْ بَنَتْ، وَقِيلَ:تَبْتَدِئُ، وَهُوَ اخْتِيَارِي، وَهَذَا هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ. . .
وَقَالَ الْقَاضِي - فِي الْمُجَرَّدِ - وَابْنُ عَقِيلٍ: إِنَّهُ إِنْ قَطَعَهُ لِعُذْرٍ مِثْلِ سَبْقِ الْحَدَثِ، فَعَلَى الرِّوَايَاتِ الثَّلَاثِ، وَكَذَلِكَ النِّسْيَانُ، وَإِنْ قَطَعَهُ لِغَيْرِ عُذْرٍ وَأَطَالَ ابْتَدَأَ، وَإِنْ لَمْ يُطِلْ بَنَى.
الشَّرْطُ التَّاسِعُ: أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ جَمِيعِهِ، فَلَا يَطُوفُ فِي شَيْءٍ مِنْهُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ قَالَ: " {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 29] فَإِنِ اخْتَرَقَ الْحِجْرَ فِي طَوَافِهِ أَوِ الشَّاذَرْوَانَ - لَمْ يَصِحَّ.
قَالَ أَحْمَدُ - فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ - فِيمَنْ طَافَ فِي الْحِجْرِ فَاخْتَرَقَهُ - لَا يُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّ الْحِجْرَ مِنَ الْبَيْتِ، فَإِنْ كَانَ شَوْطًا وَاحِدًا أَعَادَ ذَلِكَ الشَّوْطَ، وَإِنْ كَانَ كُلَّ الطَّوَافِ أَعَادَهُ.
وَكَذَلِكَ نَقَلَ حَنْبَلٌ فِيمَنْ طَافَ وَاخْتَرَقَ الْحِجْرَ: لَا يُجْزِئُهُ وَيُعِيدُ، وَنَقَلَ حَرْبٌ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ أَمَرَ بِالطَّوَافِ بِالْبَيْتِ، وَمَنْ سَلَكَ شَيْئًا مِنَ الْبَيْتِ فِي طَوَافِهِ لَمْ يَطُفْ بِهِ كُلِّهِ، وَإِنَّمَا طَافَ فِيهِ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: " مَنْ طَافَ بِالْبَيْتِ فَلْيَطُفْ مِنْ وَرَاءِ الْحِجْرِ، فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ:{وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 29] وَقَدْ طَافَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ وَرَاءِ الْحِجْرِ" رَوَاهُ. . . الْأَثْرَمُ.
وَعَنْ عُمَرَ قَالَ: " لَوْ أَنَّ الْحِجْرَ لَمْ يَكُنْ مِنَ الْبَيْتِ لَمَا طِيفَ بِهِ".
وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتِ: " الْحِجْرُ مِنَ الْبَيْتِ".

وَعَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ بَعْضَ عُلَمَائِنَا يَقُولُ: " إِنَّمَا حُجِّرَ الْحِجْرُ فَطَافَ النَّاسُ مِنْ وَرَائِهِ إِرَادَةَ أَنْ يَسْتَوْعِبَ النَّاسَ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ" رَوَاهُنَّ أَحْمَدُ.
وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ: مَا رَوَى سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ أَخْبَرَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، «عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهَا: " أَلَمْ تَرَيْ أَنَّ قَوْمَكِ حِينَ بَنَوُا الْكَعْبَةَ اقْتَصَرُوا عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَلَا تَرُدُّهَا عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ؟ قَالَ: لَوْلَا حِدْثَانُ قَوْمِكِ بِالْكُفْرِ لَفَعَلْتُ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: لَإِنْ كَانَتْ عَائِشَةُ سَمِعَتْ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا أَرَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَرَكَ اسْتِلَامَ الرُّكْنَيْنِ اللَّذَيْنِ يَلِيَانِ الْحِجْرَ إِلَّا أَنَّ الْبَيْتَ لَمْ يُتَمَّمْ عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ» ".
وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: لَوْلَا أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثُو عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ - أَوْ قَالَ: بِكُفْرٍ - لَأَنْفَقْتُ كَنْزَ الْكَعْبَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَلَجَعَلْتُ بَابَهَا بِالْأَرْضِ، وَلَأَدْخَلْتُ فِيهَا مِنَ الْحِجْرِ»
وَعَنْ عُرْوَةَ «عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: " قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَوْلَا حَدَاثَةُ قَوْمِكِ بِالْكُفْرِ لَنَقَضْتُ الْكَعْبَةَ، وَلَجَعَلْتُهَا عَلَى أَسَاسِ إِبْرَاهِيمَ، فَإِنَّ قُرَيْشًا حِينَ بَنَتِ اسْتَقْصَرَتْ، وَلَجَعَلْتُ لَهَا خَلْفًا» وَفِي رِوَايَةٍ "يَعْنِي بَابًا".
وَعَنِ الْأَسْوَدِ «عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ الْجَدْرِ أَمِنَ الْبَيْتِ هُوَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَلْتُ: فَمَا لَهُمْ لَمْ يُدْخِلُوهُ فِي الْبَيْتِ؟ قَالَ: إِنَّ قَوْمَكِ قَصُرَتْ بِهِمُ النَّفَقَةُ، قُلْتُ: فَمَا شَأْنُ بَابِهَا مُرْتَفِعًا؟ قَالَ: فَعَلَ ذَلِكَ قَوْمُكِ لِيُدْخِلُوا مَنْ شَاءُوا وَيَمْنَعُوا مَنْ شَاءُوا، وَلَوْلَا أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثُ عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ فَأَخَافُ أَنْ تُنْكِرَ قُلُوبُهُمْ، لَنَظَرْتُ أَنْ أُدْخِلَ الْجَدْرَ فِي الْبَيْتِ، وَأُلْصِقَ بَابَهُ بِالْأَرْضِ» وَفِي رِوَايَةٍ «: " الْحِجْرَ" مَكَانَ الْجَدْرِ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِنَّ.
وَعَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ، عَنْ عُرْوَةَ، «عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهَا: " يَا عَائِشَةُ، لَوْلَا أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثُ عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ لَأَمَرْتُ بِالْبَيْتِ فَهُدِمَ، فَأَدْخَلْتُ فِيهِ مَا أُخْرِجَ مِنْهُ، وَأَلْزَقْتُهُ بِالْأَرْضِ، وَلَجَعَلْتُ لَهَا بَابَيْنِ، بَابًا شَرْقِيًّا وَبَابًا غَرْبِيًّا، فَبَلَغْتُ بِهِ أَسَاسَ إِبْرَاهِيمَ»، فَذَلِكَ الَّذِي حَمَلَ ابْنَ الزُّبَيْرِ عَلَى هَدْمِهِ، قَالَ يَزِيدُ: وَشَهِدْتُ ابْنَ الزُّبَيْرِ حِينَ هَدَمَهُ وَبَنَاهُ وَأَدْخَلَ فِيهِ مِنَ الْحِجْرِ، وَقَدْ رَأَيْتُ أَسَاسَ إِبْرَاهِيمَ حِجَارَةً كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ. قَالَ جَرِيرُ ابْنُ حَازِمٍ: فَقُلْتُ لَهُ - يَعْنِي يَزِيدَ -: أَيْنَ مَوْضِعُهُ؟ فَقَالَ: أُرِيكَهُ الْآنَ، فَدَخَلْتُ مَعَهُ الْحِجْرَ، فَأَشَارَ إِلَى مَكَانٍ فَقَالَ: هَاهُنَا. قَالَ جَرِيرٌ: فَحَزَرْتُ مِنَ الْحِجْرِ سِتَّ أَذْرُعٍ، أَوْ نَحْوَهَا" رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ مِينَاءَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: حَدَّثَتْنِي خَالَتِي - يَعْنِي عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يَا عَائِشَةُ، لَوْلَا أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثُو عَهْدٍ بِشِرْكٍ، لَهَدَمْتُ الْكَعْبَةَ، فَأَلْزَقْتُهَا بِالْأَرْضِ، وَجَعَلْتُ لَهَا بَابَيْنِ، بَابًا شَرْقِيًّا وَبَابًا غَرْبِيًّا، وَزِدْتُ فِيهَا سِتَّةَ أَذْرُعٍ مِنَ الْحِجْرِ، فَإِنَّ قُرَيْشًا اقْتَصَرَتْهَا حِينَ بَنَتِ الْكَعْبَةَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَعَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ عَائِشَةَ تَقُولُ: إِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَوْلَا أَنَّ النَّاسَ حَدِيثُ عَهْدِهِمْ بِكُفْرٍ، وَلَيْسَ عِنْدِي مِنَ النَّفَقَةِ مَا يَقْوَى عَلَى بِنَائِهِ، لَكُنْتُ أَدْخَلْتُ فِيهِ مِنَ الْحِجْرِ خَمْسَ أَذْرُعٍ، وَلَجَعَلْتُ لَهُ بَابًا يَدْخُلُ النَّاسُ مِنْهُ، وَبَابًا يَخْرُجُ النَّاسُ مِنْهُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَعَنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبِيعَةَ أَنَّهُ سَمِعَ عَائِشَةَ تَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِنَّ قَوْمَكِ اسْتَقْصَرُوا مِنْ بُنْيَانِ الْبَيْتِ، وَلَوْلَا حِدْثَانُ عَهْدِهِمْ بِالشِّرْكِ: أَعَدْتُ مَا تَرَكُوا مِنْهُ، فَإِنْ بَدَا لِقَوْمِكِ مِنْ بَعْدِي أَنْ يَبْنُوهُ فَهَلُمِّنِي لِأُرِيَكِ مَا تَرَكُوا مِنْهُ، فَأَرَاهَا قَرِيبًا مِنْ سَبْعَةِ أَذْرُعٍ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
الشَّرْطُ الْعَاشِرُ: أَنْ يَطُوفَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، فَإِنْ طَافَ خَارِجَ الْمَسْجِدِ لَمْ يَصِحَّ، وَإِنْ طَافَ فِيهِ جَازَ، سَوَاءٌ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ حَائِلٌ مِثْلُ زَمْزَمَ وَقُبَّةِ السِّقَايَةِ، أَوْ طَافَ فِي الْأَرْوِقَةِ الَّتِي فِي جَوَانِبِ الْمَسْجِدِ، أَوْ طَافَ قَرِيبًا مِنْهُ، هَذَا قَوْلُ. . .، وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ فَالْمُصَحِّحُ لِلطَّوَافِ: الْكَوْنُ فِي الْمَسْجِدِ.
وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا كَانَ مَسْجِدًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَبَيْنَ مَا زِيدَ فِيهِ عَلَى عَهْدِ عُمَرَ، وَبَنِي أُمَيَّةَ، وَبَنِي الْعَبَّاسِ.
وَقَالَ الْقَاضِي - فِي الْمُجَرَّدِ -: يَجُوزُ الطَّوَافُ فِي الْمَسْجِدِ وَإِنْ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ قُبَّةُ زَمْزَمَ وَسِقَايَتُهُ؛ لِأَنَّ الْحَائِلَ فِي الْمَسْجِدِ كَلَا حَائِلَ، وَإِنْ طَافَ خَارِجَ الْمَسْجِدِ لَمْ يُجْزِهِ؛ لِأَنَّ الْحَائِلَ خَارِجَ الْمَسْجِدِ يَقْطَعُ حُكْمَ الْمَسْجِدِ، كَمَا لَوِ ائْتَمَّ بِالْإِمَامِ فِي الْمَسْجِدِ وَبَيْنَهُمَا سُورُهُ، وَعَلَى هَذَا فَالْمَانِعُ وُجُودُ الْحَائِلِ، فَلَوْ فُرِضَ زَوَالُ جِدَارِ الْمَسْجِدِ صَحَّتِ الصَّلَاةُ خَارِجَهُ.

وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: إِنْ تَبَاعَدَ عَنِ الْبَيْتِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ لَمْ يَمْنَعِ الْإِجْزَاءَ؛ لِأَنَّ هَذِهِ عِبَادَةٌ تَتَعَلَّقُ بِالْبَيْتِ، فَلَا يُؤَثِّرُ فِي إِبْطَالِهَا الْبُعْدُ مَعَ مُسَامَتَتِهِ، وَمُحَاذَاتِهِ كَالصَّلَاةِ.
وَإِنْ طَافَ حَوْلَ الْمَسْجِدِ، أَوْ حَوْلَ الْبَيْتِ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ جِدَارٌ آخَرُ: احْتَمَلَ أَنْ لَا يُجْزِئَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى طَائِفًا بِالْبَيْتِ، بَلْ بِالْمَسْجِدِ، أَوِ الْجِدَارِ الَّذِي هُوَ حَائِلٌ؛ وَلِأَنَّ الْبُقْعَةَ الَّتِي هِيَ مَحَالُّ الطَّوَافِ مُعْتَبَرَةٌ؛ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَجْعَلَ غَيْرَ الْمَطَافِ مَطَافًا؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ سَعَى فِي مُسَامَتَةِ الْمَسْعَى، وَتَرَكَ السَّعْيَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ لَمْ يُجْزِهِ، كَذَلِكَ هَاهُنَا.
وَوَجْهُ الْأَوَّلِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [البقرة: 125] فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ بَيْتَهُ مُعَدٌّ لِلطَّائِفِينَ، وَالْعَاكِفِينَ وَالْمُصَلِّينَ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ لَهُ أَثَرًا فِي اخْتِصَا. . .
الْفَصْلُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ لَا رُكْنَ إِلَّا الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ، وَالطَّوَافُ طَوَافُ الزِّيَارَةِ، وَقَدِ اخْتَلَفَتْ عِبَارَةُ أَصْحَابِنَا فِي ذَلِكَ.
وَأَصْلُ ذَلِكَ: أَنَّ السَّعْيَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ هَلْ هُوَ رُكْنٌ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ، فَإِنْ قُلْنَا: لَيْسَ بِرُكْنٍ فَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ يَقُولُ: هُمَا رُكْنَانِ، كَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ.
قَالَ أَبُو الْحَسَنِ التَّيْمِيُّ: فَرْضُ الْحَجِّ فَرْضَانِ لَا ثَالِثَ لَهُمَا، رَوَى ذَلِكَ عَنْ أَحْمَدَ وَالْمَرُّوذِيِّ، وَإِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، وَغَيْرِهِمْ، وَنَقَلَ عَنْهُ ابْنَاهُ، وَأَبُو الْحَارِثِ، وَالْفَضْلُ بْنُ زِيَادٍ، أَنَّهُ قَالَ فِيمَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ وَزَارَ الْبَيْتَ يَوْمَ النَّحْرِ، وَانْصَرَفَ وَلَمْ يَعْمَلْ غَيْرَ ذَلِكَ: فَحَجَّتُهُ صَحِيحَةٌ وَعَلَيْهِ دَمٌ. قَالَ: وَبِهَذَا أَقُولُ.
وَهَذَا قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ عَبْدِ الْعَزِيزِ.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 42.34 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 41.71 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.48%)]