عرض مشاركة واحدة
  #80  
قديم 20-07-2022, 03:53 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,310
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح العمدة لابن تيمية كتاب الحج --- متجدد


شرح العمدة لابن تيمية كتاب الحج (2)
تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية

من صــ 541الى صــ 550
(80)


وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي مَأْخَذِ هَذَا الِاخْتِلَافِ عَلَى طُرُقٍ ; فَقَالَ الْقَاضِي - فِي الْمُجَرَّدِ - وَأَبُو الْخَطَّابِ وَجَمَاعَاتٌ مِنْ أَصْحَابِنَا: هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْحَلْقَ هَلْ هُوَ نُسُكٌ أَوْ طَلَاقٌ مِنْ مَحْظُورٍ، وَخَرَّجُوا فِي ذَلِكَ رِوَايَتَيْنِ:
إِحْدَاهُمَا: أَنَّهُ إِطْلَاقٌ مِنْ مَحْظُورٍ بِمَنْزِلَةِ تَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ، وَأَخْذِ الشَّارِبِ، وَلُبْسِ الثِّيَابِ وَالطِّيبِ لِأَنَّهُ مَحْظُورٌ فِي حَالِ الْإِحْرَامِ، فَكَانَ فِي وَقْتِهِ إِطْلَاقَ مَحْظُورٍ كَسَائِرِ الْمَحْظُورَاتِ مِنَ اللُّبْسِ وَالطِّيبِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ نُسُكًا مِنْ أَعْمَالِ الْحَجِّ لَمْ يَجِبْ بِفِعْلِهِ حَالَ الْإِحْرَامِ دَمٌ كَسَائِرِ الْمَنَاسِكِ مِنَ الطَّوَافَيْنِ وَالْوُقُوفَيْنِ وَالرَّمْيِ، وَسَبَبُ هَذَا: أَنَّ الْحَلْقَ هُوَ مِنْ جُمْلَةِ إِلْقَاءِ التَّفَثِ، وَإِزَالَةِ الشَّعَثِ وَالْغُبَارِ وَنَوْعٌ مِنَ التَّرَفُّهِ، وَذَلِكَ بِالْمُبَاحَاتِ أَشْبَهُ مِنْهُ بِالْعِبَادَاتِ، وَأَصْحَابُ هَذَا الْقَوْلِ رُبَّمَا اسْتَحَبُّوا الْحِلَاقَ مِنْ حَيْثُ هُوَ نَظَافَةٌ لِلطَّوَافِ كَمَا يُسْتَحَبُّ الْحَلْقُ وَالتَّقْلِيمُ وَالِاغْتِسَالُ لَا لِأَمْرٍ يَخْتَصُّ النُّسُكَ، وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ لَا فَرْقَ بَيْنَ حَلْقِ الرَّأْسِ وَحَلْقِ الْعَانَةِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ غَلَطٌ عَلَى الْمَذْهَبِ لَيْسَ عَنْ أَحْمَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى هَذَا بَلْ كَلَامُهُ كُلُّهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْحَلْقَ مِنَ الْمَنَاسِكِ، وَإِنَّمَا تَوَهَّمَ ذَلِكَ مَنْ تَوَهَّمَهُ حَيْثُ لَمْ يُوقِفِ التَّحَلُّلَ عَلَيْهِ، أَوْ حَيْثُ لَمْ يُقَيِّدِ النُّسُكَ بِالْوَطْءِ قَبْلَهُ، وَهَذِهِ الْأَحْكَامُ لَهَا مَأْخَذٌ آخَرُ، ثُمَّ هُوَ خَطَأٌ فِي الشَّرِيعَةِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ.
الطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّ الْحَلْقَ أَوِ التَّقْصِيرَ نُسُكٌ يُثَابُ عَلَى فِعْلِهِ وَيُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِهِ مِنْ غَيْرِ تَرَدُّدٍ ; لَكِنْ هَلْ يَتَوَقَّفُ التَّحَلُّلُ الْأَوَّلُ عَلَيْهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، فَإِنْ قِيلَ: يَتَوَقَّفُ التَّحَلُّلُ عَلَيْهِ فَهُوَ كَالرَّمْيِ وَالسَّلَامِ فِي الصَّلَاةِ، وَإِنْ لَمْ يَتَوَقَّفِ التَّحَلُّلُ عَلَيْهِ فَهُوَ كَالْمَبِيتِ بِمِنًى وَكَرَمْيِ الْجِمَارِ أَيَّامَ مِنًى، وَكَسُجُودِ السَّهْوِ بَعْدَ الصَّلَاةِ وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ وَطَرِيقَةُ ... .

وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ أَجْوَدُ مِنَ الَّتِي قَبْلَهَا ; لِأَنَّ الرِّوَايَةَ إِنَّمَا اخْتَلَفَتْ عَنْ أَحْمَدَ فِي وُجُوبِ الدَّمِ عَلَى مَنْ وَطِئَ فِي الْعُمْرَةِ قَبْلَ الْحِلَاقِ وَلَمْ يُخْتَلَفْ عَنْهُ أَنَّهُ مُسِيءٌ بِذَلِكَ، وَاخْتُلِفَ عَنْهُ ... .
الطَّرِيقَةُ الثَّالِثَةُ: أَنَّهُ نُسُكٌ مُؤَكَّدٌ وَتَارِكُهُ مُسِيءٌ بِغَيْرِ تَرَدُّدٍ ; لَكِنْ هَلْ هُوَ وَاجِبٌ بِحَيْثُ إِذَا فَاتَ بِفَسَادِ الْعِبَادَةِ يَجِبُ عَلَيْهِ دَمٌ أَوْ يُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ.
وَإِذَا قُلْنَا: هُوَ وَاجِبٌ فَهَلْ يَتَحَلَّلُ بِدُونِهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ.
وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ أَجْوَدُ الطُّرُقِ، وَهِيَ مُقْتَضَى مَا سَلَكَهُ الْمُتَقَدِّمُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَلَا يَخْتَلِفُ أَصْحَابُنَا فِي اخْتِيَارِ كَوْنِهِ نُسُكًا، وَذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ قَالَ: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ} [الحج: 29] وَهَذِهِ اللَّامُ لَامُ الْأَمْرِ عَلَى قِرَاءَةِ ... .
وَأَيْضًا: فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ قَالَ: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ} [الفتح: 27] فَجَعَلَ الْحَلْقَ وَالتَّقْصِيرَ شِعَارَ النُّسُكِ وَعَلَامَتَهُ، وَعَبَّرَ عَنِ النُّسُكِ بِالْحَلْقِ وَالتَّقْصِيرِ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي كَوْنَهُ جُزْءًا مِنْهُ وَبَعْضًا لَهُ لِوُجُوهٍ ; أَحَدُهَا: أَنَّ الْعِبَادَةَ إِذَا سُمِّيَتْ بِمَا يُفْعَلُ فِيهَا دَلَّ عَلَى أَنَّهُ وَاجِبٌ فِيهَا كَقَوْلِهِ: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ} [الإسراء: 78] وَقَوْلِهِ: {قُمِ اللَّيْلَ} [المزمل: 2] وَ {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ} [المزمل: 20] وَ {وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} [آل عمران: 43] {وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ} [الحجر: 98] {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} [طه: 130].
وَيُقَالُ: صَلَّيْتُ رَكْعَتَيْنِ وَسَجْدَتَيْنِ، وَكَذَلِكَ فِي الْأَعْيَانِ يُعَبَّرُ عَنِ الشَّيْءِ بِبَعْضِ أَجْزَائِهِ كَمَا قَالَ: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [النساء: 92] وَيُقَالُ: عِنْدَهُ عَشَرَةُ رُؤُوسٍ وَعَشْرُ رِقَابٍ.
الثَّانِي: أَنَّ الْحَلْقَ وَالتَّقْصِيرَ إِذَا كَانَ مِنْ لَوَازِمِ النُّسُكِ وَهُوَ أَمْرٌ ظَاهِرٌ بَاقٍ أَثَرُهُ فِي الْمَنَاسِكِ، كَانَ وُجُودُ النُّسُكِ وُجُودًا لَهُ، فَجَازَ أَنْ يَقْصِدَ النُّسُكَ بِلَفْظِهِ لِلُزُومِهِ إِيَّاهُ، أَمَّا إِذَا وُجِدَ مَعَهُ تَارَةً وَفَارَقَهُ أُخْرَى بِحَسَبِ اخْتِيَارِ الْإِنْسَانِ، كَانَ بِمَنْزِلَةِ الرُّكُوبِ وَالْمَشْيِ لَا يَحْسُنُ التَّعْبِيرُ بِهِ عَنْهُ، وَلَا يُفْهَمُ مِنْهُ.
الثَّالِثُ: ... .
وَيُشْبِهُ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - إِنَّمَا ذَكَرَ الْحِلَاقَ وَالتَّقْصِيرَ دُونَ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ ; لِأَنَّهُمَا صِفَتَانِ لِبَدَنِ الْإِنْسَانِ يَنْتَقِلَانِ بِانْتِقَالِهِ.
وَالْمُرَادُ بِالدُّخُولِ: الْكَوْنُ ; فَكَأَنَّهُ قَالَ: لَتَكُونُنَّ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَلَتَمْكُثُنَّ بِهِ حَالِقِينَ وَمُقَصِّرِينَ، وَفِيهِ أَيْضًا تَنْبِيهٌ عَلَى تَمَامِ النُّسُكِ ; لِأَنَّ الْحَلْقَ وَالتَّقْصِيرَ إِنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ التَّمَامِ ; لِئَلَّا يَخَافُوا أَنْ يَصُدُّوا عَنْ إِتْمَامِ الْعُمْرَةِ كَمَا صَدُّوا عَنْ إِتْمَامِهَا عَامَ أَوَّلٍ.
وَأَيْضًا: فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَلَقَ هُوَ وَجَمِيعُ أَصْحَابِهِ، وَهُوَ مِنَ الْأَعْمَالِ الَّتِي تَنَاقَلَتْهَا الْأُمَّةُ خَلَفًا عَنْ سَلَفٍ قَوْلًا وَفِعْلًا، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عِبَادَةً وَنُسُكًا لِلَّهِ وَطَاعَةً لَمْ يُحَافِظُوا عَلَيْهِ هَذِهِ الْمُحَافَظَةَ.
وَأَيْضًا: فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَعَا ... .
وَأَيْضًا فَإِنَّ الْحَلْقَ أَمْرٌ لَا يُشْرَعُ لِغَيْرِ الْحَجِّ، بَلْ هُوَ إِمَّا مَكْرُوهٌ أَوْ مُبَاحٌ، وَكُلُّ أَمْرٍ شُرِعَ فِي الْحَجِّ وَلَمْ يُشْرَعْ فِي غَيْرِهِ فَإِنَّهُ يَكُونُ نُسُكًا كَالرَّمْيِ وَالسَّعْيِ وَالْوُقُوفِ، وَعَكْسُهُ التَّقْلِيمُ وَنَتْفُ الْإِبِطِ وَلُبْسُ الثِّيَابِ، فَإِنَّهُ مَشْرُوعٌ قَبْلَ الْإِحْرَامِ، فَفِعْلُهُ عَوْدًا إِلَى الْحَالِ الْأُولَى.
أَمَّا حَلْقُ الرَّأْسِ فَإِنَّهُ لَا يُشْرَعُ قَبْلَ الْإِحْرَامِ بِحَالٍ.
وَأَيْضًا: فَحَلْقُ الرَّأْسِ لَيْسَ مِنَ النَّظَافَةِ الْمَأْمُورِ بِهَا كَالتَّقْلِيمِ وَأَخْذِ الشَّارِبِ، وَلَا الزِّينَةِ الْمَنْدُوبِ إِلَيْهَا كَلُبْسِ الثِّيَابِ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ نُسُكًا لَكَانَ عَبَثًا مَحْضًا ; إِذْ لَا فَائِدَةَ فِيهِ أَصْلًا ... .
وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ الْمَقْصُودُ إِزَالَةَ وَسَخٍ لَمَا اكْتَفَى بِمُجَرَّدِ التَّقْصِيرِ، فَالِاكْتِفَاءُ بِهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ وَضْعُ شَيْءٍ مِنْ شَعْرِهِ لِلَّهِ تَعَالَى.
وَأَيْضًا فَإِنَّ الْحَلْقَ يَجْمَعُ صِفَاتٍ مِنْهَا: أَنَّهُ تَحَلُّلٌ مِنَ الْإِحْرَامِ ; لِأَنَّهُ كَانَ مَحْظُورًا قَبْلَ هَذَا، وَالتَّحَلُّلُ مِنَ الْعِبَادَةِ عِبَادَةٌ كَالسَّلَامِ.
وَمِنْهَا أَنَّ وَضْعَ النَّوَاصِي نَوْعٌ مِنَ الذُّلِّ وَالْخُضُوعِ؛ وَلِهَذَا كَانَتِ الْعَرَبُ إِذَا أَرَادَتِ الْمَنَّ عَلَى الْأَسِيرِ، جَزَّتْ نَاصِيَتَهُ وَأَرْسَلَتْهُ، وَأَعْمَالُ الْحَجِّ مَبْنَاهَا عَلَى الْخُضُوعِ وَالذُّلِّ.
وَمِنْهَا أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ فِيهِ تَرَفُّهٌ بِإِلْقَاءِ وَسَخِ الرَّأْسِ وَشَعَثِهِ وَقَمْلِهِ، لَكِنَّ هَذَا الْقَدْرَ يُمْكِنُ إِزَالَتُهُ بِالتَّرَجُّلِ، فَلَوْ فُرِضَ أَنَّهُ مِنْ أَنْوَاعِ الْمُبَاحَاتِ بِبَعْضِ صِفَاتِهِ لَمْ يَمْنَعْ أَنْ يَكُونَ مِنْ نَوْعِ الْعِبَادَاتِ بِبَاقِي الصِّفَاتِ. . .

(فَصْلٌ)
فَإِنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ، وَقُلْنَا: يَتَحَلَّلُ بِالرَّمْيِ - فَلَا كَلَامَ، وَإِنْ قُلْنَا: لَا يَتَحَلَّلُ إِلَّا بِالْحَلْقِ، قَالَ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ مِثْلَ أَبِي الْخَطَّابِ وَابْنِ عَقِيلٍ: يَحْصُلُ التَّحَلُّلُ الْأَوَّلُ بِالرَّمْيِ وَالْحَلْقِ، أَوْ بِالرَّمْيِ وَالطَّوَافِ، أَوْ بِالطَّوَافِ وَالْحَلْقِ عَلَى قَوْلِنَا بِأَنَّ التَّحَلُّلَ نُسُكٌ وَاجِبٌ.
وَعَلَى قَوْلِنَا: يَحْصُلُ التَّحَلُّلُ بِدُونِهِ، يَحْصُلُ إِمَّا بِالرَّمْيِ أَوْ بِالطَّوَافِ.


[مَسْأَلَةٌ طواف الإفاضة]
مَسْأَلَةٌ: (ثُمَّ يُفِيضُ إِلَى مَكَّةَ فَيَطُوفُ لِلزِّيَارَةِ ; وَهُوَ الطَّوَافُ الَّذِي بِهِ تَمَامُ الْحَجِّ).
قَالَ جَابِرٌ فِي حَدِيثِهِ: " «ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَفَاضَ إِلَى الْبَيْتِ، فَصَلَّى بِمَكَّةَ الظُّهْرَ، فَأَتَى بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يَسْقُونَ عَلَى زَمْزَمَ، فَقَالَ: انْزِعُوا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَلَوْلَا أَنْ يَغْلِبَكُمُ النَّاسُ عَلَى سِقَايَتِكُمْ لَنَزَعْتُ مَعَكُمْ، فَنَاوَلُوهُ دَلْوًا فَشَرِبَ مِنْهُ» " رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " أَفَاضَ يَوْمَ النَّحْرِ، ثُمَّ رَجَعَ فَصَلَّى الظُّهْرَ بِمِنًى» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَذَكَرَ أَبُو طَالِبٍ أَنَّهُ: ثَنَا أَحْمَدُ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ هَذَا: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفَاضَ يَوْمَ النَّحْرِ، ثُمَّ رَجَعَ فَصَلَّى الظُّهْرَ بِمِنًى» قَالَ: فَهُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ، وَقَالَ: كَانَ أَحْمَدُ يَسْأَلُ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ.
وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «أَنَّهُ طَافَ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، ثُمَّ لَمْ يُحْلِلْ مِنْ شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ حَتَّى قَضَى حَجَّهُ، وَنَحَرَ هَدْيَهُ يَوْمَ النَّحْرِ، وَأَفَاضَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ، ثُمَّ حَلَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ، وَفَعَلَ مِثْلَ مَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ أَهْدَى فَسَاقَ الْهَدْيَ مِنَ النَّاسِ» " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَهَذَا الطَّوَافُ يُسَمِّيهِ الْحِجَازِيُّونَ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ ; لِأَنَّهُ يَكُونُ بَعْدَ الْإِفَاضَةِ مِنْ عَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ وَمِنًى.
وَيُسَمِّيهِ الْعِرَاقِيُّونَ: طَوَافَ الزِّيَارَةِ.
وَيُسَمَّى طَوَافَ الْفَرْضِ، وَرُبَّمَا يُسَمَّى طَوَافَ الصَّدْرِ عَنْ مِنًى، لَا الصَّدْرِ عَنْ مَكَّةَ. . . .


[مَسْأَلَةٌ سعي المتمتع مع طواف الزيارة]
مَسْأَلَةٌ: (ثُمَّ يَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ إِنْ كَانَ مُتَمَتِّعًا، أَوْ مِمَّنْ لَمْ يَسْعَ مَعَ طَوَافِ الْقُدُومِ).
لِمَا «رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ: " فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " اجْعَلُوا إِهْلَالَكُمْ بِالْحَجِّ عُمْرَةً إِلَّا مَنْ قَلَّدَ الْهَدْيَ، فَطُفْنَا بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَأَتَيْنَا النِّسَاءَ وَلَبِسْنَا الثِّيَابَ، وَقَالَ: مَنْ قَلَّدَ الْهَدْيَ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ، ثُمَّ أَمَرَنَا عَشِيَّةَ التَّرْوِيَةِ أَنْ نُهِلَّ بِالْحَجِّ، وَإِذَا فَرَغْنَا مِنَ الْمَنَاسِكِ جِئْنَا طُفْنَا بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَقُدْتُمْ حَجَّنَا، وَعَلَيْنَا الْهَدْيُ» - وَذَكَرَ الْحَدِيثَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
وَعَنْ عُرْوَةَ «عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: " خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَأَهْلَلْنَا بِعُمْرَةٍ ثُمَّ قَالَ: مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيُهِلَّ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، ثُمَّ لَا يَحِلُّ مِنْهُمَا، فَقَدِمْتُ مَكَّةَ وَأَنَا حَائِضٌ، فَلَمَّا قَضَيْنَا حَجَّنَا أَرْسَلَنِي مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ إِلَى التَّنْعِيمِ فَاعْتَمَرْتُ، فَقَالَ: هَذِهِ مَكَانَ عُمْرَتِكِ، فَطَافَ الَّذِينَ أَهَلُّوا بِالْعُمْرَةِ ثُمَّ حَلُّوا، ثُمَّ طَافُوا طَوَافًا آخَرَ بَعْدَ أَنْ رَجَعُوا مِنْ مِنًى، وَالَّذِينَ جَمَعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ طَافُوا طَوَافًا وَاحِدًا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَفِي لَفْظِ مُسْلِمٍ: «فَطَافَ الَّذِينَ أَهَلُّوا بِالْعُمْرَةِ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، ثُمَّ حَلُّوا، ثُمَّ طَافُوا طَوَافًا وَاحِدًا».
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُتَمَتِّعِينَ طَافُوا بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ مَرَّتَيْنِ قَبْلَ التَّعْرِيفِ وَبَعْدَهُ ; لِأَنَّهَا إِنَّمَا عَنَتْ بِقَوْلِهَا: " ثُمَّ طَافُوا طَوَافًا آخَرَ " الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ; لِأَنَّهُ هُوَ الْمُتَقَدِّمُ ذِكْرُهُ؛ وَلِأَنَّ الَّذِينَ جَمَعُوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ إِنَّمَا اقْتَصَرُوا عَلَى طَوَافٍ وَاحِدٍ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَأَمَّا الطَّوَافُ الْمُفْرَدُ فَقَدْ فَعَلُوهُ بَعْدَ عَرَفَةَ بِدَلِيلِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَافَ بَعْدَ الْإِفَاضَةِ، وَكَانَ قَدْ جَمَعَ بَيْنَ الْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ، وَهَذَا كَمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: " أَنَّهُ أَوْجَبَ عُمْرَةً ثُمَّ قَالَ: مَا شَأْنُ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ إِلَّا وَاحِدًا، أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ جَمَعْتُ حَجَّةً مَعَ عُمْرَتِي، وَأَهْدَى هَدْيًا مُقَلَّدًا اشْتَرَاهُ بِقُدَيْدٍ، وَانْطَلَقَ حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ، فَطَافَ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ، وَلَمْ يُحْلِلْ مِنْ شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ حَتَّى يَوْمَ النَّحْرِ، فَحَلَقَ وَنَحَرَ، وَرَأَى أَنَّهُ قَدْ قَضَى طَوَافَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ بِطَوَافِهِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
فَمَعْنَى قَوْلِهِ: " قَضَى طَوَافَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ بِطَوَافِهِ الْأَوَّلِ، أَنَّهُ قَضَى الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ يَعْنِي: لَمْ يَطُفْ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ مَرَّتَيْنِ، وَلَمْ يُرِدْ أَنَّهُ لَمْ يَطُفْ بِالْبَيْتِ بَعْدَ الْإِفَاضَةِ ; لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَافَ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ طَافَ بِالْبَيْتِ بَعْدَ عَرَفَةَ.
وَلِأَنَّ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ لَا بُدَّ مِنْهُ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ، وَإِنَّمَا ذَكَرْتُ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ بَيَانًا؛ لِأَنَّ الْقَارِنَ يُجْزِئُهُ طَوَافٌ وَاحِدٌ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ لِحَجِّهِ وَعُمْرَتِهِ.
إِلَّا أَنْ يَكُونَ أُرِيدَ بِهَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ أَنَّ الْقَارِنَ يُجْزِئُهُ طَوَافُهُ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ قَبْلَ التَّعْرِيفِ، فَيُجْزِئُ طَوَافُ الْقُدُومِ عَنِ الرُّكْنِ، وَهَذَا لَمْ يَقُلْهُ. . . .
فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ «قَالَ جَابِرٌ: " لَمْ يَطُفِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا أَصْحَابُهُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ إِلَّا طَوَافًا وَاحِدًا، طَوَافُهُ الْأَوَّلُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ.
وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُهِلِّينَ بِالْحَجِّ مَعَ النِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ، فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ طُفْنَا بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيُحْلِلْ، قَالَ: فَقُلْنَا: أَيُّ الْحِلِّ؟ قَالَ: الْحِلُّ كُلُّهُ، فَأَتَيْنَا النِّسَاءَ، وَلَبِسْنَا الثِّيَابَ، وَمَسَسْنَا الطِّيبَ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ أَهْلَلْنَا بِالْحَجِّ، وَكَفَانَا الطَّوَافُ الْأَوَّلُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ.
وَهَذَا نَصٌّ فِي أَنَّ الْمُتَمَتِّعَ لَا يَطُوفُ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ إِلَّا طَوَافًا وَاحِدًا كَالْقَارِنِ وَالْمُفْرِدِ، وَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: " الْمُفْرِدُ وَالْقَارِنُ وَالْمُتَمَتِّعُ يُجْزِئُهُ طَوَافُهُ بِالْبَيْتِ وَسَعْيٌ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ". . . .


[مَسْأَلَةٌ التحلل الثاني]
مَسْأَلَةٌ: (ثُمَّ قَدْ حَلَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ).
وَجُمْلَةُ ذَلِكَ: أَنَّهُ إِذَا طَافَ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ، وَسَعَى السَّعْيَ الْمَشْرُوعَ عَقِبَهُ - فَقَدْ حَلَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ.
فَأَمَّا قَبْلَ السَّعْيِ فَإِنْ قُلْنَا: السَّعْيُ رُكْنٌ أَوْ وَاجِبٌ، تَوَقَّفَ التَّحَلُّلُ الثَّانِي عَلَيْهِ، وَإِنْ قُلْنَا: هُوَ سُنَّةٌ:. . .، وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ أَنَّ السَّعْيَ مَعَ كَوْنِهِ فَرْضًا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ التَّحَلُّلُ الْأَوَّلُ، وَلَا الثَّانِي. . .

[مَسْأَلَةٌ استحباب الشرب من ماء زمزم وصفته]
مَسْأَلَةٌ: (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَشْرَبَ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ لِمَا أَحَبَّ، وَيَتَضَلَّعُ مِنْهُ ثُمَّ يَقُولُ: اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ لَنَا عِلْمًا نَافِعًا، وَرِزْقًا وَاسِعًا، وَرِيًّا وَشِبَعًا، وَشِفَاءً مَنْ كُلِّ دَاءٍ، وَاغْسِلْ بِهِ قَلْبِي وَامْلَأْهُ مِنْ خَشْيَتِكَ وَحِكْمَتِكَ).



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 44.14 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 43.51 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.42%)]