
13-07-2022, 11:04 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,520
الدولة :
|
|
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(196)
الحلقة (210)
صــ 162إلى صــ 168
وقال آخرون : إنما قيل : "إلا لنعلم " ، من أجل أن المنافقين واليهود وأهل الكفر بالله ، أنكروا أن يكون الله تعالى ذكره يعلم الشيء قبل كونه . وقالوا - إذ قيل لهم : إن قوما من أهل القبلة سيرتدون على أعقابهم ، إذا حولت قبلة محمد صلى الله عليه وسلم إلى الكعبة - : ذلك غير كائن! أو قالوا : ذلك باطل! فلما فعل الله ذلك ، وحول القبلة ، وكفر من أجل ذلك من كفر ، قال الله جل [ ص: 162 ] ثناؤه : ما فعلت إلا لنعلم ما علمه غيركم - أيها المشركون المنكرون علمي بما هو كائن من الأشياء قبل كونه - : أني عالم بما هو كائن مما لم يكن بعد .
فكأن معنى قائلي هذا القول في تأويل قوله : "إلا لنعلم " : إلا لنبين لكم أنا نعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه . وهذا وإن كان وجها له مخرج ، فبعيد من المفهوم .
وقال آخرون : إنما قيل : "إلا لنعلم " ، وهو بذلك عالم قبل كونه وفي كل حال ، على وجه الترفق بعباده ، واستمالتهم إلى طاعته ، كما قال جل ثناؤه : ( قل من يرزقكم من السماوات والأرض قل الله وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين ) [ سورة سبأ : 24 ] ، وقد علم أنه على هدى ، وأنهم على ضلال مبين ، ولكنه رفق بهم في الخطاب ، فلم يقل : أنا على هدى ، وأنتم على ضلال . فكذلك قوله : "إلا لنعلم " ، معناه عندهم : إلا لتعلموا أنتم ، إذ كنتم جهالا به قبل أن يكون . فأضاف العلم إلى نفسه ، رفقا بخطابهم .
وقد بينا القول الذي هو أولى في ذلك بالحق .
وأما قوله : "من يتبع الرسول " . فإنه يعني : الذي يتبع محمدا صلى الله عليه وسلم فيما يأمره الله به ، فيوجه نحو الوجه الذي يتوجه نحوه محمد صلى الله عليه وسلم . [ ص: 163 ]
وأما قوله : "ممن ينقلب على عقبيه " ، فإنه يعني : من الذي يرتد عن دينه ، فينافق ، أو يكفر ، أو يخالف محمدا صلى الله عليه وسلم في ذلك ، ممن يظهر اتباعه ، كما : -
2209 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه " قال : من إذا دخلته شبهة رجع عن الله ، وانقلب كافرا على عقبيه .
وأصل "المرتد على عقبيه " ، هو : "المنقلب على عقبيه " ، الراجع مستدبرا في الطريق الذي قد كان قطعه ، منصرفا عنه . فقيل ذلك لكل راجع عن أمر كان فيه ، من دين أو خير . ومن ذلك قوله : ( فارتدا على آثارهما قصصا ) [ سورة الكهف : 64 ] ، بمعنى : رجعا في الطريق الذي كانا سلكاه ، وإنما قيل للمرتد : "مرتد " ، لرجوعه عن دينه وملته التي كان عليها .
وإنما قيل : "رجع على عقبيه " ، لرجوعه دبرا على عقبه ، إلى الوجه الذي كان فيه بدء سيره قبل مرجعه عنه . فيجعل ذلك مثلا لكل تارك أمرا وآخذ آخر غيره ، إذا انصرف عما كان فيه ، إلى الذي كان له تاركا فأخذه . فقيل : "ارتد فلان على عقبه ، وانقلب على عقبيه " .
القول في تأويل قوله تعالى ( وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله )
قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في التي وصفها الله جل وعز بأنها كانت "كبيرة إلا على الذين هدى الله " . [ ص: 164 ]
فقال بعضهم : عنى جل ثناؤه ب "الكبيرة " ، التولية من بيت المقدس شطر المسجد الحرام والتحويل . وإنما أنث "الكبيرة " ، لتأنيث "التولية " .
ذكر من قال ذلك :
2210 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، قال الله : "وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله " ، يعني : تحويلها .
2211 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى بن ميمون ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله عز وجل : "وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله " قال : ما أمروا به من التحول إلى الكعبة من بيت المقدس .
2212 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .
2213 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : "لكبيرة إلا على الذين هدى الله " قال : كبيرة ، حين حولت القبلة إلى المسجد الحرام ، فكانت كبيرة إلا على الذين هدى الله .
وقال آخرون : بل "الكبيرة " ، هي القبلة بعينها التي كان صلى الله عليه وسلم يتوجه إليها من بيت المقدس قبل التحويل .
ذكر من قال ذلك .
2214 - حدثت عن عمار بن الحسن قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع ، عن أبي العالية : "وإن كانت لكبيرة " ، أي : قبلة بيت المقدس - "إلا على الذين هدى الله " . [ ص: 165 ]
وقال بعضهم : بل "الكبيرة " هي الصلاة التي كانوا يصلونها إلى القبلة الأولى .
ذكر من قال ذلك .
2215 - حدثني يونس بن عبد الأعلى قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد : "وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله " قال : صلاتكم حتى يهديكم الله عز وجل القبلة .
2216 - وقد حدثني به يونس مرة أخرى قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد : "وإن كانت لكبيرة " قال : صلاتك هاهنا - يعني إلى بيت المقدس ستة عشر شهرا - وانحرافك هاهنا
وقال بعض نحويي البصرة : أنثت "الكبيرة " لتأنيث القبلة ، وإياها عنى جل ثناؤه بقوله : "وإن كانت لكبيرة " .
وقال بعض نحويي الكوفة : بل أنثت "الكبيرة " لتأنيث التولية والتحويلة
فتأويل الكلام على ما تأوله قائلو هذه المقالة : وما جعلنا تحويلتنا إياك عن القبلة التي كنت عليها وتوليتناك عنها ، إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه ، وإن كانت تحويلتنا إياك عنها وتوليتناك "لكبيرة إلا على الذين هدى الله " .
وهذا التأويل أولى التأويلات عندي بالصواب . لأن القوم إنما كبر عليهم تحويل النبي صلى الله عليه وسلم وجهه عن القبلة الأولى إلى الأخرى ، لا عين القبلة ، ولا الصلاة . لأن القبلة الأولى والصلاة ، قد كانت وهى غير كبيرة عليهم . إلا أن يوجه موجه تأنيث "الكبيرة " إلى "القبلة " ، ويقول : اجتزئ بذكر "القبلة " من ذكر "التولية والتحويلة " ، لدلالة الكلام على معنى ذلك ، كما قد وصفنا لك في نظائره . فيكون ذلك وجها صحيحا ، ومذهبا مفهوما . [ ص: 166 ]
ومعنى قوله : "كبيرة " ، عظيمة ، . كما : -
2217 - حدثنا يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد : "وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله " قال : كبيرة في صدور الناس ، فيما يدخل الشيطان به ابن آدم . قال : ما لهم صلوا إلى هاهنا ستة عشر شهرا ثم انحرفوا! فكبر ذلك في صدور من لا يعرف ولا يعقل والمنافقين ، فقالوا : أي شيء هذا الدين ؟ وأما الذين آمنوا ، فثبت الله جل ثناؤه ذلك في قلوبهم ، وقرأ قول الله "وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله " قال : صلاتكم حتى يهديكم إلى القبلة .
قال أبو جعفر : وأما قوله : "إلا على الذين هدى الله " ، فإنه يعني به :
وإن كان تقليبتناك عن القبلة التي كنت عليها ، لعظيمة إلا على من وفقه الله جل ثناؤه ، فهداه لتصديقك والإيمان بك وبذلك ، واتباعك فيه ، وفي ما أنزل الله تعالى ذكره عليك ، كما : -
2218 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو صالح قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : "وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله " ، يقول : إلا على الخاشعين ، يعني المصدقين بما أنزل الله تبارك وتعالى . [ ص: 167 ]
القول في تأويل قوله تعالى ( وما كان الله ليضيع إيمانكم )
قال أبو جعفر : قيل : عنى ب "الإيمان " ، في هذا الموضع : الصلاة .
ذكر الأخبار التي رويت بذلك ، وذكر قول من قاله :
2219 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا وكيع وعبيد الله - وحدثنا سفيان بن وكيع قال : حدثنا عبيد الله بن موسى - جميعا ، عن إسرائيل ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : لما وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الكعبة قالوا : كيف بمن مات من إخواننا قبل ذلك ، وهم يصلون نحو بيت المقدس ؟ فأنزل الله جل ثناؤه : "وما كان الله ليضيع إيمانكم " .
2220 - حدثني إسماعيل بن موسى قال : أخبرنا شريك ، عن أبي إسحاق ، عن البراء في قول الله عز وجل : "وما كان الله ليضيع إيمانكم " قال : صلاتكم نحو بيت المقدس .
2221 - حدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي قال : حدثنا أبو أحمد الزبيري قال : حدثنا شريك ، عن أبي إسحاق ، عن البراء نحوه .
2222 - وحدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن محمد بن نفيل الحراني قال : حدثنا زهير قال : حدثنا أبو إسحاق ، عن البراء قال : مات على القبلة قبل أن تحول إلى البيت [ ص: 168 ] رجال وقتلوا ، فلم ندر ما نقول فيهم . فأنزل الله تعالى ذكره : "وما كان الله ليضيع إيمانكم " .
2223 - حدثنا بشر بن معاذ العقدي قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قال : قال أناس من الناس - لما صرفت القبلة نحو البيت الحرام - : كيف بأعمالنا التي كنا نعمل في قبلتنا ؟ فأنزل الله جل ثناؤه : "وما كان الله ليضيع إيمانكم " .
2224 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثني عمرو بن حماد قال : حدثنا أسباط ، عن السدي قال : لما وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل المسجد الحرام ، قال المسلمون : ليت شعرنا عن إخواننا الذين ماتوا وهم يصلون قبل بيت المقدس ! هل تقبل الله منا ومنهم أم لا ؟ فأنزل الله جل ثناؤه فيهم : "وما كان الله ليضيع إيمانكم " قال : صلاتكم قبل بيت المقدس : يقول : إن تلك طاعة وهذه طاعة .
2225 - حدثت عن عمار بن الحسن قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع قال : قال ناس - لما صرفت القبلة إلى البيت الحرام - : كيف بأعمالنا التي كنا نعمل في قبلتنا الأولى ؟ فأنزل الله تعالى ذكره : "وما كان الله ليضيع إيمانكم " الآية .
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|