
13-07-2022, 10:59 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,362
الدولة :
|
|
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(190)
الحلقة (204)
صــ 120إلى صــ 126
2128 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد قال : "صبغة الله " ، الإسلام ، فطرة الله التي فطر الناس عليها . قال ابن جريج : قال لي عبد الله بن كثير : "صبغة الله " قال : دين الله ، ومن أحسن من الله دينا . قال : هي فطرة الله . [ ص: 120 ]
ومن قال هذا القول ، فوجه "الصبغة " إلى الفطرة ، فمعناه : بل نتبع فطرة الله وملته التي خلق عليها خلقه ، وذلك الدين القيم . من قول الله تعالى ذكره : ( فاطر السماوات والأرض ) [ سورة الأنعام : 14 ] . بمعنى خالق السماوات والأرض .
القول في تأويل قوله تعالى ( ونحن له عابدون ( 138 ) )
قال أبو جعفر : وقوله تعالى ذكره : "ونحن له عابدون " ، أمر من الله تعالى ذكره نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقوله لليهود والنصارى ، الذين قالوا له ولمن تبعه من أصحابه : "كونوا هودا أو نصارى " . فقال لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قل بل نتبع ملة إبراهيم حنيفا ، صبغة الله ، ونحن له عابدون . يعني : ملة الخاضعين لله المستكينين له ، في اتباعنا ملة إبراهيم ، ودينونتنا له بذلك ، غير مستكبرين في اتباع أمره ، والإقرار برسالته رسله ، كما استكبرت اليهود والنصارى ، فكفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم استكبارا وبغيا وحسدا .
القول في تأويل قوله تعالى ( قل أتحاجوننا في الله وهو ربنا وربكم ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم ونحن له مخلصون ( 139 ) )
قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : "قل أتحاجوننا في الله " ، قل يا محمد لمعاشر اليهود والنصارى ، الذين قالوا لك ولأصحابك : "كونوا هودا [ ص: 121 ] أو نصارى تهتدوا " ، وزعموا أن دينهم خير من دينكم ، وكتابهم خير من كتابكم ، لأنه كان قبل كتابكم ، وزعموا أنهم من أجل ذلك أولى بالله منكم : "أتحاجوننا في الله وهو ربنا وربكم " ، بيده الخيرات ، وإليه الثواب والعقاب ، والجزاء على الأعمال - الحسنات منها والسيئات ، فتزعمون أنكم بالله أولى منا ، من أجل أن نبيكم قبل نبينا ، وكتابكم قبل كتابنا ، وربكم وربنا واحد ، وأن لكل فريق منا ما عمل واكتسب من صالح الأعمال وسيئها ، يجازى [ عليها ] فيثاب أو يعاقب ، - لا على الأنساب وقدم الدين والكتاب .
ويعني بقوله : "قل أتحاجوننا " ، قل أتخاصموننا وتجادلوننا ؟ كما -
2129 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : "قل أتحاجوننا في الله " ، قل : أتخاصموننا ؟
2130 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد : "قل أتحاجوننا " ، أتخاصموننا ؟
2131 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : "أتحاجوننا " ، أتجادلوننا ؟
فأما قوله : "ونحن له مخلصون " ، فإنه يعني : ونحن لله مخلصو العبادة والطاعة ، لا نشرك به شيئا ، ولا نعبد غيره أحدا ، كما عبد أهل الأوثان معه الأوثان ، وأصحاب العجل معه العجل .
وهذا من الله تعالى ذكره توبيخ لليهود ، واحتجاج لأهل الإيمان ، بقوله تعالى ذكره للمؤمنين من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم : قولوا - أيها المؤمنون ، لليهود [ ص: 122 ] والنصارى الذين قالوا لكم : "كونوا هودا أو نصارى تهتدوا " - : "أتحاجوننا في الله " ؟ يعني بقوله : "في الله " ، في دين الله الذي أمرنا أن ندينه به ، وربنا وربكم واحد عدل لا يجور ، وإنما يجازي العباد على ما اكتسبوا . وتزعمون أنكم أولى بالله منا ، لقدم دينكم وكتابكم ونبيكم ، ونحن مخلصون له العبادة ، لم نشرك به شيئا ، وقد أشركتم في عبادتكم إياه ، فعبد بعضكم العجل ، وبعضكم المسيح ، فأنى تكونون خيرا منا ، وأولى بالله منا ؟
القول في تأويل قوله تعالى ( أم تقولون إن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط كانوا هودا أو نصارى قل أأنتم أعلم أم الله )
قال أبو جعفر : في قراءة ذلك وجهان . أحدهما : "أم تقولون " ب "التاء " . فمن قرأ كذلك ، فتأويله : قل يا محمد - للقائلين لك من اليهود والنصارى : "كونوا هودا أو نصارى تهتدوا " - : أتجادلوننا في الله ، أم تقولون إن إبراهيم ؟ فيكون ذلك معطوفا على قوله : "أتحاجوننا في الله " .
والوجه الآخر منهما : "أم يقولون " ب "الياء " . ومن قرأ ذلك كذلك وجه قوله : "أم يقولون " إلى أنه استفهام مستأنف ، كقوله : ( أم يقولون افتراه ) [ سورة السجدة : 3 ] ، وكما يقال : "إنها لإبل أم شاء " . وإنما جعله استفهاما مستأنفا ، لمجيء خبر مستأنف ، كما يقال : "أتقوم أم يقوم أخوك ؟ " فيصير قوله : "أم يقوم أخوك " خبرا مستأنفا لجملة ليست من الأول واستفهاما [ ص: 123 ] مبتدأ . ولو كان نسقا على الاستفهام الأول ، لكان خبرا عن الأول ، فقيل : "أتقوم أم تقعد ؟ "
وقد زعم بعض أهل العربية أن ذلك ، إذا قرئ كذلك ب "الياء " ، فإن كان الذي بعد "أم " جملة تامة ، فهو عطف على الاستفهام الأول . لأن معنى الكلام : قيل : أي هذين الأمرين كائن ؟ هذا أم هذا ؟
قال أبو جعفر : والصواب من القراءة عندنا في ذلك : "أم تقولون " "بالتاء " دون "الياء " عطفا على قوله : "قل أتحاجوننا " ، بمعنى : أي هذين الأمرين تفعلون ؟ أتجادلوننا في دين الله ، فتزعمون أنكم أولى منا وأهدى منا سبيلا - وأمرنا وأمركم ما وصفنا ، على ما قد بيناه آنفا - أم تزعمون أن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب ، ومن سمى الله ، كانوا هودا أو نصارى على ملتكم ، فيصح للناس بهتكم وكذبكم ، لأن اليهودية والنصرانية حدثت بعد هؤلاء الذين سماهم الله من أنبيائه . وغير جائزة قراءة ذلك ب "الياء " ، لشذوذها عن قراءة القراء .
وهذه الآية أيضا احتجاج من الله تعالى ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم على اليهود والنصارى ، الذين ذكر الله قصصهم . يقول الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قل يا محمد - لهؤلاء اليهود والنصارى - : أتحاجوننا في الله ، وتزعمون أن دينكم أفضل من ديننا ، وأنكم على هدى ونحن على ضلالة ، ببرهان من الله تعالى ذكره ، فتدعوننا إلى دينكم ؟ فهاتوا برهانكم على ذلك فنتبعكم عليه ، أم تقولون : إن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط كانوا هودا أو نصارى على دينكم ؟ فهاتوا - على دعواكم ما ادعيتم من ذلك - برهانا فنصدقكم ، فإن الله قد جعلهم أئمة يقتدى بهم . [ ص: 124 ]
ثم قال تعالى ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم : قل لهم يا محمد - إن ادعوا أن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط كانوا هودا أو نصارى : أأنتم أعلم بهم وبما كانوا عليه من الأديان ، أم الله ؟
القول في تأويل قوله تعالى ( ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله )
قال أبو جعفر : يعني : فإن زعمت يا محمد اليهود والنصارى - الذين قالوا لك ولأصحابك : "كونوا هودا أو نصارى " ، أن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط كانوا هودا أو نصارى ، فمن أظلم منهم ؟ يقول : وأي امرئ أظلم منهم ؟ وقد كتموا شهادة عندهم من الله بأن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط كانوا مسلمين ، فكتموا ذلك ، ونحلوهم اليهودية والنصرانية .
واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك :
2132 - فحدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : "ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله " قال : في قول يهود لإبراهيم وإسماعيل ومن ذكر معهما ، إنهم كانوا يهود أو نصارى . فيقول الله : لا تكتموا مني شهادة إن كانت عندكم فيهم . وقد علم أنهم كاذبون .
2133 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : "ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله " ، في قول اليهود لإبراهيم وإسماعيل ومن ذكر معهما : إنهم كانوا يهود أو نصارى . فقال الله لهم : لا تكتموا مني الشهادة فيهم ، إن كانت عندكم فيهم . وقد علم الله أنهم كانوا كاذبين . [ ص: 125 ]
2134 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني إسحاق ، عن أبي الأشهب ، عن الحسن أنه تلا هذه الآية : "أم تقولون إن إبراهيم وإسماعيل " إلى قوله : "قل أأنتم أعلم أم الله ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله " ، قال الحسن : والله لقد كان عند القوم من الله شهادة أن أنبياءه برآء من اليهودية والنصرانية ، كما أن عند القوم من الله شهادة أن أموالكم ودماءكم بينكم حرام ، فبم استحلوها ؟
2135 - حدثت عن عمار قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : قوله : "ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله " ، أهل الكتاب ، كتموا الإسلام وهم يعلمون أنه دين الله ، وهم يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل : أنهم لم يكونوا يهود ولا نصارى ، وكانت اليهودية والنصرانية بعد هؤلاء بزمان .
وإنما عنى تعالى ذكره بذلك أن اليهود والنصارى ، إن ادعوا أن إبراهيم ومن سمي معه في هذه الآية ، كانوا هودا أو نصارى ، تبين لأهل الشرك الذين هم نصراءهم ، كذبهم وادعاءهم على أنبياء الله الباطل لأن اليهودية والنصرانية حدثت بعدهم ، وإن هم نفوا عنهم اليهودية والنصرانية ، قيل لهم : فهلموا إلى ما كانوا عليه من الدين ، فإنا وأنتم مقرون جميعا بأنهم كانوا على حق ، ونحن مختلفون فيما خالف الدين الذي كانوا عليه .
وقال آخرون : بل عنى تعالى ذكره بقوله : "ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله " ، اليهود في كتمانهم أمر محمد صلى الله عليه وسلم ونبوته ، وهم يعلمون ذلك ويجدونه في كتبهم . [ ص: 126 ]
ذكر من قال ذلك :
2136 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : " أم تقولون إن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط كانوا هودا أو نصارى " ، أولئك أهل الكتاب كتموا الإسلام وهم يعلمون أنه دين الله ، واتخذوا اليهودية والنصرانية ، وكتموا محمدا صلى الله عليه وسلم ، وهم يعلمون أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل .
2137 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : حدثنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة قوله : "ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله " قال : الشهادة ، النبي صلى الله عليه وسلم ، مكتوب عندهم ، وهو الذي كتموا .
2138 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثني ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع ، نحو حديث بشر بن معاذ ، عن يزيد .
2139 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : "ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله " قال : هم يهود ، يسألون عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن صفته في كتاب الله عندهم ، فيكتمون الصفة .
قال أبو جعفر : وإنما اخترنا القول الذي قلناه في تأويل ذلك ، لأن قوله تعالى ذكره : "ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله " ، في إثر قصة من سمى الله من أنبيائه ، وأمام قصته لهم . فأولى بالذي هو بين ذلك أن يكون من قصصهم دون غيره .
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|