
13-07-2022, 10:57 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,352
الدولة :
|
|
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(186)
الحلقة (200)
صــ 92إلى صــ 98
و"الصالح" من بني آدم : هو المؤدي حقوق الله عليه . [ ص: 92 ]
فأخبر تعالى ذكره عن إبراهيم خليله ، أنه في الدنيا صفي ، وفي الآخرة ولي ، وأنه وارد موارد أوليائه الموفين بعهده .
القول في تأويل قوله تعالى ( إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين ( 131 ) )
قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : " إذ قال له ربه أسلم " ، إذ قال له ربه : أخلص لي العبادة ، واخضع لي بالطاعة ، وقد دللنا فيما مضى على معنى "الإسلام" في كلام العرب ، فأغنى عن إعادته .
وأما معنى قوله : "قال أسلمت لرب العالمين" ، فإنه يعني تعالى ذكره ، قال إبراهيم مجيبا لربه : خضعت بالطاعة ، وأخلصت العبادة ، لمالك جميع الخلائق ومدبرها دون غيره .
فإن قال قائل : قد علمت أن "إذ" وقت ، فما الذي وقت به ؟ وما الذي هو له صلة .
قيل : هو صلة لقوله : "ولقد اصطفيناه في الدنيا" . وتأويل الكلام : ولقد اصطفيناه في الدنيا ، حين قال له ربه : أسلم . قال : أسلمت لرب العالمين . وإنما معنى الكلام : ولقد اصطفيناه في الدنيا حين قلنا له : أسلم . قال : أسلمت لرب العالمين . فأظهر اسم "الله" في قوله : " إذ قال له ربه أسلم " ، على وجه الخبر [ ص: 93 ] عن غائب ، وقد جرى ذكره قبل على وجه الخبر عن نفسه ، كما قال خفاف بن ندبة :
أقول له - والرمح يأطر متنه : تأمل خفافا إنني أنا ذالكا
فإن قال لنا قائل : وهل دعا الله إبراهيم إلى الإسلام ؟
قيل له : نعم ، قد دعاه إليه .
فإن قال : وفي أي حال دعاه إليه ؟
قيل حين قال : ( يا قوم إني بريء مما تشركون إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين ) [ سورة الأنعام : 78 - 79 ] ، وذلك هو الوقت الذي قال له ربه : أسلم - من بعد ما امتحنه بالكواكب والقمر والشمس .
القول في تأويل قوله تعالى ( ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب )
قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : "ووصى بها" ، ووصى بهذه الكلمة . عنى ب"الكلمة" قوله "أسلمت لرب العالمين" ، وهي "الإسلام" [ ص: 94 ] الذي أمر به نبيه صلى الله عليه وسلم ، وهو إخلاص العبادة والتوحيد لله ، وخضوع القلب والجوارح له .
ويعني بقوله : "ووصى بها إبراهيم بنيه" ، عهد إليهم بذلك وأمرهم به .
وأما قوله : "ويعقوب" ، فإنه يعني : ووصى بذلك أيضا يعقوب بنيه ، كما : -
2086 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : "ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب" ، يقول : ووصى بها يعقوب بنيه بعد إبراهيم .
2087 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : "ووصى بها إبراهيم بنيه" ، وصاهم بالإسلام ، ووصى يعقوب بمثل ذلك .
قال أبو جعفر : وقال بعضهم : قوله : ( ووصى بها إبراهيم بنيه ) ، خبر منقض . وقوله : " ويعقوب " خبر مبتدأ . فإنه قال : " ووصى بها إبراهيم بنيه " . بأن يقولوا : أسلمنا لرب العالمين - ووصى يعقوب بنيه : أن : " يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون " .
ولا معنى لقول من قال ذلك . لأن الذي أوصى به يعقوب بنيه ، نظير الذي أوصى به إبراهيم بنيه : من الحث على طاعة الله ، والخضوع له ، والإسلام .
فإن قال قائل : فإن كان الأمر على ما وصفت : من أن معناه : ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب : أن "يا بني" - فما بال "أن" محذوفة من الكلام ؟
قيل : لأن الوصية قول ، فحملت على معناها . وذلك أن ذلك لو جاء بلفظ [ ص: 95 ] القول ، لم تحسن معه"أن" ، وإنما كان يقال : وقال إبراهيم لبنيه ويعقوب : "يا بني" . فلما كانت الوصية قولا حملت على معناها دون لفظها ، فحذفت "أن" التي تحسن معها ، كما قال تعالى ذكره : ( يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين ) [ سورة النساء : 11 ] ، وكما قال الشاعر :
إني سأبدي لك فيما أبدي لي شجنان شجن بنجد
وشجن لي ببلاد السند
فحذفت "أن" ، إذ كان الإبداء باللسان في المعنى قولا فحمله على معناه دون لفظه .
وقد قال بعض أهل العربية : إنما حذفت "أن" من قوله : " ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب " ، اكتفاء بالنداء - يعني بالنداء قوله : "يا بني" وزعم أن علته في ذلك أن من شأن العرب الاكتفاء بالأدوات عن "أن" ، كقولهم : "ناديت هل قمت ؟ - وناديت أين زيد ؟" . قال : وربما أدخلوها مع الأدوات . فقالوا : "ناديت ، أن هل قمت ؟" .
[ ص: 96 ] وقد قرأ جماعة من القرأة : "وأوصى بها إبراهيم" ، بمعنى : عهد .
وأما من قرأ "ووصى" مشددة ، فإنه يعني بذلك أنه عهد إليهم عهدا بعد عهد ، وأوصى وصية بعد وصية .
القول في تأويل قوله تعالى ( يا بني إن الله اصطفى لكم الدين )
قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : " إن الله اصطفى لكم الدين " ، إن الله اختار لكم هذا الدين الذي عهد إليكم فيه ، واجتباه لكم .
وإنما أدخل"الألف واللام" في "الدين" ، لأن الذين خوطبوا من ولدهما وبنيهما بذلك ، كانوا قد عرفوه بوصيتهما إياهم به ، وعهدهما إليهم فيه ، ثم قالا لهم - بعد أن عرفاهموه - : إن الله اصطفى لكم هذا الدين الذي قد عهد إليكم فيه ، فاتقوا الله أن تموتوا إلا وأنتم عليه .
القول في تأويل قوله تعالى ( فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون ( 132 ) )
قال أبو جعفر : إن قال لنا قائل : أوإلى بني آدم الموت والحياة ، فينهى أحدهم أن يموت إلا على حالة دون حالة ؟
قيل له : إن معنى ذلك على غير الوجه الذي ظننت . وإنما معنى "فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون" ، أي : فلا تفارقوا هذا الدين - وهو الإسلام - أيام حياتكم . وذلك أن أحدا لا يدري متى تأتيه منيته ، فلذلك قالا لهم : "فلا تموتن إلا وأنتم [ ص: 97 ] مسلمون" ، لأنكم لا تدرون متى تأتيكم مناياكم من ليل أو نهار ، فلا تفارقوا الإسلام ، فتأتيكم مناياكم وأنتم على غير الدين الذي اصطفاه لكم ربكم فتموتوا وربكم ساخط عليكم ، فتهلكوا .
القول في تأويل قوله تعالى ( أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت )
قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : "أم كنتم شهداء" ، أكنتم . ولكنه استفهم ب"أم" ، إذ كان استفهاما مستأنفا على كلام قد سبقه ، كما قيل : ( الم تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين أم يقولون افتراه ) [ سورة السجدة : 1 - 3 ] وكذلك تفعل العرب في كل استفهام ابتدأته بعد كلام قد سبقه ، تستفهم فيه ب"أم" .
"والشهداء" جمع"شهيد" ، كما "الشركاء" جمع "شريك" و"الخصماء" جمع "خصيم" .
قال أبو جعفر وتأويل الكلام : أكنتم - يا معشر اليهود والنصارى ، المكذبين بمحمد صلى الله عليه وسلم ، الجاحدين نبوته - ، حضور يعقوب وشهوده إذ حضره الموت ، أي إنكم لم تحضروا ذلك ، فلا تدعوا على أنبيائي ورسلي الأباطيل ، وتنحلوهم اليهودية والنصرانية ، فإني ابتعثت خليلي إبراهيم - وولده إسحاق وإسماعيل وذريتهم - بالحنيفية المسلمة ، وبذلك وصوا بنيهم ، وبه عهدوا إلى أولادهم من بعدهم . فلو حضرتموهم [ ص: 98 ] فسمعتم منهم ، علمتم أنهم على غير ما نحلتموهم من الأديان والملل من بعدهم .
وهذه آيات نزلت ، تكذيبا من الله تعالى لليهود والنصارى في دعواهم في إبراهيم وولده يعقوب : أنهم كانوا على ملتهم ، فقال لهم في هذه الآية : "أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت" ، فتعلموا ما قال لولده وقال له ولده ؟ ثم أعلمهم ما قال لهم وما قالوا له . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
2088 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع قوله : "أم كنتم شهداء" ، يعني أهل الكتاب .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|