
12-07-2022, 09:19 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,301
الدولة :
|
|
رد: شرح العمدة لابن تيمية كتاب الحج --- متجدد

شرح العمدة لابن تيمية كتاب الحج (2)
تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية
من صــ 491الى صــ 500
(75)
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: " «غَدَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ مِنًى حِينَ صَلَّى الصُّبْحَ صَبِيحَةَ يَوْمِ عَرَفَةَ حَتَّى أَتَى عَرَفَةَ، فَنَزَلَ بِنَمِرَةَ وَهِيَ مَنْزِلُ الْإِمَامِ الَّذِي يَنْزِلُ فِيهِ بِعَرَفَةَ حَتَّى إِذَا كَانَ عِنْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ رَاحَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُهَجِّرًا فَجَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، ثُمَّ خَطَبَ النَّاسَ ثُمَّ رَاحَ فَوَقَفَ عَلَى الْمَوْقِفِ مِنْ عَرَفَةَ» " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ.
وَقَدْ رَوَى الْأَزْرَقِيُّ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: " «سَأَلْتُ عَطَاءَ أَيْنَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْزِلُ يَوْمَ عَرَفَةَ؟ قَالَ: بِنَمِرَةَ مَنْزِلِ الْخُلَفَاءِ إِلَى الصَّخْرَةِ السَّاقِطَةِ بِأَصْلِ الْجَبَلِ عَنْ يَمِينِكَ وَأَنْتَ ذَاهِبٌ إِلَى عَرَفَاتٍ يُلْقَى عَلَيْهَا ثَوْبٌ يَسْتَظِلُّ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» -.
قَالَ الْأَزْرَقِيُّ: نَمِرَةُ هُوَ الْجَبَلُ الَّذِي عَلَيْهِ أَنْصَابُ الْحَرَمِ عَلَى يَمِينِكَ إِذَا خَرَجْتَ مِنْ مَأْزِمَيْ عَرَفَةَ تُرِيدُ الْمَوْقِفَ، وَتَحْتَ جَبَلِ نَمِرَةَ غَارٌ أَرْبَعُ أَذْرُعٍ فِي خَمْسِ أَذْرُعٍ، وَذَكَرُوا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَنْزِلُهُ يَوْمَ عَرَفَةَ حَتَّى يَرُوحَ إِلَى الْمَوْقِفِ، وَهُوَ مَنْزِلُ الْأَئِمَّةِ الْيَوْمَ، وَالْغَارُ دَاخِلٌ فِي جِدَارِ دَارِ الْإِمَارَةِ فِي بَيْتٍ فِي الدَّارِ.

وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ فِي مَرَاسِيلِهِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، ثَنَا أَبَانُ بْنُ سَلْمَانَ: " أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَزَلَ يَوْمَ عَرَفَةَ عِنْدَ الصَّخْرَةِ الْمُقَابِلَةِ مَنَازِلَ الْأُمَرَاءِ - يَوْمَ عَرَفَةَ - الَّتِي بِالْأَرْضِ فِي أَسْفَلِ الْجَبَلِ، وَسَتَرَ إِلَيْهَا بِثَوْبٍ عَلَيْهِ ".
وَأَمَّا سُلُوكُهُ مِنْ مِنًى إِلَى عَرَفَةَ: فَقَالَ الْقَاضِي فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ: يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ فِي الْحَجِّ أَنْ يَخْرُجَ فِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ مِنْ مَكَّةَ فَيَنْزِلُ بِخِيفِ بَنِي كِنَانَةَ حَيْثُ نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَبِيتُ بِهَا وَيَسِيرُ بِهِمْ مِنْ غَدِهِ وَهُوَ الْيَوْمُ التَّاسِعُ - مَعَ طُلُوعِ الشَّمْسِ إِلَى عَرَفَةَ - عَلَى طَرِيقِ ضَبٍّ، وَيَعُودُ عَلَى طَرِيقِ الْمَأْزِمَيْنِ اقْتِدَاءً بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلِيَكُونَ عَائِدًا فِي غَيْرِ الطَّرِيقِ الَّتِي صَدَرَ مِنْهَا، فَإِذَا أَشْرَفَ عَلَى عَرَفَةَ نَزَلَ بِبَطْنِ نَمِرَةَ، وَأَقَامَ بِهِ حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ ثُمَّ سَارَ مِنْهُ إِلَى مَسْجِدِ إِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِوَادِي عَرَفَةَ.
وَقَالَ الْأَزْرَقِيُّ: ضَبٌّ طَرِيقٌ مُخْتَصَرَةٌ مِنَ الْمُزْدَلِفَةِ إِلَى عَرَفَةَ، وَهِيَ فِي أَصْلِ الْمَأْزِمَيْنِ عَنْ يَمِينِكَ وَأَنْتَ ذَاهِبٌ إِلَى عَرَفَةَ، وَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَلَكَهَا حِينَ عَدَلَ مِنْ مِنًى إِلَى عَرَفَةَ قَالَ ذَلِكَ بَعْضُ الْمَكِّيِّينَ.
وَرَوَى بِإِسْنَادِهِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: " سَلَكَ عَطَاءٌ طَرِيقَ ضَبٍّ، قَالَ: هِيَ طَرِيقُ مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ ".
وَفِي رِوَايَةٍ فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ: فَقَالَ: " لَا بَأْسَ إِنَّمَا هِيَ طَرِيقٌ ".
وَالسُّنَّةُ أَنْ يَنْزِلَ النَّاسُ بِنَمِرَةَ وَهِيَ مِنَ الْحِلِّ، وَلَيْسَتْ مِنْ أَرْضِ عَرَفَاتٍ وَبِهَا يَكُونُ سُوقُهُمْ.
وَأَمَّا أَرْضُ عَرَفَاتٍ فَلَيْسَتِ السُّنَّةُ أَنْ يُنْزَلَ بِهَا، وَلَا يُبَاعَ فِيهَا وَلَا يُشْتَرَى وَإِنَّمَا تُدْخَلُ وَقْتَ الْوُقُوفِ.

[مَسْأَلَةٌ صفة الصلاة والخطبة يوم عرفة وموضعه]
مَسْأَلَةٌ: " فَإِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ يَوْمَ عَرَفَةَ صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا ".
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ - فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ -: فَإِذَا أَتَيْتَ فَقُلْ: اللَّهُمَّ هَذِهِ عَرَفَةُ عُرِفَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاغْتَسِلْ إِنْ أَمْكَنَكَ، وَصَلِّ مَعَ الْإِمَامِ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ، فَإِنْ لَمْ تُدْرِكِ الْإِمَامَ جَمَعْتَ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ صِرْتَ إِلَى عَرَفَاتٍ فَوَقَفْتَ عَلَى قُرْبٍ مِنَ الْإِمَامِ فِي أَصْلِ الْجَبَلِ إِنِ اسْتَطَعْتَ، وَعَرَفَاتٌ كُلُّهَا مَوْقِفٌ، وَارْفَعْ عَنْ بَطْنِ عُرَنَةَ، وَقُلْ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ بِيَدِهِ الْخَيْرُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَذَكَرَ دُعَاءً كَثِيرًا.

وَجُمْلَةُ ذَلِكَ: أَنَّهُ إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ فَإِنَّ الْإِمَامَ وَالنَّاسَ يَقْصِدُونَ مُصَلَّى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ; وَهُوَ بَطْنُ وَادِي عُرَنَةَ حَيْثُ خَطَبَ بِالنَّاسِ وَصَلَّى بِهِمْ، فَيَخْطُبُ الْإِمَامُ بِالنَّاسِ وَيُصَلِّي بِهِمُ الصَّلَاتَيْنِ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ يَسِيرُونَ إِلَى الْمَوْقِفِ بِعَرَفَةَ.
قَالَ جَابِرٌ: " «حَتَّى إِذَا زَاغَتِ الشَّمْسُ أَمَرَ بِالْقَصْوَى فَرُحِّلَتْ لَهُ، فَأَتَى بَطْنَ الْوَادِي فَخَطَبَ النَّاسَ ثُمَّ أُذِّنَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ، وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا، ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى أَتَى الْمَوْقِفَ» " رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ نَحْوُهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ.
وَعَنْ سَالِمٍ قَالَ: " كَتَبَ عَبْدُ الْمَلِكِ إِلَى الْحَجَّاجِ: أَنْ لَا يُخَالِفَ ابْنَ عُمَرَ فِي الْحَجِّ فَجَاءَ ابْنُ عُمَرَ وَأَنَا مَعَهُ يَوْمَ عَرَفَةَ حِينَ زَالَتِ الشَّمْسُ.
فَصَاحَ عِنْدَ سُرَادِقِ الْحَجَّاجِ فَخَرَجَ وَعَلَيْهِ مِلْحَفَةٌ مُعَصْفَرَةٌ، فَقَالَ: مَا بَالُكَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ؟ فَقَالَ: الرَّوَاحَ إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ السُّنَّةَ، قَالَ: هَذِهِ السَّاعَةَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَأَنْظِرْنِي حَتَّى أُفِيضَ عَلَى رَأْسِي ثُمَّ أَخْرَجَ، فَنَزَلَ حَتَّى خَرَجَ الْحَجَّاجُ، فَسَارَ بَيْنِي وَبَيْنَ أَبِي، فَقُلْتُ: إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ السُّنَّةَ فَأَقْصِرِ الْخُطْبَةَ، وَعَجِّلِ الْوُقُوفَ، فَجَعَلَ يَنْظُرُ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ قَالَ:صَدَقَ ". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ.
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: " لَمَّا قَتَلَ الْحَجَّاجُ ابْنَ الزُّبَيْرِ أَرْسَلَ إِلَى ابْنِ عُمَرَ أَيَّةُ سَاعَةٍ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَرُوحُ فِي هَذَا الْيَوْمِ؟ قَالَ: إِذَا كَانَ ذَلِكَ رُحْنَا، فَلَمَّا أَرَادَ ابْنُ عُمَرَ أَنْ يَرُوحَ قَالَ: قَالُوا: لَمْ تَزِغِ الشَّمْسُ، قَالَ: أَزَاغَتْ؟ قَالُوا: لَمْ تَزِغْ، قَالَ: فَلَمَّا قَالُوا: قَدْ زَاغَتِ ارْتَحَلَ ". رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ.
فَعَلَى هَذَا يَسِيرُونَ إِلَى بَطْنِ الْوَادِي فَيَنْزِلُونَ فَيَسْمَعُونَ الْخُطْبَةَ، وَيُصَلُّونَ ثُمَّ يَرْكَبُونَ إِلَى الْمَوْقِفِ، وَأَمَّا الْأَحْمَالُ فَعَلَى حَالِهَا.
وَلَمْ يَكُنْ فِي هَذَا الْمُصَلَّى عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَخُلَفَائِهِ مَسْجِدٌ.
قَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لَمْ يَكُنْ بِعَرَفَةَ مَسْجِدٌ مُنْذُ كَانَتْ،وَإِنَّمَا أُحْدِثَ مَسْجِدُهَا بَعْدَ بَنِي هَاشِمٍ بِعَشْرِ سِنِينَ، وَكَانَ الْإِمَامُ يَخْطُبُ مِنْهَا مَوْضِعَ يَخْطُبُ الْيَوْمَ، وَيُصَلِّي بِالنَّاسِ فِيهِ.
وَقَدْ ذَكَرَ الْأَزْرَقِيُّ: أَنَّ مِنْ حَدِّ الْحَرَمِ إِلَى هَذَا الْمَسْجِدِ أَلْفَ ذِرَاعٍ وَسِتَّمِائَةِ ذِرَاعٍ وَخَمْسَةَ أَذْرُعٍ، وَأَنَّهُ مِنَ الْغَارِ الَّذِي بِعُرَنَةَ، وَهُوَ مَنْزِلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى هَذَا الْمَسْجِدِ: أَلْفَا ذِرَاعٍ، وَأَحَدَ عَشَرَ ذِرَاعًا.
وَيُسَمُّونَ هَذَا الْمَسْجِدَ: مَسْجِدَ إِبْرَاهِيمَ، وَرُبَّمَا قَالَ: ... ، وَهَذَا الْمَسْجِدُ بِبَطْنِ عُرَنَةَ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ عَرَفَاتٍ، فَتَكُونُ الْخُطْبَةُ وَالصَّلَاةُ يَوْمَ عَرَفَةَ بِبَطْنِ عُرَنَةَ.
وَقَدْ أَعْرَضَ جُمْهُورُ النَّاسِ فِي زَمَانِنَا عَنْ أَكْثَرِ هَذِهِ السُّنَنِ، فَيُوَافُونَ عَرَفَةَ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ، وَرُبَّمَا دَخَلَهَا كَثِيرٌ مِنْهُمْ لَيْلًا، وَبَاتَ بِهَا، وَأَوْقَدَ النِّيرَانَ بِهَا، وَهَذَا بِدْعَةٌ وَخِلَافٌ لِلسُّنَّةِ وَيَتْرُكُونَ إِتْيَانَ نَمِرَةَ وَالنُّزُولَ بِهَا ; فَإِنَّهَا عَنْ يَمِينِ الَّذِي يَأْتِي عَرَفَةَ مِنْ طَرِيقِ الْمَأْزِمَيْنِ يَمَانِيِّ الْمَسْجِدِ الَّذِي هُنَاكَ كَمَا تَقَدَّمَ تَحْدِيدُهَا، وَمَنْ قَصَدَ عَرَفَاتٍ مِنْ طَرِيقِ ضَبٍّ كَانَتْ عَلَى طَرِيقِهِ.
وَلَا يَجْمَعُونَ الصَّلَاتَيْنِ بِبَطْنِ عُرَنَةَ بِالْمَسْجِدِ هُنَاكَ، وَلَا يُعَجِّلُونَ الْوُقُوفَ الَّذِي هُوَ الرُّكُوبُ وَشَدُّ الْأَحْمَالِ، بَلْ يَخْلِطُونَ مَوْضِعَ النُّزُولِ أَوَّلَ النَّهَارِ بِمَوْضِعِ الصَّلَاةِ وَالْخُطْبَةِ، بِمَوْضِعِ الْوُقُوفِ، وَيَتَّخِذُونَ الْمَوْقِفَ سُوقًا، وَإِنَّمَا كَانَتِ الْأَسْوَاقُ بَيْنَ الْحَرَمِ وَالْمَوْقِفِ ... ، فَإِذَا لَمْ يَفْعَلِ الْإِمَامُ فَمَنْ أَمْكَنَهُ

(فَصْلٌ)
وَالسُّنَّةُ أَنْ يَخْطُبَ بِهِمُ الْإِمَامُ بِبَطْنِ عُرَنَةَ مَوْضِعَ الْمَسْجِدِ قَبْلَ الْوُقُوفِ يَخْطُبُ ثُمَّ يُصَلِّي، وَهَذِهِ الْخُطْبَةُ سُنَّةٌ مُجْمَعٌ عَلَيْهَا ; قَالَ أَحْمَدُ: خُطْبَةُ يَوْمِ عَرَفَةَ لَمْ يَخْتَلِفِ النَّاسُ فِيهَا، وَقَدْ رَوَاهَا عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَابِرٌ وَابْنُ عُمَرَ كَمَا تَقَدَّمَ، وَابْنُ عَبَّاسٍ وَجَابِرُ بْنُ سَمُرَةَ، وَنُبَيْطُ بْنُ شَرِيطٍ، وَالْعَدَّاءُ بْنُ خَالِدٍ، وَغَيْرُهُمْ ; سَلَمَةُ بْنُ نُبَيْطٍ عَنْ أَبِيهِ - وَكَانَ قَدْ حَجَّ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «رَأَيْتُهُ يَخْطُبُ يَوْمَ عَرَفَةَ عَلَى بَعِيرِهِ» ". رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلَّا التِّرْمِذِيَّ.
وَعَنِ الْعَدَّاءِ بْنِ خَالِدِ بْنِ هَوْذَةَ قَالَ: " «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْطُبُ النَّاسَ يَوْمَ عَرَفَةَ عَلَى بَعِيرٍ قَائِمًا فِي الرِّكَابَيْنِ» ". رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ.
قَالَ أَصْحَابُنَا: إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ خَطَبَهُمْ خُطْبَةً يُعَلِّمُهُمْ فِيهَا الْمَنَاسِكَ مِنْ مَوْضِعِ الْوُقُوفِ، وَوَقْتِ الدَّفْعِ مِنْ عَرَفَاتٍ، وَمَوْضِعِ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِمُزْدَلِفَةَ، وَالْمَبِيتِ وَالْغُدُوِّ إِلَى مِنًى لِلرَّمْيِ وَالنَّحْرِ، وَالطَّوَافِ وَالتَّحَلُّلِ، وَالْمَبِيتِ بِمِنًى لِرَمْيِ الْجِمَارِ، زَادَ أَبُو الْخَطَّابِ وَقْتَ الْوُقُوفِ، وَلَا حَاجَةَ إِلَيْهِ، فَإِنَّهُ قَدْ دَخَلَ لِمَا رَوَى يَحْيَى بْنُ حُصَيْنٍ قَالَ: سَمِعْتُ جَدِّي يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
يَخْطُبُ بِعَرَفَاتٍ يَقُولُ: («غَفَرَ اللَّهُ لِلْمُحَلِّقِينَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، قَالُوا: وَالْمُقَصِّرِينَ؟ فَقَالَ: وَالْمُقَصِّرِينَ فِي الرَّابِعَةِ» ". رَوَاهُ أَحْمَدُ.
وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ: " «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَطَبَ يَوْمَ عَرَفَةَ فَقَالَ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ: إِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ مِنْ أَهْلِ الْأَوْثَانِ وَالْجَاهِلِيَّةِ يُفِيضُونَ إِذَا الشَّمْسُ عَلَى الْجِبَالِ كَأَنَّهَا عَمَائِمُ الرِّجَالِ، وَيَدْفَعُونَ مِنْ جَمْعٍ إِذَا أَشْرَقَتْ عَلَى الْجِبَالِ كَأَنَّهَا عَمَائِمُ الرِّجَالِ، فَخَالَفَ هَدْيُنَا هَدْيَ الشِّرْكِ وَالْأَوْثَانِ» ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي الْمَرَاسِيلِ.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|