عرض مشاركة واحدة
  #152  
قديم 07-07-2022, 07:13 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,665
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام



فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية
سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ
المجلد الرابع
الحلقة (152)

من صــ 393 الى صـ
ـ 400



وَالدِّينِيَّةُ: أَمْرُهُ وَشَرْعُهُ الَّذِي جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ، وَكَذَلِكَ أَمْرُهُ وَإِرَادَتُهُ وَإِذْنُهُ وَإِرْسَالُهُ وَبَعْثُهُ يَنْقَسِمُ إِلَى هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ، وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى إِلْقَاءَ الْقَوْلِ فِي غَيْرِ هَذَا، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى:
{وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا} [النساء: 94]
وَقَالَ تَعَالَى:
{وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكَاءَهُمْ قَالُوا رَبَّنَا هَؤُلَاءِ شُرَكَاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُو مِنْ دُونِكَ فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ - وَأَلْقَوْا إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ} [النحل: 86 - 87]
وَقَالَ تَعَالَى:
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ} [الممتحنة: 1]
وَأَمَّا لَقَّنْتُهُ الْقَوْلَ وَلَقَّيْتُهُ فَتَلَقَّاهُ، فَذَلِكَ إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَحَفَظَهُ بِخِلَافِ مَا إِذَا أَلْقَيْتَهُ إِلَيْهِ، فَإِنَّ هَذَا يَقُولُهُ فِيمَا يُخَاطِبُهُ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَحْفَظْهُ، كَمَنْ أَلْقَيْتَ إِلَيْهِ الْقَوْلَ بِخِلَافِ الْقَوْلِ إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ، وَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ السَّلَامَ، وَلَيْسَ هُنَا إِلَّا خِطَابٌ سَمِعُوهُ لَمْ يَحْصُلْ نَفْسُ صِفَةِ الْمُتَكَلِّمِ فِي الْمُخَاطَبِ، فَكَذَلِكَ مَرْيَمُ إِذَا أَلْقَى اللَّهُ كَلِمَتَهُ إِلَيْهَا وَهِيَ قَوْلُ: " كُنْ " لَمْ يَلْزَمْ أَنْ تَكُونَ نَفْسُ صِفَتِهِ الْقَائِمَةِ بِهِ حَلَّتْ فِي مَرْيَمَ، كَمَا لَمْ يَلْزَمْ أَنْ تَكُونَ صِفَتُهُ الْقَائِمَةُ بِهِ حَلَّتْ فِي سَائِرِ مَنْ أَلْقَى إِلَيْهِ كَلَامَهُ، كَمَا لَا تَحْصُلُ صِفَةُ كُلِّ مُتَكَلِّمٍ فِيمَنْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَلَامُهُ.

(فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ (61)

قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ - بَعْدَ كَلَامٍ سَبَقَ -:
وَهَذَا الدِّينُ فِي إقْبَالٍ وَتَجْدِيدٍ. وَأَنَا نَاصِحٌ لِلْمَلِكِ وَأَصْحَابِهِ - وَاللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَالْفُرْقَانَ. وَيَعْلَمُ الْمَلِكُ أَنَّ وَفْدَ نجران - وَكَانُوا نَصَارَى كُلَّهُمْ فِيهِمْ الْأَسْقُفُ وَغَيْرُهُ - لَمَّا قَدِمُوا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَعَاهُمْ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِلَى الْإِسْلَامِ: خَاطَبُوهُ فِي أَمْرِ الْمَسِيحِ وَنَاظَرُوهُ فَلَمَّا قَامَتْ عَلَيْهِمْ الْحُجَّةُ جَعَلُوا يُرَاوِغُونَ فَأَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ أَنْ يَدْعُوَهُمْ إلَى الْمُبَاهَلَةِ كَمَا قَالَ: {فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ}.

فَلَمَّا ذَكَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ استشوروا بَيْنَهُمْ فَقَالُوا: تَعْلَمُونَ أَنَّهُ نَبِيٌّ وَأَنَّهُ مَا بَاهَلَ أَحَدٌ نَبِيًّا فَأَفْلَحَ. فَأَدَّوْا إلَيْهِ الْجِزْيَةَ وَدَخَلُوا فِي الذِّمَّةِ وَاسْتَعْفَوْا مِنْ الْمُبَاهَلَةِ.
(فَصْلٌ)
قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ - بَعْدَ كَلَامٍ سَبَقَ -:
وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ سَعْدٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمَدَائِنِيِّ، عَنْ أَشْيَاخِهِ فِي حَدِيثِ وَفْدِ نَجْرَانَ، فَهُوَ يُوَافِقُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ، فَإِنَّ قَوْلَهُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ مِنْ أَشْرَافِهِمْ يُوَافِقُ قَوْلَ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرٍ قَالَ:
قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفْدُ نَجْرَانَ سِتُّونَ رَاكِبًا فِيهِمْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ مِنْ أَشْرَافِهِمْ فِي الْأَرْبَعَةَ عَشَرَ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ، إِلَيْهِمْ يَئُولُ أَمْرُهُمُ الْعَاقِبُ أَمِيرُ الْقَوْمِ، وَذُو رَأْيِهِمْ، وَصَاحِبُ مَشُورَتِهِمْ، وَالَّذِي لَا يَصْدُرُونَ إِلَّا عَنْ رَأْيِهِ وَاسْمُهُ عَبْدُ الْمَسِيحِ وَالسَّيِّدُ ثَمَّالُهُمْ، وَصَاحِبُ رَحْلِهِمْ وَنَجْعَتِهِمْ، وَاسْمُهُ الْأَيْهَمُ، وَأَبُو حَارِثَةَ بْنُ عَلْقَمَةَ أَخُو بَنِي بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ أُسْقُفُّهُمْ، وَحَبْرُهُمْ، وَإِمَامُهُمْ وَصَاحِبُ مَدْرَاسِهِمْ، وَكَانَ أَبُو حَارِثَةَ قَدْ شَرُفَ فِيهِمْ وَدَرَسَ كُتُبَهُمْ حَتَّى حَسُنَ عِلْمُهُ فِي دِينِهِمْ، فَكَانَتْ مُلُوكُ الرُّومِ مِنْ أَهْلِ النَّصْرَانِيَّةِ قَدْ شَرَّفُوهُ، وَمَوَّلُوهُ، وَأَخْدَمُوهُ، وَبَنَوْا لَهُ الْكَنَائِسَ، وَبَسَطُوا لَهُ الْكَرَامَاتِ لِمَا بَلَغَهُمْ عَنْهُ مِنْ عِلْمِهِ وَاجْتِهَادِهِ فِي دِينِهِمْ، فَلَمَّا وَجَّهُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ نَجْرَانَ جَلَسَ أَبُو حَارِثَةَ عَلَى بَغْلَةٍ لَهُ مُوَجِّهًا وَإِلَى جَنْبِهِ أَخٌ لَهُ يُقَالُ لَهُ كُرْزُ بْنُ عَلْقَمَةَ، فَعَثَرَتْ بَغْلَةُ أَبِي حَارِثَةَ، فَقَالَ كُرْزٌ: تَعِسَ الْأَبْعَدُ، يُرِيدُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ أَبُو حَارِثَةَ: بَلْ أَنْتَ تَعِسْتَ، فَقَالَ، لِمَ يَا أَخِي؟ قَالَ وَاللَّهِ إِنَّهُ لَلنَّبِيُّ الَّذِي كُنَّا نَنْتَظِرُهُ، فَقَالَ لَهُ كُرْزٌ: فَمَا مَنْعَكَ مِنْهُ وَأَنْتَ تَعْلَمُ هَذَا؟ قَالَ: مَا صَنَعَ بِنَا هَؤُلَاءِ الْقَوْمُ شَرَّفُونَا، وَمَوَّلُونَا، وَأَكْرَمُونَا، وَقَدْ أَبَوْا إِلَّا خِلَافَهُ، فَلَوْ فَعَلْتُ نَزَعُوا مِنَّا كُلَّ مَا تَرَى فَأَضْمَرَ عَلَيْهَا مِنْهُ أَخُوهُ كُرْزُ بْنُ عَلْقَمَةَ حَتَّى أَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ وَهُوَ كَانَ يُحَدِّثُ عَنْهُ هَذَا الْحَدِيثَ فِيمَا بَلَغَنِي.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَبَلَغَنِي أَنَّ رُؤَسَاءَ نَجْرَانَ كَانُوا يَتَوَارَثُونَ كِتَابًا عِنْدَهُمْ فَكُلَّمَا مَاتَ رَئِيسٌ مِنْهُمْ فَأَفْضَتِ الرِّيَاسَةُ إِلَى غَيْرِهِ، خَتَمَ عَلَى تِلْكَ الْكُتُبِ خَاتَمًا مَعَ الْخَوَاتِمِ الَّتِي قَبْلَهُ وَلَمْ يَكْسِرْهَا، فَخَرَجَ الرَّئِيسُ الَّذِي كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْشِي، فَعَثَرَ فَقَالَ ابْنُهُ: تَعِسَ الْأَبْعَدُ، يُرِيدُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ أَبُوهُ: لَا تَفْعَلْ ; فَإِنَّهُ نَبِيٌّ وَاسْمُهُ فِي الْوَضَائِعِ، يَعْنِي الْكُتُبَ.
فَلَمَّا مَاتَ لَمْ تَكُنْ لِابْنِهِ هِمَّةٌ إِلَّا أَنْ شَدَّ فَكَسَرَ الْخَوَاتِمَ، فَوَجَدَ فِيهَا ذِكْرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَسْلَمَ فَحَسُنَ إِسْلَامُهُ، وَحَجَّ وَهُوَ يَقُولُ:
إِلَيْك تَغْدُو قَلِقًا وَضِينُهَا ... مُعْتَرِضًا فِي بَطْنِهَا جَنِينُهَا
مُخَالِفًا لِدِينِ النَّصَارَى دِينُهَا قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، فَدَخَلُوا عَلَيْهِ مَسْجِدَهُ حِينَ صَلَّى الْعَصْرَ عَلَيْهِمْ ثِيَابُ الْحِبَرَاتِ جُبَبٌ، وَأَرْدِيَةٌ فِي جِمَالِ رِجَالِ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: يَقُولُ بَعْضُ مَنْ رَآهُمْ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ: مَا رَأَيْنَا بَعْدَهُمْ وَفْدًا مِثْلَهُمْ، وَقَدْ حَانَتْ صَلَاتُهُمْ، فَقَامُوا فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: دَعُوهُمْ، فَصَلَّوْا إِلَى الْمَشْرِقِ. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَكَانَ تَسْمِيَةُ الْأَرْبَعَةَ عَشَرَ الَّذِينَ يَئُولُ إِلَيْهِمْ أَمْرُهُمْ: الْعَاقِبُ وَهُوَ عَبْدُ الْمَسِيحِ، وَالسَّيِّدُ وَهُوَ الْأَيْهَمُ، وَأَبُو حَارِثَةَ بْنُ عَلْقَمَةَ أَخُو بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ، وَأَوْسٌ، وَالْحَارِثُ، وَزَيْدٌ، وَقَيْسٌ، وَيَزِيدُ، وَنُبَيْهٌ، وَخُوَيْلِدٌ، وَعُمَرُ، وَخَالِدٌ، وَعَبْدُ اللَّهِ، وَيُحَنَّسُ فِي سِتِّينَ رَاكِبًا، فَكَلَّمَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ أَبُو حَارِثَةَ بْنُ عَلْقَمَةَ، وَالْعَاقِبُ عَبْدُ الْمَسِيحِ، وَالْأَيْهَمُ السَّيِّدُ، وَهُمْ مِنَ النَّصْرَانِيَّةِ عَلَى دِينِ الْمَلِكِ مَعَ اخْتِلَافِهِمْ مِنْ أَمْرِهِمْ يَقُولُونَ هُوَ اللَّهُ، وَيَقُولُونَ هُوَ وَلَدُ اللَّهِ، وَيَقُولُونَ هُوَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ، وَكَذَلِكَ قَوْلُ النَّصْرَانِيَّةِ.

فَهُمْ يَحْتَجُّونَ فِي قَوْلِهِمْ: هُوَ اللَّهُ، بِأَنَّهُ كَانَ يُحْيِي الْمَوْتَى، وَيُبْرِئُ الْأَسْقَامَ، وَيُخْبِرُ بِالْغُيُوبِ، وَيَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ، ثُمَّ يَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَائِرًا، وَذَلِكَ كُلُّهُ بِأَمْرِ اللَّهِ وَلِيَجْعَلَهُ آيَةَ النَّاسِ.
وَيَحْتَجُّونَ فِي قَوْلِهِمْ: إِنَّهُ وَلَدُ اللَّهِ، فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَبٌ يُعْلَمُ، وَقَدْ تَكَلَّمَ فِي الْمَهْدِ، وَهَذَا شَيْءٌ لَمْ يَصْنَعْهُ أَحَدٌ مِنْ وَلَدِ آدَمَ.

وَيَحْتَجُّونَ فِي قَوْلِهِمْ: ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ، بِقَوْلِ اللَّهِ: فَعَلِمْنَا، وَأَمَرْنَا، وَخَلَقْنَا، وَقَضَيْنَا، فَيَقُولُونَ: لَوْ كَانَ وَاحِدًا مَا قَالَ إِلَّا فَعَلْتُ، وَقَضَيْتُ، وَأَمَرْتُ، وَخَلَقْتُ، وَلَكِنَّهُ هُوَ عِيسَى وَمَرْيَمُ فَفِي كُلِّ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ قَدْ نَزَلَ الْقُرْآنُ فَلَمَّا كَلَّمَهُ الْحَبْرَانِ، قَالَ لَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَسْلِمَا، قَالَا: قَدْ أَسْلَمْنَا. قَالَ: إِنَّكُمَا لَمْ تُسْلِمَا فَأَسْلِمَا، قَالَا: بَلَى، قَدْ أَسْلَمْنَا قَبْلَكَ. قَالَ: كَذَبْتُمَا، يَمْنَعُكُمَا مِنَ الْإِسْلَامِ دَعْوَاكُمَا لِلَّهِ وَلَدًا، وَعِبَادَتُكُمَا لِلصَّلِيبِ، وَأَكْلُكُمَا لِلْخِنْزِيرِ، قَالَا: فَمَنْ أَبُوهُ يَا مُحَمَّدُ؟ فَصَمَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُمَا، فَلَمْ يُجِبْهُمَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ فِي أَمْرِهِمْ كُلِّهِ صَدْرًا مِنْ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ إِلَى بِضْعٍ وَثَمَانِينَ آيَةً.
وَذَكَرَ نُزُولَ الْآيَاتِ بِسَبَبِهِمْ غَيْرُ وَاحِدٍ مِثْلَمَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ - يَعْنِي - عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيَّ، عَنْ أَبِيهِ، «عَنِ الرَّبِيعِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {الم - اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [آل عمران: 1 - 2].
قَالَ: إِنَّ النَّصَارَى أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَخَاصَمُوهُ فِي عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، وَقَالُوا لَهُ: مَنْ أَبُوهُ؟ وَقَالُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَالْبُهْتَانَ - لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَمْ يَتَّخِذْ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا، فَقَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ وَلَدٌ إِلَّا وَهُوَ يُشْبِهُ أَبَاهُ؟، قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَبَّنَا حَيٌّ لَا يَمُوتُ وَأَنَّ عِيسَى يَأْتِي عَلَيْهِ الْفَنَاءُ؟، قَالُوا: بَلَى. قَالَ: أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَبَّنَا قَيِّمٌّ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ يَكْلَؤُهُ وَيَحْفَظُهُ وَيَرْزُقُهُ؟، قَالُوا: بَلَى. قَالَ: فَهَلْ يَمْلِكُ عِيسَى مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا؟ قَالُوا: لَا. قَالَ: أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ؟، قَالُوا: بَلَى. قَالَ: فَهَلْ يَعْلَمُ عِيسَى مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا إِلَّا مَا عُلِّمَ؟، قَالُوا: لَا. قَالَ: فَإِنَّ رَبَّنَا صَوَّرَ عِيسَى فِي الرَّحِمِ كَيْفَ شَاءَ قَالَ: أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَبَّنَا لَا يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَلَا يَشْرَبُ الشَّرَابَ وَلَا يُحْدِثُ الْحَدَثَ؟، قَالُوا: بَلَى. قَالَ: أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ عِيسَى حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كَمَا تَحْمِلُ الْمَرْأَةُ، ثُمَّ وَضَعَتْهُ كَمَا تَضَعُ الْمَرْأَةُ وَلَدَهَا، ثُمَّ غُذِّيَ كَمَا يَتَغَذَّى الصَّبِيُّ، ثُمَّ كَانَ يَطْعَمُ الطَّعَامَ وَيَشْرَبُ الشَّرَابَ وَيُحْدِثُ الْحَدَثَ؟، قَالُوا: بَلَى. قَالَ: فَكَيْفَ يَكُونُ هَذَا كَمَا زَعَمْتُمْ؟. قَالَ: فَعَرَفُوا ثُمَّ أَبَوْا إِلَّا الْجُحُودَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ {الم - اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [آل عمران: 1 - 2]».
وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصِّحَاحِ حَدِيثُ وَفْدِ نَجْرَانَ فَفِي الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ عَنْ حُذَيْفَةَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ} [آل عمران: 61].
«دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيًّا وَفَاطِمَةَ وَحَسَنًا وَحُسَيْنًا، فَقَالَ: اللَّهُمَّ هَؤُلَاءِ أَهْلِي».

وَفِي الْبُخَارِيِّ «عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ قَالَ جَاءَ السَّيِّدُ وَالْعَاقِبُ صَاحِبَا نَجْرَانَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرِيدَانِ أَنْ يُلَاعِنَاهُ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: لَا تَفْعَلْ فَوَاللَّهِ لَئِنْ كَانَ نَبِيًّا فَلَاعَنَنَا لَا نُفْلِحُ نَحْنُ وَلَا عَقِبُنَا مِنْ بَعْدِنَا، قَالَا: إِنَّمَا نُعْطِيكَ مَا سَأَلْتَنَا، وَابْعَثْ مَعَنَا رَجُلًا أَمِينًا، وَلَا تَبْعَثْ مَعَنَا إِلَّا أَمِينًا، قَالَ: لَأَبْعَثَنَّ مَعَكُمْ رَجُلًا أَمِينًا حَقَّ أَمِينٍ.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 46.53 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 45.90 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.35%)]