عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 06-07-2022, 11:11 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,690
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله



تفسير "محاسن التأويل"

محمد جمال الدين القاسمي
سُورَةُ النِّسَاءِ
المجلد الخامس
صـ 1233 الى صـ 1239
الحلقة (215)

وعن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: للمملوك طعامه وكسوته، ولا يكلف من العمل إلا ما يطيق رواه مسلم أيضا.

وعنه أيضا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: إذا أتى أحدكم خادمه بطعامه، فإن لم يجلسه معه فليناوله أكلة أو أكلتين، أو لقمة أو لقمتين، فإنه ولي حره وعلاجه . أخرجاه، ولفظه للبخاري.

وعن أبي ذر - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: هم إخوانكم خولكم، جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم أخرجاه.

إن الله لا يحب من كان مختالا أي: متكبرا عن الإحسان إلى من أمر ببره فخورا يعدد مناقبه كبرا، وإنما خص تعالى هذين الوصفين بالذم - في هذا الموضع - لأن المختال هو المتكبر، وكل من كان متكبرا فإنه قلما يقوم برعاية الحقوق، ثم أضاف إليه ذم الفخور؛ لئلا يقدم على رعاية هذه الحقوق لأجل الرياء والسمعة، بل لمحض أمر الله تعالى.

[ ص: 1234 ] روى أبو داود والحاكم بإسناد صحيح عن أبي هريرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: الكبر من بطر الحق وغمط الناس .

وروى ابن جرير ، عن أبي رجاء الهروي قال: لا تجد سيئ الملكة (الملكة) إلا وجدته مختالا فخورا، وتلا: وما ملكت أيمانكم الآية، ولا عاقا إلا وجدته جبارا شقيا وتلا: وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا [مريم: 32] وقد ورد في ذم الخيلاء والفخر ما هو معروف.
القول في تأويل قوله تعالى:

الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ويكتمون ما آتاهم الله من فضله وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا [37]

الذين يبخلون أي: بأموالهم أن ينفقوها فيما أمرهم الله به فيما تقدم ويأمرون الناس بالبخل أي: ولا يكونون سبب الإحسان، بل يبخلون بذات أيديهم وبما في أيدي غيرهم [ ص: 1235 ] فيأمرونهم بأن يبخلوا به مقتا للسخاء ممن وجد، وفي أمثال العرب: أبخل من الضنين بنائل غيره، قال:


وإن امرءا ضنت يداه على امرئ بنيل يد من غيره لبخيل


قال الزمخشري بعد حكاية ما تقدم: ولقد رأينا ممن بلي بداء البخل من إذا طرق سمعه أن أحدا جاد على أحد، شخص به، وحل حبوته واضطرب، ودارت عيناه في رأسه، كأنما نهب رحله، وكسرت خزانته؛ ضجرا من ذلك وحسرة على وجوده. انتهى.

ويكتمون ما آتاهم الله من فضله أي: من المال والغنى، فيوهمون الفقر مع الغنى، والإعسار مع اليسار، والعجز مع الإمكان وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا وضع الظاهر موضع المضمر؛ إشعارا بأن من هذا شأنه فهو كافر بنعمة الله تعالى، ومن كان كافرا بنعمة الله تعالى فله عذاب يهينه، كما أهان النعمة بالبخل والإخفاء.

فائدة:

قال أبو البقاء : في قوله تعالى: الذين يبخلون وجهان:

أحدهما: هو منصوب بدل من: " من " في قوله: من كان مختالا فخورا وجمع على معنى: " من " ويجوز أن يكون محمولا على قوله: مختالا فخورا وهو خبر كان وجمع على المعنى أيضا، أو على إضمار: أذم.

والثاني: أن يكون مبتدأ والخبر محذوف تقديره: مبغضون، ودل عليه ما تقدم من قوله: " لا يحب " ويجوز أن يكون الخبر (معذبون) لقوله: وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا

[ ص: 1236 ] ويجوز أن يكون التقدير: هم الذين، ويجوز أن يكون مبتدأ: والذين ينفقون معطوف عليه، والخبر: إن الله لا يظلم أي: يظلمهم.

ثم قال: والبخل والبخل لغتان: وقد قرئ بهما، وفيه لغتان أخريان البخل - بضم الخاء والباء - والبخل - بفتح وسكون الخاء - انتهى.
القول في تأويل قوله تعالى:

والذين ينفقون أموالهم رئاء الناس ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ومن يكن الشيطان له قرينا فساء قرينا [38]

والذين ينفقون أموالهم رئاء الناس أي: قصد رؤية الخلق إياه، غفلة عن الخالق – تقدس - وعماية عنه؛ ليقال: ما أسخاهم وما أجودهم ولا يؤمنون بالله أي: الذي يتقرب إليه وحده ويتحرى بالاتفاق رضاه ولا باليوم الآخر الذي هو يوم الجزاء ومن يكن الشيطان له قرينا معينا في الدنيا فساء قرينا فبئس القرين والصاحب الشيطان؛ لأنه يضله عن الهدى ويحجبه عن الحق، وإنما اتصل الكلام هنا بذكر الشيطان؛ تقريعا لهم على طاعته.

والمعنى: من يكن عمله بما سول له الشيطان فبئس العمل عمله، ويجوز أن يكون وعيدا لهم بأن الشيطان يقرن بهم في النار.

لطيفة:

قوله تعالى: والذين عطف على " الذين يبخلون " أو على " للكافرين " وإنما شاركوهم في الذم والوعيد؛ لأن البخل كالإنفاق رياء، سواء في القبح واستتباع اللائمة والذم، ويجوز أن يكون العطف بناء على إجراء التغاير الوصفي مجرى التغاير الذاتي، كما في قوله:


إلى الملك القرم وابن الهمام وليث الكتيبة في المزدحم


[ ص: 1237 ] أو مبتدأ خبره محذوف، يدل عليه قوله تعالى: ومن يكن إلخ أي: فقرينهم الشيطان، وإنما حذف للإيذان بظهوره واستغنائه عن التصريح به، أو التقدير: فلا يقبل إحسانهم؛ لأن رياءهم يدل على تفضيلهم الخلق على الله، ورؤيتهم على ثوابه.

وقد روى مسلم ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: قال الله تبارك وتعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملا أشرك معي فيه غيري تركته وشركه.

وروى ابن أبي حاتم في سبب نزول الآية، عن سعيد بن جبير قال: كان علماء بني إسرائيل يبخلون بما عندهم من العلم، فأنزل الله: الذين يبخلون الآية.

وأخرج ابن جرير من طريق ابن إسحاق ، عن ابن عباس : أن رجالا من اليهود [ ص: 1238 ] كانوا يأتون رجالا من الأنصار ينتصحون لهم، فيقولون: لا تنفقوا أموالكم، فإنا نخشى عليكم الفقر في ذهابها، ولا تسارعوا في النفقة، فإنكم لا تدرون ما يكون، فأنزل الله فيهم: الذين يبخلون الآية.
القول في تأويل قوله تعالى:

وماذا عليهم لو آمنوا بالله واليوم الآخر وأنفقوا مما رزقهم الله وكان الله بهم عليما [39]

وماذا عليهم لو آمنوا بالله أي: فلم يرجحوا الخلق عليه واليوم الآخر بالبعث والجزاء فلم يرجحوا تعظيمهم وحطامهم على ثوابه وأنفقوا مما رزقهم الله أعطاهم الله من المال، أي: طلبا لرضاه وأجر آخرته.

قال العلامة أبو السعود : وإنما لم يصرح به؛ تعويلا على التفصيل السابق، واكتفاء بذكر الإيمان بالله واليوم الآخر، فإنه يقتضي أن يكون الإنفاق لابتغاء وجهه تعالى وطلب ثوابه البتة، أي: وما الذي عليهم، أو: وأي تبعة ووبال عليهم في الإيمان بالله والإنفاق في سبيله؟! وهو توبيخ لهم على الجهل بمكان المنفعة، والاعتقاد في الشيء بخلاف ما هو عليه، وتحريض على التكفير [ ص: 1239 ] لطلب الجواب؛ لعله يؤدي بهم إلى العلم بما فيه من الفوائد الجليلة والعوائد الجميلة، وتنبيه على أن المدعو إلى أمر لا ضرر فيه ينبغي أن يجيب إليه احتياطا، فكيف إذا كان فيه منافع لا تحصى، وتقديم الإيمان بهما؛ لأهميته في نفسه، ولعدم الاعتداد بالإنفاق بدونه.

وأما تقديم (إنفاقهم رئاء الناس) على عدم إيمانهم بهما - مع كون المؤخر أقبح من المقدم - فلرعاية المناسبة بين إنفاقهم ذلك وبين ما قبله من بخلهم وأمرهم للناس به، انتهى.

وكان الله بهم عليما وعيد لهم بالعقاب.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 31.50 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 30.87 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.99%)]