عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 07-07-2022, 12:07 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,830
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله



تفسير "محاسن التأويل"

محمد جمال الدين القاسمي
سُورَةُ النِّسَاءِ
المجلد الخامس
صـ 1191 الى صـ 1197
الحلقة (209)





[ ص: 1191 ] ففي "الصحيحين" عنه قال: كنا نغزو مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وليس لنا نساء، فقلنا: ألا نختصي؟ فنهانا عن ذلك، فرخص لنا بعد ذلك أن نتزوج المرأة بالثوب ، ثم قرأ عبد الله: يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين [المائدة: 87].

وقراءة عبد الله الآية عقيب هذا الحديث تحتمل أمرين:

أحدهما: الرد على من يحرمها، وأنها لو لم تكن من الطيبات لما أباحها رسول الله، صلى الله عليه وسلم.

والثاني: أن يكون أراد آخر هذه الآية، وهو الرد على من أباحها مطلقا، وأنه معتد، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنما رخص فيها للضرورة عند الحاجة في الغزو، وعند عدم النساء، وشدة الحاجة إلى المرأة، فمن رخص فيها في الحضر مع كثرة النساء، وإمكان النكاح المعتاد، فقد اعتدى، والله لا يحب المعتدين.

فإن قيل: فكيف تصنعون بما روى مسلم في "صحيحه" من حديث جابر ، وسلمة بن الأكوع ، قالا: خرج علينا منادي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أذن لكم أن تستمتعوا (يعني: متعة النساء).

قيل: هذا كان زمن الفتح قبل التحريم، ثم حرمها بعد ذلك بدليل ما رواه مسلم في "صحيحه" عن سلمة بن الأكوع قال: رخص لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام أوطاس في المتعة ثلاثا، ثم نهى عنها .

(وعام أوطاس ) هو (وعام الفتح) واحد؛ لأن غزاة أوطاس متصلة بفتح مكة .

فإن قيل: فما تصنعون بما رواه [ ص: 1192 ] مسلم في: "صحيحه" عن جابر بن عبد الله ، قال: كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق الأيام على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر حتى نهى عنها عمر في شأن عمرو بن حريث، وفيما ثبت عن عمر أنه قال: متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنا أنهى عنهما: متعة النساء ومتعة الحج؟

قيل: الناس في هذا طائفتان: طائفة تقول: إن عمر هو الذي حرمها ونهى عنها، وقد أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - باتباع ما سنه الخلفاء الراشدون، ولم تر هذه الطائفة تصحيح حديث سبرة بن معبد في تحريم المتعة عام الفتح، فإنه من رواية عبد الملك بن الربيع بن سبرة ، عن أبيه، عن جده، وقد تكلم فيه ابن معين ، ولم ير البخاري إخراج حديثه في: "صحيحه" مع شدة الحاجة إليه، وكونه أصلا من أصول الإسلام، ولو صح عنده لم يصبر عن إخراجه أو الاحتجاج به، قالوا: ولو صح حديث سبرة لم يخف على ابن مسعود حتى يروي أنهم فعلوها ويحتج بالآية.

وقالوا أيضا: ولو صح لم يقل عمر : إنها كانت على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا أنهى عنها، وأعاقب عليها، بل كان يقول: إنه - صلى الله عليه وسلم - حرمها ونهى عنها.

قالوا: ولو صح لم تفعل على عهد الصديق وهو عهد خلافة النبوة حقا.

والطائفة الثانية: رأت صحة حديث سبرة ، ولو لم يصح فقد صح حديث علي رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حرم متعة [ ص: 1193 ] النساء .

فوجب حمل حديث جابر على أن الذي أخبر عنها بفعلها لم يبلغه التحريم، ولم يكن قد اشتهر حتى كان زمن عمر - رضي الله عنه - فلما وقع فيها ظهر واشتهر، وبهذا تأتلف الأحاديث الواردة فيها، وبالله التوفيق. انتهى.

هذا، والذين حملوا الآية على بيان حكم النكاح قالوا: المراد من قوله تعالى: ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به إلخ ... أنه إذا كان المهر مقدرا بمقدار معين فلا حرج في أن تحط عنه شيئا من المهر، أو تبرئه عنه بالكلية، بالتراضي، كما تقدم وهو كقوله تعالى: فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا [النساء: 4] وقوله: إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح [البقرة: من الآية 237].

وقد روى ابن جرير عن حضرمي : أن رجالا كانوا يقرضون المهر، ثم عسى أن تدرك أحدهم العسرة، فقال الله: ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة إلخ.

يعني إن وضعت لك منه شيئا فهو لك سائغ.

وأما الذين حملوا الآية على بيان المتعة، قالوا: المراد من نفي الجناح أنه إذا انقضى أجل المتعة لم يبق للرجل على المرأة سبيل البتة، فإن قال لها: زيديني في الأيام وأزيدك في الأجرة - كانت المرأة بالخيار، إن شاءت فعلت وإن شاءت لم تفعل، فهذا هو المراد من قوله: ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة أي: من بعد المقدار المذكور أولا من الأجر والأجل، أفاده الرازي .

قال السدي : إن شاء أرضاها من بعد الفريضة الأولى، يعني الأجر الذي أعطاها على تمتعه بها قبل انقضاء الأجل بينهما، فقال: أتمتع منك أيضا بكذا وكذا، فإن شاء زاد قبل أن يستبرئ رحمها يوم تنقضي المدة، وهو قوله تعالى: ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة

قال السدي : إذا انقضت المدة فليس عليها سبيل، وهي منه بريئة، وعليها أن تستبرئ ما في رحمها، وليس بينهما ميراث، فلا يرث واحد منهما صاحبه.

[ ص: 1194 ] قال ابن جرير الطبري : أولى التأويلين في ذلك بالصواب التأويل الأول؛ لقيام الحجة بتحريم الله تعالى متعة النساء على لسان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انتهى.

قال المهايمي : ثم أشار تعالى إلى نكاح ما يستباح للضرورة كنكاح المتعة، لكنها ضرورة مستمرة لا تنقطع بكثرة الإسلام فقال:
القول في تأويل قوله تعالى:

ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات والله أعلم بإيمانكم بعضكم من بعض فانكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن بالمعروف محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب ذلك لمن خشي العنت منكم وأن تصبروا خير لكم والله غفور رحيم [25]

ومن لم يستطع أي: لم يقدر منكم أيها الأحرار، بخلاف العبيد، أن يحصل طولا أي: غنى يمكنه به أن ينكح المحصنات أي: الحرائر المتعففات، بخلاف الزواني؛ إذ لا عبرة بهن المؤمنات إذ لا عبرة بالكوافر فمن ما ملكت أيمانكم أي: فله أن ينكح بعض ما يملكه أيمان إخوانكم من فتياتكم أي: إمائكم حال الرق المؤمنات لا الكتابية؛ لأنه لا يحتمل مع عار الرق عار الكفر، وقد استفيد من سياق هذه الآية أن الله تعالى شرط في نكاح الإماء شرائط ثلاثة : اثنان منها في الناكح، والثالث في المنكوحة.

أما اللذان في الناكح فأحدهما أن يكون غير واجد لما يتزوج به الحرة المؤمنة من الصداق، وهو معنى قوله: ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات [ ص: 1195 ] فعدم استطاعة الطول عبارة عن عدم ما ينكح به الحرة، فإن قيل: الرجل إذا كان يستطيع التزوج بالأمة يقدر على التزوج بالحرة الفقيرة، فمن أين هذا التفاوت؟ قلنا: كانت العادة في الإماء تخفيف مهورهن ونفقتهن لاشتغالهن بخدمة السادات، وعلى هذا التقدير يظهر التفاوت.

وأما الشرط الثاني: فهو المذكور في آخر الآية وهو قوله: ذلك لمن خشي العنت منكم أي: الزنى بأن بلغ الشدة في العزوبة.

وأما الشرط الثالث المعتبر في المنكوحة، فأن تكون الأمة مؤمنة لا كافرة، فإن الأمة إذا كانت كافرة كانت ناقصة من وجهين: الرق والكفر، ولا شك أن الولد تابع للأم في الحرية والرق، وحينئذ يعلق الولد رقيقا على ملك الكافر، فيحصل فيه نقصان الرق ونقصان كونه ملكا للكافر، وما ذكرناه هو المطابق لمعنى الآية، ولا يخلو ما عداه عن تكلف لا يساعده نظم الآية.

قال الزمخشري : فإن قلت: لم كان نكاح الأمة منحطا عن نكاح الحرة؟ قلت: لما فيه من اتباع الولد الأم في الرق، ولثبوت حق المولى فيها وفي استخدامها، ولأنها ممتهنة مبتذلة خراجة ولاجة، وذلك كله نقصان راجع إلى الناكح، ومهانة، والعزة من صفات المؤمنين، وسيأتي مزيد لهذا عند قوله تعالى: وأن تصبروا خير لكم

وقوله تعالى: والله أعلم بإيمانكم إشارة إلى أنه لا يشترط الاطلاع على بواطنهن، بل يكتفي بظاهر إيمانهن، أي: فاكتفوا بظاهر الإيمان، فإنه تعالى العالم بالسرائر وبتفاضل ما بينكم في الإيمان، فرب أمة تفضل الحرة فيه.

وقوله تعالى: بعضكم من بعض اعتراض آخر جيء به لتأنيسهم بنكاح الإماء حالتئذ، أي: أنتم وأرقاؤكم متناسبون، نسبكم من آدم ودينكم الإسلام.

فانكحوهن بإذن أهلهن أي: مواليهن لا استقلالا، وذلك؛ لأن منافعهن لهم لا يجوز لغيرهم أن ينتفع بشيء منها إلا بإذن من هي له.

وآتوهن أعطوهن: أجورهن أي: مهورهن: بالمعروف أي: بلا مطل وضرار وإلجاء إلى الاقتضاء.

واستدل الإمام مالك بهذا على أنهن أحق بمهورهن، وأنه لا حق فيه للسيد.

[ ص: 1196 ] وذهب الجمهور إلى أن المهر للسيد، وإنما أضافها إليهن؛ لأن التأدية إليهن تأدية إلى سيدهن لكونهن ماله.

محصنات حال من مفعول فانكحوهن أي: حال كونهن عفائف عن الزنى غير مسافحات حال مؤكدة: أي: غير زانيات بكل من دعاهن ولا متخذات أخدان أي: أخلة يتخصصن بهم في الزنى.

قال أبو زيد : الأخدان الأصدقاء على الفاحشة، والواحد خدن وخدين.

وقال الراغب: أكثر ذلك يستعمل فيمن يصاحب بشهوة نفسانية.

ومن لطائف وقوع قوله تعالى: محصنات إلخ إثر قوله: وآتوهن أجورهن الإشعار بأنهن لو كن إحدى هاتين، فلكم المناقشة في أداء مهورهن ليفتدين نفوسهن.

فإذا أحصن أي: بالتزويج، وقرئ على البناء للفاعل أي: أحصن فروجهن أو أزواجهن فإن أتين بفاحشة أي: فعلن فاحشة وهي الزنا فعليهن أي: فثابت عليهن شرعا نصف ما على المحصنات أي: الحرائر من العذاب أي: من الحد الذي هو جلد مائة فنصفه خمسون جلدة، لا الرجم.

قال المهايمي : لأنهن من أهل المهانة، فلا يفيد فيهن المبالغة في الزجر.
تنبيه:

قال ابن كثير : مذهب الجمهور أن الأمة إذا زنت فعليها خمسون جلدة ، سواء كانت مسلمة أو كافرة، مزوجة أو بكرا، مع أن مفهوم الآية يقتضي أنه لا حد على غير المحصنة ممن زنى من الإماء، وقد اختلفت أجوبتهم عن ذلك.

فأما الجمهور فقالوا: لا شك أن المنطوق مقدم على المفهوم، وقد وردت أحاديث عامة في إقامة الحد على الإماء، فقدمناها على مفهوم الآية.

فمن ذلك ما رواه مسلم في صحيحه عن علي - رضي الله عنه - أنه خطب فقال يا أيها الناس! أقيموا على أرقائكم الحد، من أحصن منهن ومن لم يحصن فإن أمة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - زنت فأمرني أن أجلدها، فإذا هي حديث عهد بنفاس، فخشيت إن أنا جلدتها أن أقتلها [ ص: 1197 ] فذكرت ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: أحسنت، اتركها حتى تماثل .

وعند عبد الله بن أحمد عن غير أبيه: فإذا تعافت من نفاسها فاجلدها خمسين .

وعن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: إذا زنت أمة أحدكم فتبين زناها فليجلدها الحد ولا يثرب عليها، ثم إن زنت الثانية فليجلدها الحد ولا يثرب عليها، ثم إن زنت الثالثة فتبين زناها فليبعها ولو بحبل من شعر .

ولمسلم: إذا زنت ثلاثا، ثم ليبعها في الرابعة .

وروى مالك عن عبد الله بن عياش المخزومي قال: أمرني عمر بن الخطاب في فتية من قريش فجلدنا ولائد من ولائد الإمارة خمسين خمسين، في الزنا.

الجواب الثاني: جواب من ذهب إلى أن الأمة إذا زنت ولم تحصن فلا حد عليها وإنما تضرب تأديبا، وهو المحكي عن ابن عباس - رضي الله عنه - وإليه ذهب طاوس ، وسعيد بن جبير ، وأبو عبيد القاسم بن سلام ، وداود بن علي الظاهري (في رواية عنه) وعمدتهم مفهوم الآية، وهو من مفاهيم الشرط، وهو حجة عند أكثرهم، فقدم على العموم عندهم.

وحديث أبي هريرة وزيد بن خالد : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سئل عن الأمة إذا زنت ولم تحصن؟ قال: إن زنت فاجلدوها، ثم إن زنت فاجلدوها، ثم إن زنت فبيعوها ولو بضفير .

قال ابن شهاب : لا أدري بعد الثالثة أو الرابعة، أخرجاه في الصحيحين.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 36.23 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 35.60 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.73%)]