عرض مشاركة واحدة
  #208  
قديم 07-07-2022, 12:06 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,965
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله



تفسير "محاسن التأويل"

محمد جمال الدين القاسمي
سُورَةُ النِّسَاءِ
المجلد الخامس
صـ 1184 الى صـ 1190
الحلقة (208)



والجمهور على أن بيع الأمة ليس طلاقا لها، واحتجوا بحديث بريرة المخرج في الصحيحين وغيرهما، فإن عائشة أم المؤمنين اشترتها وأعتقتها ولم ينفسخ نكاحها من زوجها مغيث، بل خيرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين الفسخ والبقاء، فاختارت الفسخ، وقصتها مشهورة، فلو كان [ ص: 1184 ] بيع الأمة طلاقها لما خيرت، وتخييرها دال على أن المراد من الآية المسبيات فقط، وبالجملة فالجمهور قصروا الآية على السبب الذي نزلت فيه.

قال الرازي : وهو يرجع إلى تخصيص عموم القرآن بخبر الواحد، أي: وهو مقبول ومعمول به في غيرما موضع، كنصاب السرقة، وفي التنبيه الآتي زيادة لهذا فتأثره.

فائدة:

اتفق القراء على فتح الصاد في: " المحصنات : هنا، ويقرأ بالفتح والكسر في غير هذا الموضع، وكلاهما مشهور، فالفتح على أنهن أحصن بالأزواج أو بالإسلام، والكسر على أنهن أحصن فروجهن أو أزواجهن، واشتقاق الكلمة من الإحصان وهو المنع.

كتاب الله مصدر مؤكد، أي: كتب الله عليكم تحريم هؤلاء كتابا وفرضه فرضا، فالزموا كتابه ولا تخرجوا عن حدوده وشرعه وأحل لكم عطف على: حرمت عليكم ما وراء ذلكم إشارة إلى ما ذكر من المحرمات المعدودة، أي: أحل لكم نكاح ما سواهن.

أن تبتغوا مفعول له، أي: أحل لكم إرادة أن تبتغوا، أو بدل من (ما) أي: ابتغاء النساء بأموالكم أي: بصرفها إلى مهورهن محصنين حال من فاعل (تبتغوا) والإحصان: العفة، وتحصين النفس عن الوقوع فيما يوجب اللوم غير مسافحين غير زانين، والسفاح الزنى والفجور، من السفح وهو الصب؛ لأنه لا غرض للزاني إلا سفح النطفة، وكان أهل الجاهلية إذا خطب الرجل المرأة، قال: انكحيني، فإذا أراد الزنى قال: سافحيني.

قال الزجاج : المسافحة أن تقيم امرأة مع رجل على الفجور من غير تزويج صحيح.
تنبيه:

قوله تعالى: وأحل لكم ما وراء ذلكم عام مخصوص بمحرمات أخر دلت عليها دلائل أخر، فمن ذلك، ما صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من النهي عن الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها ، وقد حكى الترمذي المنع من ذلك عن كافة أهل العلم، وقال: لا نعلم بينهم اختلافا [ ص: 1185 ] في ذلك.

ومن ذلك نكاح المعتدة ، ومن ذلك أن من كان في نكاحه حرة لا يجوز له نكاح الأمة ، ومن ذلك القادر على الحرة لا يجوز له نكاح الأمة، ومن ذلك من عنده أربع زوجات لا يجوز له نكاح خامسة، ومن ذلك الملاعنة فإنها محرمة على الملاعن أبدا، فالآية مما نزل عاما ودلت السنة ومواضع من التنزيل على أنها مخصصة بغيرها.

قال الإمام الشافعي في "الرسالة":

[244] فرض الله عز وجل على الناس اتباع وحيه وسنن رسوله، صلى الله عليه وسلم.

[245] فقال في كتابه: ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم

[250] وقال: وأنـزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما

في آيات نظائرها.

قال الشافعي :

[252] فذكر الله عز وجل الكتاب وهو القرآن: وذكر الحكمة، فسمعت من أرضى من أهل العلم بالقرآن يقول: الحكمة سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

[253] وهذا يشبه ما قال، والله أعلم.

[254] لأن القرآن ذكر وأتبعته الحكمة، وذكر الله جل ثناؤه منه على خلقه بتعليمهم الكتاب والحكمة، فلم يجز - والله أعلم - أن يقال: الحكمة ههنا إلا سنة رسول الله، صلى الله عليه وسلم.

[255] وذلك أنها مقرونة مع كتاب الله، وأن الله افترض طاعة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وحتم على الناس اتباع أمره - فلا يجوز أن يقال لقول: فرض، إلا لكتاب الله ثم سنة رسوله، صلى الله عليه وسلم.

[256] لما وصفنا من أن الله تعالى جل ثناؤه جعل الإيمان برسوله - صلى الله عليه وسلم - مقرونا بالإيمان به.

[ ص: 1186 ] [257] وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مبينة عن الله عز وجل معنى ما أراد دليلا على خاصه وعامه، ثم قرن الحكمة بها بكتابه، فأتبعها إياه، ولم يجعل هذا لأحد من خلقه غير رسوله - صلى الله عليه وسلم - انتهى.

وإنما أوردنا هذا؛ تزييفا لزعم الخوارج أن حديث: لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها المروي في الصحيحين وغيرهما خبر واحد، وتخصيص عموم القرآن بخبر الواحد لا يجوز، كما نقله عنهم الرازي ، وأورد من حججهم أن عموم الكتاب مقطوع المتن ظاهر الدلالة، وخبر الواحد مظنون المتن ظاهر الدلالة، فكان خبر الواحد أضعف من عموم القرآن، فترجيحه عليه بمقتضى تقديم الأضعف على الأقوى، وأنه لا يجوز، انتهى.

وقد توسع الرازي هنا في الجواب عن شبهتهم، ومما قيل فيه: إن تحريم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها مأخوذ من قوله تعالى: وأن تجمعوا بين الأختين

قال العلامة أبو السعود : ويشترك في هذا الحكم الجمع بين المرأة وعمتها ونظائرها، فإن مدار حرمة الجمع بين الأختين إفضاؤه إلى قطع ما أمر الله بوصله، وذلك متحقق في الجمع بين هؤلاء، بل أولى؛ فإن العمة والخالة بمنزلة الأم، فقوله صلى الله عليه وسلم: لا تنكح المرأة ... إلخ من قبيل بيان التفسير لا بيان التغيير، وقيل: هو مشهور يجوز به الزيادة على الكتاب.

وقال أيضا: ولعل إيثار اسم الإشارة (يعني في قوله: ما وراء ذلكم ) المتعرض لوصف المشار إليه وعنوانه على الضمير المتعرض للذات فقط - لتذكير ما في كل واحدة منهن من العنوان الذي عليه يدور حكم الحرمة، فيفهم مشاركة من في معناهن لهن فيها بطريقة الدلالة، فإن حرمة الجمع بين المرأة وعمتها، وبينها وبين خالتها ليست بطريق العبارة، بل بطريق الدلالة، كما سلف، انتهى.

[ ص: 1187 ] وفي "تنوير الاقتباس": ويقال في قوله تعالى: أن تبتغوا بأموالكم أن تطلبوا بأموالكم تزوجهن وهي المتعة، وقد نسخت الآن، انتهى، وسيأتي الكلام على ذلك.

فما استمتعتم به منهن أي: من تمتعتم به من المنكوحات بالجماع فآتوهن فأعطوهن أجورهن مهورهن كاملة فريضة أي: من الله عليكم أن تعطوا المهر تاما، و: فريضة حال من الأجور، بمعنى مفروضة، أو نعت لمصدر محذوف، أي: إيتاء مفروضا، أو مصدر مؤكد أي: فرض ذلك فريضة.

ولا جناح عليكم لا حرج عليكم فيما تراضيتم به أنتم وهن من بعد الفريضة أي: من حطها أو بعضها أو زيادة عليها بالتراضي إن الله كان عليما حكيما فيما شرع من الأحكام.
تنبيه:

حمل قوم الآية على نكاح المتعة ، قالوا: معنى قوله تعالى: فما استمتعتم به منهن أي: فمن جامعتموهن ممن نكحتموهن نكاح المتعة فآتوهن أجورهن.

قال الحافظ ابن كثير : وقد استدل بعموم هذه الآية على نكاح المتعة، ولا شك أنه كان مشروعا في ابتداء الإسلام ثم نسخ بعد ذلك.

وقد روي عن ابن عباس وطائفة من الصحابة القول بإباحتها للضرورة، وهو رواية عن الإمام أحمد ، وكان ابن عباس وأبي بن كعب وسعيد بن جبير والسدي يقرءون: (فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فآتوهن أجورهن فريضة) وقال مجاهد : نزلت في نكاح المتعة.

ولكن الجمهور على خلاف ذلك، والعمدة ما ثبت في الصحيحين عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن نكاح المتعة وعن لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر .

وفي صحيح مسلم [ ص: 1188 ] عن الربيع بن سبرة الجهني ، عن أبيه أنه كان مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا أيها الناس! إني كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء، وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة، فمن كان عنده منهن شيء فليخل سبيله، ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئا انتهى.

وفي "الكشاف": قيل: نزلت هذه الآية في المتعة، كان الرجل ينكح المرأة وقتا معلوما، ليلة أو ليلتين أو أسبوعا، بثبوت أو غير ذلك، ويقضي منها وطره ثم يسرحها، وسميت متعة لاستمتاعه بها، أو لتمتيعه لها بما يعطيها.

وقال الخفاجي : روي أن سعيد بن جبير قال لابن عباس رضي الله عنهما: أتدري ما صنعت بفتواك؟ قال: سارت بها الركبان وقيل فيها الشعر، كقوله:


قد قلت للشيخ لما طال مجلسه يا صاح هل لك في فتيا ابن عباس؟ هل لك في رخصة الأطراف آنسة
تكون مثواك حتى مصدر الناس؟


فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، والله! ما بهذا أفتيت ولا أحللت إلا مثل ما أحل الله الميتة والدم.

وقال الإمام شمس الدين بن القيم رضوان الله عليه في: "زاد المعاد" في الكلام على ما في غزوة الفتح من الفقه، ما نصه: ومما وقع في هذه الغزوة إباحة متعة النساء، ثم حرمها - صلى الله عليه وسلم - قبل خروجه من مكة ، واختلف في الوقت الذي حرمت فيه المتعة على أربعة أقوال:

أحدها: أنه يوم خيبر، وهذا قول طائفة من العلماء، منهم الشافعي وغيره.

والثاني: أنه عام فتح مكة ، وهذا قول ابن عيينة وطائفة.

والثالث: أنه عام حنين، وهذا في الحقيقة هو القول الثاني، لاتصال غزاة حنين بالفتح.

والرابع: أنه عام حجة الوداع، وهو وهم من بعض الرواة، سافر فيه وهمه من فتح مكة إلى حجة الوداع، وسفر الوهم من زمان إلى زمان، ومن مكان إلى مكان، ومن واقعة إلى واقعة - كثيرا ما يعرض للحفاظ فمن [ ص: 1189 ] دونهم.

والصحيح: أن المتعة إنما حرمت عام الفتح؛ لأنه قد ثبت في "صحيح مسلم " أنهم استمتعوا عام الفتح مع النبي - صلى الله عليه وسلم – بإذنه ، ولو كان التحريم زمن خيبر لزم النسخ مرتين، وهذا لا عهد بمثله في الشريعة البتة، ولا يقع مثله فيها.

وأيضا: فإن خيبر لم يكن فيها مسلمات، وإنما كن يهوديات، وإباحة نساء أهل الكتاب لم تكن ثبتت بعد، إنما أبحن بعد ذلك في سورة المائدة بقوله: اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم [المائدة: 5] وهذا متصل بقوله: اليوم أكملت لكم دينكم [المائدة: 3] وبقوله: اليوم يئس الذين كفروا من دينكم [المائدة: 3] وهذا كان في آخر الأمر بعد حجة الوداع، أو فيها، فلم تكن إباحة نساء أهل الكتاب ثابتة من خيبر، ولا كان للمسلمين رغبة في الاستمتاع بنساء عدوهم قبل الفتح، وبعد الفتح استرق من استرق منهن [ ص: 1190 ] وصرن إماء للمسلمين.

فإن قيل: فما تصنعون بما ثبت في"الصحيحين" من حديث علي بن أبي طالب : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن متعة النساء يوم خيبر، وعن أكل لحوم الحمر الإنسية وهذا صحيح صريح؟

قيل: هذا الحديث قد صحت روايته بلفظين: هذا أحدهما.

والثاني: الاقتصار على نهي النبي - صلى الله عليه وسلم - عن نكاح المتعة، وعن لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر، هذه رواية ابن عيينة عن الزهري .

قال قاسم بن أصبغ : قال سفيان بن عيينة : يعني أنه نهى عن لحوم الحمر الأهلية زمن خيبر، لا عن نكاح المتعة، ذكره أبو عمر في: "التمهيد": ثم قال: على هذا أكثر الناس، انتهى.

فتوهم بعض الرواة أن (يوم خيبر) ظرف لتحريمهن، فرواه: حرم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المتعة زمن خيبر، والحمر الأهلية واقتصر بعضهم على رواية بعض الحديث، فقال: حرم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المتعة زمن خيبر فجاء بالغلط البين.

فإن قيل: فأي فائدة في الجمع بين التحريمين، إذا لم يكونا قد وقعا في وقت واحد، وأين المتعة من تحريم الحمر؟ قيل: هذا الحديث رواه علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - محتجا به على ابن عمه عبد الله بن عباس في المسألتين، فإنه كان يبيح المتعة ولحوم الحمر، فناظره علي بن أبي طالب في المسألتين، وروى له التحريمين، وقيد تحريم الحمر بزمن خيبر، وأطلق تحريم المتعة وقال: إنك امرؤ تائه، إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حرم المتعة، وحرم لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر ، كما قاله سفيان بن عيينة ، وعليه أكثر الناس، فروى الأمرين محتجا عليه بهما، لا مقيدا لهما بيوم خيبر.... والله الموفق.

ولكن ههنا نظر آخر، وهو أنه: هل حرمها تحريم الفواحش التي لا تباح بحال، أو حرمها عند الاستغناء عنها، وأباحها للمضطر؟ هذا هو الذي نظر فيه ابن عباس وقال: أنا أبحتها للمضطر كالميتة والدم، فلما توسع فيها من توسع، ولم يقف عند الضرورة، أمسك ابن عباس عن الإفتاء بحلها، ورجع عنه، وقد كان ابن مسعود يرى إباحتها ويقرأ: يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم [المائدة: 87].

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 36.31 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 35.68 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.73%)]