
07-07-2022, 12:05 AM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 167,001
الدولة :
|
|
رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله

تفسير "محاسن التأويل"
محمد جمال الدين القاسمي
سُورَةُ النِّسَاءِ
المجلد الخامس
صـ 1170 الى صـ 1176
الحلقة (206)
فالقائل بالنسخ فاته سر الحكمين، وليت شعري ماذا يقول في الحديث المروي في البخاري وغيره، وهو قوله - صلى الله عليه وسلم - لامرأة [ ص: 1170 ] ثابت: أتردين عليه حديقته! فقالت: نعم، فقال - صلى الله عليه وسلم - لزوجها: اقبل الحديقة وطلقها .
ولا يقال: لعل القائل بنسخ الخلع اعتمد فيه قوله تعالى: وكيف تأخذونه إلخ، وفيه ما فيه من تهويل الأخذ والتنفير عنه كما أسلفنا، لأنا نقول إن دلائل الأحكام الناسخة أو المنسوخة إنما تؤخذ من الجمل التامة في الأصلين، فلا تؤخذ من شرط بلا جوابه مثلا، وبالعكس، ولا من مبتدأ بدون خبره وبالعكس، ولا من مؤكد بدون مؤكده، وهكذا.
وما نحن فيه لو أخذ عموم تحريم الأخذ من قوله: وكيف تأخذونه لكان الاستدلال من المؤكد بدون ملاحظة مؤكده، وهذا ساقط؛ لأن قوله: وكيف - تنفير عما تقدم، متعلق به، وما قبله خاص، ولو زعم القائل بالنسخ أن قوله: وإن أردتم استبدال زوج عام في المخلوعة ومن أريد طلاقها - نقول: هذا باطل وفاسد؛ لأن مورد الآية في إرادته هو فراقها مبتدئا، فلا يصدق على المختلعة؛ لأنه لا يراد الاستبدال بغيرها ابتداء من جانب الزوج، وبالجملة فكل من قرأ صدر الآيتين على أن كلا في حكم على حدة، لا تعلق فيها له بالآخر، والنسخ لا يصار إليه بالرأي، وقد كثر في المتأخرين دعوى النسخ في الآيات هكذا بلا استناد قوي، بل لما يتراءى ظاهرا بلا إمعان، فتثبت هذا.
وفي الصحيحين أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال للمتلاعنين، بعد فراغهما من تلاعنهما: الله يعلم أن أحدكما كاذب، فهل منكما تائب؟ - قالها ثلاثا - فقال الرجل: يا رسول الله: مالي؟ [ ص: 1171 ] يعني ما أصدقها، قال: لا مال لك، إن كنت صدقت فهو بما استحللت من فرجها، وإن كنت كذبت عليها فهو أبعد لك منها .
وفي سنن أبي داود وغيره، عن بصرة بن أكثم : أنه تزوج امرأة بكرا في خدرها، فإذا هي حامل من الزنى، فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكر ذلك له: فقضى لها بالصداق وفرق بينهما، وأمر بجلدها، وقال: الولد عبد لك، والصداق في مقابلة البضع .
ثم بين تعالى من يحرم نكاحهن من النساء ومن لا يحرم ، فقال سبحانه:
[ ص: 1172 ] القول في تأويل قوله تعالى:
ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا [22]
ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء بنكاح أو ملك يمين، وإن لم يكن أمهاتكم إلا ما قد سلف أي: سوى ما قد مضى في الجاهلية فإنه معفو لكم ولا تؤاخذون به إنه كان فاحشة أي: خصلة قبيحة جدا؛ لأنه يشبه نكاح الأمهات ومقتا أي: بغضا عند الله وعند ذوي المروآت، ولذا كانت العرب تسمي هذا النكاح: نكاح المقت ، وتسمي ذلك المتزوج، مقيتا، قاله ابن سيده.
وقال الزجاج : المقت أشد البغض، ولما علموا أن ذلك في الجاهلية كان يقال له المقت أعلموا أنه لم يزل منكرا ممقوتا وساء سبيلا أي: بئس مسلكا، إذ فيه هتك حرمة الأب.
وقد روى ابن أبي حاتم : أنه لما توفي أبو قيس بن الأسلت ، وكان من صالحي الأنصار، فخطب ابنه قيس امرأته، فقالت: إنما أعدك ولدا، وأنت من صالحي قومك، ولكني آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: إن أبا قيس توفي، فقال: خيرا ثم قالت: إن ابنه قيسا خطبني وهو من صالحي قومه، وإنما كنت أعده ولدا، فما ترى؟ فقال لها: ارجعي إلى بيتك، فنزلت: ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم الآية.
وروى ابن جرير ، عن ابن عباس قال: كان أهل الجاهلية يحرمون ما يحرم إلا امرأة الأب والجمع بين الأختين، فأنزل الله: ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف وأن تجمعوا بين الأختين [النساء: من الآية 23].
لطيفة:
قال الرازي : مراتب القبح ثلاثة : القبح في العقول وفي الشرائع وفي العادات، فقوله تعالى: إنه كان فاحشة إشارة إلى القبح العقلي، وقوله: ومقتا إشارة إلى القبح الشرعي [ ص: 1173 ] وقوله: وساء سبيلا إشارة إلى القبح في العرف والعادة، ومتى اجتمعت فيه هذه الوجوه فقد بلغ الغاية في القبح، والله أعلم.
قال ابن كثير : فمن تعاطاه بعد هذا فقد ارتد عن دينه فيقتل ويصير ماله فيئا لبيت المال.
كما رواه الإمام أحمد وأهل السنن، من طرق، عن البراء بن عازب - وفي رواية عن عمه - أنه بعثه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى رجل تزوج امرأة أبيه من بعده أن يقتله ويأخذ ماله.
القول في تأويل قوله تعالى:
حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف إن الله كان غفورا رحيما [23]
حرمت عليكم أمهاتكم من النسب أن تنكحوهن، وشملت الجدات من قبل [ ص: 1174 ] الأب أو الأم وبناتكم من النسب، وشملت بنات الأولاد وإن سفلن وأخواتكم من أم أو أب أو منهما وعماتكم أي: أخوات آبائكم وأجدادكم وخالاتكم أي: أخوات أمهاتكم وجداتكم وبنات الأخ من النسب، من أي وجه يكن وبنات الأخت من النسب من أي وجه يكن، ويدخل في البنات أولادهن وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم قال المهايمي : لأن الرضاع جزء منها وقد صار جزءا من الرضيع، فصار كأنه جزؤها فأشبهت أصله، انتهى.
ويعتبر في الإرضاع أمران:
أحدهما: القدر الذي يتحقق به هذا المعنى، وقد ورد تقييد مطلقه وبيان مجمله في السنة بخمس رضعات، لحديث عائشة عند مسلم وغيره: كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن، ثم نسخن بخمس معلومات، فتوفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهن فيما يقرأ من القرآن.
والثاني: أن يكون الرضاع في أول قيام الهيكل وتشبح صورة الولد، وذلك قبل الفطام، وإلا فهو غذاء بمنزلة سائر الأغذية الكائنة بعد التشبح وقيام الهيكل، كالشاب يأكل الخبز.
عن أم سلمة قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الأمعاء وكان قبل الفطام رواه الترمذي وصححه، والحاكم أيضا.
وأخرج سعيد بن منصور والدارقطني والبيهقي ، عن ابن عباس مرفوعا: لا رضاع إلا ما كان في الحولين وصحح البيهقي وقفه.
قال السيوطي في: "الإكليل": واستدل بعموم الآية من حرم برضاع الكبير ، انتهى.
وقد ورد الرخصة فيه [ ص: 1175 ] لحاجة تعرض، روى مسلم وغيره عن زينب بنت أم سلمة قالت: قالت أم سلمة لعائشة : إنه يدخل عليك الغلام الأيفع الذي ما أحب أن يدخل علي، فقالت عائشة : أما لك في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسوة؟! وقالت: إن امرأة أبي حذيفة قالت: يا رسول الله! إن سالما يدخل علي وهو رجل، وفي نفس أبي حذيفة منه شيء، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أرضعيه حتى يدخل عليك وأخرج نحوه البخاري من حديث عائشة أيضا.
وقد روى هذا الحديث من الصحابة: أمهات المؤمنين، وسهلة بنت سهيل ، وزينب بنت أم سلمة ، ورواه من التابعين جماعة كثيرة، ثم رواه عنهم الجمع الجم.
وقد ذهب إلى ذلك علي ، وعائشة ، وعروة بن الزبير ، وعطاء بن أبي رباح ، والليث بن سعد ، وابن علية ، وداود الظاهري، وابن حزم ، وذهب الجمهور إلى خلاف ذلك.
قال ابن القيم : أخذ طائفة من السلف بهذه الفتوى منهم عائشة ، ولم يأخذ بها أكثر أهل العلم، وقدموا عليها أحاديث توقيت الرضاع المحرم بما قبل الفطام، وبالصغر، وبالحولين لوجوه:
أحدها: كثرتها وانفراد حديث سالم .
الثاني: أن جميع أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - سوى عائشة - رضي الله عنهن - في شق المنع.
الثالث: أنه أحوط.
الرابع: أن رضاع الكبير لا ينبت لحما ولا ينشر عظما، فلا تحصل به البعضية التي هي سبب التحريم.
الخامس: أنه يحتمل أن هذا كان مختصا بسالم وحده، ولهذا لم يجئ ذلك إلا في قصته.
السادس: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل على عائشة وعندها رجل قاعد، فاشتد ذلك عليه وغضب، فقالت: إنه أخي من الرضاعة، فقال: انظرن إخوتكن من الرضاعة، فإنما الرضاعة من المجاعة متفق عليه، واللفظ لمسلم .
[ ص: 1176 ] وفي قصة سالم مسلك، وهو أن هذا كان موضع حاجة; فإن سالما كان قد تبناه أبو حذيفة ورباه، ولم يكن له منه ومن الدخول على أهله بد، فإذا دعت الحاجة إلى مثل ذلك فالقول به مما يسوغ فيه الاجتهاد، ولعل هذا المسلك أقوى المسالك، وإليه كان شيخنا يجنح، انتهى.
يعني تقي الدين بن تيمية ، رضي الله عنهما.
وأخواتكم من الرضاعة قال الرازي : إنه تعالى نص في هذه الآية على حرمة الأمهات والأخوات من جهة الرضاعة، إلا أن الحرمة غير مقصورة عليهن؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - قال: يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب .
وإنما عرفنا أن الأمر كذلك بدلالة هذه الآيات، وذلك لأنه تعالى لما سمى المرضعة أما، والمرضعة أختا، فقد نبه بذلك على أنه تعالى أجرى الرضاع مجرى النسب، وذلك لأنه تعالى حرم بسبب النسب سبعا:
اثنتان منها هما المنتسبتان بطريق الولادة، وهما الأمهات والبنات.
وخمس منها بطريق الأخوة، وهن الأخوات والعمات والخالات وبنات الأخ وبنات الأخت، ثم إنه تعالى لما شرع بعد ذلك في أحوال الرضاع ذكر من هذين القسمين صورة واحدة تنبيها بها على الباقي، فذكر من قسم قرابة الولادة الأمهات، ومن قسم قرابة الأخوة الأخوات، ونبه بذكر هذين المثالين - من هذين القسمين - على أن الحال في باب الرضاع كالحال في النسب، ثم إنه - صلى الله عليه وسلم - أكد هذا البيان بصريح قوله: يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب فصار صريح الحديث مطابقا لمفهوم الآية، وهذا بيان لطيف. انتهى.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|