عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 07-07-2022, 12:04 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,830
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله



تفسير "محاسن التأويل"

محمد جمال الدين القاسمي
سُورَةُ النِّسَاءِ
المجلد الخامس
صـ 1163 الى صـ 1169
الحلقة (205)


ثم قال الغزالي :

الثالث: أن يزيد على احتمال الأذى بالمداعبة والمزح والملاعبة، فهي التي تطيب قلوب النساء، وقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمزح معهن وينزل إلى درجات عقولهن في الأعمال، حتى روي أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يسابق عائشة في العدو فسبقته يوما وسبقها في بعض الأيام، فقال - صلى الله عليه وسلم -: هذه بتلك .

قال العراقي : رواه أبو داود ، والنسائي في: "الكبرى" وابن ماجه في حديث عائشة بسند صحيح.

وقالت عائشة - رضي الله عنها -: سمعت أصوات أناس من الحبشة وغيرهم وهم يلعبون في يوم عيد، فقال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أتحبين أن تري لعبهم؟ قالت: قلت: نعم، فأرسل إليهم فجاؤوا، وقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين البابين، فوضع كفه على الباب ووضعت رأسي على منكبه، وجعلوا يلعبون وأنظر، وجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: حسبك! وأقول: لا تعجل (مرتين أو ثلاثا) ثم قال: يا عائشة ! حسبك، فقلت: نعم .

وفي رواية للبخاري قالت: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يسترني بردائه، وأنا أنظر إلى الحبشة يلعبون في المسجد، حتى أكون أنا الذي أسأم، فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن، الحريصة على اللهو.

وقال عمر - رضي الله عنه -: ينبغي للرجل أن يكون في أهله مثل الصبي، فإذا التمسوا ما عنده وجد رجلا.

وقال لقمان رحمه الله تعالى: ينبغي للعاقل أن يكون في أهله كالصبي، وإذا كان في القوم وجد رجلا.

[ ص: 1164 ] وقال - صلى الله عليه وسلم - لجابر : هلا بكرا تلاعبها وتلاعبك؟ رواه الشيخان.

ووصفت أعرابية زوجها وقد مات فقالت: والله! لقد كان ضحوكا إذا ولج، سكوتا إذا خرج، آكلا ما وجد، غير سائل عما فقد. انتهى بتصرف.

ثم نهى تعالى عن أخذ شيء من صداق النساء من أراد فراقهن، بقوله تعالى:
القول في تأويل قوله تعالى:

وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا [20]

وإن أردتم استبدال زوج أي: تزوج امرأة ترغبون فيها مكان زوج ترغبون عنها بأن تطلقوها وآتيتم إحداهن أي: إحدى الزوجات، فإن المراد بالزوج الجنس قنطارا أي: مالا كثيرا مهرا فلا تأخذوا منه شيئا أي: يسيرا، فضلا عن الكثير أتأخذونه بهتانا أي: باطلا وإثما مبينا بينا، والاستفهام للإنكار والتوبيخ، أي: أتأخذونه باهتين وآثمين.
[ ص: 1165 ] القول في تأويل قوله تعالى:

وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقا غليظا [21]

وكيف تأخذونه إنكار لأخذه إثر إنكار، وتنفير عنه غب تنفير، على سبيل التعجب، أي: بأي وجه تستحلون المهر.

وقد أفضى أي: وصل بعضكم إلى بعض فأخذ عوضه وأخذن منكم ميثاقا غليظا أي: عهدا وثيقا مؤكدا مزيد تأكيد، يعسر معه نقضه، كالثوب الغليظ يعسر شقه.

قال الزمخشري : الميثاق الغليظ حق الصحبة والمضاجعة، ووصفه بالغلظ لقوته وعظمه، فقد قالوا: صحبة عشرين يوما قرابة، فكيف بما جرى بين الزوجين من الاتحاد والامتزاج؟ انتهى.

قال الشهاب الخفاجي: قلت بل قالوا:


صحبة يوم نسب قريب وذمة يعرفها اللبيب


أو الميثاق الغليظ ما أوثق الله تعالى عليهم في شأنهم بقوله تعالى: فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان أو قول الولي عند العقد: أنكحتك على ما في كتاب الله: من إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان.

تنبيه في فوائد:

الأولى: في قوله تعالى: وآتيتم إحداهن قنطارا دليل على جواز الإصداق بالمال الجزيل .

وكان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - نهى عن كثرته ثم رجع عن ذلك.

كما روى الإمام أحمد عن أبي العجفاء السلمي قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول: ألا لا تغلوا [ ص: 1166 ] صدق النساء، ألا لا تغلوا صدق النساء، فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى عند الله كان أولاكم بها النبي - صلى الله عليه وسلم - ما أصدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - امرأة من نسائه، ولا أصدق امرأة من بناته أكثر من اثنتي عشرة أوقية، وإن الرجل ليبتلى بصدقة امرأته.

وقال مرة: وإن الرجل ليغلي بصدقة امرأته حتى تكون لها عداوة في نفسه، وحتى يقول: كلفت إليك عرق القربة، ورواه أهل السنن، وقال الترمذي : هذا حديث صحيح.

وروى أبو يعلى عن مسروق قال: ركب عمر بن الخطاب منبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قال: أيها الناس! ما إكثاركم في صدق النساء! وقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه والصدقات فيما بينهم أربعمائة درهم فما دون ذلك، ولو كان الإكثار في ذلك تقوى عند الله أو كرامة لم تسبقوهم إليها، فلأعرفن ما زاد رجل في صداق امرأة على أربعمائة درهم.

قال: ثم نزل، فاعترضته امرأة من قريش ، فقالت: يا أمير المؤمنين! نهيت الناس أن يزيدوا في مهر النساء على أربعمائة درهم، قال: نعم، فقالت: أما سمعت ما أنزل الله في القرآن؟ قال: وأي ذلك؟ قالت: أما سمعت الله يقول: وآتيتم إحداهن قنطارا الآية، قال: فقال: اللهم! غفرا، كل الناس أفقه من عمر ، ثم رجع فركب المنبر فقال: أيها الناس! إني كنت نهيتكم أن تزيدوا النساء في صدقاتهن على أربعمائة درهم، فمن شاء أن يعطي من ماله ما أحب.


قال أبو يعلى : وأظنه قال: فمن طابت نفسه فليفعل، إسناده جيد قوي، قاله ابن كثير .

وفي "الحجة البالغة" ما نصه: لم يضبط النبي - صلى الله عليه وسلم - المهر بحد لا يزيد ولا ينقص، إذ العادات في إظهار الاهتمام مختلفة، والرغبات لها مراتب شتى، ولهم في المشاحة طبقات، فلا يمكن تحديده عليهم، كما لا يمكن أن يضبط ثمن الأشياء المرغوبة بحد مخصوص، ولذلك قال: التمس ولو خاتما من حديد غير أنه سن في صداق أزواجه اثنتي عشرة أوقية ونشا، أي: نصفا. انتهى.

[ ص: 1167 ] وقد ورد ما يفيد الندب إلى تخفيفه وكراهة المغالاة فيه.

أخرج أبو داود والحاكم، وصححه، من حديث عقبة بن عامر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: خير الصداق أيسره .

وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة ، قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال له: إني تزوجت امرأة من الأنصار، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: هل نظرت إليها؟ فإن في عيون الأنصار شيئا قال: قد نظرت إليها، قال: على كم تزوجتها؟ قال: على أربع أواق، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: على أربع أواق؟ كأنما تنحتون الفضة من عرض هذا الجبل، ما عندنا ما نعطيك، ولكن عسى أن نبعثك في بعث تصيب منه قال: فبعث بعثا إلى بني عبس ، بعث ذلك الرجل فيهم.

الثانية: خص تعالى ذكر من آتى القنطار من المال بالنهي؛ تنبيها بالأعلى على الأدنى؛ لأنه إذا كان هذا على كثرة ما بذل لامرأته من الأموال منهيا عن استعادة شيء يسير حقير [ ص: 1168 ] منها، على هذا الوجه، كان من لم يبذل إلا الحقير منهيا عن استعادته بطريق الأولى.

ومعنى قوله: وآتيتم والله أعلم: وكنتم آتيتم، إذ إرادة الاستبدال - في ظاهر الأمر - واقعة بعد إيتاء المال واستقرار الزوجية، كذا في: "الانتصاف".

الثالثة: اتفقوا على أن المهر يستقر بالوطء ، واختلفوا في استقراره بالخلوة المجردة، ومنشأ ذلك: أن (أفضى) في قوله تعالى: وقد أفضى بعضكم إلى بعض يجوز حملها على الجماع كناية؛ جريا على قانون التنزيل من استعمال الكناية فيما يستحيى من ذكره، والخلوة لا يستحيى من ذكرها فلا تحتاج إلى كناية، ويجوز إبقاؤها على ظاهرها.

قال ابن الأعرابي : الإفضاء في الحقيقة الانتهاء، ومنه: وقد أفضى بعضكم إلى بعض أي: انتهى وآوى، هذا، والكناية أبلغ وأقرب في هذا المقام، ومما يرجحها أنه تعالى ذكر ذلك في معرض التعجب فقال: وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض، والتعجب إنما يتم إذا كان هذا الإفضاء سببا قويا في حصول الألفة والمحبة، وهو الجماع، لا مجرد الخلوة، فوجب حمل الإفضاء إليه، ذكره الرازي من وجوه.

ثم قال: وقوله تعالى: وكيف تأخذونه كلمة تعجب، أي: لأي وجه ولأي معنى تفعلون هذا؟ فإنها بذلت نفسها لك وجعلت ذاتها لذتك وتمتعك، وحصلت الألفة التامة والمودة الكاملة بينكما، فكيف يليق بالعاقل أن يسترد منها شيئا بذله لها بطيبة نفسه؟ إن هذا لا يليق بمن له طبع سليم وذوق مستقيم.

الرابعة: في: "الإكليل" استدل بهذه الآية من منع الخلع مطلقا، وقال: إنها ناسخة لآية البقرة.

وقال غيره: إن هذه الآية منسوخة بها.

وقال آخرون: لا ناسخ ولا منسوخ بل هي في الأخذ بغير طيب نفسها. انتهى.

[ ص: 1169 ] أقول: إن القول الثالث متعين؛ لأن كلا من آيتي البقرة وهذه في مورد خاص يعلم من مساق النظم الكريم، وذلك لأن قوله في البقرة: فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به [البقرة: من الآية 229] صريح في أن الزوجة إذا كرهت خلق زوجها أو خلقه أو نقص دينه أو خافت إثما بترك حقه، أبيح لها أن تفتدي منه وحل له أخذ الفداء مما آتاها، لقوله تعالى ثم: ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله فإن خفتم [البقرة: 229] إلخ.

والحكمة في حل الأخذ ظاهرة، وهي جبر الزوج مما لحقه من ضعة اختلاعها له وهيمنتها حينئذ عليه، واسترداد ما لو أخذ منه لكان في صورة المظلوم؛ لأنه لم يجنح للفراق ولا رغب فيه، فكان من العدل الإلهي أن لا يجمع عليه بين خسارتي التمتع والمال.

وأما هذه الآية فهي في حكم آخر، وهو ما إذا أراد استبدال زوجته لطموح بصره إلى غيرها من غير أن تفتدي منه، أو ترغب في خلع نفسها منه، فيضن بما آتاها ويأسف لأن تحوزه، وهو لا يريدها وليس لها في نفسه وقع، فعزم عليه أن لا يأخذ مما أصدقها شيئا قط بعد الإفضاء؛ لأنه لو أبيح له الأخذ حينئذ لكان ظلما واضحا؛ لأنه أخذ بلا جريرة منها، فكان في إبقاء ما في يدها مما آتاها جبر لما نابها من ألم الإعراض عنها واطراحها؛ رحمة منه تعالى وعدلا في القضيتين.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 33.69 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 33.07 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.86%)]