
04-07-2022, 04:24 AM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,004
الدولة :
|
|
الاضطرابات النفسية وعلاجها في القرآن الكريم
الاضطرابات النفسية وعلاجها في القرآن الكريم (2)
رحيل بهيج
أجمل تحية لك عزيزي القارئ مع وقفة جديدة في محطّة من محطّات "علم النّفس والقرآن". تحدّثنا في الحلقة السابقة عن اليأس والإحباط وكيف عالجهما القرآن، واليوم نواصل مشوارنا مع الحديث عن انفعال الغضب الذي يشكّل العارض المشترك في العديد من الاضطرابات النفسية. فما هو الغضب؟ وكيف يمكننا التحكّم به؟ وكيف تمّت معالجته في القرآن الكريم؟
عرّف ابن مسكويه الغضب فقال: "الغضب هو حركة النفس، يُحدث لها غليانُ دم القلب شهوةَ الانتقام". وعندما تشتدّ نار الغضب فإنّها تصمّ صاحبها عن كلّ موعظة ونصيحة. والغضب من الصفات التي نهى عنها النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكلنا يعرف قصة ذلك الأعرابي الذي جاء ليأخذ النصيحة من الرسول - صلى الله عليه وسلم - فأمره ألاّ يغضب، فقال: زدني، قال: "لا تغضب". فقال: زدني. قال: "لا تغضب"...
تؤكّد الأبحاث أنّ الغضب هو السّبب الرئيس في الكثير من أمراض القلب وضغط الدم والتوتر النفسي والوزن الزائد وضعف المناعة. ولكن كيف يعالج العلماء هذه المشكلة التي يعاني منها كل إنسان تقريباً؟ إنّهم يؤكّدون على أهميّة التأمل والاسترخاء، وعلى أهمية الابتعاد عن مصدر الغضب والانفعالات، وبعض الباحثين يرى أنّ علاج الغضب يكون بالتدرّب على: عدم الغضب!
ولكنّني وجدتُ كتابَ الله تعالى قد سبق هؤلاء العلماء إلى الحديث عن علاج هذه المشكلة. فكلّ إنسان يغضب تتسارع دقّاتُ قلبه ويزداد ضغطُ الدم لديه، ولذلك يؤكّد القرآن على أهمية أن تجعل قلبك مرتاحاً ومطمئناً، ولذلك يقول تعالى: ﴿ الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ [الرعد: 28].
الغضب الإيجابي!
تقول "دونا دوسون" المتخصصة في علم النفس: إن الغضبَ شيءٌ معقدٌ جداً. وسببه في أكثر الأحيان هو الخوف من الخسارة، أو الخوف من الإصابة، أو حتى الخوف من خيبة الأمل. إنّهم يعلّموننا أنّ الغضبَ عاطفةٌ سلبيةٌ، بينما هو في الواقع عاطفةٌ إيجابيةٌ ومفيدةٌ، ولكنّ الأمرَ يعتمد على الطريقة التي نعبّر بها عنه. فمن الأفضل أن نعبّرَ عن العواطف وألاّ نكبتها في أجسامنا وعقولنا.
كيف عالج النّبي - صلى الله عليه وسلم - غضب الأعرابي؟
كان النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يغضب إلاّ حين تُنتَهك حرمةٌ من حرمات الله، وهذا يضمن سلامةَ المجتمع وأمنه. ونذكر قصة ذلك الأعرابي الذي جاء غاضباً إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- قائلاً: يا محمّد أعطني ممّا أعطاك الله... فغضب أصحاب النبي غضباً شديداً وهمّوا بقتله، ولكن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لهم: "خلّوا بيني وبينه"، ثم أمر ذلك الأعرابي أن يأخذ ما يشاء من بيت المال، وعندها أدرك الأعرابي كرم محمّد -صلى الله عليه وسلم- وأنه ليس رجلاً عادياً بل هو نبيّ مُرسَل، فاعتذر للنبي -صلى الله عليه وسلم- وأعلن إسلامه... وهنا تأمّلوا معي كيف استغلّ النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا الموقف ليُعلّم أصحابه، انظروا إلى البرمجة الإيجابية في أسلوب خير البشر -صلى الله عليه وسلم-، يقول لهم: "لو تركتكم تقتلوه لمات كافراً". وما لبث هذا الأعرابي أن ذهب فجاء بقبيلته كلّها فأعلنت إسلامها!!!
الغضب والمغفرة:
يقول تعالى: ﴿ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ ﴾ [الشورى: 37]. فالمغفرة هي أفضل علاج للغضب، وأقول - عزيزي القارئ: هل فكَّرت يوماً أن تعالج انفعالاتك السلبية بأن تغفر لمن أساء إليك، وتعتبر أنّ الله سيرضى عنك ويعوّضك خيراً من الانتقام بالجنّة؟ وانظروا معي إلى هذا العلاج الرائع: ﴿ وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ ﴾ [الرعد: 22] [القصص: 54]! أليس ما جاء به القرآن قبل أربعة عشر قرناً هو ما ينادي به علماء النفس اليوم، وذلك عندما يقولون إنّ أفضل طريقة لعلاج الانفعالات والغضب أن تُفكّر بالجانب الإيجابي وتتسامح؟
آياتٌ كثيرةٌ تؤكّد هذه القاعدة، يقول تعالى: ﴿ وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ﴾ [فصلت: 34]. انظروا كيف يريد الله منّا أن نحوّل المشاعر السلبية إلى مشاعر إيجابيّة، وكيف تتحوّل العداوة إلى صداقة! هذه هي قواعد علم النفس الحديث، ولكنّهم يُسَمّونها بأسماء حديثة مثل: كيف تكسب الأصدقاء، أو كيف تكسب ثقة الآخرين، أو كيف تتحكّم بالذات... وغير ذلك، وجميع ذلك جاء في كتاب الله تعالى.
العلاج بالصّبر:
لقد أعطانا القرآن الحل وهو الصبر. ولكن الصبر من أجل ماذا؟ ولمن نصبر؟ وما هي المكافأة التي سنحصل عليها؟ وهل تستحق منّا أن نكبت الغضب والانفعالات؟ يقول تعالى: ﴿ وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ﴾ [الشورى: 40]. فهل هناك أجمل من هذه العبارة: ﴿ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ﴾! ماذا ستستفيد من غضبك؟ بالطبع لا شيء. ولكن البديل موجود، وهو الأجر من الله تعالى، هو سيعوضك عن كل شيء.
ولكن هل يكفي الصبر كعلاج ناجع؟ إذا ترافق الصّبر مع المغفرة سيكون العلاج فعّالاً جداً، ولذلك قال تعالى: ﴿ وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ ﴾ [الشورى: 43]. والرائع في هذه الآيات أنّ الله تعالى يُصوّر لنا النتيجة التي سنحصل عليها مُسبَقاً، مثلاً يقول تعالى: ﴿ وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً ﴾ [الإنسان: 12]. وأجمل شيء أنّ الله سيكون معك عندما تصبر على من أساء إليك، يقول تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ [البقرة: 153]. هذه الآيات تصوّر لنا النتائج الإيجابيّة للصبر، وهو ما يؤكّده علماء النفس عندما يقولون إنّ أسرع طريقة لعلاج الغضب أن تتصوّر النتائج السلبية للغضب، وتتصوّر النتائج الإيجابية فيما لو تسامحتَ ولم تغضب، ولذلك قال تعالى: ﴿ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [النساء: 25]. أحِبّتي الكِرام، هذا ما جاء به القرآن الكريم قبل 14 قرناً.
في أيّامنا هذه تتضمّن برامج إضعاف الغضب الأهداف الآتية:
1- تعلَّم كيفية إسعاد نفسك.
2- تعلّم الاسترخاء.
3- تعلّم تجاهل وتهميش مثيرات الغضب التّافه، وذلك بتبديل الأفكار المثيرة للتوتر، وإعادة تأطير الموقف المتوتّر.
4- تعلّم التّعبير عن الغضب بأسلوب حضاري ومُؤدَّب، وبالتأكيد ليس بأسلوب عدواني.
في المقالة القادمة سنتحدّث إن شاء الله تعالى عن الخوف والاكتئاب... وفي رعاية الله أترككم حتى نلتقي في العدد القادم بإذن الله.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|