عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 02-07-2022, 10:39 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,420
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ



بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن
صَاحِبِ الْفَضِيلَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
المجلد الرابع
الحلقة (313)
سُورَةُ الْحَجِّ
صـ 278 إلى صـ 284



قال مقيده - عفا الله عنه وغفر له - : اعلم أن اختلاف الأئمة في هذه المسألة من قبيل الاختلاف في تحقيق المناط ; لأن مناط الأمر بالصلاة عليه هو أن يعلم أنه تقدمت له حياة . ومناط عدم الصلاة عليه هو أن يعلم أنه لم تتقدم له حياة ، فمالك ومن وافقه رأوا أنه إن استهل صارخا ، أو طالت مدته حيا ، علم بذلك أنه مات بعد حياة ، فيغسل ويصلى عليه ، وقالوا : إن مطلق الحركة لا يدل على الحياة ; لأن المذبوح قد يتحرك حركة قوية ، وقالوا : إنه إن رضع لم يدل ذلك على حياته . قالوا : قد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما طعنه عدو الله معدودا في الأموات لو مات له مورث في ذلك الوقت ما ورثه ، وهو قول ابن القاسم . ولو قتل رجل عمر في ذلك الوقت لما قتل به ; لأنه في حكم الميت ، وإن كان [ ص: 278 ] عمر في ذلك الوقت يتكلم ويعهد .

والذين خالفوا هؤلاء قالوا : لا نسلم ذلك فكل حركة قوية تدل على الحياة ، وعمر ما دام قادرا على الحركة القوية الدالة على الحياة ، فهو حي تجري عليه أحكام الحياة .

والذين قالوا : يغسل إن سقط بعد أربعة أشهر ، استندوا في ذلك إلى حديث ابن مسعود المتفق عليه الذي قدمناه في هذا المبحث نحو ما ساقه البخاري ومسلم ، فإنه يدل على أنه بعد الأربعين الثالثة ينفخ فيه الروح ، وانتهاء الأربعين الثالثة هو انتهاء أربعة أشهر ، فقد دل الحديث على نفخ الروح فيه بعد انتهاء الأشهر الأربعة ، ونفخ الروح فيه في ذلك الحين مشعر بأنه مات بعد حياة ، والعلم عند الله تعالى .
قوله تعالى : وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج . هذا برهان قاطع آخر على البعث : وقوله : وترى [ 22 \ 5 ] ؛ أي : يا نبي الله . وقيل : وترى أيها الإنسان المخاطب ، وهي رؤية بصرية تتعدى إلى مفعول واحد . فقوله : هامدة حال من الأرض ، لا مفعول ثان لـ " ترى " وقوله : " هامدة " أي : يابسة قاحلة لا نبات فيها .

وقال بعض أهل العلم : " هامدة " أي : دارسة الآثار من النبات والزرع . قالوا : وأصل الهمود الدروس والدثور . ومنه قول الأعشى ميمون بن قيس :


قالت قتيلة ما لجسمك شاحبا وأرى ثيابك باليات همدا


؛ أي : وأرى ثيابك باليات دارسات .

فإذا أنزلنا عليها الماء [ 22 \ 5 ] ؛ أي : سواء كان من المطر ، أو الأنهار أو العيون أو السواني : اهتزت ؛ أي : تحركت بالنبات . ولما كان النبات نابتا فيها متصلا بها ، كان اهتزازه كأنه اهتزازها ، فأطلق عليها بهذا الاعتبار أنها اهتزت بالنبات . وهذا أسلوب عربي معروف .

وقال أبو حيان في البحر المحيط : واهتزازها تخلخلها واضطراب بعض أجسامها لأجل خروج النبات ، وقوله : وربت ؛ أي : زادت وارتفعت : وقال بعض أهل العلم : وربت : انتفخت لأجل خروج النبات ، وقال ابن جرير الطبري : وربت ؛ أي : أضعفت النبات بمجيء الغيث .

قال مقيده - عفا الله عنه وغفر له - : أصل المادة التي منها ربت : الزيادة ، والظاهر [ ص: 279 ] أن معنى الزيادة الحاصلة في الأرض هي أن النبات لما كان نابتا فيها متصلا بها صار كأنه زيادة حصلت في نفس الأرض .

وقال الفخر الرازي في تفسير هذه الآية الكريمة : والاهتزاز : الحركة على سرور ، فلا يكاد يقال : اهتز فلان لكيت وكيت ، إلا إذا كان الأمر من المحاسن والمنافع . اهـ منه .

والاهتزاز أصله : شدة الحركة ، ومنه قوله :

تثنى إذا قامت وتهتز إن مشت كما اهتز غصن البان في ورق خضر

وقوله : وأنبتت ؛ أي : أنبت الله فيها من كل زوج ؛ أي : صنف من أصناف النبات والزرع ، والثمار : بهيج ؛ أي : حسن ، والبهجة : الحسن . ومنه قوله تعالى : فأنبتنا به حدائق ذات بهجة تقول : بهج بالضم بهاجة فهو بهيج : إذا كان حسنا ، وقرأ عامة السبعة : وربت ، وهو من قولهم : ربا يربو : إذا نما وزاد ، وقرأ من الثلاثة أبو جعفر يزيد بن القعقاع : وربأت بهمزة مفتوحة بعد الباء ؛ أي ارتفعت ، كأنه من الربيئة أو الربيئي ، وهو الرقيب الذي يعلو على شيء مشرف يحرس القوم ويحفظهم .

ومنه قول امرئ القيس :


بعثنا ربيئا قبل ذاك مخملا كذئب الغضا يمشي الضراء ويتقي


وما أشار إليه جل وعلا في هذه الآية الكريمة من أن إحياء الأرض بعد موتها برهان قاطع على قدرة من فعل ذلك على إحياء الناس بعد موتهم ; لأن الجميع إحياء بعد موت ، وإيجاد بعد عدم بينه في آيات كثيرة ، وقد قدمنا في سورة البقرة والنحل كثرة الاستدلال بهذا البرهان في القرآن على البعث ، وذكرنا الآيات الدالة على ذلك كقوله تعالى : ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت إن الذي أحياها لمحيي الموتى إنه على كل شيء قدير [ 41 \ 39 ] ، وقوله تعالى : ويحيي الأرض بعد موتها وكذلك تخرجون [ 30 \ 19 ] ؛ أي : من قبوركم أحياء بعد الموت ، وقوله تعالى : وأحيينا به بلدة ميتا كذلك الخروج [ 50 \ 11 ] ؛ أي : خروجكم من القبور أحياء بعد الموت ، وقوله تعالى : حتى إذا أقلت سحابا ثقالا سقناه لبلد ميت فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كل الثمرات كذلك نخرج الموتى لعلكم تذكرون [ 7 \ 57 ] ، وقوله : فانظر إلى آثار رحمة الله كيف يحيي الأرض بعد موتها إن ذلك لمحيي الموتى وهو على كل شيء قدير [ 30 \ 50 ] ، وقوله تعالى : فأحيينا به الأرض بعد موتها كذلك النشور [ ص: 280 ] [ 35 \ 9 ] ، وقوله تعالى : فأنشرنا به بلدة ميتا كذلك تخرجون [ 43 \ 11 ] ومن ذلك قوله هنا : وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت [ 22 \ 5 ] بدليل قوله بعده : ذلك بأن الله هو الحق وأنه يحيي الموتى إلى قوله : وأن الله يبعث من في القبور [ 22 \ 6 - 7 ] .
قوله تعالى : ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير ثاني عطفه ليضل عن سبيل الله له في الدنيا خزي ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق . قال بعض أهل العلم : الآية الأولى التي هي ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ويتبع كل شيطان مريد [ 22 \ 3 ] نازلة في الأتباع الجهلة الذين يجادلون بغير علم ، اتباعا لرؤسائهم ، من شياطين الإنس والجن ، وهذه الآية الأخيرة في الرؤساء الدعاة إلى الضلال المتبوعين في ذلك ، ويدل لهذا أنه قال في الأولى : ويتبع كل شيطان [ 22 \ 3 ] وقال في هذه : ثاني عطفه ليضل عن سبيل الله [ 22 \ 9 ] فتبين بذلك أنه مضل لغيره ، متبوع في الكفر والضلال ، على قراءة الجمهور بضم ياء " يضل " وأما على قراءة ابن كثير ، وأبي عمرو بفتح الياء ، فليس في الآية دليل على ذلك ، وقد قدمنا معنى جدال الكفرة في الله بغير علم ، فأغنى عن إعادته هنا .

وقال بعض العلماء في قوله في هذه الآية الكريمة : بغير علم [ 22 \ 8 ] ؛ أي : بدون علم ضروري ، حاصل لهم بما يجادلون به ولا هدى ؛ أي استدلال ونظر عقلي ، يهتدي به العقل للصواب ولا كتاب منير ؛ أي : وحي نير واضح ، يعلم به ما يجادل به ، فليس عنده علم ضروري ولا علم مكتسب بالنظر الصحيح العقلي ، ولا علم من وحي ، فهو جاهل محض من جميع الجهات ، وقوله : ثاني عطفه [ 22 \ 9 ] حال من ضمير الفاعل المستكن في : يجادل ؛ أي : يخاصم بالباطل في حال كونه ثاني عطفه ؛ أي : لاوي عنقه عن قبول الحق استكبارا وإعراضا . فقوله : ( ثاني ) اسم فاعل ثنى الشيء : إذا لواه ، وأصل العطف : الجانب ، وعطفا الرجل : جانباه من لدن رأسه إلى وركيه ، تقول العرب : ثنى فلان عنك عطفه ، تعني أعرض عنك . وإنما عبر العلماء هنا بالعنق فقالوا : ثاني عطفه : لاوي عنقه ، مع أن العطف يشمل العنق وغيرها ; لأن أول ما يظهر فيه الصدود عنق الإنسان ، يلويها ويصرف وجهه عن الشيء بليها . والمفسرون يقولون : إن اللام في قوله : ليضل عن سبيل الله [ 22 \ 9 ] ونحوها من الآيات مما لم تظهر فيه [ ص: 281 ] العلة الغائية ، كقوله : فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا . ونحو ذلك - لام العاقبة ، والبلاغيون يزعمون أن في ذلك استعارة تبعية ، في معنى الحرف . وقد وعدنا بإيضاح ذلك في سورة القصص .

ونقول هنا : إن الظاهر في ذلك أن الصواب فيه غير ما ذكروا ، وأن اللام في الجميع لام التعليل ، والمعنى واضح لا إشكال فيه كما نبه عليه الحافظ ابن كثير رحمه الله في مواضع من تفسيره .

وإيضاح ذلك : أن الله هو الذي قدر على الكافر في أزله أن يجادل في الله بغير علم في حال كونه لاوي عنقه إعراضا عن الحق ، واستكبارا . وقد قدر عليه ذلك ليجعله ضالا مضلا . وله الحكمة البالغة في ذلك ، كقوله : إنا جعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه ؛ أي : لئلا يفقهوه . وكذلك فالتقطه آل فرعون الآية [ 28 \ 8 ] ؛ أي : قدر الله عليهم أن يلتقطوه ; لأجل أن يجعله لهم عدوا وحزنا . وهذا واضح لا إشكال فيه كما ترى . وما ذكره جل وعلا في هذه الآية من إعراض بعض الكفار عن الحق واستكبارهم أوضحه في آيات أخر من كتاب الله ، كقوله تعالى : وإذا تتلى عليه آياتنا ولى مستكبرا كأن لم يسمعها [ 31 \ 7 ] ، وقوله تعالى : وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لووا رءوسهم ورأيتهم يصدون وهم مستكبرون [ 63 \ 5 ] ، وقوله تعالى : وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا [ 4 \ 61 ] ، وقوله تعالى عن لقمان في وصيته لابنه ولا تصعر خدك للناس الآية [ 31 \ 18 ] ؛ أي : لا تمل وجهك عنهم استكبارا عليهم . وقوله تعالى عن فرعون وفي موسى إذ أرسلناه إلى فرعون بسلطان مبين فتولى بركنه [ 51 \ 38 - 39 ] فقوله : فتولى بركنه بمعنى : ثنى عطفه . وقوله تعالى : وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه الآية [ 17 \ 83 ] إلى غير ذلك من الآيات .

وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة : له في الدنيا خزي [ 22 \ 9 ] ؛ أي : ذل وإهانة . وقد أذل الله الذين جادلوا في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير ; كأبي جهل بن هشام ، والنضر بن الحارث بالقتل يوم بدر .

ويفهم من هذه الآية الكريمة أن من ثنى عطفه استكبارا عن الحق وإعراضا عنه عامله [ ص: 282 ] الله بنقيض قصده فأذله وأهانه . وذلك الذل والإهانة نقيض ما كان يؤمله من الكبر والعظمة .

وهذا المفهوم من هذه الآية دلت عليه آيات أخر كقوله تعالى : إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه [ 40 \ 56 ] ، وقوله في إبليس لما استكبر فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها فاخرج إنك من الصاغرين [ 7 \ 13 ] والصغار : الذل والهوان ، عياذا بالله من ذلك ، كما قدمنا إيضاحه . وقوله : ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق [ 22 \ 9 ] ؛ أي : نحرقه بالنار ، ونذيقه ألم حرها يوم القيامة . وسمي يوم القيامة ; لأن الناس يقومون فيه له جل وعلا ، كما قال تعالى : ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم يوم يقوم الناس لرب العالمين [ 83 \ 4 - 6 ] .
قوله تعالى : ذلك بما قدمت يداك وأن الله ليس بظلام للعبيد المعنى : أن الكافر إذا أذيق يوم القيامة عذاب الحريق ، يقال له ذلك ؛ أي : هذا العذاب الذي نذيقكه بسبب ما قدمت يداك ؛ أي : قدمته في الدنيا من الكفر والمعاصي وأن الله ليس بظلام للعبيد [ 22 \ 10 ] فلا يظلم أحدا مثقال ذرة . وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما [ 4 \ 30 ] والظاهر أن المصدر المنسبك من " أن " وصلتها في قوله : وأن الله ليس بظلام للعبيد [ 22 \ 10 ] في محل خفض عطفا على ( ما ) المجرورة بالباء .

والمعنى : هذا العذاب الذي يذيقكه الله حصل لك بسببين ، وهما : ما قدمته يداك من عمل السوء من الكفر والمعاصي ، وعدالة من جازاك ذلك الجزاء الوفاق ، وعدم ظلمه . وقد أوضحنا فيما مضى إزالة الإشكال المعروف في نفي صيغة المبالغة ، في قوله : ليس بظلام فأغنى ذلك عن إعادته هنا .

وفي هذه الآية الكريمة ثلاثة أسئلة :

الأول : هو ما ذكرنا آنفا أنا أوضحنا الجواب عنه سابقا ، وهو : أن المعروف في علم العربية أن النفي إذا دخل على صيغة المبالغة ، لم يقتض نفي أصل الفعل .

فلو قلت : ليس زيد بظلام للناس ، فمعناه المعروف : أنه غير مبالغ في الظلم ، ولا ينافي ذلك حصول مطلق الظلم منه . وقد قدمنا إيضاح هذا .

[ ص: 283 ] والسؤال الثاني : أنه أسند كل ما قدم إلى يديه في قوله : بما قدمت يداك وكفره الذي هو أعظم ذنوبه ليس من فعل اليد ، وإنما هو من فعل القلب واللسان ، وإن كان بعض أنواع البطش باليد يدل على الكفر ، فهو في اللسان والقلب أظهر منه في اليد . وزناه لم يفعله بيده ، بل بفرجه ، ونحو ذلك من المعاصي التي تزاول بغير اليد .

والجواب عن هذا ظاهر : وهو أن من أساليب اللغة العربية ، التي نزل بها القرآن إسناد جميع الأعمال إلى اليد ، نظرا إلى أنها الجارحة التي يزاول بها أكثر الأعمال فغلبت على غيرها ، ولا إشكال في ذلك .

والسؤال الثالث : هو أن يقال : ما وجه إشارة البعد في قوله : ذلك بما قدمت يداك مع أن العذاب المشار إليه قريب منه حاضر ؟

والجواب عن هذا : أن من أساليب اللغة العربية : وضع إشارة البعد موضع إشارة القرب . وقد أوضحنا هذه المسألة في كتابنا : دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب في الكلام على قوله تعالى في أول سورة البقرة : الم ذلك الكتاب الآية [ 2 \ 1 - 2 ] ؛ أي : هذا الكتاب .

ومن شواهد ذلك في اللغة العربية قول خفاف بن ندبة السلمي :


فإن تك خيلي قد أصيب صميمها فعمدا على عيني تيممت مالكا

أقول له والرمح يأطر متنه
تأمل خفافا إنني أنا ذلكا


يعني : أنا هذا .

وما ذكره جل وعلا في هذه الآية الكريمة من أن الكافر يقال له يوم القيامة : ذلك بما قدمت يداك الآية ، لا يخفى أنه توبيخ وتقريع وإهانة له ، وأمثال ذلك القول في القرآن كثيرة : كقوله تعالى : خذوه فاعتلوه إلى سواء الجحيم ثم صبوا فوق رأسه من عذاب الحميم ذق إنك أنت العزيز الكريم إن هذا ما كنتم به تمترون [ 44 \ 47 - 50 ] ، وقوله تعالى : يوم يدعون إلى نار جهنم دعا هذه النار التي كنتم بها تكذبون أفسحر هذا أم أنتم لا تبصرون اصلوها فاصبروا أو لا تصبروا سواء عليكم إنما تجزون ما كنتم تعملون [ 52 \ 13 - 16 ] والآيات بمثل ذلك كثيرة جدا .
قوله تعالى : يدعو من دون الله ما لا يضره وما لا ينفعه ذلك هو الضلال البعيد .

[ ص: 284 ] ضمير الفاعل في قوله : يدعو من دون الله ما لا يضره [ 22 \ 12 ] راجع إلى الكافر المشار إليه في قوله : وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين [ 22 \ 11 ] ؛ أي : يدعو ذلك الكافر المذكور من دون الله ، ما لا يضره ، إن ترك عبادته وكفر به ، وما لا ينفعه إن عبده وزعم أنه يشفع له .

وما ذكره جل وعلا في هذه الآية الكريمة من أن الأوثان لا تضر من كفر بها ، ولا تنفع من عبدها بينه في غير هذا الموضع كقوله تعالى : ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عما يشركون [ 10 \ 18 ] ، وقوله تعالى عن نبيه إبراهيم : قال هل يسمعونكم إذ تدعون أو ينفعونكم أو يضرون قالوا بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون [ 26 \ 72 - 74 ] .

إذ المعنى : أنهم اعترفوا بأنهم لا يسمعون ولا ينفعون ولا يضرون ، ولكنهم عبدوهم تقليدا لآبائهم . والآيات بمثل ذلك كثيرة .
تنبيه

فإن قيل : ما وجه الجمع بين نفيه تعالى النفع والضر معا عن ذلك المعبود من دون الله في قوله : ما لا يضره وما لا ينفعه [ 22 \ 12 ] مع إثباتهما في قوله : يدعو لمن ضره أقرب من نفعه ; لأن صيغة التفضيل في قوله : " أقرب " دلت على أن هناك نفعا وضرا ، ولكن الضر أقرب من النفع .

فالجواب : أن للعلماء أجوبة عن ذلك :

منها : ما ذكره الزمخشري : قال : فإن قلت : الضر والنفع منفيان عن الأصنام ، مثبتان لها في الآيتين ، وهذا تناقض .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 30.89 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 30.26 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.03%)]