
02-07-2022, 12:39 AM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,714
الدولة :
|
|
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(163)
الحلقة (177)
صــ 502إلى صــ 507
القول في تأويل قوله تعالى : ( من بعد ما تبين لهم الحق )
قال أبو جعفر : يعني - جل ثناؤه - بقوله : ( من بعد ما تبين لهم الحق ) ، أي من بعد ما تبين لهؤلاء الكثير من أهل الكتاب - الذين يودون أنهم يردونكم كفارا من بعد إيمانكم - الحق في أمر محمد صلى الله عليه وسلم ، وما جاء به من عند ربه ، والملة التي دعا إليها فأضاء لهم : أن ذلك الحق الذي لا يمترون فيه ، كما : - [ ص: 502 ]
1790 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : ( من بعد ما تبين لهم الحق ) ، من بعد ما تبين لهم أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والإسلام دين الله .
1791 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع ، عن أبي العالية : ( من بعد ما تبين لهم الحق ) ، يقول : تبين لهم أن محمدا رسول الله ، يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل .
1792 - حدثت عن عمار قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع ، مثله - وزاد فيه : فكفروا به حسدا وبغيا ، إذ كان من غيرهم .
1793 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : ( من بعد ما تبين لهم الحق ) ، قال : الحق هو محمد صلى الله عليه وسلم ، فتبين لهم أنه هو الرسول .
1794 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد : ( من بعد ما تبين لهم الحق ) ، قال : قد تبين لهم أنه رسول الله .
قال أبو جعفر : فدل بقوله ذلك : أن كفر الذين قص قصتهم في هذه الآية بالله وبرسوله ، عناد ، وعلى علم منهم ومعرفة بأنهم على الله مفترون ، كما : -
1795 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا عثمان بن سعيد قال : حدثنا بشر بن عمارة ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس : ( من بعد ما تبين لهم الحق ) ، يقول الله تعالى ذكره : من بعد ما أضاء لهم الحق ، لم يجهلوا منه شيئا ، ولكن الحسد حملهم على الجحد . فعيرهم الله ولامهم ووبخهم أشد الملامة .
[ ص: 503 ] القول في تأويل قوله تعالى : ( فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره إن )
قال أبو جعفر : يعني - جل ثناؤه - بقوله : ( فاعفوا ) فتجاوزوا عما كان منهم من إساءة وخطأ في رأي أشاروا به عليكم في دينكم ، إرادة صدكم عنه ، ومحاولة ارتدادكم بعد إيمانكم - وعما سلف منهم من قيلهم لنبيكم صلى الله عليه وسلم : ( واسمع غير مسمع وراعنا ليا بألسنتهم وطعنا في الدين ) ، [ النساء : 46 ] ، واصفحوا عما كان منهم من جهل في ذلك حتى يأتي الله بأمره ، فيحدث لكم من أمره فيكم ما يشاء ، ويقضي فيهم ما يريد ، فقضى فيهم تعالى ذكره ، وأتى بأمره ، فقال لنبيه صلى الله عليه وسلم ، وللمؤمنين به : ( قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ) . [ التوبة : 29 ] . فنسخ الله - جل ثناؤه - العفو عنهم والصفح ، بفرض قتالهم على المؤمنين ، حتى تصير كلمتهم وكلمة المؤمنين واحدة ، أو يؤدوا الجزية عن يد صغارا ، كما : -
1796 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو صالح قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : ( فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره إن الله على كل شيء قدير ) ، ونسخ ذلك قوله : ( فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ) ، [ التوبة : 5 ]
1797 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : ( فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره ) ، فأتى الله بأمره فقال : ( قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ) ، حتى بلغ ( وهم صاغرون ) ، أي : صغارا [ ص: 504 ] ونقمة لهم . فنسخت هذه الآية ما كان قبلها : ( فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره ) .
1798 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع في قوله : ( فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره ) ، قال : اعفوا عن أهل الكتاب حتى يحدث الله أمرا ، فأحدث الله بعد فقال : ( قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ) ، إلى : ( وهم صاغرون ) .
1799 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : ( فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره ) قال : نسختها : ( فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ) .
1800 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : ( فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره ) ، قال : هذا منسوخ ، نسخه ( قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ) ، إلى قوله : ( وهم صاغرون ) .
القول في تأويل قوله : ( إن الله على كل شيء قدير ( 109 ) )
قال أبو جعفر : قد دللنا فيما مضى على معنى "القدير" ، وأنه القوي .
فمعنى الآية ههنا : إن الله - على كل ما يشاء بالذين وصفت لكم أمرهم من أهل الكتاب وغيرهم - قدير ، إن شاء انتقم منهم بعنادهم ربهم ، وإن شاء هداهم لما هداكم الله له من الإيمان ، لا يتعذر عليه شيء أراده ، ولا يتعذر عليه أمر شاء قضاءه؛ لأن له الخلق والأمر .
[ ص: 505 ] القول في تأويل قوله تعالى : ( وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله )
قال أبو جعفر : قد دللنا فيما مضى على معنى : "إقامة الصلاة" ، وأنها أداؤها بحدودها وفروضها ، وعلى تأويل "الصلاة" وما أصلها ، وعلى معنى "إيتاء الزكاة" ، وأنه إعطاؤها بطيب نفس على ما فرضت ووجبت ، وعلى معنى "الزكاة" واختلاف المختلفين فيها ، والشواهد الدالة على صحة القول الذي اخترنا في ذلك ، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .
وأما قوله : ( وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله ) ، فإنه - يعني جل ثناؤه - بذلك : ومهما تعملوا من عمل صالح في أيام حياتكم ، فتقدموه قبل وفاتكم ذخرا لأنفسكم في معادكم ، تجدوا ثوابه عند ربكم يوم القيامة ، فيجازيكم به .
و"الخير" هو العمل الذي يرضاه الله . وإنما قال : ( تجدوه ) ، والمعنى : تجدوا ثوابه ، كما : -
1801 - حدثت عن عمار بن الحسن قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع قوله : ( تجدوه ) يعني : تجدوا ثوابه عند الله .
قال أبو جعفر : لاستغناء سامعي ذلك بدليل ظاهر على معنى المراد منه ، كما قال عمر بن لجأ :
وسبحت المدينة لا تلمها رأت قمرا بسوقهم نهارا
وإنما أراد : وسبح أهل المدينة . [ ص: 506 ]
وإنما أمرهم - جل ثناؤه - في هذا الموضع بما أمرهم به ، من إقام الصلاة وإيتاء الزكاة وتقديم الخيرات لأنفسهم ، ليطهروا بذلك من الخطأ الذي سلف منهم في استنصاحهم اليهود ، وركون من كان ركن منهم إليهم ، وجفاء من كان جفا منهم في خطابه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله : ( راعنا ) ، إذ كانت إقامة الصلوات كفارة للذنوب ، وإيتاء الزكاة تطهيرا للنفوس والأبدان من أدناس الآثام ، وفي تقديم الخيرات إدراك الفوز برضوان الله .
القول في تأويل قوله تعالى : ( إن الله بما تعملون بصير ( 110 ) )
قال أبو جعفر : وهذا خبر من الله - جل ثناؤه - للذين خاطبهم بهذه الآيات من المؤمنين ، أنهم مهما فعلوا من خير وشر سرا وعلانية ، فهو به بصير لا يخفى عليه منه شيء ، فيجزيهم بالإحسان خيرا ، وبالإساءة مثلها .
وهذا الكلام وإن كان خرج مخرج الخبر ، فإن فيه وعدا ووعيدا ، وأمرا وزجرا . وذلك أنه أعلم القوم أنه بصير بجميع أعمالهم ، ليجدوا في طاعته ، إذ كان ذلك مذخورا لهم عنده حتى يثيبهم عليه ، كما قال : ( وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله ) ، وليحذروا معصيته ، إذ كان مطلعا على راكبها ، بعد تقدمه إليه فيها بالوعيد عليها ، وما أوعد عليه ربنا - جل ثناؤه - فمنهي عنه ، وما وعد عليه فمأمور به .
وأما قوله : ( بصير ) ، فإنه "مبصر" صرف إلى "بصير" ، كما صرف "مبدع" إلى"بديع" ، و"مؤلم" إلى"أليم" .
[ ص: 507 ] القول في تأويل قوله تعالى : ( وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى تلك أمانيهم )
قال أبو جعفر : يعني - جل ثناؤه - بقوله : ( وقالوا ) ، وقالت اليهود والنصارى : ( لن يدخل الجنة ) .
فإن قال قائل : وكيف جمع اليهود والنصارى في هذا الخبر مع اختلاف مقالة الفريقين ; واليهود تدفع النصارى عن أن يكون لها في ثواب الله نصيب ، والنصارى تدفع اليهود عن مثل ذلك؟
قيل : إن معنى ذلك بخلاف الذي ذهبت إليه . وإنما عنى به : وقالت اليهود : لن يدخل الجنة إلا من كان هودا ، وقالت النصارى : لن يدخل الجنة إلا النصارى . ولكن معنى الكلام لما كان مفهوما عند المخاطبين به معناه ، جمع الفريقان في الخبر عنهما ، فقيل : ( وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى ) الآية - أي قالت اليهود : لن يدخل الجنة إلا من كان يهوديا ، وقالت النصارى : لن يدخل الجنة إلا من كان نصرانيا .
وأما قوله : ( من كان هودا ) ، فإن في"الهود" قولين : أحدهما أن يكون جمع "هائد" ، كما جاء "عوط" جمع "عائط" ، و "عوذ" جمع "عائذ" ، و "حول" جمع "حائل" ، فيكون جمعا للمذكر والمؤنث بلفظ واحد ، و"الهائد" التائب الراجع إلى الحق .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|