
01-07-2022, 11:35 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,905
الدولة :
|
|
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(157)
الحلقة (171)
صــ 466إلى صــ 471
وأما القول الآخر الذي حكي عن عطية ومن حكي ذلك عنه : أن قوله : ( راعنا ) [ ص: 466 ] كانت كلمة لليهود بمعنى السب والسخرية ، فاستعملها المؤمنون أخذا منهم ذلك عنهم ، فإن ذلك غير جائز في صفة المؤمنين : أن يأخذوا من كلام أهل الشرك كلاما لا يعرفون معناه ، ثم يستعملونه بينهم وفي خطاب نبيهم صلى الله عليه وسلم . ولكنه جائز أن يكون ذلك مما روي عن قتادة ، أنها كانت كلمة صحيحة مفهومة من كلام العرب ، وافقت كلمة من كلام اليهود بغير اللسان العربي ، هي عند اليهود سب ، وهي عند العرب : أرعني سمعك وفرغه لتفهم عني ، فعلم الله - جل ثناؤه - معنى اليهود في قيلهم ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ، وأن معناها منهم خلاف معناها في كلام العرب ، فنهى الله - عز وجل - المؤمنين عن قيلها للنبي صلى الله عليه وسلم ، لئلا يجترئ من كان معناه في ذلك غير معنى المؤمنين فيه ، أن يخاطب رسول الله صلى الله عليه وسلم به . وهذا تأويل لم يأت الخبر بأنه كذلك ، من الوجه الذي تقوم به الحجة . وإذ كان ذلك كذلك ، فالذي هو أولى بتأويل الآية ما وصفنا ، إذ كان ذلك هو الظاهر المفهوم بالآية دون غيره .
وقد حكي عن الحسن البصري أنه كان يقرأه : ( لا تقولوا راعنا ) بالتنوين ، بمعنى : لا تقولوا قولا "راعنا" ، من "الرعونة" وهي الحمق والجهل . وهذه قراءة لقراء المسلمين مخالفة ، فغير جائز لأحد القراءة بها لشذوذها وخروجها من قراءة المتقدمين والمتأخرين ، وخلافها ما جاءت به الحجة من المسلمين .
ومن نون "راعنا" نونه بقوله : ( لا تقولوا ) ، لأنه حينئذ عامل فيه ، ومن لم ينونه فإنه ترك تنوينه ، لأنه أمر محكي؛ لأن القوم كأنهم كانوا يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم : ( راعنا ) ، بمعنى مسألته : إما أن يرعيهم سمعه ، وإما أن يرعاهم ويرقبهم - على ما قد بينت فيما قد مضى - فقيل لهم : لا تقولوا في مسألتكم إياه "راعنا" . فتكون الدلالة على معنى الأمر في"راعنا" حينئذ سقوط الياء التي كانت [ ص: 467 ] تكون في "يراعيه" ويدل عليها - أعني على"الياء" الساقطة - كسرة "العين" من "راعنا" .
وقد ذكر أن قراءة ابن مسعود : ( لا تقولوا راعونا ) ، بمعنى حكاية أمر صالحة لجماعة بمراعاتهم ، فإن كان ذلك من قراءته صحيحا ، وجه أن يكون القوم كأنهم نهوا عن استعمال ذلك بينهم في خطاب بعضهم بعضا ، كان خطابهم للنبي صلى الله عليه وسلم أو لغيره . ولا نعلم ذلك صحيحا من الوجه الذي تصح منه الأخبار .
القول في تأويل قوله تعالى : ( وقولوا انظرنا )
قال أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه : ( وقولوا انظرنا ) ، وقولوا يا أيها المؤمنون لنبيكم صلى الله عليه وسلم : انظرنا وارقبنا ، نفهم ونتبين ما تقول لنا ، وتعلمنا ، كما :
1741 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( وقولوا انظرنا ) فهمنا ، بين لنا يا محمد .
1742 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( وقولوا انظرنا ) فهمنا ، بين لنا يا محمد .
1743 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد مثله .
يقال منه : "نظرت الرجل أنظره نظرة" بمعنى انتظرته ورقبته ، ومنه قول الحطيئة :
[ ص: 468 ] وقد نظرتكم أعشاء صادرة للخمس ، طال بها حوزي وتنساسي
ومنه قول الله عز وجل : ( يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم ) [ سورة الحديد : 13 ] ، يعني به : انتظرونا .
وقد قرئ : "أنظرنا" و"أنظرونا" بقطع "الألف" في الموضعين جميعا فمن قرأ ذلك كذلك أراد : أخرنا ، كما قال الله - جل ثناؤه : ( قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون ) [ سورة ص : 79 ] ، أي أخرني . ولا وجه لقراءة ذلك كذلك في هذا الموضع؛ لأن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما أمروا بالدنو من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والاستماع منه ، وإلطاف الخطاب له ، وخفض الجناح - لا بالتأخر عنه ، ولا بمسألته تأخيرهم عنه . فالصواب - إذ كان ذلك كذلك - من القراءة قراءة من وصل الألف من قوله : ( انظرنا ) ، ولم يقطعها بمعنى : انتظرنا .
وقد قيل : إن معنى ( أنظرنا ) بقطع الألف بمعنى : أمهلنا . حكي عن بعض [ ص: 469 ] العرب سماعا : "أنظرني أكلمك" ، وذكر سامع ذلك من بعضهم أنه استثبته في معناه ، فأخبره أنه أراد أمهلني ، فإن يكن ذلك صحيحا عنهم "فانظرنا" و"أنظرنا" - بقطع "الألف" ووصلها - متقاربا المعنى غير أن الأمر وإن كان كذلك ، فإن القراءة التي لا أستجيز غيرها ، قراءة من قرأ : ( وقولوا انظرنا ) ، بوصل "الألف" بمعنى : انتظرنا ، لإجماع الحجة على تصويبها ، ورفضهم غيرها من القراءات .
القول في تأويل قوله تعالى : ( واسمعوا وللكافرين عذاب أليم ( 104 ) )
قال أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه : ( واسمعوا ) ، واسمعوا ما يقال لكم ويتلى عليكم من كتاب ربكم ، وعوه وافهموه ، كما : -
1744 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : ( واسمعوا ) ، اسمعوا ما يقال لكم .
فمعنى الآية إذا : يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا لنبيكم : راعنا سمعك وفرغه لنا نفهمك وتفهم عنا ما نقول ، ولكن قولوا : انتظرنا وترقبنا حتى نفهم عنك ما تعلمنا وتبينه لنا . واسمعوا منه ما يقول لكم ، فعوه واحفظوه وافهموه ، ثم أخبرهم - جل ثناؤه - أن لمن جحد منهم ومن غيرهم آياته ، وخالف أمره ونهيه ، وكذب رسوله ، العذاب الموجع في الآخرة ، فقال : وللكافرين بي وبرسولي عذاب أليم . يعني بقوله : "الأليم" ، الموجع . وقد ذكرنا الدلالة على ذلك فيما مضى قبل ، وما فيه من الآثار .
[ ص: 470 ] القول في تأويل قوله تعالى : ( ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم )
قال أبو جعفر : يعني بقوله : ( ما يود ) ، ما يحب ، أي : ليس يحب كثير من أهل الكتاب . يقال منه : "ود فلان كذا يوده ودا وودا ومودة" .
وأما "المشركين" فإنهم في موضع خفض بالعطف على"أهل الكتاب" . ومعنى الكلام : ما يحب الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم .
وأما ( أن ) في قوله : ( أن ينزل ) فنصب بقوله : ( يود ) . وقد دللنا على وجه دخول "من" في قوله : ( من خير ) وما أشبه ذلك من الكلام الذي يكون في أوله جحد ، فيما مضى ، فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع .
فتأويل الكلام : ما يحب الكافرون من أهل الكتاب ولا المشركين بالله من عبدة الأوثان ، أن ينزل عليكم من الخير الذي كان عند الله فنزله عليكم ، فتمنى المشركون وكفرة أهل الكتاب أن لا ينزل الله عليهم الفرقان وما أوحاه إلى محمد صلى الله عليه وسلم من حكمه وآياته ، وإنما أحبت اليهود وأتباعهم من المشركين ذلك ، حسدا وبغيا منهم على المؤمنين .
وفي هذه الآية دلالة بينة على أن الله تبارك وتعالى نهى المؤمنين عن الركون إلى أعدائهم من أهل الكتاب والمشركين ، والاستماع من قولهم ، وقبول شيء مما يأتونهم به على وجه النصيحة لهم منهم ، بإطلاعه - جل ثناؤه - إياهم على ما يستبطنه لهم أهل الكتاب والمشركون من الضغن والحسد ، وإن أظهروا بألسنتهم خلاف ما هم مستبطنون .
[ ص: 471 ] القول في تأويل قوله تعالى : ( والله يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم ( 105 ) )
قال أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه : ( والله يختص برحمته من يشاء ) : والله يختص من يشاء بنبوته ورسالته ، فيرسله إلى من يشاء من خلقه ، فيتفضل بالإيمان على من أحب فيهديه له ، و"اختصاصه" إياهم بها ، إفرادهم بها دون غيرهم من خلقه . وإنما جعل الله رسالته إلى من أرسل إليه من خلقه ، وهدايته من هدى من عباده ، رحمة منه له ليصيره بها إلى رضاه ومحبته وفوزه بها بالجنة ، واستحقاقه بها ثناءه . وكل ذلك رحمة من الله له .
وأما قوله : ( والله ذو الفضل العظيم ) . فإنه خبر من الله - جل ثناؤه - عن أن كل خير ناله عباده في دينهم ودنياهم ، فإنه من عنده ابتداء وتفضلا منه عليهم ، من غير استحقاق منهم ذلك عليه .
وفي قوله : ( والله يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم ) ، تعريض من الله تعالى ذكره بأهل الكتاب : أن الذي آتى نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم والمؤمنين به من الهداية ، تفضل منه ، وأن نعمه لا تدرك بالأماني ، ولكنها مواهب منه يختص بها من يشاء من خلقه .
القول في تأويل قوله تعالى : ( ما ننسخ من آية )
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|