عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 01-07-2022, 06:17 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,216
الدولة : Egypt
افتراضي رد: لبيك اللهم لبيك

لبيك اللهم لبيك (5)

د. حيدر الغدير



((لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ، لَا شَرِيكَ لَكَ)).


ذلكُم هو الهُتافُ العُلويُّ الجليلُ الذي يملأُ أجواءَ أُمِّ القُرى في كلِّ عامٍ، وتتجاوَبُ به أرجاءُ مكَّةَ المكرمةِ كُلَّما اقترَبَ الحَجُّ، وأخذَتْ قوافلُ المؤمنينَ القادمينَ من كُلِّ صَوْبٍ تصِلُ إلى الأرضِ الآمِنةِ المُقدَّسةِ.

وهو هُتافٌ يفيضُ نغمةً حُلْوَةً عُلويَّةً، وأشواقًا متدفِّقةً نبيلةً، تتجلَّى فيه رُوح الحُبِّ والإيمانِ والحنانِ، يُعْلِنُ به المُحِبُّ هُيامَه، ويُصرِّح فيه عمَّا يُكِنُّه من شوق مُتَّقد، وعاطفةٍ حيَّةٍ.. ويجهَر بذلك كلِّه منذ أن يلبَسَ ملابسَ الإحرامِ، لكنه حين يصِلُ إلى البيتِ الحرامِ يفيض ما فيه ويتدفَّق، ويزداد فيضانًا وتدفُّقًا، فلا يرويه إلَّا أن يشعُر بأنه موصولُ الأسبابِ بالسماء، وثيقُ العُرْوةِ بالإيمان، مُترفِّعٌ على الصغائر والسَّفاسِف، مُتجرِّدٌ من المطامع والأهواء، يُدوِّي لسانُه وقلبُه: ((لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ، لَا شَرِيكَ لَكَ)).

إنه يبُثُّ لهذه الكلمات العلوية شوقًا أكَنَّه من زمان، وحبًّا انطوى عليه منذ دهر، وحنينًا سكَن أعماقَه من قديمٍ، وها هو يرى نفسَه قد تحقَّق أملٌ من أكرم آمالِها، وغايةٌ من أنْبَلِ غاياتها، فلا غرابةَ أن تراه يدعو دعاءَ الهائمين، ويُثني على ربِّه ثناءَ المؤمنين الموحِّدين، ولا يتمالكُ نفسَه من شدَّةِ الفرح الذي غمَر قلبَه مما أكرمه اللهُ به، فقد تنهلُّ دموعُه، ويستبدُّ به البُكاء، وقد يسبَحُ في لذَّةٍ رُوحيةٍ ساميةٍ، وقد تهدأ منه الجوارحُ قلبًا ورُوحًا وجسدًا، فتراه صامتًا متفكِّرًا خاشعًا، أو تراه وقد عَلَتْ وَجْهَهُ ابتسامةٌ هادئةٌ هانئةٌ شاكرةٌ.

لقد قرَّتْ عينُه بزيارةِ البَلَد الذي طالما تمنَّاه، فحلَّ بمكةَ المكرمةِ مَهْدِ الإسلامِ الأولِ ومَهْبَطِ الآياتِ الأولى من الوحي، وحلَّ بالمدينة المنورة، التي شرُفَتْ باستضافة سيِّدِ الخَلْق محمدٍ صلى الله عليه وسلم حيًّا وميتًا، وكرُمَتْ بأنها كانَتْ أوَّلَ دولةٍ تُقامُ على وجْهِ الأرضِ بدوافع الفِكْرِ والعقيدةِ والاختيارِ الراشدِ؛ حيثُ كانت مبادئُ الإسلامِ تجد الطريقَ العمليَّ للتطبيقِ الواقعيِّ في دُنْيا الناسِ، لتصُوغ للبشرية أكْرَمَ مُجْتمعٍ، وتبني لها أشرفَ حضارةٍ، وتُطلِع للناسِ فجرًا سعيدًا هو أكرمُ عهودِها، وأشرفُ أيامِها، وأجملُ ما حفَلتْ به في تاريخِها الطويلِ على الإطلاقِ.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 15.15 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 14.52 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (4.15%)]