عرض مشاركة واحدة
  #197  
قديم 27-06-2022, 08:20 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,301
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله



تفسير "محاسن التأويل"

محمد جمال الدين القاسمي
سُورَةُ النِّسَاءِ
المجلد الخامس
صـ 1107 الى صـ 1113
الحلقة (197)



الثالثة: اتفق أهل العلم على أن هذا الشرط المذكور في الآية لا مفهوم له، وأنه يجوز لمن لم يخف أن يقسط في اليتامى أن ينكح أكثر من واحدة .

الرابعة: مثنى وثلاث ورباع معدولة عن أعداد مكررة، ومحلهن النصب على أنها حال من فاعل (طاب) مؤكدة لما أفاده وصف الطيب من الترغيب فيهن، والاستمالة إليهن، بتوسيع دائرة الإذن، أي: فانكحوا الطيبات لكم، معدودات هذا العدد، ثنتين ثنتين، وثلاثا ثلاثا، وأربعا أربعا، حسبما تريدون.

فإن قلت: الذي أطلق للناكح في الجمع أن يجمع بين ثنتين أو ثلاث أو أربع، فما معنى التكرير في مثنى وثلاث ورباع؟ قلت: الخطاب للجميع، فوجب التكرير ليصيب كل ناكح يريد الجمع ما أراد من العدد الذي أطلق له، كما تقول للجماعة: اقتسموا هذا المال وهو ألف درهم، درهمين درهمين، وثلاثة ثلاثة، وأربعة أربعة، ولو أفردت لم يكن له معنى.

فإن قلت: فلم جاء العطف بواو دون (أو) قلت: كما جاء بالواو في المثال الذي حذوته لك، ولو ذهبت تقول: اقتسموا هذا المال درهمين درهمين أو ثلاثا ثلاثا أو أربعة أربعة، أعلمت أنه لا يسوغ لهم أن يقتسموه إلا على أحد أنواع هذه القسمة، وليس لهم أن يجمعوا بينها، فيجعلوا بعض القسم على تثنية وبعضه على تثليث وبعضه على تربيع، وذهب معنى تجويز الجمع بين أنواع القسمة الذي دلت عليه الواو.

وتحريره أن الواو دلت على إطلاق أن يأخذ الناكحون من أرادوا نكاحها من النساء على طريق الجمع إن شاءوا مختلفين في تلك الأعداد، وإن شاءوا متفقين فيها، محظورا عليهم ما وراء ذلك، أفاده الزمخشري .

بحث جليل:

قال الرازي : ذهب قوم سدى (كحتى، موضع قرب زبيد باليمن اهـ قاموس) إلى أنه يجوز التزوج بأي عدد أريد، واحتجوا بالقرآن والخبر:

أما القرآن: فقد تمسكوا بهذه الآية من [ ص: 1108 ] ثلاثة أوجه:

الأول: أن قوله: فانكحوا ما طاب لكم من النساء إطلاق في جميع الأعداد بدليل أنه لا عدد إلا ويصح استثناؤه منه، وحكم الاستثناء إخراج ما لولاه لكان داخلا.

والثاني: أن قوله: مثنى وثلاث ورباع لا يصلح تخصيصا لذلك العموم؛ لأن تخصيص بعض الأعداد بالذكر لا ينفي ثبوت الحكم في الباقي، بل نقول: إن ذكر هذه الأعداد يدل على رفع الحرج والحجر مطلقا، فإن الإنسان إذا قال لولده: افعل ما شئت، اذهب إلى السوق، وإلى المدينة، وإلى البستان، كان تنصيصا في تفويض زمام الخيرة إليه مطلقا، ورفع الحجر والحرج عنه مطلقا، ولا يكون ذلك تخصيصا للإذن بتلك الأشياء المذكورة بل كان إذنا في المذكور وغيره، فكذا هاهنا، وأيضا فذكر جميع الأعداد متعذر فإذا ذكر بعض الأعداد بعد قوله: فانكحوا ما طاب لكم من النساء كان ذلك تنبيها على حصول الإذن في جميع الأعداد.

والثالث: أن الواو للجمع المطلق فقوله: مثنى وثلاث ورباع يفيد حل هذا المجموع، وهو يفيد تسعة، بل الحق أنه يفيد ثمانية عشر؛ لأن قوله مثنى ليس عبارة عن اثنين فقط، بل عن اثنين اثنين، وكذلك القول في البقية.

وأما الخبر فمن وجهين:

الأول: أنه ثبت بالتواتر: أنه - صلى الله عليه وسلم - مات عن تسع ثم إن الله تعالى أمرنا باتباعه فقال: " فاتبعوه " وأقل مراتب الأمر الإباحة.

الثاني: أن سنة الرجل طريقته، وكان التزوج بالأكثر من الأربع طريقة الرسول - عليه الصلاة والسلام - فكان ذلك سنة له، ثم إنه عليه السلام قال: فمن رغب عن سنتي فليس مني فظاهر هذا الحديث [ ص: 1109 ] يقتضي توجه اللوم على من ترك التزوج بأكثر من الأربعة ، فلا أقل من أن يثبت أصل الجواز.

واعلم أن معتمد الفقهاء في إثبات الحصر على أمرين:

الأول: الخبر: وهو ما روي أن غيلان أسلم وتحته عشر نسوة فقال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: أمسك أربعا وفارق باقيهن .

وروي أن نوفل بن معاوية أسلم وتحته خمس نسوة فقال عليه الصلاة السلام: أمسك أربعا وفارق واحدة .

واعلم أن هذا الطريق ضعيف لوجهين:

الأول: أن القرآن لما دل على عدم الحصر بهذا الخبر كان ذلك نسخا للقرآن بخبر الواحد، وأنه غير جائز.

والثاني: وهو أن الخبر واقعة حال، فلعله عليه الصلاة والسلام إنما أمره بإمساك أربع ومفارقة البواقي؛ لأن الجمع بين الأربعة وبين البواقي غير جائز إما بسبب النسب أو بسبب الرضاع.

وبالجملة فهذا الاحتمال قائم في هذا الخبر فلا يمكن نسخ القرآن بمثله.

الطريق الثاني: وهو إجماع فقهاء الأمصار على أنه لا يجوز الزيادة على الأربع، وهذا هو المعتمد، وفيه سؤالان:

الأول: أن الإجماع لا ينسخ ولا ينسخ فكيف يقال: الإجماع نسخ هذه الآية.

الثاني: أن في الأمة أقواما شذاذا لا يقولون بحرمة الزيادة على الأربع، والإجماع مع مخالفة الواحد والاثنين لا ينعقد.

والجواب عن الأول: أن الإجماع يكشف عن حصول الناسخ في زمن الرسول - صلى الله عليه وسلم -.

وعن الثاني: أن مخالف هذا الإجماع من أهل البدعة فلا عبرة بمخالفته، انتهى كلام الرازي. وقوله: (من أهل البدعة) لا يجوز أخذه على عمومه لما ستراه.

[ ص: 1110 ] قال الإمام الشوكاني رحمه الله تعالى في "وبل الغمام": الذي نقله إلينا أئمة اللغة والإعراب - وصار كالمجمع عليه عندهم - أن العدل في الأعداد يفيد أن المعدود لما كان متكثرا يحتاج استيفاؤه إلى أعداد كثيرة كانت صيغة العدل المفرد في قوة تلك الأعداد، فإن كان مجيء القوم مثلا اثنين اثنين، أو ثلاثة ثلاثة، أو أربعة أربعة، وكانوا ألوفا مؤلفة، فقلت: جاءني القوم مثنى، أفادت هذه الصيغة أنهم جاءوا اثنين اثنين، حتى تكاملوا.

فإن قلت: مثنى وثلاث ورباع، أفاد ذلك أن القوم جاءوك تارة اثنين اثنين، وتارة ثلاثة ثلاثة، وتارة أربعة أربعة، فهذه الصيغ بينت مقدار عدد دفعات المجيء لا مقدار عدد جميع القوم، فإنه لا يستفاد منها أصلا، بل غاية ما يستفاد منها أن عددهم متكثر تكثرا تشق الإحاطة به.

ومثل هذا إذا قلت: نكحت النساء مثنى، فإن معناه نكحتهن اثنتين اثنتين، وليس فيه دليل على أن كل دفعة من هذه الدفعات لم يدخل في نكاحه إلا بعد خروج الأولى، كما أنه لا دليل في قولك: جاءني القوم مثنى أنه لم يصل الاثنان الآخران إليك إلا وقد فارقك الاثنان الأولان، إذا تقرر هذا فقوله تعالى: مثنى وثلاث ورباع يستفاد منه جواز نكاح النساء اثنتين اثنتين وثلاثا ثلاثا وأربعا أربعا .

والمراد جواز تزوج كل دفعة من هذه الدفعات في وقت من الأوقات، وليس في هذا تعرض لمقدار عددهن، بل يستفاد من الصيغ الكثرة من غير تعيين، كما قدمنا في مجيء القوم.

وليس فيه أيضا دليل على أن الدفعة الثانية كانت بعد مفارقة الدفعة الأولى، ومن زعم أنه نقل إلينا أئمة اللغة والإعراب ما يخالف هذا، فهذا مقام الاستفادة منه، فليتفضل بها علينا، وابن عباس - إن صح عنه في الآية أنه قصر الرجال على أربع - فهو فرد من أفراد الأمة.

وأما القعقعة بدعوى الإجماع فما أهونها وأيسر خطبها عند من لم تفزعه هذه الجلبة، وكيف يصح إجماع خالفته الظاهرية، وابن الصباغ ، والعمراني، والقاسم بن إبراهيم ، نجم آل الرسول، وجماعة من الشيعة، وثلة من محققي المتأخرين، وخالفه أيضا القرآن الكريم، كما بيناه.

وخالفه أيضا فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما صح [ ص: 1111 ] ذلك تواترا، من جمعه بين تسع أو أكثر في بعض الأوقات، وما آتاكم الرسول فخذوه [الحشر: من الآية 7] لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة [الأحزاب: من الآية 21] قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله [آل عمران: من الآية 31] ودعوى الخصوصية مفتقرة إلى دليل، والبراءة الأصلية مستصحبة لا ينقل عنها إلا ناقل صحيح تنقطع عنه المعاذير.

وأما حديث أمره - صلى الله عليه وسلم – لغيلان - لما أسلم وتحته عشر نسوة - بأن يختار منهن أربعا ويفارق سائرهن، كما أخرجه الترمذي ، وابن ماجه ، وابن حبان ، فهو - وإن كان له طرق - فقد قال ابن عبد البر : كلها معلولة، وأعله غيره من الحفاظ بعلل أخرى، ومثل هذا لا ينتهض للنقل عن الدليل القرآني والفعل المصطفوي الذي مات - صلى الله عليه وسلم - عليه والبراءة الأصلية.

ومن صحح لنا هذا الحديث على وجه تقوم به الحجة، أو جاءنا بدليل في معناه، فجزاه الله خيرا، فليس بين أحد وبين الحق عداوة، وعلى العالم أن يوفي الاجتهاد حقه لا سيما في مقامات التحرير [ ص: 1112 ] والتقرير، كما نفعله في كثير من الأبحاث، وإذا حاك في صدره شيء فليكن تورعه في العمل لا في تقرير الصواب، فإياك أن تحامي التصريح بالحق الذي تبلغ إليه ملكتك لقيل وقال، ولا سيما في مثل مواطن يجبن عنها كثير من الرجال، فإنك لا تسئل يوم القيامة عن الذي ترتضيه منك العباد بل عن الذي يرتضيه المعبود، وإذا جاء نهر الله بطل نهر معقل، ومن ورد البحر استقل السواقيا، انتهى.

وقال الشوكاني - قدس سره أيضا - في "نيل الأوطار": حديث قيس بن الحارث - وفي رواية: الحارث بن قيس - في إسناده محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، وقد ضعفه غير واحد من الأئمة.

قال أبو القاسم البغوي: ولا أعلم للحارث بن قيس حديثا غير هذا.

وقال أبو عمر النمري: ليس له إلا حديث واحد، ولم يأت به من وجه صحيح.

وفي معنى هذا حديث غيلان الثقفي، وهو عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر قال: أسلم غيلان الثقفي وتحته عشر نسوة في الجاهلية، فأسلمن معه فأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يختار منهن أربعا رواه أحمد، وابن ماجه والترمذي، وحكم أبو حاتم وأبو زرعة بأن المرسل أصح.

وحكى الحاكم عن مسلم أن هذا الحديث مما وهم فيه معمر بالبصرة ، قال: فإن رواه عنه ثقة خارج البصرة حكمنا له بالصحة، وقد أخذ ابن حبان والحاكم والبيهقي بظاهر الحكم، وأخرجوه من طرق عن معمر من حديث أهل الكوفة ، وأهل خراسان ، وأهل اليمامة عنه.

قال الحافظ : ولا يفيد ذلك شيئا، فإن هؤلاء كلهم إنما سمعوا منه بالبصرة، وعلى تقدير أنهم سمعوا منه بغيرها فحديثه الذي حدث به في غير بلده مضطرب؛ لأنه كان يحدث في بلده من كتبه على الصحة، وأما إذا رحل فحدث من حفظه [ ص: 1113 ] بأشياء وهم فيها، اتفق على ذلك أهل العلم، كابن المديني، والبخاري ، وابن أبي حاتم، ويعقوب بن شيبة، وغيرهم.

وحكى الأثرم عن أحمد أن هذا الحديث ليس بصحيح، والعمل عليه، وأعله بتفرد معمر في وصله وتحديثه به في غير بلده.

وقال ابن عبد البر : طرقه كلها معلولة.

وقد أطال الدارقطني في "العلل" تخريج طرقه.

ورواه ابن عيينة ومالك عن الزهري مرسلا.

ورواه عبد الرزاق، عن معمر كذلك.

وقد وافق معمرا على وصله بحر بن كنيز السقاء عن الزهري، ولكنه ضعيف، وكذا وصله يحيى بن سلام عن مالك، ويحيى ضعيف.

وفي الباب عن نوفل بن معاوية، عند الشافعي، أنه أسلم وتحته خمسة نسوة، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: أمسك أربعا وفارق الأخرى، وفي إسناده رجل مجهول؛ لأن الشافعي قال: حدثنا بعض أصحابنا، عن أبي الزناد ، عن عبد المجيد بن سهل، عن عوف بن الحارث، عن نوفل بن معاوية قال: أسلمت، فذكره، وفي الباب أيضا عن عروة بن مسعود، وصفوان بن أمية عند البيهقي .

وقوله: (اختر منهن أربعا) استدل به الجمهور على تحريم الزيادة على أربع، وذهبت الظاهرية إلى أنه يحل للرجل أن يتزوج تسعا ، ولعل وجهه قوله تعالى: مثنى وثلاث ورباع ومجموع ذلك - لا باعتبار ما فيه من العدل - تسع.

وحكي ذلك عن ابن الصباغ، والعمراني وبعض الشيعة.

وحكي أيضا عن القاسم بن إبراهيم، وأنكر الإمام يحيى الحكاية عنه، وحكاه صاحب البحر عن الظاهرية، وقوم مجاهيل.

وأجابوا عن حديث قيس بن الحارث المذكور بما فيه من المقال المتقدم، وأجابوا عن حديث غيلان الثقفي بما تقدم فيه من المقال، وكذلك أجابوا عن حديث نوفل بن معاوية بما قدمنا من كونه في إسناده مجهول، قالوا: ومثل هذا الأصل العظيم لا يكتفى فيه بمثل ذلك، ولا سيما وقد ثبت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد جمع بين تسع أو إحدى عشرة، وقد قال تعالى: لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة [الأحزاب: من الآية 21].

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 35.91 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 35.28 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.75%)]