
27-06-2022, 09:18 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 167,380
الدولة :
|
|
رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله

تفسير "محاسن التأويل"
محمد جمال الدين القاسمي
سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ
المجلد الرابع
صـ 1078 الى صـ 1084
الحلقة (194)
وقد ثبت في الحديث أن جعفر بن أبي طالب - رضي الله عنه - لما قرأ سورة (كهيعص) [ ص: 1078 ] بحضرة النجاشي ملك الحبشة ، وعنده البطاركة والقساوسة ، بكى وبكوا معه حتى أخضبوا لحاهم .
وثبت في الصحيحين أن النجاشي لما مات نعاه النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أصحابه وقال : « إن أخا لكم بالحبشة قد مات فصلوا عليه » ، فخرج إلى الصحراء فصفهم وصلى عليه .
وروى ابن أبي حاتم والحافظ أبو بكر بن مردويه عن أنس بن مالك قال : لما توفي النجاشي ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « استغفروا لأخيكم » . فقال بعض الناس : يأمرنا أن نستغفر لعلج مات بأرض الحبشة ؟ ! فنزلت : وإن من أهل الكتاب الآية - ورواه عبد بن حميد أيضا مرسلا . ورواه ابن جرير عن جابر ، وفيه : فقال المنافقون : يصلي على علج مات بأرض الحبشة ؟ ! فنزلت .
وروى الحاكم في ( مستدركه ) عن عبد الله بن الزبير قال : نزل بالنجاشي عدو من أرضهم ، فجاءه المهاجرون فقالوا : إنا نحب أن نخرج إليهم حتى نقاتل معك وترى جرأتنا ونجزيك ما صنعت بنا ، فقال : لداء بنصر الله - عز وجل - خير من دواء بنصرة الناس . قال : وفيه نزلت : وإن من أهل الكتاب الآية - ثم قال : هذا حديث صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه .
وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد : وإن من أهل الكتاب ، يعني : مسلمة أهل الكتاب .
وقال عباد بن منصور : سألت الحسن البصري عن قول الله : وإن من أهل الكتاب [ ص: 1079 ] الآية - قال : هم أهل الكتاب الذين كانوا قبل محمد - صلى الله عليه وسلم - فاتبعوه وعرفوا الإسلام ، فأعطاه الله أجر اثنين : للذي كانوا عليه من الإيمان قبل محمد - صلى الله عليه وسلم - واتباعهم محمدا - صلى الله عليه وسلم - رواه ابن أبي حاتم - .
وقد ثبت في الصحيحين عن أبي موسى قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « ثلاثة يؤتون أجورهم مرتين » ، فذكر منهم رجلا من أهل الكتاب آمن بنبيه وآمن بي - أفاده ابن كثير - .
ثم إن الإخبار ، في آخر الآية ، بكونه تعالى : سريع الحساب كناية عن كمال علمه بمقادير الأجور ومراتب الاستحقاق ، وأنه يوفيها كل عامل على ما ينبغي ، وقدر ما ينبغي . ويجوز أن يكون كناية عن قرب إنجاز ما وعد من الأجر لكونه من لوازمها . ولكونه من لوازمها أشبه التأكيد ، فلذا لم يعطف عليه - والله أعلم - .
[ ص: 1080 ]
القول في تأويل قوله تعالى :
[ 200 ] يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون
يا أيها الذين آمنوا اصبروا أي : على مشاق الطاعات وما يمسكم من المكاره والشدائد : وصابروا أي : غالبوا أعداء الله في الصبر على شدائد الجهاد . لا تكونوا أقل صبرا منهم وثباتا . والمصابرة : باب من الصبر . ذكر بعد الصبر على ما يجب الصبر عليه ، تخصيصا ، لشدته وصعوبته - كذا في ( الكشاف ) - : ورابطوا أي : أقيموا على مرابطة الغزو في نحر العدو بالترصد والاستعداد لحربهم ، وارتباط الخيل . قال الله تعالى : ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم والرباط في الأصل أن يربط كل من الفريقين خيولهم في ثغره ، وكل معد لصاحبه ، ثم صار لزوم الثغر رباطا . وربما سميت الخيل أنفسها رباطا ، وقد يتجوز بالرباط عن الملازمة والمواظبة على الأمر ، فتسمى : رباطا ومرابطة .
قال الفارسي : هو ثان من لزوم الثغر ، ولزوم الثغر ثان من رباط الخيل . وقد وردت الأخبار بالترغيب في الرباط ، وكثرة أجره . فمنها ما رواه البخاري في صحيحه عن سهل [ ص: 1081 ] بن سعد الساعدي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : « رباط يوم في سبيل الله ، خير من الدنيا وما عليها » .
وروى مسلم عن سلمان الفارسي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : « رباط يوم وليلة ، خير من صيام شهر وقيامه » ، وإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمله ، وأجري عليه رزقه ، وأمن الفتان .
وروى الإمام أحمد عن فضالة بن عبيد قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : « كل ميت يختم على عمله ، إلا الذي مات مرابطا في سبيل الله ، فإنه ينمو عمله إلى يوم القيامة ، ويأمن فتنة القبر » ، وهكذا رواه أبو داود والترمذي وقال : حسن صحيح . وأخرجه ابن حبان في صحيحه أيضا . وبقيت أحاديث أخر ساقها الحافظ ابن كثير في تفسيره .
هذا ومن الوجوه في قوله تعالى : ( رابطوا ) أن يكون معناه انتظار الصلاة بعد الصلاة . فقد روى مسلم والنسائي عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : « ألا أخبركم بما يمحو الله به الخطايا ، ويرفع به الدرجات : إسباغ الوضوء على المكاره ، وكثرة الخطا إلى المساجد ، وانتظار الصلاة بعد الصلاة ، فذلكم الرباط ، فذلكم الرباط ، فذلكم الرباط » ، فشبه - صلى الله عليه وسلم - ما ذكر من الأفعال الصالحة بالرباط .
وروى الحاكم في ( مستدركه ) والحافظ ابن مردويه عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال : [ ص: 1082 ] أقبل علي أبو هريرة يوما فقال : أتدري ، يا ابن أخي ! فيم نزلت هذه الآية : يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا ؟ قلت : لا ؟ قال : أما إنه لم يكن في زمان النبي - صلى الله عليه وسلم - غزو يرابطون فيه ، ولكنها نزلت في قوم يعمرون المساجد ، ويصلون الصلاة في مواقيتها ، ثم يذكرون الله فيها ، فعليهم أنزلت : اصبروا أي : على الصلوات الخمس : وصابروا أنفسكم وهواكم ورابطوا في مساجدكم .
واتقوا الله فيما عليكم : لعلكم تفلحون أي : تفوزون بما يغتبط به ، و ( لعل ) لتغييب المآل . لئلا يتكلوا على الآمال .
[ ص: 1083 ] خاتمة
فيما ورد في الآيات الأواخر من هذه السورة ، وفي فضل هذه السورة بتمامها . قال الحافظ ابن كثير : قد ثبت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ هذه الآيات العشر من آخر آل عمران إذا قام من الليل لتهجده .
روى البخاري عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : بت عند خالتي ميمونة فتحدث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع أهله ساعة ، ثم رقد ، فلما كان ثلث الليل الآخر ، قعد فنظر إلى السماء ، فقال : إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب ثم قام فتوضأ ، واستن ، ثم صلى إحدى عشرة ركعة ، ثم أذن بلال ، فصلى ركعتين ، ثم خرج فصلى بالناس الصبح - وهكذا رواه مسلم ، ورواه البخاري من طريق أخرى بلفظ : حتى إذا انتصف الليل ، أو قبله بقليل ، أو بعده بقليل ، استيقظ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من منامه ، فجعل يمسح النوم عن وجهه بيده ، ثم قرأ العشر الآيات الخواتيم من سورة آل عمران . . الحديث - وهكذا أخرجه الجماعة من طرق .
وروى ابن مردويه عن عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - قال : أمرني العباس أن أبيت بآل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . وأحفظ صلاته ، قال : فصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالناس صلاة العشاء الأخيرة ، حتى إذا لم يبق في المسجد أحد غيري ، قام فمر بي فقال : من هذا ؟ عبد الله ؟ قلت : نعم ! قال : فمه ؟ قلت : أمرني العباس أن أبيت بكم الليلة ، قال : فالحق ، الحق . [ ص: 1084 ] فلما دخل قال : افرش ، عبد الله ! فأتى بوسادة من مسوح ، قال : فنام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليها حتى سمعت غطيطه ، ثم استوى على فراشه قاعدا ، قال : فرفع رأسه إلى السماء فقال : « سبحان الملك القدوس » ثلاث مرات ثم تلا هذه الآيات من آخر سورة آل عمران حتى ختمها .
وقد روى مسلم وأبو داود والنسائي من حديث علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه حديثا في ذلك أيضا .
وروى ابن مردويه عن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج ذات ليلة بعد ما مضى ليل ، فنظر إلى السماء وتلا هذه الآية : إن في خلق السماوات والأرض إلى آخر السورة ، ثم قال : « اللهم اجعل في قلبي نورا ، وفي سمعي نورا ، وفي بصري نورا ، وعن يميني نورا ، وعن شمالي نورا ، ومن بين يدي نورا ، ومن خلفي نورا ، ومن فوقي نورا ، ومن تحتي نورا ، وأعظم لي نورا يوم القيامة » . وهذا الدعاء ثابت في بعض طرق الصحيح من رواية كريب عن ابن عباس - رضي الله عنه - .
وروى ابن مردويه وعبد بن حميد حديثا عن عائشة ، وفيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : « وما يمنعني أن أبكي وقد أنزل الله علي في هذه الليلة : إن في خلق السماوات والأرض إلى قوله : فقنا عذاب النار ثم قال : ويل لمن قرأ هذه الآيات ثم لم يتفكر فيها » .
ومما ورد في فضل هذه السورة ما أخرجه مسلم والترمذي من حديث النواس بن سمعان : « يؤتى بالقرآن يوم القيامة وأهله الذين كانوا يعملون به ، تقدمه سورة البقرة وآل عمران » . وضرب لهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة أمثال ، ما نسيتهن بعد ، قال : كأنهما غمامتان ، أو ظلتان سوداوان ، بينهما شرق ( أي : ضياء ونور ) ، أو كأنهما حزقان من طير صواف تحاجان عن صاحبهما .
والله سبحانه الموفق .
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|