عرض مشاركة واحدة
  #188  
قديم 27-06-2022, 08:15 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,301
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله



تفسير "محاسن التأويل"

محمد جمال الدين القاسمي
سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ
المجلد الرابع
صـ 1036 الى صـ 1042
الحلقة (188)


القول في تأويل قوله تعالى :

[ 171 ] يستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين

يستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين أي : يسرون بما أنعم الله عليهم ، وما تفضل عليهم من زيادة الكرامة ، وتوفير أجرهم عليهم .

قال أبو السعود : كرر لبيان أن الاستبشار المذكور ليس بمجرد عدم الخوف والحزن ، بل به وبما يقارنه ، من نعمة عظيمة ، لا يقادر قدرها ، وهي ثواب أعمالهم . ثم قال : والمراد بالمؤمنين : إما الشهداء ، والتعبير عنهم بالمؤمنين للإيذان بسمو رتبة الإيمان ، وكونه مناطا لما نالوه من السعادة . وإما كافة أهل الإيمان من الشهداء وغيرهم ، ذكرت توفية أجورهم على إيمانهم ، وعدت من جملة ما يستبشر به الشهداء بحكم الأخوة في الدين - انتهى - .

وقال ابن القيم : إن الله تعالى عزى نبيه وأولياءه عمن قتل منهم في سبيله أحسن تعزية وألطفها وأدعاها إلى الرضا بما قضاه لهم بقوله : ولا تحسبن الآيات - فجمع لهم إلى الحياة الدائمة ، منزلة القرب منه ، وأنهم عنده ، وجريان الرزق المستمر عليهم ، وفرحهم بما آتاهم من فضله ، وهو فوق الرضا ، بل هو كمال الرضا ، واستبشارهم بإخوانهم الذين باجتماعهم بهم يتم سرورهم ونعيمهم ، واستبشارهم بما يجدد لهم كل وقت من نعمته وكرامته ، وذكرهم سبحانه في أثناء هذه المحنة بما هو أعظم منة ونعمة عليهم ، التي قابلوا بها كل محنة تنالهم وبلية تلاشت في جنب هذه المنة والنعمة ، ولم يبق لها أثر ألبتة ، وهي منته ، عليهم بإرسال رسول من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وينقذهم من الضلال ، الذي كانوا فيه قبل إرساله ، إلى الهدى ، ومن الشقاء إلى الفلاح ، ومن الظلمة إلى النور ، ومن الجهل إلى العلم . فكل بلية ومحنة تنال العبد بعد حصول هذا الخبر العظيم له - أمر يسير جدا في جنب الخير الكثير . كما ينال الناس بأذى المطر ، في جنب ما يحصل لهم به من الخير . وأعلمهم أن سبب المصيبة من عند أنفسهم ، ليحذروا ، وأنها بقضائه [ ص: 1037 ] وقدره ، ليوحدوه ويتكلوا عليه ، ولا يخافوا غيره ، وأخبرهم بما له فيها من الحكم لئلا يتهموا في قضائه وقدره ، وليتعرف إليهم بأنواع صفاته وأسمائه . وسلاهم بما أعطاهم مما هو أجل قدرا وأعظم خطرا مما فاتهم من النصر والغنيمة ، وعزاهم عن قتلاهم بما نالوه من ثوابه وكرامته ، لينافسوا فيه ، ولا يحزنوا عليهم ، فله الحمد كما هو أهله ، وكما ينبغي لكرم وجهه ، وعز جلاله .

ثم قال ابن القيم : ولما انقضت الحرب ، انكفأ المشركون ، فظن المسلمون أنهم قصدوا المدينة لإحراز الذراري والأموال ، فشق ذلك عليهم ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لعلي بن أبي طالب : « اخرج في آثار القوم فانظر ماذا يصنعون ، وماذا يريدون ، فإن هم جنبوا الخيل ، وامتطوا الإبل ، فإنهم يريدون مكة ، وإن كانوا ركبوا الخيل ، وساقوا الإبل ، فإنهم يريدون المدينة ، فوالذي نفسي بيده ! لئن أرادوها لأسيرن إليهم ، ثم لأناجزهم فيها » . قال علي : فخرجت في آثارهم أنظر ماذا يصنعون ، فجنبوا الخيل ، وامتطوا الإبل ، ووجهوا مكة . ولما عزموا على الرجوع إلى مكة ، أشرف على المسلمين أبو سفيان ، ثم ناداهم : موعدكم الموسم ببدر . فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : « قولوا : نعم قد فعلنا » . قال أبو سفيان : فذلكم الموعد . ثم انصرف هو وأصحابه ، فلما كان في بعض الطريق ، تلاوموا فيما بينهم ، وقال بعضهم لبعض : لم تصنعوا شيئا ! أصبتم شوكتهم وحدهم ثم تركتموهم ، وقد بقي منهم رؤوس يجمعون لكم ، فارجعوا حتى نستأصل شأفتهم ، فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنادى في الناس ، وندبهم إلى المسير إلى لقاء عدوهم ، وقال : « لا يخرج معنا إلا من شهد القتال » ، فقال له عبد الله بن أبي : أركب معك ، قال : لا . فاستجاب له المسلمون على ما بهم من القرح الشديد والخوف ، وقالوا : سمعا وطاعة ، واستأذنه جابر بن عبد الله وقال : يا رسول الله ! إني أحب أن لا تشهد مشهدا إلا كنت معك ، وإنما خلفني أبي على بناته ، فأذن لي أسير معك ، فأذن له ، فسار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمسلمون معه حتى بلغوا حمراء الأسد ، وأقبل [ ص: 1038 ] معبد بن أبي معبد الخزاعي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأسلم . فأمره أن يلحق بأبي سفيان فيخذله ، فلحقه بالروحاء - ولم يعلم بإسلامه - فقال : ما وراءك يا معبد ؟ فقال : محمد وأصحابه قد تحرقوا عليكم ، وخرجوا في جمع لم يخرجوا مثله ، وقد ندم من كان تخلف عنهم من أصحابهم . فقال : ما تقول ؟ فقال : ما أرى أن ترتحل حتى يطلع أول الجيش من وراء هذه الأكمة ، فقال أبو سفيان : والله لقد أجمعنا الكرة عليهم لنستأصلهم ، قال : فلا تفعل ، فإني لك ناصح ، فرجعوا على أعقابهم إلى مكة - انتهى - وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى : القول في تأويل قوله تعالى :

[ 172 ] الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم

الذين استجابوا لله والرسول أي : دعوة الله ورسوله إلى الخروج في طلب أبي سفيان إرهابا له : من بعد ما أصابهم القرح بأحد : للذين أحسنوا منهم بطاعته : واتقوا مخالفته : أجر عظيم روى البخاري عن عائشة - رضي الله عنها - في هذه الآية ، قالت لعروة : يا ابن أختي ! كان أبواك منهم : الزبير وأبو بكر رضي الله عنهما . لما أصاب نبي الله - صلى الله عليه وسلم - ما أصابهم يوم أحد ، وانصرف عنه المشركون ، خاف أن يرجعوا فقال : من يذهب في أثرهم ؟ فانتدب منهم سبعون رجلا فيهم أبو بكر والزبير ، قال أبو هشام : ولما ثنى معبد أبا سفيان ومن معه - كما تقدم - مر بأبي سفيان ركب من عبد القيس ، فقال : أين تريدون ؟ [ ص: 1039 ] قالوا : نريد المدينة ، قال : ولم ؟ قالوا : نريد الميرة ، قال : فهل أنتم مبلغون عني محمدا رسالة أرسلكم بها إليه ، وأحمل لكم هذه غدا زبيبا بعكاظ إذا وافيتمونا ؟ قالا : نعم ، قال : فإذا وافيتموه فأخبروه أنا قد جمعنا المسير إليه وإلى أصحابه لنستأصل بقيتهم ، فمر الركب برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو بحمراء الأسد ، فأخبروه بالذي قال أبو سفيان وأصحابه ، فقالوا : حسـبنا الله ونعم الوكيل ، فأنزل الله تعالى في ذلك : القول في تأويل قوله تعالى :

[ 173 ] الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل

الذين قال لهم الناس أي : الركب المستقبل لهم : إن الناس أي : أبا سفيان وأصحابه : قد جمعوا لكم أي : الجموع ليستأصلوكم : فاخشوهم ولا تأتوهم : فزادهم أي : ذلك القول : إيمانا أي : تصديقا بالله ويقينا . والمعنى : أنهم لم يلتفتوا إليه ولم يضعفوا ، بل ثبت به عزمهم على طاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - في كل ما يأمر به وينهى عنه . وفي الآية دليل على أن الإيمان يتفاوت زيادة ونقصانا ، فإن ازدياد اليقين بتناصر الحجج ، وكثرة التأمل ، مما لا ريب فيه : وقالوا حسبنا الله أي : كافينا أمرهم من غير عدة لنا ولا عدد : ونعم الوكيل أي : الموكول إليه والمفوض إليه الأمر .
القول في تأويل قوله تعالى :

[ 174 ] فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم

فانقلبوا أي : رجعوا من حمراء الأسد : بنعمة من الله وفضل يعني : العافية وكمال الشجاعة وزيادة الإيمان والتصلب في الدين : لم يمسسهم سوء أي : لم يصبهم قتل [ ص: 1040 ] ولا جراح : واتبعوا رضوان الله أي : في طاعة رسوله بخروجهم وجراءتهم : والله ذو فضل عظيم حيث تفضل عليهم بالعافية وما ذكر معها ، وبالحفظ عن كل ما يسوؤهم . وفيه تحسير للمتخلف وتخطئة رأيه حيث حرم نفسه ما فازوا به .

فائدة :

قال السيوطي في ( الإكليل ) : في قوله تعالى : وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل استحباب هذه الكلمة عند الغم والأمور العظيمة .

تنبيه :

حمل الآية على غزوة حمراء الأسد ، هو ما قاله الحسن وقتادة وعكرمة وغير واحد . وروي أنها نزلت في غزوة بدر الصغرى . قال ابن أبي نجيح عن مجاهد : في قوله تعالى : الذين قال لهم الناس الآية ، أن أبا سفيان قال - لما انصرف من أحد - : موعدكم بدر حيث قتلتم أصحابنا ! فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : « عسى ! » فانطلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لموعده حتى نزل بدرا ، فوافقوا السوق فيها ، فابتاعوا ، فذلك قوله تعالى : فانقلبوا بنعمة من الله وفضل الآية - قال : وهي غزوة بدر الصغرى - رواه ابن جرير - وأخرج أيضا عن ابن جريج قال : لما عمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لموعد أبي سفيان ، فجعلوا يلقون المشركين فيسألونهم عن قريش ، فيقولون : قد جمعوا لكم ؛ يكيدونهم بذلك ، يريدون أن يرعبوهم ، فيقول المؤمنون : حسبنا الله ونعم الوكيل حتى قدموا بدرا ، فوجدوا أسواقها عافية ، لم ينازعهم فيها أحد .

وروى البيهقي عن عكرمة عن ابن عباس في قوله : فانقلبوا بنعمة من الله وفضل قال : النعمة أنهم سلموا ، والفضل أن عيرا مرت في أيام الموسم ، فاشتراها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فربح فيها مالا ، فقسمه بين أصحابه .

قال ابن القيم في ( الهدي ) : إن أبا سفيان قال عند انصرافه من أحد : موعدكم وإيانا العام القابل ببدر ، فلما كان شعبان ، وقيل : ذو القعدة من العام القابل ، خرج رسول الله [ ص: 1041 ] صلى الله عليه وسلم لموعده في ألف وخمسمائة ، وكانت الخيل عشرة أفراس ، وحمل لواءه علي بن أبي طالب ، واستخلف على المدينة عبد الله بن رواحة ، فانتهى إلى بدر ، فأقام به ثمانية أيام ينتظر المشركين ، وخرج أبو سفيان بالمشركين من مكة ، وهم ألفان ، ومعهم خمسون فرسا ، فلما انتهوا إلى مر الظهران - مرحلة من مكة - قال لهم أبو سفيان : إن العام عام جدب ، وقد رأيت أن أرجع بكم ، فانصرفوا راجعين ، وأخلفوا الموعد ، فسميت هذه : بدر الموعد ، وتسمى : بدر الثانية - انتهى - .

قال ابن كثير : والصحيح أن الآية نزلت في شأن غزوة حمراء الأسد .
القول في تأويل قوله تعالى :

[ 175 ] إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين

إنما ذلكم الشيطان أي : قول الشيطان : يخوف أولياءه أي : يخوفكم بقوله ، أولياءه : الكفار ، وحينئذ فأولياءه ثاني مفعولي يخوف ، والأول محذوف ، أي : يخوفكم أولياءه ، كما قرئ كذلك ، وقيل : لا حذف فيه ، والمعنى يخوف من يتبعه ، فأما من توكل على الله فلا يخافه : فلا تخافوهم أي : أولياءه : وخافون في مخالفة أمري ورسولي : إن كنتم مؤمنين فإن الإيمان يقتضي إيثار خوف الله تعالى على خوف غيره .
القول في تأويل قوله تعالى :

[ 176 ] ولا يحزنك الذين يسارعون في الكفر إنهم لن يضروا الله شيئا يريد الله ألا يجعل لهم حظا في الآخرة ولهم عذاب عظيم

ولا يحزنك الذين يسارعون في الكفر أي : لا تهتم ولا تبال بما يلوح منهم من آثار الكيد للإسلام ومضرة أهله . وقرئ في السبع : ( يحزنك ) بضم الياء وكسر الزاي : [ ص: 1042 ] إنهم لن يضروا الله شيئا قال عطاء : يريد أولياء الله . نقله الرازي . قال أبو السعود : تعليل للنهي ، وتكميل للتسلية بتحقيق نفي ضررهم أبدا ، أي : لن يضروا بذلك أولياء الله البتة . وتعليق نفي الضرر به تعالى لتشريفهم والإيذان بأن مضارتهم بمنزلة مضارته سبحانه ، وفيه مزيد مبالغة في التسلية .

وقال المهايمي : أي : لن يضروا أولياء الله ، لأنهم يحميهم الله ، فلو أضروهم لأضروا الله بتعجيزهم إياه عن حمايتهم ، ولا يمكنهم أن يعجزوه شيئا بل : يريد الله أن يضرهم الضرر الكلي وهو : ألا يجعل لهم حظا في الآخرة أي : نصيبا من الثواب في الآخرة : ولهم عذاب عظيم قال بعض المفسرين : ثمرة هذه الآية أنه لا يجب الاغتمام من معصية العاصين .


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 34.91 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 34.28 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.80%)]