12- تأويل قوله تعالى { ولكم في الأرض مستقر}
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ):{ولكم في الأرض مستقرٌّ}: موضع استقرار.
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ): اختلف أهل التّأويل في تأويل ذلك :
- فقال بعضهم بما حدّثني المثنّى بن إبراهيم، قال: حدّثنا آدم العسقلانيّ، قال: حدّثنا أبو جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية: في قوله: {ولكم في الأرض مستقرٌّ} قال: (هو قوله: {الّذي جعل لكم الأرض فراشًا}).
- حدّثت عن عمّار بن الحسن، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع: في قوله: {ولكم في الأرض مستقرٌّ} قال: (هو قوله:{جعل لكم الأرض قرارًا})
وقال آخرون: معنى ذلك: ولكم في الأرض قرارٌ في القبور. ذكر من قال ذلك:
- حدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرو بن حمّادٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {ولكم في الأرض مستقرٌّ} قال
القبور).
-وحدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: حدّثني عبد الرّحمن بن مهديٍّ، عن إسرائيل، عن إسماعيل السّدّيّ، قال: حدّثني من، سمع ابن عبّاسٍ، قال: {ولكم في الأرض مستقرٌّ} قال: (القبور).
- وحدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: {ولكم في الأرض مستقرٌّ} قال: (مقامهم فيها).
والمستقرّ في كلام العرب هو موضع الاستقرار فإذا كان ذلك كذلك، فحيث كان من الأرض موجودًا حالًّا، فذلك المكان من الأرض مستقرّه ..
وإنّما عنى اللّه جلّ ثناؤه بذلك: أنّ لهم في الأرض مستقرًّا ومنزلاً بأماكنهم ومستقرّهم من الجنّة والسّماء.
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311ه):وقوله عزّ وجلّ {ولكم في الأرض مستقرّ} أي: مقام وثبوت.
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327ه) قوله: {ولكم في الأرض مستقرٌّ}
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا عبيد اللّه بن موسى، أنبأ إسرائيل، عن السّدّيّ، عن ابن عبّاسٍ في قوله: {ولكم في الأرض مستقرٌّ} قال
المستقرّ: القبور).
- حدّثنا أبي، ثنا محمّد بن حاتمٍ الزّمّيّ، ثنا عبيدة بن حميدٍ، عن عمّارٍ الدّهنيّ، عن حميدٍ المدنيّ، عن كريبٍ، عن ابن عبّاسٍ: قوله: {ولكم في الأرض مستقرٌّ} قال: (مستقرٌّ فوق الأرض، ومستقرٌّ تحت الأرض) .
حدّثنا عصام بن روّادٍ، ثنا آدم، ثنا أبو جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية في قوله: {ولكم في الأرض مستقرٌّ} قال: «هو قوله: {الّذي جعل لكم الأرض فراشًا}»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 89-90]ـ
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437ه): {مُسْتَقَرّ}: ثبات ـ
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) :
- {ولكم في الأرض مستقرٌّ} أي: موضع استقرار قاله أبو العالية وابن زيد
- وقال السدي: «المراد الاستقرار في القبور، والمتاع ما يستمتع به من أكل ولبس وحياة، وحديث، وأنس، وغير ذلك». وأنشد سليمان بن عبد الملك حين وقف على قبر ابنه أيوب إثر دفنه :
وقفت على قبر غريب بقفرة ....... متاع قليل من حبيب مفارق
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 ه ): {وقلنا اهبطوا بعضكم لبعضٍ عدوٌّ ولكم في الأرض مستقرٌّ ومتاعٌ إلى حينٍ} أي: قرارٌ وأرزاقٌ وآجالٌ .
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 ه) : {ولكم في الأرض مستقر}، قال: (القبور)
وأخرج أبو الشيخ عن ابن مسعود في قوله: {ولكم في الأرض مستقر}: (فوق الأرض ومستقر تحت الأرض) .
13- معنى قوله تعالى { ومتاع إلى حين }
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210ه): إلى غاية ووقت .
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276) : {ومتاعٌ} أي: متعة. {إلى حينٍ} يريد إلى أجل). [تفسير غريب القرآن: 46 ].
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : القول في تأويل قوله تعالى: {ومتاعٌ إلى حينٍ }
اختلف أهل التّأويل في تأويل ذلك:
فقال بعضهم: ولكم فيها بلاغٌ إلى الموت. ذكر من قال ذلك:
- حدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرو بن حمّادٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: في قوله: {ومتاعٌ إلى حينٍ} قال: (يقول: بلاغٌ إلى الموت).
- حدّثني المثنى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبيد الله بن موسى، عن إسرائيل، عن السّدّيّ عمن حدّثه، عن ابن عبّاسٍ: {ومتاعٌ إلى حينٍ} قال: (الحياة).
وقال آخرون: يعني بقوله: {ومتاعٌ إلى حينٍ} إلى قيام السّاعة، ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى بن إبراهيم، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {ومتاعٌ إلى حينٍ} قال: (إلى يوم القيامة، إلى انقطاع الدّنيا).
وقال آخرون: {إلى حينٍ}: إلى أجلٍ، ذكر من قال ذلك:
- حدّثت عن عمّار بن الحسن، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع: {ومتاعٌ إلى حينٍ} قال
إلى أجلٍ).
المتاع في كلام العرب: كلّ ما استمتع به من شيءٍ فى معاشٍ استمتع به أو رياشٍ أو زينةٍ أو لذّةٍ أو غير ذلك. فإذا كان ذلك كذلك، وكان اللّه جلّ ثناؤه قد جعل حياة كلّ حيٍّ متاعًا له يستمتع بها أيّام حياته، وجعل الأرض للإنسان متاعًا أيّام حياته بقراره عليها، واغتذائه بما أخرج اللّه منها من الأقوات والثّمار، والتذاذه بما خلق فيها من الملاذ وجعلها من بعد وفاته لجثّته كفاتًا، ولجسمه منزلاً وقرارًا، وكان اسم المتاع يشمل جميع ذلك؛ كان أولى التّأويلات بالآية، إذ لم يكن اللّه جلّ ثناؤه وضع دلالةً دالّةً على أنّه قصد بقوله {ومتاعٌ إلى حينٍ} بعضًا دون بعضٍ، وخاصًّا دون عامٍّ في عقلٍ ولا خبرٍ؛ أن يكون ذلك في معنى العامّ، وأن يكون الخبر أيضًا كذلك إلى وقتٍ بطول استمتاع بني آدم وبني إبليس بها، وذلك إلى أن تبدّل الأرض غير الأرض .
فإذ كان ذلك أولى التّأويلات بالآية لما وصفنا، فالواجب إذًا أن يكون تأويل الآية: ولكم في الأرض منازل ومساكن، تستقرّون فيها استقراركم كان في السّموات، وفي الجنّات في منازلكم منها، واستمتاعٌ منكم بها وبما أخرجت لكم منها، وبما جعلت لكم فيها من المعاش والرّياش والزّين والملاذ، وبما أعطيتكم على ظهرها أيّام حياتكم ومن بعد وفاتكم لأرماسكم وأجداثكم، تدفنون فيها وتبلغون باستمتاعكم بها إلى أن أبدلكم بها غيرها). [جامع البيان: 1/ 577-579].
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ):وقوله {إلى حين} قال قوم: معنى الحين ههنا: إلى يوم القيامة، وقال قوم: إلى فناء الآجال، أي: كل مستقر إلى فناء أجله، والحين والزمان في اللغة منزلة واحدة، وبعض الناس يجعل الحين -في غير هذا الموضع-: ستة أشهر، دليله قوله: {تؤتي أكلها كلّ حين بإذن ربّها}، وإنما {كل حين} ههنا جعل لمدة معلومة، والحين يصلح للأوقات كلها إلا أنه -في الاستعمال- في الكثير منها أكثر، يقال: ما رأيتك منذ حين، تريد منذ حين طويل، والأصل على ما أخبرنا به). [معاني القرآن: 1 /115-116].
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ) : قوله { ومتاع }
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّادٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ قوله: {ومتاعٌ إلى حينٍ} يقول: «بلاغٌ إلى الموت»). [تفسير القرآن العظيم: 1/90] .
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): قوله { إلى حين }
-حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا عبيد اللّه، أنبأ إسرائيل، عن السّدّيّ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ: {ومتاعٌ إلى حينٍ} قال
الحياة).
-حدّثنا أبي، ثنا محمّد بن حاتمٍ الزّمّيّ، ثنا عبيدة بن حميدٍ، عن عمّارٍ الدّهنيّ، عن حميدٍ المدنيّ، عن كريبٍ، عن ابن عبّاسٍ: قوله: {ومتاعٌ إلى حينٍ} قال
حتّى يصير إلى الجنّة أو النّار).
-حدّثني عبد اللّه بن أحمد بن عبد الرّحمن بن عبد اللّه بن سعدٍ، حدّثني أبي -يعني أحمد بن عبد الرّحمن-، عن أبيه، عن إبراهيم -يعني الصّائغ-، عن يزيد النّحويّ، قال: قال عكرمة: {ومتاعٌ إلى حينٍ} قال: «الحين الّذي لا يدرك»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 90]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437ه) : {وَمَتَاعٌ}: منافع. {إِلَى حِينٍ}: إلى أجل ومدة. [العمدة في غريب القرآن: 73] .
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) :
واختلف المتأولون في الحين هاهنا :
- فقالت فرقة: إلى الموت، وهذا قول من يقول المستقر هو المقام في الدنيا.
- وقالت فرقة: {إلى حينٍ}: إلى يوم القيامة، وهذا قول من يقول: المستقر هو في القبور.
ويترتب أيضا على أن المستقر في الدنيا أن يراد بقوله: {ولكم} أي: لأنواعكم في الدنيا استقرار ومتاع قرنا بعد قرن إلى يوم القيامة.
والحين المدة الطويلة من الدهر، أقصرها في الأيمان والالتزامات سنة . قال الله تعالى: {تؤتي أكلها كلّ حينٍ بإذن ربّها} [إبراهيم: 25] وقد قيل: أقصرها ستة أشهر، لأن من النخل ما يثمر في كل ستة أشهر، وقد يستعمل الحين في المحاورات في القليل من الزمن.
وفي قوله تعالى: {إلى حينٍ} فائدة لآدم عليه السلام، ليعلم أنه غير باق فيها ومنتقل إلى الجنة التي وعد بالرجوع إليها، وهي لغير آدم دالة على المعاد.
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 ه) :{ومتاع إلى حين} قال: (الحياة)، وقال: {ومتاع إلى حين} حتى يصير إلى الجنة أو إلى النار.
يتبع