عرض مشاركة واحدة
  #230  
قديم 18-06-2022, 11:18 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,301
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد





تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الثالث
سُورَةُ الْأَعْرَافِ
الحلقة (230)
صــ215 إلى صــ 220



ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين

قوله تعالى: ادعوا ربكم تضرعا التضرع: التذلل والخضوع . والخفية: خلاف العلانية . قال الحسن: كانوا يجتهدون في الدعاء ، ولا تسمع إلا همسا . ومن هذا حديث أبي موسى: "أربعوا على أنفسكم ، إنكم لا تدعون أصم ولا غائبا" . وفي الاعتداء المذكور هاهنا قولان .

أحدهما: أنه الاعتداء في الدعاء . ثم فيه ثلاثة أقوال . أحدها: أن يدعو على المؤمنين بالشر ، كالخزي واللعنة ، قاله سعيد بن جبير ، ومقاتل . والثاني: أن يسأل ما لا يستحقه من منازل الأنبياء ، قاله أبو مجلز . والثالث: أنه الجهر في الدعاء ، قاله ابن السائب .

والثاني: أنه مجاوزة المأمور به ، قاله الزجاج .
ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها وادعوه خوفا وطمعا إن رحمت الله قريب من المحسنين

قوله تعالى: ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها فيه ستة أقوال .

أحدها: لا تفسدوها بالكفر بعد إصلاحها بالإيمان . والثاني: لا تفسدوها بالظلم بعد إصلاحها بالعدل . والثالث: لا تفسدوها بالمعصية بعد إصلاحها بالطاعة . والرابع: لا تعصوا فيمسك الله المطر ، ويهلك الحرث بمعاصيكم بعد أن أصلحها [ ص: 216 ] بالمطر والخصب . والخامس: لا تفسدوها بقتل المؤمن بعد إصلاحها ببقائه . والسادس: لا تفسدوها بتكذيب الرسل بعد إصلاحها بالوحي .

وفي قوله: وادعوه خوفا وطمعا قولان . أحدهما: خوفا من عقابه ، وطمعا في ثوابه . والثاني: خوفا من الرد وطمعا في الإجابة .

قوله تعالى: إن رحمت الله قريب من المحسنين قال الفراء: رأيت العرب تؤنث القريبة في النسب ، لا يختلفون في ذلك ، فإذا قالوا: دارك منا قريب ، أو فلانة منا قريب ، من القرب والبعد ، ذكروا وأنثوا ، وذلك أنهم جعلوا القريب خلفا من المكان ، كقوله: وما هي من الظالمين ببعيد [هود:83] ، و قوله تعالى: وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا [الأحزاب: 63] ، ولو أنث ذلك لكان صوابا . قال عروة:


عشية لا عفراء منك قريبة فتدنو ولا عفراء منك بعيد


وقال الزجاج : إنما قيل: "قريب" لأن الرحمة والغفران والعفو بمعنى واحد ، وكذلك كل تأنيث ليس بحقيقي . وقال الأخفش: جائز أن تكون الرحمة هاهنا في معنى المطر .
وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته حتى إذا أقلت سحابا ثقالا سقناه لبلد ميت فأنزلنا به الماء [ ص: 217 ] فأخرجنا به من كل الثمرات كذلك نخرج الموتى لعلكم تذكرون

قوله تعالى: وهو الذي يرسل الرياح قرأ أبو عمرو ، ونافع ، وابن عامر ، وعاصم:" الرياح" على الجمع . وقرأ ابن كثير ، وحمزة ، والكسائي:" الريح" على التوحيد . وقد يأتي لفظ التوحيد ، ويراد به الكثرة ، كقولهم: كثر الدرهم في أيدي الناس ، ومثله: إن الإنسان لفي خسر [العصر:2] .

قوله تعالى: نشرا قرأ أبو عمرو ، وابن كثير ، ونافع:" نشرا" بضم النون والشين; أرادوا جمع نشور ، وهي الريح الطيبة الهبوب ، تهب من كل ناحية وجانب . قال أبو عبيدة: النشر: المتفرقة من كل جانب . وقال أبو علي: يحتمل أن تكون النشور بمعنى المنشر ، وبمعنى المنتشر ، وبمعنى الناشر; يقال: أنشر الله الريح ، مثل أحياها ، فنشرت ، أي: حييت . والدليل على أن إنشار الريح إحياؤها قول الفقعسي:


وهبت له ريح الجنوب وأحييت له ريدة يحيي المياه نسيمها


ويدل على ذلك أن الريح قد وصفت بالموت .

قال الشاعر:


إني لأرجو أن تموت الريح فأقعد اليوم وأستريح


والريدة والريدانة: الريح . وقرأ ابن عامر ، وعبد الوارث ، والحسن البصري:" نشرا" بالنون مضمومة وسكون الشين ، وهي في معنى" نشرا" . يقال: كتب وكتب ، ورسل ورسل . وقرأ حمزة ، والكسائي ، وخلف ، والمفضل [ ص: 218 ] عن عاصم:" نشرا" بفتح النون وسكون الشين . قال الفراء: النشر: الريح الطيبة اللينة التي تنشئ السحاب . وقال ابن الأنباري: النشر: المنتشرة الواسعة الهبوب . وقال أبو علي: يحتمل النشر أن يكون خلاف الطي ، كأنها كانت بانقطاعها كالمطوية . ويحتمل أن يكون معناها ما قاله أبو عبيدة في النشر: أنها المتفرقة في الوجوه; ويحتمل أن يكون معناها: النشر الذي هو الحياة كقول الشاعر:


[حتى يقول الناس مما رأوا] يا عجبا للميت الناشر


قال: وهذا هو الوجه . وقرأ أبو رجاء العطاردي ، وإبراهيم النخعي ، ومسروق ، ومورق العجلي:" نشرا" بفتح النون والشين . قال ابن القاسم: وفي النشر وجهان .

أحدهما: أن يكون جمعا للنشور ، كما قالوا: عمود وعمد ، وإهاب وأهب .

والثاني: أن يكون جمعا ، واحده ناشر ، يجري مجرى قوله: غائب وغيب ، وحافد وحفد; وكل القراء نون الكلمة . وكذلك اختلافهم في (الفرقان:48) و(النمل:63) هذه قراءات من قرأ بالنون . وقد قرأ آخرون بالباء; فقرأ عاصم إلا المفضل:" بشرى" بالباء المضمومة وسكون الشين مثل فعلى . قال ابن الأنباري: وهي جمع بشيرة ، وهي التي تبشر بالمطر . والأصل ضم الشين ، إلا أنهم استثقلوا الضمتين . وقرأ ابن خثيم ، وابن جذلم مثله ، إلا أنهما نونا الراء . وقرأ أبو الجوزاء ، وأبو عمران ، وابن أبي عبلة: بضم الباء والشين ، وهذا على أنها جمع بشيرة . والرحمة هاهنا: المطر; سماه رحمة لأنه كان بالرحمة . و"أقلت" بمعنى حملت . قال الزجاج : السحاب: جمع سحابة . قال ابن فارس: سمي السحاب لانسحابه في الهواء . [ ص: 219 ] قوله تعالى: "ثقالا" أي: الماء . و قوله تعالى: سقناه رد الكناية إلى لفظ السحاب ، ولفظه لفظ واحد . وفي قوله:" لبلد" قولان .

أحدهما: إلى بلد . والثاني: لإحياء بلد . والميت: الذي لا ينبت فيه ، فهو محتاج إلى المطر . وفي قوله: فأنزلنا به ثلاثة أقوال .

أحدها: أن الكناية ترجع إلى السحاب . والثاني: إلى المطر ، ذكرهما الزجاج . والثالث: إلى البلد ، ذكره ابن الأنباري . فأما هاء فأخرجنا به فتحتمل الأقوال الثلاثة .

قوله تعالى: كذلك نخرج الموتى أي: كما أحيينا هذا البلد . وقال مجاهد: نحيي الموتى بالمطر كما أحيينا البلد الميت به . قال ابن عباس : يرسل الله تعالى بين النفختين مطرا كمني الرجال ، فينبت الناس به في قبورهم كما نبتوا في بطون أمهاتهم .

قوله تعالى: لعلكم تذكرون قال الزجاج : لعل: ترج . وإنما خوطب العباد على ما يرجوه بعضهم من بعض; والمعنى: لعلكم بما بيناه لكم تستدلون على توحيد الله ، وأنه يبعث الموتى .
والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا كذلك نصرف الآيات لقوم يشكرون

قوله تعالى: والبلد الطيب يعني الأرض الطيبة التربة ، يخرج نباته وقرأ ابن أبي عبلة:" يخرج" بضم الياء وكسر الراء ، " نباته" بنصب التاء ، والذي خبث لا يخرج كذلك أيضا . وقد روى أبان عن عاصم:" لا يخرج" بضم الياء وكسر الراء . والمراد بالذي خبث: الأرض السبخة .

قوله تعالى: إلا نكدا قرأ الجمهور: بفتح النون وكسر الكاف . وقرأ [ ص: 220 ] أبو جعفر:" نكدا" بفتح الكاف . وقرأ مجاهد ، وقتادة ، وابن محيصن: "نكدا" بإسكان الكاف . قال أبو عبيدة: قليلا عسيرا في شدة ، وأنشد;


لا تنجز الوعد إن وعدت وإن أعطيت أعطيت تافها نكدا


قال المفسرون: هذا مثل ضربه الله تعالى للمؤمن والكافر; فالمؤمن إذا سمع القرآن وعقله انتفع به وبان أثره عليه ، فشبه بالبلد الطيب الذي يمرع ويخصب ويحسن أثر المطر عليه; وعكسه الكافر .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 40.14 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 39.51 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.56%)]