عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 18-06-2022, 11:11 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,786
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد




تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الثالث
سُورَةُ الْأَعْرَافِ
الحلقة (222)
صــ167 إلى صــ 172



اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون

قوله تعالى: اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم إن قيل: كيف خاطبه بالإفراد في الآية الأولى ، ثم جمع بقوله: اتبعوا ؟ فعنه ثلاثة أجوبة .

أحدها: أنه لما علم أن الخطاب له ولأمته ، حسن الجمع لذلك المعنى .

والثاني: أن الخطاب الأول خاص له; والثاني: محمول على الإنذار ، والإنذار في طريق القول ، فكأنه قال: لتقول لهم منذرا: اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ذكرهما ابن الأنباري .

والثالث أن الخطاب الثاني للمشركين ، ذكره جماعة من المفسرين; قال: والذي أنزل إليهم القرآن . وقال الزجاج : الذي أنزل: القرآن وما أتى عن النبي صلى الله عليه وسلم ، لأنه مما أنزل عليه ، لقوله تعالى: وما آتاكم الرسول فخذوه ، [ ص: 167 ] وما نهاكم عنه فانتهوا [الحشر:7] . ولا تتبعوا من دونه أولياء أي لا تتولوا من عدل عن دين الحق; وكل من ارتضى مذهبا فهو ولي أهل المذهب . و قوله تعالى: قليلا ما تذكرون ما: زائدة مؤكدة; والمعنى: قليلا تتذكرون . قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وأبو بكر عن عاصم: " تذكرون " مشددة الذال والكاف . وقرأ حمزة ، والكسائي ، وحفص عن عاصم:" تذكرون" خفيفة الذال مشددة الكاف . قال أبو علي: من قرأ " تذكرون" بالتشديد ، أراد " تتذكرون " فأدغم التاء في الذال; وإدغامها فيها حسن ، لأن التاء مهموسة ، والذال مجهورة; والمجهور أزيد صوتا من المهموس وأقوى; فإدغام الأنقص في الأزيد حسن . وأما حمزة ومن وافقه ، فإنهم حذفوا التاء التي أدغمها هؤلاء ، وذلك حسن لاجتماع ثلاثة أحرف متقاربة . وقرأ ابن عامر: " يتذكرون " بياء وتاء على الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم; والمعنى: قليلا ما يتذكر هؤلاء الذين ذكروا بهذا الخطاب .
وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا بياتا أو هم قائلون

قوله تعالى: وكم من قرية أهلكناها كم تدل على الكثرة ، و"رب" موضوعة للقلة . قال الزجاج : المعنى: وكم من أهل قرية ، فحذف الأهل ، لأن في الكلام دليلا عليه .

و قوله تعالى: فجاءها بأسنا محمول على لفظ القرية; والمعنى: فجاءهم بأسنا غفلة وهم غير متوقعين له; إما ليلا وهم نائمون ، أو نهارا وهم قائلون . قال ابن قتيبة: بأسنا: عذابنا . وبياتا: ليلا . وقائلون: من القائلة نصف النهار . فإن قيل: إنما أتاها البأس قبل الإهلاك ، فكيف يقدم الهلاك؟ فعنه ثلاثة أجوبة . [ ص: 168 ] أحدها: أن الهلاك والبأس يقعان معا ، كما تقول: أعطيتني فأحسنت; وليس الإحسان بعد الإعطاء ولا قبله ، وإنما وقعا معا ، قاله الفراء .

والثاني: أن الكون مضمر في الآية ، تقديره: أهلكناها ، وكان بأسنا قد جاءها ، فأضمر الكون ، كما أضمر في قوله: واتبعوا ما تتلو الشياطين [البقرة:102] ، أي: ما كانت الشياطين تتلوه . وقوله تعالى: إن يسرق [يوسف:77] أي: إن يكن سرق .

والثالث: أن في الآية تقديما وتأخيرا ، تقديره: وكم من قرية جاءها بأسنا بياتا ، أو هم قائلون فأهلكناها ، كقوله تعالى: إني متوفيك ورافعك إلي [آل عمران:55] ، أي: رافعك ومتوفيك ، ذكرهما ابن الأنباري .

قوله تعالى: أو هم قائلون قال الفراء: فيه واو مضمرة; والمعنى: فجاءها بأسنا بياتا ، أو وهم قائلون ، فاستثقلوا نسقا على نسق .
فما كان دعواهم إذ جاءهم بأسنا إلا أن قالوا إنا كنا ظالمين

قوله تعالى: فما كان دعواهم قال اللغويون: الدعوى هاهنا بمعنى الدعاء والقول . والمعنى: ما كان قولهم وتداعيهم إذ جاءهم العذاب إلا الاعتراف بالظلم . قال ابن الأنباري: وللدعوى في الكلام موضعان .

أحدهما: الادعاء . والثاني: القول والدعاء . [ ص: 169 ] قال الشاعر:


إذا مذلت رجلي دعوتك أشتفي بدعواك من مذل بها فيهون

فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين . فلنقصن عليهم بعلم وما كنا غائبين

قوله تعالى: فلنسألن الذين أرسل إليهم يعني: الأمم يسألون: هل بلغكم الرسل ، وماذا أجبتم؟ ويسأل الرسل: هل بلغتم ، وماذا أجبتم؟ فلنقصن عليهم أي: فلنخبرنهم بما عملوا بعلم منا وما كنا غائبين عن الرسل والأمم . وقال ابن عباس : يوضع الكتاب ، فيتكلم بما كانوا يعملون .
والوزن يومئذ الحق فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون

قوله تعالى: والوزن يومئذ الحق أي: العدل . وإنما قال: موازينه لأن "من " في معنى جميع ، يدل عليه قوله: فأولئك وفي معنى يظلمون قولان .

أحدهما: يجحدون . والثاني: يكفرون .

قال الفراء: والمراد بموازينه: وزنه . والعرب تقول: هل لك في درهم بميزان درهمك ، ووزن درهمك ، ويقولون: داري بميزان دارك ، ووزن دارك; ويريدن: حذاء دارك . [ ص: 170 ] قال الشاعر:
قد كنت قبل لقائكم ذا مرة عندي لكم مخاصم ميزانه


يعني: مثل كلامه ولفظه .

فصل

والقول بالميزان مشهور في الحديث ، وظاهر القرآن ينطق به . وأنكرت المعتزلة ذلك ، وقالوا: الأعمال أعراض ، فكيف توزن؟ فالجواب: أن الوزن يرجع إلى الصحائف ، بدليل حديث عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن الله عز وجل يستخلص رجلا من أمتي على رؤوس الناس يوم القيامة فينشر عليه تسعة وتسعين سجلا ، كل سجل مد البصر ، ثم يقول له: أتنكر من هذا شيئا؟ أظلمتك كتبتي الحافظون؟ فيقول: لا يا رب . فيقول: ألك عذر أو حسنة؟ فيبهت الرجل ، فيقول: لا يا رب; فيقول: بلى ، إن لك عندنا حسنة واحدة ، لا ظلم عليك اليوم ، فيخرج له بطاقة فيها ، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، فتوضع السجلات في كفة ، والبطاقة في كفة; قال: فطاشت السجلات وثقلت البطاقة" أخرجه أحمد في مسنده" ، والترمذي وروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: يؤتى بالرجل الطويل الأكول [ ص: 171 ] الشروب ، فلا يزن جناح بعوضة" ، فعلى هذا يوزن الإنسان . قال ابن عباس : توزن الحسنات والسيئات في ميزان ، له لسان وكفتان . فأما المؤمن ، فيؤتى بعمله في أحسن صورة ، فيوضع في كفة الميزان ، فتثقل حسناته على سيئاته ، وأما الكافر ، فيؤتى بعمله في أقبح صورة ، فيوضع في كفة الميزان ، فيخف وزنه . وقال الحسن: للميزان لسان وكفتان . وجاء في الحديث: أن داود عليه السلام سأل ربه أن يريه الميزان ، فأراه إياه; فقال: يا إلهي ، من يقدر أن يملأ كفتيه حسنات؟ فقال: يا داود ، إني إذا رضيت عن عبدي ، ملأتها بتمرة . وقال حذيفة: جبريل صاحب الميزان يوم القيامة ، فيقول له ربه: زن بينهم ، ورد من بعضهم على بعض; فيرد على المظلوم من الظالم ما وجد له من حسنة . فإن لم تكن له حسنة ، أخذ من سيئات المظلوم ، فرد على سيئات الظالم ، فيرجع وعليه مثل الجبال .

فإن قيل: أليس الله يعلم مقادير الأعمال ، فما الحكمة في وزنها؟ فالجواب أن فيه خمسة حكم .

أحدها: امتحان الخلق بالإيمان بذلك في الدنيا . والثانية: إظهار علامة السعادة والشقاوة في الأخرى . والثالثة: تعريف العباد ما لهم من خير وشر . والرابعة: إقامة الحجة عليهم . والخامسة: الإعلام بأن الله عادل لا يظلم . ونظير هذا أنه أثبت الأعمال في كتاب ، واستنسخها من غير جواز النسيان عليه .
[ ص: 172 ] ولقد مكناكم في الأرض وجعلنا لكم فيها معايش قليلا ما تشكرون

قوله تعالى: ولقد مكناكم في الأرض فيه قولان .

أحدهما: مكناكم إياها . والثاني: سهلنا عليكم التصرف فيها

وفي المعايش قولان .

أحدهما: ما تعيشون به من المطاعم والمشارب .

والثاني: ما تتوصلون به إلى المعايش ، من زراعة ، وعمل ، وكسب . وأكثر القراء على ترك الهمز في "معايش" وقد رواها خارجة عن نافع مهموزة . قال الزجاج : وجميع النحويين البصريين يزعمون أن همزها خطأ ، لأن الهمز إنما يكون في الياء الزائدة ، نحو صحيفة وصحائف; فصحيفة من الصحف; والياء زائدة ، فأما معايش ، فمن العيش; فالياء أصلية .

قوله تعالى: قليلا ما تشكرون أي: شكركم قليل . وقال ابن عباس : يريد أنكم غير شاكرين .


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 39.82 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 39.19 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.58%)]