عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 15-06-2022, 11:25 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,390
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن
صَاحِبِ الْفَضِيلَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
المجلد الرابع
الحلقة (307)

سُورَةُ الْأَنْبِيَاءِ
صـ 236 إلى صـ 242



وأما الجواب عن السؤال الثاني : فهو أن قوله : حيث أصاب يدل على أنها تجري بأمره حيث أراد من أقطار الأرض . وقوله : تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها [ ص: 236 ] [ 38 \ 36 ] لأن مسكنه فيها وهي الشام ، فترده إلى الشام . وعليه فقوله : حيث أصاب في حالة الذهاب . وقوله : إلى الأرض التي باركنا فيها في حالة الإياب إلى محل السكنى . فانفكت الجهة فزال الإشكال . وقد قال نابغة ذبيان :


إلا سليمان إذ قال الإله له قم في البرية فاحددها عن الفند
وخيس الجن إني قد أذنت لهم يبنون تدمر بالصفاح والعمد
وتدمر : بلد بالشام . وذلك مما يدل على أن الشام هو محل سكناه كما هو معروف .
قوله تعالى : ومن الشياطين من يغوصون له ويعملون عملا دون ذلك وكنا لهم حافظين أنه في محل نصب عطفا على معمول سخرنا أي : وسخرنا له من يغوصون له من الشياطين . وقيل : " من " مبتدأ ، والجار والمجرور قبله خبره .

وقد ذكر - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة : أنه سخر لسليمان من يغوصون له من الشياطين ، أي : يغوصون له في البحار فيستخرجون له منها الجواهر النفيسة ، كاللؤلؤ والمرجان . والغوص : النزول تحت الماء ، والغواص : الذي يغوص البحر ليستخرج منه اللؤلؤ ونحوه . ومنه قول نابغة ذبيان :


أو درة صدفية غواصها بهج متى يرها يهل ويسجد
وقد ذكر - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة أيضا أن الشياطين المسخرين له يعملون له عملا دون ذلك ، أي : سوى ذلك الغوص المذكور ، أي : كبناء المدائن ، والقصور ، وعمل المحاريب ، والتماثيل ، والجفان ، والقدور الراسيات ، وغير ذلك من اختراع الصنائع العجيبة .

وقوله في هذه الآية الكريمة : وكنا لهم حافظين أي : من أن يزيغوا عن أمره ، أو يبدلوا أو يغيروا ، أو يوجد منهم فساد فيما هم مسخرون فيه . وهذه المسائل الثلاث التي تضمنتها هذه الآية الكريمة جاءت مبينة في غير هذا الموضع ، كقوله في الغوص والعمل سواء : والشياطين كل بناء وغواص الآية [ 38 \ 37 ] وقوله في العمل غير الغوص : ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه [ 34 \ 12 ] وقوله : يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات [ 34 \ 13 ] وكقوله في حفظهم من أن يزيغوا عن أمره : ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير [ 34 \ 12 ] [ ص: 237 ] وقوله : وآخرين مقرنين في الأصفاد [ 38 \ 38 ] .

وصفة البساط ، وصفة حمل الريح له ، وصفة جنود سليمان من الجن والإنس والطير كل ذلك مذكور بكثرة في كتب التفسير ، ونحن لم نطل به الكلام في هذا الكلام المبارك .
قوله تعالى : وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر وآتيناه أهله ومثلهم معهم رحمة من عندنا وذكرى للعابدين .

الظاهر أن قوله : وأيوب منصوب بـ " اذكر " مقدرا ، ويدل على ذلك قوله تعالى في " ص " : واذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه أني مسني الشيطان بنصب وعذاب [ 38 \ 41 ] .

وقد أمر - جل وعلا - في هاتين الآيتين الكريمتين نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن يذكر أيوب حين نادى ربه قائلا : أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين [ 21 \ 83 ] وأن ربه استجاب له فكشف عنه جميع ما به من الضر ، وأنه آتاه أهله ، وآتاه مثلهم معهم رحمة منه - جل وعلا - به وتذكيرا للعابدين ، أي الذين يعبدون الله ؛ لأنهم هم المنتفعون بالذكرى .

وهذا المعنى الذي ذكره هنا ذكره أيضا في سورة " ص " في قوله : واذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه أني مسني الشيطان بنصب وعذاب إلى قوله : لأولي الألباب [ 38 \ 41 - 43 ] والضر الذي مس أيوب ، ونادى ربه ليكشفه عنه كان بلاء أصابه في بدنه وأهله وماله . ولما أراد الله إذهاب الضر عنه أمره أن يركض برجله ففعل ، فنبعت له عين ماء ، فاغتسل منها ، فزال كل ما بظاهر بدنه من الضر ، وشرب منها فزال كل ما بباطنه . كما أشار تعالى إلى ذلك في قوله : اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب [ 38 \ 42 ] .

وما ذكره في " الأنبياء " من أنه آتاه أهله ومثلهم معهم رحمة منه وذكرى لمن يعبده بينه في " ص " في قوله : ووهبنا له أهله ومثلهم معهم رحمة منا وذكرى لأولي الألباب [ 38 \ 43 ] وقوله في " الأنبياء " : وذكرى للعابدين [ 21 \ 84 ] مع قوله في " ص " ، وذكرى لأولي الألباب [ 38 \ 43 ] فيه الدلالة الواضحة على أن أصحاب العقول السليمة من شوائب الاختلال هم الذين يعبدون الله وحده ويطيعونه . وهذا يؤيد قول من قال من أهل العلم : إن من أوصى بشيء من ماله لأعقل الناس أن تلك الوصية تصرف لأتقى الناس وأشدهم طاعة لله تعالى ؛ لأنهم هم أولو الألباب ، أي العقول [ ص: 238 ] الصحيحة السالمة من الاختلال .
تنبيه

في هذه الآيات المذكورة سؤال معروف ، وهو أن يقال : إن قول أيوب المذكور في " الأنبياء " في قوله : إذ نادى ربه أني مسني الضر وفي " ص " في قوله : إذ نادى ربه أني مسني الشيطان بنصب وعذاب يدل على أنه ضجر من المرض فشكا منه ، مع أن قوله تعالى عنه : إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب [ 38 \ 44 ] يدل على كمال صبره

والجواب أن ما صدر من أيوب دعاء وإظهار فقر وحاجة إلى ربه ، لا شكوى ولا جزع .

قال أبو عبد الله القرطبي في تفسير هذه الآية الكريمة : ولم يكن قوله : مسني الضر جزعا ؛ لأن الله تعالى قال : إنا وجدناه صابرا بل كان ذلك دعاء منه . والجزع في الشكوى إلى الخلق لا إلى الله تعالى ، والدعاء لا ينافي الرضا . قال الثعلبي : سمعت أستاذنا أبا القاسم بن حبيب يقول : حضرت مجلسا غاصا بالفقهاء والأدباء في دار السلطان ، فسئلت عن هذه الآية الكريمة بعد اجتماعهم على أن قول أيوب كان شكاية وقد قال الله تعالى : إنا وجدناه صابرا فقلت : ليس هذا شكاية ، وإنما كان دعاء ، بيانه فاستجبنا له والإجابة تتعقب الدعاء لا الاشتكاء . فاستحسنوه وارتضوه . وسئل الجنيد عن هذه الآية الكريمة فقال : عرفه فاقة السؤال ليمن عليه بكرم النوال . انتهى منه .

ودعاء أيوب المذكور ذكره الله في سورة " الأنبياء " من غير أن يسند مس الضر أيوب إلى الشيطان في قوله : أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين وذكره في سورة " ص " وأسند ذلك إلى الشيطان في قوله : أني مسني الشيطان بنصب وعذاب والنصب على جميع القراءات معناه : التعب والمشقة ، والعذاب : الألم . وفي نسبة ما أصابه من المشقة والألم إلى الشيطان في سورة " ص " هذه إشكال قوي معروف ؛ لأن الله ذكر في آيات من كتابه أن الشيطان ليس له سلطان على مثل أيوب من الأنبياء الكرام ، كقوله : إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون [ 16 \ 99 - 100 ] وقوله تعالى : وما كان له [ ص: 239 ] عليهم من سلطان الآية [ 34 \ 21 ] وقوله تعالى مقررا له : وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي [ 14 \ 22 ] وقوله تعالى : إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين [ 15 \ 42 ] .

وللعلماء عن هذا الإشكال أجوبة ، منها ما ذكره الزمخشري قال :

فإن قلت : لم نسبه إلى الشيطان ، ولا يجوز أن يسلطه على أنبيائه ليقضي من إتعابهم وتعذيبهم وطره ، ولو قدر على ذلك لم يدع صالحا إلا وقد نكبه وأهلكه ، وقد تكرر في القرآن أنه لا سلطان له إلا الوسوسة فحسب ؟

قلت : لما كانت وسوسته إليه وطاعته له فيما وسوس سببا فيما مسه الله به من النصب والعذاب نسبه إليه ، وقد راعى الأدب في ذلك حيث لم ينسبه إلى الله في دعائه ، مع أنه فاعله ، ولا يقدر عليه إلا هو . وقيل : أراد ما كان يوسوس به إليه في مرضه من تعظيم ما نزل به من البلاء ، ويغريه على الكراهة والجزع ، فالتجأ إلى الله تعالى في أن يكفيه ذلك بكشف البلاء ، أو بالتوفيق في دفعه ورده بالصبر الجميل .

وروي أنه كان يعوده ثلاثة من المؤمنين ، فارتد أحدهم فسأل عنه ، فقيل : ألقى إليه الشيطان أن الله لا يبتلي الأنبياء الصالحين . وذكر في سبب بلائه أن رجلا استغاثه على ظالم فلم يغثه . وقيل : كانت مواشيه في ناحية ملك كافر فداهنه ولم يغزه . وقيل . أعجب بكثرة ماله . انتهى منه .

ومنها ما ذكره جماعة من المفسرين أن الله سلط الشيطان على ماله وأهله ابتلاء لأيوب ، فأهلك الشيطان ماله وولده ، ثم سلطه على بدنه ابتلاء له ، فنفخ في جسده نفخة اشتعل منها ، فصار في جسده ثآليل ، فحكها بأظافره حتى دميت ، ثم بالفخار حتى تساقط لحمه ، وعصم الله قلبه ولسانه ( وغالب ذلك من الإسرائيليات ) وتسليطه للابتلاء على جسده وماله وأهله ممكن ، وهو أقرب من تسليطه عليه بحمله على أن يفعل ما لا ينبغي ، كمداهنة الملك المذكور ، وعدم إغاثة الملهوف ، إلى غير ذلك من الأشياء التي يذكرها المفسرون . وقد ذكروا هنا قصة طويلة تتضمن البلاء الذي وقع فيه ، وقدر مدته ( وكل ذلك من الإسرائيليات ) وقد ذكرنا هنا قليلا .

وغاية ما دل عليه القرآن أن الله ابتلى نبيه أيوب عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام ، وأنه ناداه فاستجاب له وكشف عنه كل ضر ، ووهبه أهله ومثلهم معهم ، وأن أيوب نسب [ ص: 240 ] ذلك في " ص " إلى الشيطان . ويمكن أن يكون سلطه الله على جسده وماله وأهله ابتلاء ليظهر صبره الجميل ، وتكون له العافية الحميدة في الدنيا والآخرة ، ويرجع له كل ما أصيب فيه ، والعلم عند الله تعالى ، وهذا لا ينافي أن الشيطان لا سلطان له على مثل أيوب ؛ لأن التسليط على الأهل والمال والجسد من جنس الأسباب التي تنشأ عنها الأعراض البشرية كالمرض ، وذلك يقع للأنبياء ، فإنهم يصيبهم المرض ، وموت الأهل ، وهلاك المال لأسباب متنوعة . ولا مانع من أن يكون جملة تلك الأسباب تسليط الشيطان على ذلك للابتلاء ، وقد أوضحنا جواز وقوع الأمراض ، والتأثيرات البشرية على الأنبياء في سورة " طه " وقول الله لنبيه أيوب في سورة " ص " : وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث [ 38 \ 44 ] قال المفسرون فيه : إنه حلف في مرضه ليضربن زوجه مائة سوط ، فأمره الله أن يأخذ ضغثا فيضربها به ليخرج من يمينه ، والضغث : الحزمة الصغيرة من حشيش أو ريحان أو نحو ذلك . والمعنى : أنه يأخذ حزمة فيها مائة عود ، فيضربها بها ضربة واحدة ، فيخرج بذلك من يمينه . وقد قدمنا في سورة " الكهف " الاستدلال بآية ولا تحنث [ 38 \ 44 ] على أن الاستثناء المتأخر لا يفيد ؛ إذ لو كان يفيد لقال الله لأيوب : قل إن شاء الله ليكون ذلك استثناء في يمينك .
قوله تعالى : وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين .

أي : واذكر ذا النون . والنون : الحوت . " وذا " بمعنى صاحب . فقوله : وذا النون معناه : صاحب الحوت . كما صرح الله بذلك في " القلم " في قوله : ولا تكن كصاحب الحوت الآية [ 68 \ 48 ] . وإنما أضافه إلى الحوت لأنه التقمه كما قال تعالى : فالتقمه الحوت وهو مليم [ 37 \ 142 ] .

وقوله : فظن أن لن نقدر عليه [ 21 \ 87 ] فيه وجهان من التفسير لا يكذب أحدهما الآخر :

الأول : أن المعنى لن نقدر عليه أي : لن نضيق عليه في بطن الحوت . ومن إطلاق " قدر " بمعنى " ضيق " في القرآن قوله تعالى : الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر [ 13 \ 26 ] أي : ويضيق الرزق على من يشاء ، وقوله تعالى : لينفق ذو سعة من سعته [ ص: 241 ] ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله الآية [ 65 \ 7 ] . فقوله : ومن قدر عليه رزقه [ 65 \ 7 ] أي : ومن ضيق عليه رزقه .

الوجه الثاني : أن معنى لن نقدر عليه [ 21 \ 87 ] لن نقضي عليه ذلك . وعليه فهو من القدر والقضاء . " وقدر " بالتخفيف تأتي بمعنى " قدر " المضعفة : ومنه قوله تعالى : فالتقى الماء على أمر قد قدر [ 54 \ 12 ] أي : قدره الله . ومنه قول الشاعر - وأنشده ثعلب شاهدا لذلك - :


فليست عشيات الحمى برواجع لنا أبدا ما أورق السلم النضر ولا عائد ذاك الزمان الذي مضى
تباركت ما تقدر يقع لك الشكر
والعرب تقول : قدر الله لك الخير يقدره قدرا ، كضرب يضرب ، ونصر ينصر ، بمعنى قدره لك تقديرا . ومنه على أصح القولين " ليلة القدر " ؛ لأن الله يقدر فيها الأشياء . كما قال تعالى : فيها يفرق كل أمر حكيم [ 44 \ 4 ] والقدر بالفتح ، والقدر بالسكون : ما يقدره الله من القضاء . ومنه قول هدبة بن الخشرم :


ألا يا لقومي للنوائب والقدر وللأمر يأتي المرء من حيث لا يدري
أما قول من قال : إن لن نقدر عليه [ 21 \ 87 ] من القدرة فهو قول باطل بلا شك ؛ لأن نبي الله يونس لا يشك في قدرة الله على كل شيء ، كما لا يخفى .

وقوله في هذه الآية الكريمة : مغاضبا أي : في حال كونه مغاضبا لقومه . ومعنى المفاعلة فيه : أنه أغضبهم بمفارقته وتخوفهم حلول العذاب بهم ، وأغضبوه حين دعاهم إلى الله مدة فلم يجيبوه ، فأوعدهم بالعذاب . ثم خرج من بينهم على عادة الأنبياء عند نزول العذاب قبل أن يأذن الله له في الخروج . قاله أبو حيان في البحر . وقال أيضا : وقيل معنى " مغاضبا " غضبان ، وهو من المفاعلة التي لا تقتضي اشتراكا نحو عاقبت اللص ، وسافرت . اهـ .

واعلم أن قول من قال مغاضبا أي : مغاضبا لربه كما روي عن ابن مسعود ، وبه قال الحسن ، والشعبي ، وسعيد بن جبير ، واختاره الطبري ، والقتبي ، واستحسنه المهدوي - يجب حمله على معنى القول الأول ، أي : مغاضبا من أجل ربه . قال القرطبي بعد أن ذكر هذا القول عمن ذكرنا : وقال النحاس : وربما أنكر هذا من لا يعرف اللغة ، وهو قول صحيح ، والمعنى : مغاضبا من أجل ربه كما تقول : غضبت لك أي : من [ ص: 242 ] أجلك ، والمؤمن يغضب لله عز وجل إذا عصي . انتهى منه . والمعنى على ما ذكر : مغاضبا قومه من أجل ربه ، أي : من أجل كفرهم به وعصيانهم له . وغير هذا لا يصح في الآية .

وقوله تعالى : فنادى في الظلمات . أي : ظلمة البحر ، وظلمة الليل ، وظلمة بطن الحوت . " وأن " في قوله : أن لا إله إلا أنت [ 21 \ 87 ] مفسرة ، وقد أوضحنا فيما تقدم معنى " أن لا إله " ، ومعنى " سبحانك " ، ومعنى الظلم ، فأغنى ذلك عن إعادته هنا .

وقوله : فاستجبنا له أي : أجبناه ونجيناه من الغم الذي هو فيه في بطن الحوت ، وإطلاق " استجاب " بمعنى أجاب معروف في اللغة ، ومنه قول كعب بن سعد الغنوي :


وداع دعا يا من يجيب إلى الندى فلم يستجبه عند ذاك مجيب
وما ذكره الله - جل وعلا - في هذه الآية من نداء نبيه يونس في تلك الظلمات هذا النداء العظيم ، وأن الله استجاب له ونجاه من الغم - أوضحه في غير هذا الموضع .

وبين في بعض المواضع أنه لو لم يسبح هذا التسبيح العظيم للبث في بطن الحوت إلى يوم البعث ولم يخرج منه . وبين في بعضها أنه طرحه بالعراء وهو سقيم .

وبين في بعضها أنه خرج بغير إذن كخروج العبد الآبق ، وأنهم اقترعوا على من يلقى في البحر فوقعت القرعة على يونس أنه هو الذي يلقى فيه .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 35.19 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 34.57 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.78%)]