
14-06-2022, 10:13 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,450
الدولة :
|
|
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(155)
الحلقة (169)
صــ 454إلى صــ 459
1714 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج قال : قال ابن جريج ، قال ابن عباس : ( ما له في الآخرة من خلاق ) ، قال : قوام .
قال أبو جعفر : وأولى هذه الأقوال بالصواب قول من قال : معنى"الخلاق " في هذا الموضع : النصيب . وذلك أن ذلك معناه في كلام العرب .
ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم : [ ص: 454 ]
1715 - "ليؤيدن الله هذا الدين بأقوام لا خلاق لهم" .
يعني لا نصيب لهم ولا حظ في الإسلام والدين . ومنه قول أمية بن أبي الصلت :
يدعون بالويل فيها لا خلاق لهم إلا سرابيل من قطر وأغلال
يعني بذلك : لا نصيب لهم ولا حظ ، إلا السرابيل والأغلال .
فكذلك قوله : ( ما له في الآخرة من خلاق ) : ما له في الدار الآخرة حظ من الجنة ، من أجل أنه لم يكن له إيمان ولا دين ولا عمل صالح يجازى به في الجنة ويثاب عليه ، فيكون له حظ ونصيب من الجنة . وإنما قال جل ثناؤه : ( ما له في الآخرة من خلاق ) ، فوصفه بأنه لا نصيب له في الآخرة ، وهو يعني به : لا نصيب له من جزاء وثواب وجنة دون نصيبه من النار ، إذ كان قد دل ذمه - جل ثناؤه - أفعالهم - التي نفى من أجلها أن يكون لهم في الآخرة نصيب - على مراده من الخبر ، وأنه إنما يعني بذلك أنه لا نصيب لهم فيها من الخيرات ، وأما من الشرور فإن لهم فيها نصيبا .
[ ص: 455 ] القول في تأويل قوله تعالى : ( ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون ( 102 ) )
قال أبو جعفر : قد دللنا فيما مضى قبل على أن معنى "شروا" : "باعوا" ، فمعنى الكلام إذا : ولبئس ما باع به نفسه من تعلم السحر لو كان يعلم سوء عاقبته ، كما :
1716 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن السدي ( ولبئس ما شروا به أنفسهم ) ، يقول : بئس ما باعوا به أنفسهم .
قال أبو جعفر : فإن قال لنا قائل : وكيف قال جل ثناؤه : ( ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون ) ؟ وقد قال قبل : ( ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق ) ، فكيف يكونون عالمين بأن من تعلم السحر فلا خلاق لهم ، وهم يجهلون أنهم بئس ما شروا بالسحر أنفسهم؟
قيل : إن معنى ذلك على غير الوجه الذي توهمته ، من أنهم موصوفون بالجهل بما هم موصوفون بالعلم به ، ولكن ذلك من المؤخر الذي معناه التقديم ، وإنما معنى الكلام : وما هم ضارون به من أحد إلا بإذن الله ، ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ، ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون ، ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق . فقوله : ( لبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون ) ، ذم من الله تعالى ذكره فعل المتعلمين من الملكين التفريق بين المرء وزوجه ، وخبر منه - جل ثناؤه - عنهم أنهم بئس ما شروا به أنفسهم ، برضاهم بالسحر عوضا عن دينهم الذي به نجاة أنفسهم من الهلكة ، جهلا منهم بسوء عاقبة فعلهم ، وخسارة صفقة بيعهم؛ إذ كان قد يتعلم ذلك منهما من لا يعرف الله ، ولا يعرف حلاله وحرامه ، [ ص: 456 ] وأمره ونهيه . ثم عاد إلى الفريق - الذين أخبر الله عنهم أنهم نبذوا كتابه وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون ، واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان وما أنزل على الملكين - فأخبر عنهم أنهم قد علموا أن من اشترى السحر ، ما له في الآخرة من خلاق; ووصفهم بأنهم يركبون معاصي الله على علم منهم بها ، ويكفرون بالله ورسله ، ويؤثرون اتباع الشياطين والعمل بما أحدثته من السحر ، على العمل بكتابه ووحيه وتنزيله ، عنادا منهم ، وبغيا على رسله ، وتعديا منهم لحدوده ، على معرفة منهم بما لمن فعل ذلك عند الله من العقاب والعذاب ، فذلك تأويل قوله .
وقد زعم بعض الزاعمين أن قوله : ( ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق ) ، يعني به الشياطين ، وأن قوله : ( لو كانوا يعلمون ) ، يعني به الناس . وذلك قول لجميع أهل التأويل مخالف؛ وذلك أنهم مجمعون على أن قوله : ( ولقد علموا لمن اشتراه ) ، معني به اليهود دون الشياطين : ثم هو - مع ذلك - خلاف ما دل عليه التنزيل؛ لأن الآيات قبل قوله : ( ولقد علموا لمن اشتراه ) ، وبعد قوله : ( لو كانوا يعلمون ) ، جاءت من الله بذم اليهود وتوبيخهم على ضلالهم ، وذما لهم على نبذهم وحي الله وآيات كتابه وراء ظهورهم ، مع علمهم بخطأ فعلهم ، فقوله : ( ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق ) ، أحد تلك الأخبار عنهم .
وقال بعضهم : إن الذين وصف الله - جل ثناؤه - بقوله : ( ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون ) ، فنفى عنهم العلم ، هم الذين وصفهم الله بقوله : ( ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق ) . وإنما نفى عنهم - جل ثناؤه - العلم بقوله : ( لو كانوا يعلمون ) - بعد وصفه إياهم بأنهم قد علموا بقوله : ( ولقد علموا ) - من أجل أنهم لم يعملوا بما علموا ، وإنما العالم العامل بعلمه ، وأما إذا خالف عمله علمه ، فهو في معاني الجهال . قال : وقد يقال للفاعل الفعل بخلاف ما ينبغي أن يفعل ، وإن كان بفعله عالما : "لو علمت لأقصرت" كما قال كعب بن زهير المزني ، وهو [ ص: 457 ] يصف ذئبا وغرابا تبعاه لينالا من طعامه وزاده :
إذ حضراني قلت : لو تعلمانه! ألم تعلما أني من الزاد مرمل
فأخبر أنه قال لهما : "لو تعلمانه" ، فنفى عنهما العلم ، ثم استخبرهما فقال : ألم تعلما؟ قالوا : فكذلك قوله : ( ولقد علموا لمن اشتراه ) و ( لو كانوا يعلمون )
وهذا تأويل وإن كان له مخرج ووجه فإنه خلاف الظاهر المفهوم بنفس الخطاب ، أعني بقوله : ( ولقد علموا ) وقوله : ( لو كانوا يعلمون ) ، وإنما هو استخراج ، وتأويل القرآن على المفهوم الظاهر الخطاب دون الخفي الباطن منه ، حتى تأتي دلالة - من الوجه الذي يجب التسليم له - بمعنى خلاف دليله الظاهر المتعارف في أهل اللسان الذين بلسانهم نزل القرآن - أولى .
القول في تأويل قوله تعالى : ( ولو أنهم آمنوا واتقوا لمثوبة من عند الله خير لو كانوا يعلمون ( 103 ) )
قال أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بقوله : ( ولو أنهم آمنوا واتقوا ) ، لو أن الذين يتعلمون من الملكين ما يفرقون به بين المرء وزوجه ، "آمنوا" فصدقوا الله ورسوله وما جاءهم به من عند ربهم ، و"اتقوا" ربهم فخافوه فخافوا عقابه ، فأطاعوه بأداء فرائضه وتجنبوا معاصيه - لكان جزاء الله إياهم ، وثوابه لهم على إيمانهم به وتقواهم إياه ، خيرا لهم من السحر وما اكتسبوا به ، "لو كانوا يعلمون" أن ثواب الله إياهم على ذلك [ ص: 458 ] خير لهم من السحر ومما اكتسبوا به . وإنما نفى بقوله : ( لو كانوا يعلمون ) العلم عنهم : أن يكونوا عالمين بمبلغ ثواب الله ، وقدر جزائه على طاعته .
و"المثوبة" في كلام العرب ، مصدر من قول القائل : أثبتك إثابة وثوابا ومثوبة" ، فأصل ذلك من : "ثاب إليك الشيء" بمعنى : رجع . ثم يقال : "أثبته إليك " أي ، رجعته إليك ورددته ، فكان معنى "إثابة الرجل الرجل على الهدية وغيرها" : إرجاعه إليه منها بدلا ورده عليه منها عوضا ، ثم جعل كل معوض غيره من عمله أو هديته أو يد له سلفت منه إليه : مثيبا له . ومنه "ثواب" الله عز وجل عباده على أعمالهم ، بمعنى إعطائه إياهم العوض والجزاء عليه ، حتى يرجع إليهم بدل من عملهم الذي عملوا له .
وقد زعم بعض نحويي البصرة أن قوله : ( ولو أنهم آمنوا واتقوا لمثوبة من عند الله خير ) مما اكتفي - بدلالة الكلام على معناه - عن ذكر جوابه ، وأن معناه : ولو أنهم آمنوا واتقوا لأثيبوا ، ولكنه استغنى - بدلالة الخبر عن المثوبة - عن قوله : لأثيبوا .
وكان بعض نحويي أهل البصرة ينكر ذلك ، ويرى أن جواب قوله : ( ولو أنهم آمنوا واتقوا ) ، ( لمثوبة ) ، وأن "لو" إنما أجيبت "بالمثوبة" ، وإن كانت أخبر عنها بالماضي من الفعل لتقارب معناه من معنى "لإن" في أنهما جزاءان ، فإنهما جوابان للإيمان ، فأدخل جواب كل واحدة منهما على صاحبتها - فأجيبت "لو" بجواب "لإن" ، و"لإن" بجواب "لو" ، لذلك ، وإن اختلفت أجوبتهما ، فكانت "لو" من حكمها وحظها أن تجاب بالماضي من الفعل ، وكانت "لإن" من حكمها وحظها أن تجاب بالمستقبل من الفعل - لما وصفنا من تقاربهما؛ فكان يتأول معنى قوله : ( ولو أنهم آمنوا واتقوا ) : ولإن آمنوا واتقوا لمثوبة من عند الله خير . [ ص: 459 ]
وبما قلنا في تأويل "المثوبة" قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
1717 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : ( لمثوبة من عند الله ) ، يقول : ثواب من عند الله .
1718 - حدثني يونس قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : ( ولو أنهم آمنوا واتقوا لمثوبة من عند الله ) ، أما "المثوبة" فهو الثواب .
1719 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : ( ولو أنهم آمنوا واتقوا لمثوبة من عند الله خير ) ، يقول : لثواب من عند الله .
القول في تأويل قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا )
قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل قوله : ( لا تقولوا راعنا ) . فقال بعضهم : تأويله : لا تقولوا خلافا .
ذكر من قال ذلك :
1720 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا مؤمل قال : حدثنا سفيان ، عن ابن جريج ، عن عطاء في قوله : ( لا تقولوا راعنا ) ، قال : لا تقولوا خلافا .
1721 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( لا تقولوا راعنا ) ، لا تقولوا خلافا .
1722 - وحدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
1723 - حدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي قال : حدثنا أبو أحمد الزبيري قال : حدثنا سفيان ، عن رجل عن مجاهد مثله .
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|