
14-06-2022, 10:12 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,500
الدولة :
|
|
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(153)
الحلقة (167)
صــ 442إلى صــ 447
قال أهل هذه المقالة بما وصفنا ، واعتلوا بما ذكرنا ، وقالوا : لولا أن الساحر يقدر على فعل ما ادعى أنه يقدر على فعله ، ما قدر أن يفرق بين المرء وزوجه . قالوا : وقد أخبر الله تعالى ذكره عنهم أنهم يتعلمون من الملكين ما يفرقون به بين المرء وزوجه ، وذلك لو كان على غير الحقيقة ، وكان على وجه التخييل والحسبان ، لم يكن تفريقا على صحة ، وقد أخبر الله تعالى ذكره عنهم أنهم يفرقون على صحة .
وقال آخرون : بل "السحر" أخذ بالعين .
القول في تأويل قوله تعالى : ( وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر )
قال أبو جعفر : وتأويل ذلك : وما يعلم الملكان أحدا من الناس الذي أنزل عليهما من التفريق بين المرء وزوجه ، حتى يقولا له : إنما نحن بلاء وفتنة لبني آدم ، فلا تكفر بربك ، كما : -
1696 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن [ ص: 443 ] السدي قال : إذا أتاهما - يعني هاروت وماروت - إنسان يريد السحر ، وعظاه وقالا له : لا تكفر ، إنما نحن فتنة! فإن أبى ، قالا له : ائت هذا الرماد فبل عليه ، فإذا بال عليه خرج منه نور يسطع حتى يدخل السماء - وذلك الإيمان - وأقبل شيء أسود كهيئة الدخان حتى يدخل في مسامعه وكل شيء منه ، فذلك غضب الله ، فإذا أخبرهما بذلك علماه السحر ، فذلك قول الله : ( وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر ) الآية .
1697 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد ، عن سعيد ، عن قتادة والحسن : ( حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر ) ، قال : أخذ عليهما أن لا يعلما أحدا حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر .
1698 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر قال : قال قتادة : كانا يعلمان الناس السحر ، فأخذ عليهما أن لا يعلما أحدا حتى يقولا : "إنما نحن فتنة فلا تكفر" .
1699 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا أبو سفيان ، عن معمر قال : قال غير قتادة : أخذ عليهما أن لا يعلما أحدا حتى يتقدما إليه فيقولا : "إنما نحن فتنة فلا تكفر" .
1700 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا يحيى بن سعيد ، عن عوف ، عن الحسن قال : أخذ عليهما أن يقولا ذلك .
1701 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : أخذ الميثاق عليهما أن لا يعلما أحدا حتى يقولا : "إنما نحن فتنة فلا تكفر" . لا يجترئ على السحر إلا كافر . [ ص: 444 ]
وأما الفتنة في هذا الموضع ، فإن معناها : الاختبار والابتلاء ، من ذلك قول الشاعر .
وقد فتن الناس في دينهم وخلى ابن عفان شرا طويلا
ومنه قوله : "فتنت الذهب في النار" ، إذا امتحنتها لتعرف جودتها من رداءتها ، "أفتنها فتنة وفتونا" ، كما : -
1702 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ( إنما نحن فتنة ) ، أي بلاء .
[ ص: 445 ] القول في تأويل قوله تعالى : ( فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه )
قال أبو جعفر : وقوله جل ثناؤه : ( فيتعلمون منهما ) ، خبر مبتدأ عن المتعلمين من الملكين ما أنزل عليهما ، وليس بجواب لقوله : ( وما يعلمان من أحد ) ، بل هو خبر مستأنف ، ولذلك رفع فقيل : "فيتعلمون" ، فمعنى الكلام إذا : وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة ، فيأبون قبول ذلك منهما ، فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه .
وقد قيل : إن قوله : ( فيتعلمون ) ، خبر عن اليهود معطوف على قوله "ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت" ، " فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه ) . وجعلوا ذلك من المؤخر الذي معناه التقديم .
والذي قلنا أشبه بتأويل الآية؛ لأن إلحاق ذلك بالذي يليه من الكلام ، ما كان للتأويل وجه صحيح ، أولى من إلحاقه بما قد حيل بينه وبينه من معترض الكلام .
و"الهاء" و"الميم" و"الألف" من قوله : ( منهما ) ، من ذكر الملكين ، ومعنى ذلك : فيتعلم الناس من الملكين الذي يفرقون به بين المرء وزوجه .
و"ما" التي مع "يفرقون" بمعنى "الذي" . وقيل : معنى ذلك : السحر الذي يفرقون به . وقيل : هو معنى غير السحر . وقد ذكرنا اختلافهم في ذلك فيما مضى قبل . [ ص: 446 ]
وأما "المرء" ، فإنه بمعنى : رجل من أسماء بني آدم ، والأنثى منه "المرأة" . يوحد ويثنى ، ولا تجمع ثلاثته على صورته ، يقال منه : "هذا امرؤ صالح ، وهذان امرآن صالحان" ، ولا يقال : هؤلاء امرؤو صدق ، ولكن يقال : "هؤلاء رجال صدق" ، وقوم صدق . وكذلك المرأة توحد وتثنى ولا تجمع على صورتها . يقال : هذه امرأة ، وهاتان امرأتان" ، ولا يقال : هؤلاء امرآت ، ولكن : "هؤلاء نسوة" .
وأما "الزوج" ، فإن أهل الحجاز يقولون لامرأة الرجل : "هي زوجه" بمنزلة الزوج الذكر ، ومن ذلك قول الله تعالى ذكره : ( أمسك عليك زوجك ) [ سورة الأحزاب : 37 ] ، وتميم وكثير من قيس وأهل نجد يقولون : "هي زوجته" ، كما قال الشاعر :
وإن الذي يمشي يحرش زوجتي كماش إلى أسد الشرى يستبيلها
فإن قال قائل : وكيف يفرق الساحر بين المرء وزوجه؟ قيل : قد دللنا فيما مضى على أن معنى "السحر" : تخييل الشيء إلى المرء بخلاف ما هو به في عينه وحقيقته ، بما فيه الكفاية لمن وفق لفهمه . فإن كان [ ص: 447 ] ذلك صحيحا بالذي استشهدنا عليه ، فتفريقه بين المرء وزوجه : تخييله بسحره إلى كل واحد منهما شخص الآخر على خلاف ما هو به في حقيقته ، من حسن وجمال ، حتى يقبحه عنده ، فينصرف بوجهه ويعرض عنه ، حتى يحدث الزوج لامرأته فراقا ، فيكون الساحر مفرقا بينهما بإحداثه السبب الذي كان منه فرقة ما بينهما ، وقد دللنا ، في غير موضع من كتابنا هذا ، على أن العرب تضيف الشيء إلى مسببه من أجل تسببه ، وإن لم يكن باشر فعل ما حدث عن السبب ، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع ، فكذلك تفريق الساحر بسحره بين المرء وزوجه . وبنحو الذي قلنا في ذلك قاله عدد من أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|