عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 12-06-2022, 12:45 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 168,770
الدولة : Egypt
افتراضي رد: في ميزان العلم.. التطور الدارويني حقيقة أم خيال؟

الصدفة:
وهي أحد دعائم نظرية التطور بعد دليل الأحافير، والحديث حولها ذو شجون وإذا أردنا التقديم لها فإن المقال يطول فنأمل من القارئ الكريم القراءة حول الثوابت الكونية والضبط الدقيق للكون، حيث إن أي اختلال دقيق يؤدي إلى اختلاف الكون، فالكون ضبط منذ اللحظة الأولى للانفجار الكبير([25]) بدقة متناهية ليكون صالحاً لاستقبال الكائن الحي، كما نأمل من القارئ الكريم المطالعة حول ما يتعلق بالخلية فالحديث عنها لا تستوعبه المقالات فقد بلغت من التعقيد والإعجاز والضبط ما يفوق التصور بحيث إن أبسط وصف يقرب شيء من حقيقتها أن تشبه بمدينة كما فعل مايكل بيهي في كتابه المذكور حيث شبهها بمدينة كبيرة تحتوي على شوارع ومبانٍ ومراكز ووسائل نقل ومركز معلومات وترجمة ونظام مراسلة ومزارع إنتاج وعمال ورافعات وبوابات وأسوار وجنود، فكل ما يشبه هذا موجود حقيقة في الخلية وهو ما دفع الملاحدة بالاعتراف أنها صممت من قبل واعٍ ذا علم، ولكن يهربون من الاعتراف بالخالق لينسبوا صنعها إلى كائنات فضائية كما فعل رتشارد دوكنز!
كما أنه من المهم قبل الحديث عن الصدفة التي عامل الزمن مكون مهم فيها أن نستحضر أن عمر الكون كما يقول الفلكيون والفزيائيون 13.77 مليار سنة.
والكائنات الحية وجدت في الزمن الأخير أي بعد تكون الأرض وبعد صلاح سطح الأرض للحياة، مع ملاحظة أن الانفجار الكامبري –الذي خرج خلاله أصناف الحيوانات - يمثل نحو (0،11%) من عمر الأرض، كما يمثل ما نسبته دقيقة واحدة في يوم من أربع وعشرين ساعة عند مقارنته مع عمر الحياة على سطح الأرض المقدر بـ 3.8مليار سنة، وهي نسبة ضئيلة جداً من تاريخ الحياة.
بعد هذا لننظر في الصدفة كيف تعمل وذلك بضرب الأمثلة المبنية على نظرية الاحتمال الرياضية ([26]):
مثال الدراهم العشرة: الذي ضربه العالم الأمريكي كريسي موريسون، حيث ذكر أنا لو أخذنا دراهم عشرة، وكتبنا على كل واحد منها رقماً خاصاً متسلسلاً، ووضعناها في صندوق، ثم خُلطت خلطاً جيداً، وطلبنا من أحد إخراجها مرتبة، فإن احتمال ظهور الرقم (1) يكون بنسبة 10:1 ، وأما احتمال ظهور الرقمين(2،1) مرتبة، فهو بنسبة100:1 ، أي (10×10= 100)، واحتمال ظهور الأرقام (3،2،1) بالتتابع ، فهو بنسبة1000:1 ، أي (10×10×10= 1000)، واحتمال ظهور الأرقام كلها مرتبة من واحد إلى عشرة يكون بنسبة 1010:10 أي : واحد أمامه عشرة أصفار : 10000000000، ولو أجرينا السحب ليلاً ونهاراً بحيث نسحب ورقة كل خمس ثواني لاحتجنا إلى ألف وخمسمائة سنة لكي يكون هناك احتمال واحد لسحب هذه الأرقام العشرة بتسلسلها الصحيح!!.
مثال البروتين: قام عالم الفيزياء السويسري تشارلز أوجين بحساب العوامل البيئية والحيوية التي يمكن من خلالها تكون بروتين واحد بالصدفة (البروتين أساس بناء الخلية ويتركب من سلسلة أحماض من نوع خاص وبطريقة رياضية)، فوجد أن ذلك يتطلب نسبة 16010:1 ، أي بنسبة واحد إلى رقم عشرة مضروب في نفسه مائة وستين مرة، وهو رقم لا يمكن النطق به أو التعبير عنه، وهو عند علماء الرياضيات يساوي صفر؛ لأن أعلى نسبة للاحتمال عندهم 15010:1، وأكتشف أن كمية المادة التي تلزم لحدوث هذا التفاعل بالصدفة أكثر مما يتسع له كل هذا الكون بملايين المرات، وأكتشف أيضا أن تكوين هذا الجزئي على سطح الأرض بالمصادفة يتطلب بلايين لا تحصى من السنوات، قدّرها بأنها عشرة مضروبة في نفسها 243 مرة من السنين، وهذا شيء لا يمكن تصوره. وذلك لأن بناء البروتين يحتاج إلى تألف سلسلة أحماض يسارية وليست يمينية وأن تتركب بشكل تسلسلي رياضي لا يقبل الخطأ، مع اختلاف عدد الأحماض في كل بروتين بحسب وظيفته، وليس كل بروتين يصلح لبناء الخلية كما أن البروتينات تختلف في هيئاتها ووظائفها بشكل هائل فلكل بروتين في الخلية وظيفته الخاصة، وكي يتكون البروتين فلا بد له من خلية تمده بعمليات حيوية معقدة بنسب وأرقام ومحدده، لذلك محاولة حساب عدد الاحتمالات لنشوء بروتين واحد بالصدفة ينتج عنه رقم يفوق عمر الكون.

مثال القردة: قام به الدكتور شرويدر وذلك بحساب الاحتمالات التي يمكن من خلالها كتابة قصيدة سوناتا لشكسبير عن طريق ضرب القردة على مفاتيح الكتابة بطريقة عشوائية (بعد أن وضع مجموعة قردة مع لوحة مفاتيح)، وأحصى عدد حروف القصيدة، فإذا هي 488 حرف، وعدد أزرار لوحة المفاتيح فإذا هي 26 زر، فالاحتمال إذن يساوي واحد مقسوم على 26 مضروبا في نفسها 488مرة، والنتيجة: 48826، وهو ما يعادل: 69010، أي واحد بعده ستمائة وتسعين صفر!! وهذا عدد كبير جداً، فقد أحصى العلماء عدد الجسيمات في الكون -الإلكترونات والبروتونات -فوجدوها: 8010، أي واحد بعده ثمانون صفراً، ومعنى هذا أنه ليس هناك جسيمات تكفي لإجراء المحاولات لكتابة قصيدة سوناتا بالصدفة فقط، فكيف بحدوث العالم وتكون الكون والمخلوقات فإن حدوثها بالصدفة ممتنع؛ لأن المدة التي تحتاجها تفوق عمر العالم وحجمه بملايين المرات.
الانتقاء الطبيعي عن طريق الطفرات العشوائية والبقاء للأصلح
هذا القانون الذي أفترضه داروين يحتاج كي يعمل -على افتراض صحته – إلى المجموعات الكثيرة من الكائنات الحية فهذا ميدانه، وينعدم بانعدامها طبعاً، لذا من البديهي أن هذا القانون لا وجود له قبل وجود الكائنات، لذلك هو لا يجيب عن كيفية بدأ الحياة على كوب الأرض، فكيف جاءت أول خلية[27] بما تحتويه من معلومات مشفرة وغير مشفرة وتعقيدات رياضية هائلة؟ لا جواب للداروينية أبداً، وكذلك كيف حصل الانفجار المعلوماتي في العصر الكامبري؟ لا جواب لدى الداروينية.
ففي العصور التي سبقت العصر الكامبري عاشت الكائنات البسيطة ووحيدة الخلية بكثرة وفجأة ظهرت كائنات معقدة جداً ذات خلايا متعددة تحمل معلومات هائلة تتضمن كل ما يخص الكائن الحي من حيث شكله وبنيته وتخطيطه ونظام عمله.
وبدون هذه المعلومات المشفرة داخل الشريط الوراثي والمعبر عنها بالمعلومات الجينية وكذلك المعلومات فوق الجينية ([28]) لن يوجد الكائن الحي فمن أين أتت هذه المعلومات؟ لا جواب لدى الداروينية رغم أنه من البداهة أن المعلومة مصدرها الوعي والإدراك وليس الطفرات العشوائية والانتقاء.
وفكرة الطفرات العشوائية والبقاء للأصلح بحسب الفكر الدارويني يحتاج إلى زمن طويل جداً ليعمل، والإشكال أن عمر الكائنات على سطح الأرض 3.8 مليار سنة بحسب تقدير العلماء.
وقد عمل د.مايكل بيهي وغيره على حساب الزمن الذي يستغرقه هذا القانون لينتج طفرتين متناسقتين لتولد جينات وبروتينات فوجد أنها تحتاج إلى زمن أطول من عمر الكائنات على الأرض كما في كتابه (حافة التطور) ولدحض قوله قام أنصار الداروينية بإعادة الحساب فتقلصت المدة إلى 216 مليون سنة لإنتاج طفرتين متناسقتين فقط وفي كلا الحالين ثبتت عدم معقولية هذه الفكرة.
لما سبق تضاءلت فكرة آلية الطفرات العشوائية والانتقاء الطبيعي وتم استبدالها من قبل بعض أنصار التطور بنظريات أخرى إلا أنها فشلت -في تقديم جواب لا سميا عن حالة الظهور المفاجئ للكائنات في الانفجار الكامبري -وقد قام د. ستيفن ماير في كتابه شك داروين بتوثيق تفاصيل تلك النظريات وفشلها علمياً.
وبعد هذا فلسنا بحاجة للتفصيل أكثر في موضوع العشوائية ولكن يكفي أن نعلم أن معنى الطفرات والعشوائية هو وجود بلايين الكائنات الحية المشوهة وغير المشوهة بينما الواقع أن الحيوانات موجود بأجناس وأعداد محصورة سواء في الأحافير أو في الطبيعة، هذا إذا تغافلنا عن أن الكائن المشوه لا يعيش ولا ينجب عادة، ويعترف العالم التطوري "دوبجانكي" (معظم الطفرات سواء في المختبرات أو في الطبيعة نتج عنها تراجع في القدرة على البقاء أو أمراض وراثية أو تشوهات، وتغيرات كهذه لا تصلح كي تكون أساساً للتطور)[29]. أيضا فإن التكامل والإتقان والحكمة والجمال والتناسب والنظام الذي يسود الكون مناقض لفكرة العشوائية وكفيل بصرف النظر عن هذا المكون من مكونات الداروينية ويضاف لذلك أن البشر يتميزون عن المملكة الحيوانية باختلاف هائل فيما بينهم في الصورة والشكل واللون والبصمة ونبرة الصوت وحتى في الذوق والاختيار وهذه وغيرها أمور معدة مسبقاً للعيش الجماعي وبناء العلاقات وضبطها وهذا لا يتوافق مع رؤية الداروينية التي تقول إن الصدفة والعشوائية تقود مصير الكائنات الحية! ماذا لو كنا متشابهين جداً في كل شيء وليس لدينا بصمات؟
البقاء للأصلح
وهذا المكون أيضا لا يحتاج للوقوف معه كثيراً حيث يرده مبدأ التكافل والتعاون الموجود بين الكائنات وفي الطبيعة ، كما يرده أن القول بالبقاء للأصلح هو أيضا عند الداروينية على مستوى الأعضاء وهو ما لم يتمكنوا من إثباته بل ما زال العلم ينقض أمثلتهم التي يوردونها، فهم يعتقدون أن في جسم الكائن الحي يوجد مخلفات من الأعضاء غير الصالحة والتي في طريقها للاضمحلال وهي من بقايا التطور بزعمهم، يسمونها الأعضاء الأثرية ويرون أنها عديمة الفائدة، والحمد لله أن العلماء لم يستجيبوا لهم وواصلوا دراستها حتى تبين فائدة كثير منها وما زال العلم يكتشف المزيد من وظائفها، ومن المعروف أن عدم العلم بوظيفة العضو لا يعني أنه لا وظيفة له، والمقصود أن التطوريين يرون أن الأعضاء الأثرية عديمة الفائدة ولا يمكن أن تفسر إلا في ظل التطور وبحسب رؤيتهم يزول العضو الغير مفيد تدريجياً ويبقى العضو المفيد على مبدأهم البقاء للأصلح، وكذلك فإن العملية معكوسة أيضاً فهم يعتقدون أن الأعضاء كانت بسيطة التركيب ثم أصبحت معقدة وهذا القول يلزم منه أن الأعضاء كي تؤدي وظيفتها لا بد أن تنتظر تكامل بعضها تطورياً لتعمل، أي أن هناك عضو مكتمل لا يعمل لكنه بقي – ولم يعتبروه أثيري يزول تدريجياً كما سبق! - إلى أن جاء التطور بعضو آخر بالصدفة ليبدأان العمل معاً ويؤديان وضيفة واحدة كالإبصار مثلا الذي يحتاج لعدسة، قرنية، حدقة، شبكية. إلخ!!

كيف يهدم مبدأ الانتخاب الطبيعي والبقاء للأصلح نظرية التطور نفسها؟
الحياة بمواردها مترابطة ترابط شديد بعضها يمكن إدراكه بسهولة وبعضه يدركه أهل التخصص وبعضها يدرك بالتأمل وبعضها لا يدرك إلا عند وقوع نماذج تدل الإنسان الضعيف على قدرة الخلاق العليم الحكيم.
فالنحل والنمل مثلا يمكن لنا أن ندرك التعاون فيما بينه بسهولة.
وهناك ما يدركه أهل الاختصاص مثل البكتريا حيث تعيش في جماعات وتبني مدينة ذات حصون منيعة تقيها العدوان الخارجي ولها نظامها في الغذاء وتوزيع الأوكسجين ولها تعاون عجيب فيما بينها[30].
وهناك ما هو ظاهر عند التأمل كالتوازن بين الماء والنبات والحيوانات آكلات العشب وآكلات اللحوم ودور النبات والأشجار في الطبيعة وتوزع الموارد الغذائية المحدودة في هذا التوازن.
والمقصد أن التعاون وتوزع الموارد سمة في حياة الكائنات فإذا وجد دخيل عليهم غير متعاون ومستأثر بالموارد ومنافس عليها بسبب قوته فالذي يحصل هو انهيار النظام وبالتالي لا يجد هذا الدخيل المستأثر بيئة تناسبه فينهار كذلك لأن حياته مرتبطة بهم.
فهذا الدخيل القوي المستأثر لو وجد فإنه لا بد من منعه حتى لا يدمر الموارد سواء في مجموعة صغيرة أو كبيرة.
ولكن حقيقة الداروينية أنها تدعمه وتقول إنه سبب الحياة!!! لأن مبدأ الانتخاب الطبيعي والبقاء للأصلح أو الأقوى يدعمه ولا يمنعه من الإفساد بل يعتبره سبب وجود الحياة في الأرض.
أمثلة يتضح بها ما سبق:
رعاة ماشية يأتون إلى مرعى محدود وكل منهم معه ماشية تتفاوت في العدد، وهذا المرعى بعد الرعي فيه يحتاج إلى مدة زمنية كي ينمو العشب من جديد. فاستمرار الحياة هنا هو بالرعي فيجب على كل منهم أن يرعى بقدر محدود بما يكفي ماشيته حسب عددها دون زيادة ودون إهلاك رأس المال وهو كامل العشب، أما لو أستأثر القوي منهم بالمرعى وبهذا المورد دون حساب فلن يجد العشب فرصة كي ينمو وبالتالي خسارة الجميع بما فيهم القوي نفسه.
مثل آخر:
خلايا السرطان لها قوة على الانتشار في جسد المريض والاستئثار بالغذاء ومنافسة الخلايا الطبيعية فبدون التدخل العلاجي ومنعها، تهلك الخلايا الطبيعية ويموت المريض ويموت معه السرطان وهو الدخيل القوي المنافس.
مثال ثالث:
توجد وفرة سمكية هائلة في أحد شواطئ كندا حيث تتوفر أسماك القد بشكل هائل فقامت شركات عملاقة لصيد السمك دون حساب وكان المفترض أن تصيد بقدر معين وتترك الفرصة للسمك ليتكاثر فتستمر الشركات بالربح ولكن ما حصل هو أن السمك هلك وانتهى بسبب الصيد الجائر وبالتالي تدمرت هذه الشركات وانتهت هي أيضا وهي الدخيل القوي المنافس.
الخلاصة: أن مبدأ الانتخاب الطبيعي وأن البقاء يكون للأقوى والأصلح مبدأ يدعم الدخيل القوي المستأثر بالموارد والغير متعاون ولا يمنعه من الاستئثار، وهذه حال مناقضة للداروينية فبطلت بنفس دليلها.[31]
وهم لا ينكرون هذه الحقيقة التي واجهتهم وهذه بعض اعترافاتهم في بعض الأوراق البحثية:
(السلوكيات التعاونية التي من خصائصها تقديم النفع للآخرين شكلت مشكلة خاصة لعلماء الأحياء التطوريين)
(إذا كان تفسير التعاون هو واحـدة مـن أكـبر المشكلات التي تواجـه نظريـة التطـور، فتفسير التعاون في الميكروبـات هـو واحـد مـن أبـرز الجوانب التي تجسد هذه المشكلة).
(أصل الإيثار هو مشكلة أساسية في نظرية التطور)[32]
صندوق داروين الأسود
بداية الفكرة التي استند إليها هذا الكتاب هي أن الحياة - في مفهوم التطور الدارويني - نشأت بسيطة وما زالت تتطور إلى أجهزة حيوية معقدة فهذا يعني - على فرض صحة النظرية - أن أي جهاز حيوي لا بد له من سلف أبسط منه ثم هذا السلف له سلف أبسط منه إلى نصل إلى نقطة البداية، فبالتالي إذا وقفنا على جهاز لا سلف له بحيث يكون مركب بطريقة لا يمكن اختزالها ولا يعمل إلا بنفس مكوناته الحالية صار هذا محبط لفكرة التسلسل السابق ولذا قال داروين (إذا كان من الممكن إثبات وجود أي عضو معقد لا يرجح أنه قد تشكل عن طريق العديد من التعديلات المتعاقبة والطفيفة، فسوف تنهار نظريتي تماما)[33] فحجة مايكل بيهي تتلخص في (التعقيد الغير قابل للاختزال) وتعني أن أي آلة مركبة من عدة مكونات لتعمل دفعة واحدة بنفس التوقيت لتؤدي وظيفة ما، فهذا يعني أنه لا يمكن إزالة قطعة منها ولن تعمل إلا بحالتها الكاملة، مثلا العين مركبة من مجموعة أجزاء (قرنية، حدقة،عدسة، شبكية، موصلات عصبية. إلخ) تعمل دفعة واحدة لتؤدي وظيفة الإبصار ولو أزلنا أي مكون فستتعطل عن العمل، ثم جعل بيهي مصيدة الفئران الكلاسيكية مثاله المركزي فهي عبارة عن (قاعدة ومطرقة ونابض ولاقط وقضيب ماسك) لتؤدي وظيفتها ومعنى ذلك استحالة أن تكون هذه الآلة متطورة من سلف سابق فإما أن توجد دفعة واحدة أو لا، حيث لا يمكن اختزال مكوناتها بأي حال.
وضرب أمثلة حيوية لذلك – بعد أن مهد لها وقدم بمقدمات طويلة-منها:
الخلية: حيث قام بشرح مكوناتها الدقيقة مطولاً ثم بين عدم إمكانية استغناء مكون عن الآخر بحال، وماذا يحدث في جسم الكائن الحي لو اختلت وظيفة واحدة من وظائفها، ووصل لنتيجة مفادها أن الخلية صممت كما هي لتؤدي وظيفتها.
الخنفساء المدفعية: وهي خنساء تقذف ماء مغلي لتحرق مهاجميها، ثم شرح آلية عملها العجيبة، واحتواءها على مواد كيمائية في حجرات منفصلة يتم خلطها في لحظة ما بطريقة ما ثم وضح بطريقة علمية كيف أنه لا يمكن إلغاء أي مكون من مكونات آلية عملها وبالتالي عدم وجود سلف لها وأنها صنعت هكذا.
تجلط الدم (شلال التخثر): وقد أطال في شرحه وهو شبيه بمعادلة رياضية هندسية يعتمد كثيراً على الحركة والسرعة والبطء والمسار والتوقيت المناسب بطريقة هندسية مذهلة وبالغة التعقيد جداً بحيث لو أختل أي مكون سواء من الجزئيات أو من المعادلة (الحركة والسرعة والبطء والمسار والتوقيت المناسب) لأنهار نظام التخثر ولنزف الكائن الحي حتى الموت أو لتجلط الدم في عروقه وبالتالي استحالة وجود سلف لهذا النظام ولتقريب الصورة شبهها في بداية البحث بآلة (روب جولدبيرج).
الهدب السباح ذو السوط: وهو كائن بكتيري وسباح ماهر لديه نظام سباحة معقد بمكونات محددة (محرك وذراع تجديف وروابط توجيه) وهي قطع محددة تعمل دفعة واحدة لذا لا يمكن اختزال مكون من مكوناته ولو أزلنا أي مكون لأنهار النظام كاملاً، وتساءل كيف ظهر الهدب؟ ما هو سلفه؟ ثم ذكر محاولات الداروينية لتفسير ذلك وعدم جدوى تلك الأجوبة علمياً وأنها تعتمد على الخيال فقط.
وبعد ذكره لهذه النماذج وغيرها بدأ في ذكر الاعتراضات الوارد على حجته (التصميم الغير قابل للاختزال) من بعض العلماء والجهات العلمية وبدأ في الرد عليها وخلاصتها أن كل تلك الاعتراضات اعتمدت على الفلسفة والخيال والأسلوب اللغوي والبحث في التعريفات دون ذكر دليل علمي يمكن محاكمته إلى العلم الذي تقدم بشكل كبير جداً لا سيما في مجال الأحياء والكيمياء الحيوية يقول بيهي بعد تلك الأجوبة والردود (إن كل العلوم تبدأ من التخمين أما الداروينية بالذات فتنتهي بشكل متكرر عنده)[34] ويقول: (..في مراجعة الكتاب عند صدوره في 1997م صرح جيمس شابيرو عالم الميكروبيولوجيا من جامعة شيكاغو : (لا يوجد أية تفسيرات داروينية مفصلة لتطور أي نظام خلوي أو كيميائي حيوي أساسي ما. يوجد فقط أنواع من التخمينات تقودها الرغبة) ولم يتغير أي شيء بعد عشر سنوات، سمها إن شئت تخمينات مرغوبة، أو سمها سيناريوهات مقبولة، كلا التعبيرين يجمع بينهما قاسم الافتقار إلى أجوبة حقيقية)[35]
وفي نهاية هذا المقال آمل أن لا يفهم منه أني معادي لنظرية التطور كنظرية علمية بل أختلف معها في مبدأ ديني يتمثل في خلق آدم -عليه السلام- وأيضا عدم قبول العشوائية والصدفة كون ذلك ينافي الإتقان والإحكام والإرادة الإلهية والقيومية والتدبير لشأن الخلق، وأختلف معها في مبدأ علمي يتمثل في الافتقار للدليل السليم ومواجهتها عقبات شديدة كالانفجار الكامبري والمعاني الفطرية..إلخ وغيرها مما سبق ذكره، كما أختلف مع توظيفها لدعم الإلحاد كنظرية من وجهة نظر الإلحاد مضادة ومناقضة للخلقية مما أخرجها من كونها فرضية علمية إلى عقيدة يذب عنها وطقوس تقام لها دور عبادة [36] كما يفعل الملاحدة حيث يجتمعون في كنائس خاصة تسمى (كنائس الملاحدة) ويقرؤون في كتاب داروين!! فهذه تجاوزات وجناية على العلم وتمسك بالوهم، فلما لا تترك للعلم الطبيعي التجريبي وغيره ليسير بها إما إلى إثبات أو إلى نفي كبقية النظريات؟
الخاتمة:
كتب داروين في إحدى رسائله لصديقه تشارلز لايل، يقول: " ..غالباً ما تجتاحني رعشة باردة تجعلني أتساءل!!..هل كرست نفسي لوهم؟!.." [37]


_____________
كتبه: أبو وريف بدر عبد الله الصاعدي
الهوامش والمراجع
[1] - من الكتب الهامة كتاب دلائل أصول الإسلام، من إعداد مركز صناعة المحاور.

[2]- من هذه المراكز مركز تكوين ومركز دلائل وقد أنتجت مواد هامة مثل كتاب دلائل أصول الإسلام وبرنامج صناعة المحاور الذي يعنى بتعزيز اليقين وتأصيل الثوابت وتقوية المناعة الكفرية في مواجهة الشبهات ومثل كتاب شموع النهار للعجيري في هدم ونقد الباطل. وغيرها من المواد الكثيرة والمتنوعة والنافعة. وقد يعترض معترض بأن العلم الشرعي كافي في الإحصان من الشبهات والجواب أن العلم الشرعي هو الأساس والقاعدة التي ينطلق منها المسلم ويعود إليها ويبني عليها ومن ليس لديه تأصيل شرعي فهو مفلس، فالعلم الشرعي لا شك أنه حصانة ومنعة من الباطل، بل الابتعاد عن تدارس كتاب الله والعناية بالعلم الشرعي سبب من أسباب وقوع بعض الشباب في الشبهات، والتخصص في نقد الشبهات هو فرع لاحق يبنى على تأصيل شرعي سابق فهو مزيد عناية في باب دعت الحاجة إليه. كما يقال للمعترض إنه ليس كل من تعرض للشبهات وأحتاج إزالتها طالب علم شرعي وفي هذه الحالة يحتاج إلى من يزيل عنه الإشكال وقد يكونون جميعاً في بيت واحد لكثرة انتشار الأفكار الباطلة، أيضاً ليس كل طالب علم شرعي لديه القدرة على تمام الاستنباط فقد لا يجيد الرد والاستفادة من النص فيحتاج إلى الاطلاع على ما اعتنى به وما سطره المتخصصون في نقد الشبهات والله أعلم.

[3] - استدلال عامة الملحدين بـ (نظرية التطور التي تفسر نشوء الكائنات الحية وتطورها) على نفي وجود الخالق للكون والكائنات وهذا الاستدلال ينقصه شرط التلازم بين الدليل وبين المدلول من جهتين يظهر في كل منهما انتفاء التلازم:
الجهة الأولى: انتفاء التلازم بين نشأة الكائنات الحية على الأرض وبين نفي وجود الخالق للكون عموماً، بمعنى أن هناك مخلوقات أخرى غير الكائنات الحية على الأرض كالمجرات والنجوم والبحار وغيرها، فالاستدلال على نفي الخالق لكل هذه الأشياء عن طريق تفسير نشأة جزء ضئيل على الأرض يسمى الكائنات الحية فيه انفكاك للتلازم كبير.
الجهة الثانية: انتفاء التلازم بين وجود القانون المفسر لنشوء الكائنات وبين نفي وجود من أنشأ هذا القانون ودبره. إذ لا علاقة بين الأمرين (وجود القانون ونفي مقننه)، بل إن وجود القانون المحكم لأي شيء ما، يستدعي في الذهن البحث عمن صنعه وقننه وهذا كله مع التنزل الجدلي بصحة النظرية (أصول الخطأ في الشبهات لأحمد السيد ص 27)


[4] - Richard Dawkins , The Blind Watchmaker : Why the evidence of evolution reveals a universe without design , New York : W.W. Norton & Company , 1987 نقلا من كتاب التطور الموجه بين العلم والدين لهشام عزمي ص 84.

[5] - المراد من نقل كلام الرازي بيان أن تصور التطور ليس ممتنع في الذهن وإن كان ممتنع في الخارج كما سيأتي، وأما الدليل الشرعي على بطلان التطور الدارويني في حق آدم - عليه السلام- هو قوله تعالى {ِ إِنَّ مَثَلَ عِیسَىٰ عِندَ ٱللَّهِ كَمَثَلِ ءَادَمَۖ خَلَقَهُۥ مِن تُرَابࣲ ثُمَّ قَالَ لَهُۥ كُن فَیَكُونُ}[آل عمران ٥٩] وذلك من وجهين:
الوجه الأول: أن الآية احتجاج على النصارى الذين ألهوا عيسىى -عليه السلام-لأنه ولد من غير أب فأحتج عليهم بأن آدم خلق من غير أب ولا أم ومع ذلك فهو عبد لله، ولو كان الإنسان متطور لكان آدم منحدر من سلالة قبله،أي: له أب وأم، وعندها لا يكون في الآية حجة على النصارى، والآية إنما هي في مقام الاحتجاج على النصارى.
الوجه الثاني: التصريح أنه خُلق خَلق متميز عن سائر بنيه.

-[6] الإمكان الذهني: هو أن يعرض الشيء على الذهن فلا يعلم امتناعه، ويقرر إمكانه لا لعلمه بإمكانه؛ بل لمجرد عدم علمه بامتناعه، مع أن ذاك الشيء قد يكون في الواقع ممتنعاً. والإمكان الخارجي: وهو أن يعلم إمكان الشيء في الواقع خارج الذهن، بأن يعلم وجوده في الخارج، أو وجود نظيره، أو وجود ما هو أبعد عن الوجود منه، فيكون ذاك الشيء أولى بالوجود (أصول الاعتقاد أعداد صناعة المحاور ص 48 وأنظر الرد على المنطقيين لابن تيمية ص 318)

[7] - صندوق دارون الأسود ص 64

[8] - Charles Darwin, "The Origin Of Species", Harvard University Press, 1964, p189 نقلا من كتاب صدوق دارون الأسود ص 7

[9] - للاستزادة يمكن مراجعة كتاب دلائل أصول الإسلام السابق ذكره وكتاب شموع النهار للعجيري ومحاضرة الداروينية عرض ونقد للعجيري أيضاً. وأنظر الفصل السادس عشر من كتاب خرافة التطور لروبت جميس حيث استفاض في الحديث عن الغرائز وهو من أمتع فصول الكتاب.

[10] - للاستزادة حول الظروف التي نشأت فيها الدارونية ينظر كتاب معبد داروين لخالد الشايع.

[11]- الانفجار الكامبري: يعني الظهور السريع للأحياء في الحقبة الجيولوجية الكامبرية.

[12] - Charles Darwin , The Origin of Species : A Facsimile of the First Edition , Harvard University Press , 1964 , p.302 . نقلا من كتاب التطور نظرة تاريخية وعلمية وأنظر مناقشتها علميا في كتاب شك داروين في الفصل الأول.

[13] - شك داروين لستيفن ماير ص 155

[14] - خرافة التطور لروبرت جيمس ص 76.

[15] - شك داروين لستيفن ماير ص 76-79.

[16] - التطور نظرة تاريخية وعلمية ص 103.

[17] - 709.(2004) From a presentation by Gareth Nelson in 1969 to the American Museum of Natural History..Journal of Biogeography31 نقلا من كتاب 40 خطأ في نظرية التطور لهيثم طلعت.

[18] - خرافة التطور ص 42.

[19] - قد يكون هناك جدل حول بعض هذه النماذج مثل رجل أورس هل هو كذبة متعمدة أو خطأ في الاستنتاج، وفي كلا الحالين لا يدعم الدليل الأحفوري بشيء.

[20] - موسوعة ويكيبيديا.

[21] - خرافة التطور 47ص ، التطور نظرة تاريخية وعلمية ص73.

[22]- ارسنت هيجل عالم أحياء ألماني متعصب للداروينية قام برسم المراحل الجنينية للحيوانات بشكل متشابه في الهيئة وقدمت هذه الرسوم على أنها دليل على السلف المشترك للحيوانات جميعاً وقد تم اكتشاف التزوير عام 1880م

[23] - أيقونات التطور علم أم خرافة ص 8.

-[24] قضية كيتسميلر ضد مدارس منطقة دوفر (موسوعة ويكيبيديا).

[25] - الانفجار الكبير: ويسمى الانفجار العظيم يعني أن الكون نشأ من انفجار تكونت منه المجرات والأرض وهو نظرية تم وضعها ثم تضافرت الأدلة على تقريرها وما زالت تزيد ولم تصل لحد القطع التام إلا أنها ألغت الجدل السابق حول قدم العالم وأصبح المؤمن وغير المؤمن مقر بحدوث الكون غير أن المؤمن يعتقد بأن الانفجار الكبير لا يمثل كل الوجود فهناك الجنة والنار والعرش مثلاً، والجدير بالذكر أنه عندما ثبت الانفجار الكبير كره ذلك كثير من العلماء الملاحدة حتى من الذين ساهموا في إثباته فحاولوا تدارك الأمر والالتفاف على الأدلة فلم يفلحوا وقد فصل تلك المحاولات مايكل بيهي في كتابه والعجيري في شموع النهار.

[26] - الاحتمال الرياضي: علم يدرس الظواهر العشوائية وفق قواعد حسابية معينة. وينظر للأمثلة التالية ومراجعها كتاب دلائل أصول الإسلام تحت مبحث دليل الإحكام والإتقان.

[27] - على التنزل بأن الحياة بدأت بخلية وإلا لا دليل على ذلك.

[28] - المعلومات فوق الجينية: هي معلومات تؤثر في توجيه بعض الوظائف الحيوية وتخطيط الكائن الحي ولا توجد ضمن الشريط الوراثي ويدل عليها استمرار نمو العضو مدة يسيرة بعد نزع الحمض النووي من الخلية كما يدل عليها أنه عند استنساخ الشريط الوراثي في عملية انقسام الخلية تحصل أخطاء مطبعية في الشريط الوراثي الذي هو سجل المعلومات فتتحرك آليات لتستبدل الجينات بجينات أخرى أو تصحح مكانها وعمل هذه الآليات ليس عشوائي بل مبني على معلومات مسبقة ولا تعتمد آليات التصحيح في خطط التصحيح على المعلومات الجينية التي تقوم هي أصلا بتصحيحها وغير ذلك من الأدلة.

[29] - خرافة التطور لروبرت جيمس ص 65

[30] - للاستزادة أنظر حول البيوفيلم في موسوعة ويكيبديا

[31] - للاستزادة أنظر مقال مأساة الموارد المشتركة ونظرية التطور. مركز دلائل. لأحمد إبراهيم. وأنظر السرطان الغازي كدليل تجريبي على الانتحار التطوري للكاتب نفسه موقع الألوكة. وكتاب اختراق عقل لنفس الكاتب ص 212-218

[32] - أنظر كتاب اختراق عقل لأحمد إبراهيم ص 207

[33] - Charles Darwin, "The Origin Of Species", Harvard University Press, 1964, p189 نقلا من كتاب صدوق دارون الأسود ص 7

[34] - صندوق داروين الأسود ص 303


[35] - المصدر السابق ص 307

[36] - كنائس الإلحاد: دور عبادة للملاحدة تقام بهدف محاولة الإشباع الروحي وليس التقرب فهم يقرون أن للتدين إيجابيات.

[37] - Life and Letters of Charles Darwin« 1887 vol 2 p229. نقلا عن كتاب التطور نظرة تاريخية وعلمية.






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 40.97 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 40.34 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.53%)]