عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 11-06-2022, 11:32 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,935
الدولة : Egypt
افتراضي شكيب أرسلان....أمير البيان

شكيب أرسلان....أمير البيان
خالد سعد النجار


أحد الشخصيات الأدبية الهامة والذي تنوعت مجالات اهتماماته، فتمكن من اختراق العديد من المجالات حاصداً قدراً غزيراً من الثقافة والعلوم، فعرف: كأديب، شاعر، صحفي، مؤرخ، داعية، سياسي، مترجم، وأمير من دروز لبنان.
وقد حمل «شكيب أرسلان» على مدار حياته هموم المسلمين وهموم أمته فعمل على الدفاع عنهم ومناقشة قضاياهم وتعريف العالم بهم، وبحث أرسلان في السياسة الإسلامية قبل انهيار الدولة العثمانية، هذا بالإضافة لدعوته للوحدة الإسلامية والوحدة الثقافية.
الميلاد والنشأة
ولد شكيب بن حمود بن حسن بن يونس بن فخر الدين بن حيدر بن سليمان بقرية «الشويفات» قرب بيروت ليلة الاثنين، غرة رمضان (1286هـ) الموافق 25 ديسمبر (1869م)، في بيت عريق من بيوت الإمارة اللبنانية في الغرب، والتي يعود نسبها إلى الملك (المنذر بن النعمان) من أشهر ملوك الحيرة، كما تضرب أسرته بجذورها في التاريخ أيضا، وتحظى من الشرف والمجد بنصيب وافر؛ حيث كان جده الأكبر الأمير (عون) ممن اشترك مع (خالد بن الوليد) -رضي الله عنه- في فتوح الشام.
والده «الأمير حمود» كان محباً للأدب والأدباء، وتجتمع إليه الشخصيات الفذة في بلده، وكان مسموع الكلمة مهيب الجانب على بسطة من الحياة والرزق والجاه، وكان مديراً لناحية الشويفات، فإليه ترنو أبصار بلدته وأهله وعشيرته، تزوج من امرأة شركسية الأصل، أنجبت له خمسة أولاد، أخذ بيدهم إلى العلم والثقافة، وكان منهم الأمير شكيب أرسلان، وقد عمّرت أمه طويلاً، وكان شكيب يحبها ويجلها، وكان متعلقًا بها بدرجة كبيرة.
يرجع اسم (شكيب) لأصول فارسية ويعني «الصابر»، قام بتعلم مبادئ القراءة والكتابة، وقراءة القرءان الكريم في بلدته وهو في الخامسة من عمره، ثم التحق بعد ذلك بمدرسة «الأمريكان» ببلدته.
انتقل أرسلان بعد ذلك إلى بيروت عام (1879م) فقام بالالتحاق بمدرسة عصرية مارونية، كانت مشهورة بتعليم أصول اللغات، تعلم فيها شكيب كل من الفرنسية والعربية على يد متخصصين، ثم قام باستكمال دراسته بمدرسة «الحكمة»، والتي قام بتأسيسها مسلمون، وتلقى فيها دروساً في اللغة العربية على يد الشيخ (عبد الله البستاني)، كما قام بتعلم اللغة التركية والفقه، وذلك بعد أن ضمتها الحكومة العثمانية للمدارس الأميرية، وتمتع شكيب أرسلان بموهبة أدبية وشعرية مما جعله يكتب الشعر وهو مازال صغيراً.
وقد تأثر بعدد كبير من أعلام عصره ممن تتلمذ على أيديهم أو اتصل بهم في مراحل متعددة من عمره، وأول أساتذته كان الشيخ (عبد الله البستاني) الذي علمه في مدرسة «الحكمة»، وحضر درس «مجلة الأحكام العدلية» للشيخ (محمد عبده)، ولازمه في مجالسه الخاصة، حتى كان للشيخ محمد عبده أثرا كبيرا في حياة شكيب وفي تكوينه وتوجيهه، فاتخذه مثلاً أعلى لحياته، ورأى في أدبه وسيرته ودعوته للإصلاح وعمله لخير المسلمين طريقاً يسلكها، وشعاراً يرمي إليه، ونهجاً يسير فيه، حتى غدا يقلده في خطابه وفي آثاره ومقالاته.
سافر شكيب إلى مصر وعمره إحدى وعشرون سنة في عام (1890م)، ولازم أستاذه (محمد عبده) وتعرف من خلاله إلى أرقى الشخصيات في مصر، وإلى مجموعة من طلائع النهضة العربية منهم: الشيخ (علي يوسف) صاحب جريدة «المؤيد»، وكذلك (أحمد زكي) باشا الذي أصبح شيخ العروبة في تحقيقاته وكتبه وأدبه.
واتصل أيضا بالشاعر (محمود سامي البارودي) و (عبد الله فكري) و (إبراهيم اليازجي)، وتعرف إلى (إسماعيل صبري) وغيرهم من أعلام الفكر والأدب والشعر في عصره.
وكان لهذه البيئة أثراً في حياة شكيب حيث كانت تمثل أكبر جامعة من الجامعات.. دخلها وخرج منها على اطلاع وثقافة وسياسة، فزادته يقيناً برسالته التي راحت تراود أحلامه وأمانيه، وهي رسالة الدعوة إلى الإسلام، والدفاع عن الخلافة، والذود عن العرب، ومناضلة الاستعمار.
كما سافر شكيب إلى باريس وهناك تعرف على الشاعر الكبير (أحمد شوقي)، كما تعرف على (جمال الدين الأفغاني) في الآستانة والذي قال له: «أنا أهنئ أرض الإسلام التي أنبتتك»، واتصل بالشيخ (محمد رشيد رضا) وامتدت صداقتهما حتى وفاة الشيخ.
كذلك تأثر بعدد من المفكرين والعلماء مثل (أحمد فارس الشدياق) الذي كان شديد الحماس والتأييد للخلافة الإسلامية والدولة العثمانية، وتأثر أيضًا بالعالم الأمريكي (د. كرنليوس فان ديك) الذي كان يدرّس بالجامعة الأمريكية ببيروت، وكان دائم الإشادة به.
أعمال ونضال
شغل أرسلان عدد من المناصب الإدارية، فتم تعينه مديراً للشويفات سنتين، ثم قائم مقام [محافظ] على الشوف عام (1902م)، وظل بهذا العمل ثلاث سنوات، ثم استقال وتم انتخابه نائباً عن منطقة «حوران» بالجنوب السوري، في مجلس المبعوثان [البرلمان العثماني]، وعُين مفتشاً لجمعية الهلال العثماني، وسافر تحت لواء هذا الهلال إلى طرابلس الغرب للدفاع عن إخوانه هناك، فكان يحث الهمم ويؤمن المؤن، ويضمد الجرحى، كما وقف في خطوط القتال مؤمناً بأنه: «إن لم ندافع عن صحارى ليبيا، لا نستطيع الحفاظ على جنان الشام».
وبالرغم من دفاع شكيب عن الخلافة العثمانية قبل وفي ظل الحرب العالمية الأولى، إلا أنه أخيراً استاء من سياسة القائد العثماني (جمال السفاح)، الذي طغى وبغى وقتل ونفى وهجر حتى طفح الكيل، حيث أنقذ الأمير شكيب من مظالم جمال باشا العديد من الشخصيات السورية واللبنانية نذكر منهم (فارس الخوري) الذي ظل حتى آخر حياته يذكر أن شكيب أرسلان أنقذه من الموت.
ثم توترت علاقات الأمير بجمال باشا لتكاثر تدخلاته، وهُدد مراراً بعدم التدخل، وقد نصحه الكثيرون ألاّ يتمادى في التدخل حرصاً على حياته، فهاجر من سورية إلى استانبول سنة (1917م)، وقرر ألا يعود إلى سورية وجمال السفاح فيها.
دعته الحكومة الألمانية في نفس العام لزيارة عواصمها، فلبى الدعوة، وهناك وُفق في إقناع الألمان وساسة الأتراك في إرجاع (جمال السفاح) إلى الآستانة، وبهذا خدم شكيب قومه وأنقذ البقية الباقية من الزعماء السوريين من حبل المشنقة، كما خدم بلاده في إعادة منفيي سورية إلى أوطانهم.
ولما انتهت الحرب العالمية الأولى بإخفاق الألمان والأتراك، انتقل شكيب إلى برلين وأقام هناك حيث أسس العديد من الجمعيات، وانتخب رئيساً لـ «النادي الشرقي» الذي هو مؤسسه.
وكانت تغلب على مبادئ الأمير شكيب الصبغة السياسية؛ لأنه كان يرى أن إصلاح السياسة يصلح كل شيء، وهذا الإصلاح في السياسة قد انحصر عنده منذ بدأ مساهمته في الدعوة للجامعة الإسلامية حتى انتهاء الحرب العالمية الأولى -أي مدة ربع قرن- في نقطتين:
- «الأولى»: إصلاح الحكم الاستبدادي في الدولة العثمانية، وفي سائر الدول الإسلامية الأخرى، وتقويم المعوج في شؤونها الداخلية.
- «الثانية»: تخليص الشعوب الإسلامية الواقعة تحت الحكم الأجنبي.
وقد ظلت هذه النقطة الثانية مدار عمله في هذا الميدان حتى النفس الأخير من حياته.
وقد انتخب شكيب سكرتيراً أولاً للوفد المنبثق عن المؤتمر السوري الفلسطيني عام (1921م) وعضواً في لجنته التنفيذية ليكون سفيراً لهم في الغرب، يدافع عن سورية وفلسطين، ويسعى لتحرير هذين القطرين من براثن الاستعمار، ويسعى لاستقلالهما أمام جمعية الأمم المتحدة بجنيف.
لذلك انتقل شكيب عام (1925م) إلى سويسرا مقر عمله، وأقام في «لوزان» أولاً حتى عام (1930م) قبل انتقاله إلى جنيف، وقد نجح وفد المؤتمر السوري الفلسطيني في إفهام القضية السورية الفلسطينية، وأثارها في العواصم الأوروبية، ونبه أنظار الأمم إلى جرائم فرنسا في بلده، وجرها إلى مراقبة أعمالها، وتحذيرها من مغبة فسادها، فنقل بذلك أصوات السوريين إلى جمعية الأمم في جنيف، وأقض مضجع المستعمرين.
ذاع صيت شكيب في العالم العربي من مشرقه إلى مغربه، وأصبح موضع ثقة العرب جميعاً ومحل احترامهم وإكبارهم، وزال عنه كثير من التهم التي كانت تلصق به في العهد العثماني بسبب وقوفه في وجه العرب المعادين للخلافة العثمانية، ولقي في سبيل هذه الشهرة عناء كبيراً، إذ راح العرب والمسلمون يكاتبونه ويسألونه ويشتكون إليه، وكان عليه بعد أن زحف نحو الستين أن يجيب من يعرف ومن لا يعرف بقلمه السيال وبيانه الفياض، فأصبح في كل ناحية له رسالة من خطه تنير أو تفيد في فتوى سياسية أو تعين في مشورة.
انتخب شكيب أرسلان سكرتيراً لمؤتمر الشعوب المقهورة في «جنوى»، وفي عام (1923 ـ 1925م) أقام في «مرسين» بتركيا ليكون على مقربة من سورية المتحفزة للثورات، وللقاء والدته وعائلته هناك.
وفي عام (1926م) نال شكيب أرسلان الجنسية الحجازية (السعودية لاحقاً).
كما انتخب شكيب في تموز (1926م) في لجنة رئاسة «مؤتمر الخلافة».. وحركة مؤتمر الخلافة حركة إسلامية عارمة ثارت بعد قرار كمال أتاتورك إلغاء الخلافة في آذار (1924) وقطع روابط تركيا بالعرب والمسلمين.
دعاه عرب المهجر في أمريكا الشمالية إلى ترؤس مؤتمرهم المنعقد في «ديترويت» فلبى الدعوة (عام 1927م)، وسافر إلى أمريكا بعد أن طاف في روسيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا، وأخذ يغذي الصحف العربية في كل مكان، وراح ينشر مذكراته في جريدة «مرآة الغرب» بنيويورك، تحدث فيها عن جمال السفاح ومقاومته له وردعه إياه عن فظائعه المنكرة في قتل الأحرار من العرب، وتحذيره لهذا الضابط المتكبر من نتائج أعماله على الدولة العثمانية وعلى رابطة العرب والترك.
في سنة (1929م) ترك شكيب سويسرا ليحج إلى بيت الله الحرام، وفي سنة (1930م) قام برحلة إلى أسبانيا، فجاس خلالها مدنها وقراها، وصافحت عيناه جدران الأندلس الحلوة، فنقلها صوراً بارعة ورسوماً باكية ضاحكة إلى كتابه «الحلل السندسية في الأخبار والآثار الأندلسية».
كما أنشأ في هذه السنة مجلة باللغة الفرنسية سماها «الأمة العربية La Nation Arabe» بجنيف بسويسرا.. هذه الدولة التي أقام فيها حوالي 25 عاماً، وسعى من خلال هذه المجلة للدفاع عن قضايا أمته، والنضال في سبيل العرب، والعمل لاستقلالهم، والانتصار لثوراتهم في كل مكان، وتحريضه إياهم على الكفاح والنضال والإشادة بأبطالهم وبطولاتهم، غير مبال بغضب الإنجليز والفرنسيين.
وللأمير شكيب أياد بيضاء في محو كثير من أسباب سوء التفاهم الذي ينشأ أحياناً بين ملوك العرب أو بين أمرائهم أو سائر رجالاتهم، وغالباً ما تكللت مساعيه بالنجاح بفضل ما كان يتمتع به عندهم من نفوذ وإكرام. ففي سنة (1934م) اختير شكيب في الوفد الذي شكلته لجنة المؤتمر الإسلامي في القدس لحل الخلاف بين عاهل السعودية ابن سعود والإمام يحيى باليمن، فكان لشكيب يد فضلى في جمع الشمل.
ومنذ انتهاء الحرب العالمية الأولى قلما جاء وفد عربي إلى باريس أو لندن أو جنيف أو غيرها من العواصم ليطالب بحقوق العرب ولم يكن الأمير شكيب من أبرز أعضائه أو كبار مستشاريه، كما ندر أن عقد مؤتمر عربي عام وكان بعيداً عنه، ولم تقم ثورة في قطر عربي في المشرق أو المغرب ضد الاستعمار إلا وكان المدافع عن القائمين بها، ناشراً الدعوة لها وكاشفاً الستار عن أعمال المستعمرين في أوطانه.
وذكر عنه أنه قابل مع صديقه (إحسان الجابري) موسوليني، وباحثه في موضوع القضية الطرابلسية، وأقنعه بإعادة 80 ألف عربي لوطنهم في ليبيا وإعادة أراضيهم.
في عام (1935م) ترأس الأمير شكيب أرسلان المؤتمر الإسلامي الأوروبي الذي عقد في جنيف، وفي عام (1937م) سمح للأمير شكيب بزيارة سورية، فطاف مدنها وخطب في قومه وحاضر في أندية علمية مختلفة، واختاره «المجمع العلمي العربي» بدمشق رئيساً له، تكريماً لجهاده وإكباراً ليده، لكنه اعتذر احتجاجاً على فرنسا التي تنكرت للمعاهدة المعقودة مع سوريا سنة (1936م)، فاضطر للعودة إلى جنيف في ظل فترة الحرب العالمية الثانية، حيث نسج شبكة علاقات واسعة مع السوريين في أمريكا اللاتينية، فراسلهم وكتب المقالات في مجلاتهم، ووجه خطواتهم في عقد المؤتمرات وتشكيل الجمعيات، كما شارك في الخطوات السياسية للزعماء العرب المعادين لفرنسا وبريطانيا والساعين لاستقلال ووحدة البلاد العربية، وأبرزهم الحاج محمد أمين الحسيني ورشيد عالي الكيلاني وعلال الفاسي ومصالي الحاج الزعيم الجزائري، وغيرهم في المشرق والمغرب على السواء.
محاولات المستعمرين للنيل منه
شبّ «شكيب أرسلان» ليجد الوطن العربي والإسلامي فريسة للمستعمرين والغزاة المحتلين، ومن ثم فقد نما لديه - منذ وقت مبكر- وعي قوي بضرورة الوحدة العربية وأهميتها في مواجهة أطماع المستعمرين، ومؤامرات الغزاة لإضعاف الأمة العربية وتفتيتها ليسهل لهم السيطرة عليها.
وقد عني «شكيب أرسلان» بقضية الوحدة العربية عناية شديدة، وأولاها كل اهتمامه، وأوقف عليها حياته كلها، وكانت مقالاته دعوة متجددة إلى قيام تلك الوحدة الكبرى، التي كان يرى فيها الخلاص من حالة الضعف والاستكانة التي سادت الأقطار العربية، وجعلتهم فريسة للمستعمر الأجنبي.
وتعرض «شكيب أرسلان» -بسبب مواقفه الوطنية- للكثير من الاضطهاد من المستعمرين، وحيكت ضده المؤامرات العديدة من الاستعمار ومن أذنابه ممن ينتسبون إلى العروبة وهي منهم براء، كما تعرض لحملات شرسة من التشويه والافتراءات والأكاذيب.
وسعى المحتلون إلى تشويه صورته أمام الجماهير، فاتهمه المفوض الفرنسي السامي المسيو (جوفنيل) بأنه من أعوان (جمال باشا السفاح)، وأنه كان قائدًا لفرقة المتطوعين تحت إمرته، وكان (شكيب) قد تولى قيادة تلك الفرقة من المتطوعين اللبنانيين لمقاومة الدول التي احتلت «لبنان»، وكان من الطبيعي أن يكون تحت إمرة (جمال باشا) باعتباره قائد الفيلق الرابع الذي تنتمي إليه فرقة (شكيب)، واستطاع (شكيب) أن يفند أكاذيبهم، ويفضح زيفهم وخداعهم.
موقفه من الحلفاء والأتراك
كان «شكيب» لا يثق بوعود الحلفاء للعرب، وكان يعتقد أن الحلفاء لا يريدون الخير للعرب، وإنما يريدون القضاء على الدولة العثمانية أولاً، ثم يقسمون البلاد العربية بعد ذلك. وقد حذر (شكيب) قومه من استغلال الأجانب الدخلاء للشقاق بين العرب والترك.
ولكنه حينما رأى الأتراك يتنكرون للخلافة الإسلامية ويلغونها، ويتجهون إلى العلمانية، ويقطعون ما بينهم وبين العروبة والإسلام من وشائج وصلات؛ اتخذ (شكيب) موقفًا آخر من تركيا وحكامها، وبدأ يدعو إلى الوحدة العربية؛ لأنه وجد فيها السبيل إلى قوة العرب وتماسكهم.
وعندما انتهت الحرب العالمية الأولى حدث ما حذر منه «شكيب أرسلان» فقد ربح الحلفاء، وتجلت حقيقة خداعهم للعرب، وظهرت حقيقة نواياهم وأطماعهم ضد العرب والمسلمين، خاصة بعدما تنكر الأتراك للخلافة الإسلامية، واتجهوا اتجاهًا علمانيًا.
مع قضايا التحرر العربي
ظل «شكيب أرسلان» مطاردًا من أكثر من دولة؛ فتركيا تطارده لاهتمامه بقضايا العرب، وحملته على تنكر حكامها للخلافة والإسلام، وإنجلترا وفرنسا تطاردانه لدفاعه عن شعوب الأمة العربية ودعوته إلى التحرر، وتزعمه حملة الجهاد ضد المستعمرين، كما ظل مبعدًا لفترة طويلة من حياته عن كثير من أقطار الوطن العربي، لا يُسمح له بدخولها، خاصة مصر وسوريا اللتين كانتا تشكلان قلب الأمة العربية.
ولم يقتصر دور «شكيب أرسلان» على الاهتمام بقضايا الأمة العربية وإيقاظ الهمم وبعث الوعي الوطني في داخل الوطن العربي فحسب، وإنما انطلق يشرح قضية العرب ويفضح فظائع المستعمرين ويكشف زيفهم وخداعهم في كثير من بلدان العالم؛ فسافر إلى روما وأمريكا الشمالية وروسيا وإسبانيا، وقد استقبل في كل بلد زاره بكل حفاوة وتقدير، ونشر العديد من المقالات التي تفضح جرائم المستعمرين في حق الشعوب العربية والإسلامية، وتصور الحالة الأليمة التي صارت إليها الأمور في كثير من البلدان التي ترزح تحت نير الاستعمار.
جهوده لتوحيد المسلمين
كذلك اهتم «شكيب أرسلان» بأحوال المسلمين في أنحاء العالم المختلفة، ففي عام (1344هـ = 1924م) أسس جمعية «هيئة الشعائر الإسلامية» في «برلين»، وكانت تهدف إلى الاهتمام بأمور المسلمين في «ألمانيا»، وقد تشكلت هذه الجمعية من أعضاء يمثلون معظم الشعوب الإسلامية، وأهم ما يميزها أنها نحت منحى دينيًا بعيدًا عن الشؤون السياسية، وذلك لتلافي أسباب الخلاف والشقاق التي قد تنجم عن اختلاف الأيدلوجيات السياسية بين الشعوب والدول المختلفة.
العامل الديني والصراع بين الشرق والغرب
أدرك «شكيب أرسلان» منذ وقت مبكر أثر العامل الديني في الصراع بين الشرق والغرب، وأكد عليه في كثير من كتبه ومقالاته، وأوضح أثر ذلك العامل في إثارة دول الغرب ودعمها لاستعمار الشرق واحتلال العالم الإسلامي، وربط بين الحملات الصليبية القديمة نحو الشرق وأخواتها المعاصرة على أيدي الفرنسيين والإنجليز والألمان، ولكنه كان أشد نقدًا للفرنسيين، فقد كانت فرنسا في طليعة الدول التي حاربت الإسلام والمسلمين، وقد خرجت منها وحدها إحدى عشرة حملة صليبية في مقابل حملة إنجليزية وأخرى ألمانية.
وتناول «شكيب أرسلان» فظائع فرنسا ضد المسلمين في شمال أفريقيا، مؤكدًا أنها حملة عنصرية ضد العروبة والإسلام.
وهو لا يغفل في حديثة الإشادة بسماحة الإسلام والحديث عن جو التسامح والإخاء الذي يعيشه أبناء الوطن العربي من مسلمين ونصارى، موضحًا ما يسود بينهم من السلام والوئام، حيث ينعم الجميع بكل الحقوق والواجبات دون تمييز أو تهميش.
الثورة العربية
لم يشترك «شكيب أرسلان» ولم يشارك في أحداث الثورة العربية التي قامت ضد تركيا سنة (1336هـ=1916م)، وإنما كان له موقف منها؛ فقد انتقدها وحذر من عواقبها، وقد أدى موقفه هذا إلى أن الكثيرين أساءوا الظن به، ولم يكن «شكيب أرسلان» بدعا في ذلك؛ فقد اتخذ هذا الموقف نفسه عدد كبير من الزعماء والمفكرين كالشيخ «عبد العزيز جاويش» والزعيم «محمد فريد» و «عبد الحميد سعيد» وغيرهم.
ويفسر «شكيب أرسلان» موقفه هذا بأنه اعتقد أن البلاد العربية ستصبح نهبًا للاستعمار، وأنها ستقسم بين إنجلترا وفرنسا.

يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 33.12 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 32.50 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.90%)]