عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 10-06-2022, 10:56 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,995
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام





فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية
سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ
المجلد الرابع
الحلقة (140)

من صــ 297 الى صـ
ـ 304



و " المقصود هنا " أن الرب سبحانه على صراط مستقيم وذلك بمنزلة قوله: {قائما بالقسط} فإن الاستقامة والاعتدال متلازمان فمن كان قوله وعمله بالقسط كان مستقيما ومن كان قوله وعمله مستقيما كان قائما بالقسط. ولهذا أمرنا الله سبحانه أن نسأله أن يهدينا الصراط المستقيم؛ صراط الذين أنعم عليهم: من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وصراطهم هو العدل والميزان؛ ليقوم الناس بالقسط والصراط المستقيم هو العمل بطاعته وترك معاصيه فالمعاصي كلها ظلم مناقض للعدل مخالف للقيام بالقسط والعدل. والله سبحانه أعلم.

فصل:
ثم قال تعالى: {لا إله إلا هو العزيز الحكيم}. ذكر عن جعفر بن محمد أنه قال: الأولى وصف وتوحيد والثانية رسم وتعليم. أي قوله: {لا إله إلا هو العزيز الحكيم}. ومعنى هذا أن الأولى هو ذكر أن الله شهد بها فقال: {شهد الله أنه لا إله إلا هو} والتالي للقرآن إنما يذكر أن الله شهد بها هو والملائكة وأولو العلم وليس في ذلك شهادة من التالي نفسه بها فذكرها الله مجردة ليقولها التالي فيكون التالي قد شهد بها أنه لا إله إلا هو. فالأولى خبر عن الله بالتوحيد لنفسه بشهادته لنفسه وهذه خبر عن الله بالتوحيد. وختمها بقوله: {العزيز الحكيم} والعزة تتضمن القدرة والشدة والامتناع والغلبة.
تقول العرب: عز يعز بفتح العين إذا صلب وعز يعز بكسرها إذا امتنع وعز يعز بضمها إذا غلب. فهو سبحانه في نفسه قوي متين وهو منيع لا ينال وهو غالب لا يغلب. والحكيم يتضمن حكمه وعلمه وحكمته فيما يقوله ويفعله فإذا أمر بأمر كان حسنا وإذا أخبر بخبر كان صدقا وإذا أراد خلق شيء كان صوابا فهو حكيم في إراداته وأفعاله وأقواله.
فصل:
وقد تضمنت هذه الآية ثلاثة أصول: شهادة أن لا إله إلا الله وأنه قائم بالقسط وأنه العزيز الحكيم؛ فتضمنت وحدانيته المنافية للشرك وتضمنت عدله المنافي للظلم وتضمنت عزته وحكمته المنافية للذل والسفه وتضمنت تنزيهه عن الشرك والظلم والسفه ففيها إثبات التوحيد وإثبات العدل وإثبات الحكمة وإثبات القدرة.

والمعتزلة قد تحتج بها على ما يدعونه من التوحيد والعدل والحكمة ولا حجة فيها لهم؛ لكن فيها حجة عليهم وعلى خصومهم الجبرية أتباع الجهم بن صفوان؛ الذين يقولون: كل ما يمكن فعله فهو عدل وينفون الحكمة. فيقولون: يفعل لا لحكمة فلا حجة فيها لهم؛ فإنه أخبر أنه لا إله إلا هو وليس في ذلك نفي الصفات وهم يسمون نفي الصفات توحيدا؛ بل الإله هو المستحق للعبادة والعبادة لا تكون إلا مع محبة المعبود. والمشركون جعلوا لله أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله؛ فدل ذلك على أن المؤمنين يحبون الله أعظم من محبة المشركين لأندادهم؛ فعلم أن الله محبوب لذاته ومن لم يقل بذلك لم يشهد في الحقيقة أن لا إله إلا هو. والجهمية والمعتزلة يقولون: إن ذاته لا تحب فهم في الحقيقة منكرون إلهيته وهذا مبسوط في غير هذا الموضع.

وقيامه بالقسط مقرون بأنه لا إله إلا هو؛ فذكر ذلك على أنه لا يماثله أحد في شيء من أموره والمعتزلة تجعل القسط منه مثل القسط من المخلوقين؛ فما كان عدلا من المخلوقين كان عدلا من الخالق وهذا تسوية منهم بين الخالق والمخلوق؛ وذلك قدح في أنه لا إله إلا هو.
والجهمية عندهم أي شيء أمكن وقوعه كان قسطا فيكون قوله: {قائما بالقسط} كلاما لا فائدة فيه ولا مدح؛ فإنه إذا كان كل مقدور قسطا كان المعنى أنه قائم بما يفعله والمعنى أنه فاعل لما يفعله وليس في هذا مدح ولا هو المفهوم من كونه قائما بالقسط؛ بل المفهوم منه أنه يقوم بالقسط لا بالظلم مع قدرته عليه؛ لكنه سبحانه مقدس منزه أن يظلم أحدا كما قال: {ولا يظلم ربك أحدا} وقد أمر عباده أن يكونوا قوامين بالقسط وقال: {أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت} فهو يقوم عليها بكسبها لا بكسب غيرها وهذا من قيامه بالقسط. وقال: {ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا} الآية.
وأيضا فمن قيامه بالقسط وقيامه على كل نفس بما كسبت: أنه لا يظلم مثقال ذرة كما قال: {فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره} إلى آخرها.
والمعتزلة تحبط الحسنات العظيمة الكثيرة بكبيرة واحدة وتحبط إيمانه وتوحيده بما هو دون ذلك من الذنوب وهذا مما تفردوا به من الظلم الذي نزه الله نفسه عنه فهم ينسبون الله إلى الظلم لا إلى العدل. والله أعلم.
فصل:
وقوله: {هو العزيز الحكيم} إثبات لعزته وحكمته وفيها رد على الطائفتين الجبرية والقدرية؛ فإن الجبرية - أتباع جهم - ليس له عندهم في الحقيقة حكمة؛ ولهذا لما أرادت الأشعرية أن تفسر حكمته فسروها إما بالقدرة وإما بالعلم وإما بالإرادة. ومعلوم أنه ليس في شيء من ذلك إثبات لحكمته فإن القادر والعالم والمريد قد يكون حكيما وقد لا يكون والحكمة أمر زائد على ذلك وهم يقولون: إن الله لا يفعل لحكمة ويقولون أيضا: الفعل لغرض إنما يكون ممن ينتفع ويتضرر ويتألم ويلتذ؛ وذلك ينفى عن الله. والمعتزلة أثبتوا أنه يفعل لحكمة.
وسموا ذلك غرضا: هم وطائفة من المثبتة؛ لكن قالوا: الحكمة أمر منفصل عنه لا يقوم به كما قالوا في كلامه وإرادته؛ فاستطال عليهم المجبرة بذلك فقالوا: الحكيم من يفعل لحكمة تعود إلى نفسه فإن لم تعد إلى نفسه لم يكن حكيما؛ بل كان سفيها. فيقال للمجبرة: ما نفيتم به الحكمة هو بعينه حجة من نفى الإرادة من المتفلسفة ونحوهم قالوا: الإرادة لا تكون إلا لمن ينتفع ويتضرر ويتألم ويلتذ وإثبات إرادة بدون هذا لا يعقل وأنتم تقولون: نحن موافقون للسلف وسائر أهل السنة على إثبات الإرادة فما كان جوابا لكم عن هذا السؤال فهو جواب سائر أهل السنة لكم حيث أثبتم إرادة بلا حكمة يراد الفعل لها. وقد بسط هذا في غير هذا الموضع وبين ما في لفظ هذه الحجة من الكلمات المجملة. والله أعلم.
فصل:
وإثبات شهادة أولي العلم يتضمن أن الشهادة له بالوحدانية يشهد بها له غيره من المخلوقين الملائكة والبشر. وهذا متفق عليه يشهدون أن لا إله إلا الله ويشهدون بما شهد به لنفسه.
وزعم طائفة من الاتحادية أنه لا يوحد أحد الله وأنشدوا:
ما وحد الواحد من واحد ... إذ كل من وحده جاحد

وهؤلاء حقيقة قولهم من جنس قول النصارى في المسيح يدعون أن حقيقة التوحيد أن يكون الموحد هو الموحد؛ فيكون الحق هو الناطق على لسان العبد والله الموحد لنفسه لا العبد. وهذا في زعمهم هو السر الذي كان الحلاج يعتقده وهو بزعمهم قول خواص العارفين؛ لكن لا يصرحون به.
وحقيقة قولهم: أنهم اعتقدوا في عموم الصالحين ما اعتقدته النصارى في المسيح؛ لكن لم يمكنهم إظهاره؛ فإن دين الإسلام يناقض ذلك مناقضة ظاهرة فصاروا يشيرون إليه ويقولون: إنه من السر المكتوم ومن علم الأسرار الغيبية فلا يمكن أن يباح به وإنما هو قول ملحد وهو شر من قول النصارى فإن النصارى إنما قالوا ذلك في المسيح لم يقولوه في جميع الصالحين. وقد بسط الكلام على ذلك في غير موضع؛ إذ المقصود التنبيه على ما في هذه الآية من أصول الإيمان والتوحيد وإبطال قول المبتدعين.
فصل:
وإذا كانت شهادة الله تتضمن بيانه للعباد ودلالته لهم وتعريفهم بما شهد به لنفسه فلا بد أن يعرفهم أنه شهد فإن هذه الشهادة أعظم الشهادات وإلا فلو شهد شهادة لم يتمكن من العلم بها لم ينتفع بذلك ولم تقم عليهم حجة بتلك الشهادة كما أن المخلوق إذا كانت عنده شهادة لم يبينها بل كتمها لم ينتفع أحد بها ولم تقم بها حجة.

ولهذا ذم سبحانه من كتم العلم الذي أنزله وما فيه من الشهادة كما قال تعالى: {ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله} أي عنده شهادة من الله وكتمها وهو العلم الذي بينه الله فإنه خبر من الله وشهادة منه بما فيه. وقد ذم من كتمه كما كتم بعض أهل الكتاب ما عندهم من الخبر والشهادة لإبراهيم وأهل بيته وكتموا إسلامهم وما عندهم من الأخبار بمثل ما أخبر به محمد صلى الله عليه وسلم وبصفته وغير ذلك قال تعالى: {إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون}.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 33.69 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 33.06 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.86%)]